الصوم من أفضل الأعمال
2007-08-23
الصوم واحد من تلك الرياضات، والصوم لا يتلخص بالامتناع عن الطعام والشراب. فلابدّ أن يكون الامتناع عن الطعام والشراب صادراً عن نيّة، وإلاّ فقد تعرض للإنسان مشاغل أحياناً تلهيه عن الطعام والشراب 12 ساعة أو 15 ساعة، لا ينال عن ذلك أي ثواب. أما إذا كان الامساك عن نيّة، «اجعلنا ممّن نوى فعمل» أي ان ينوي ويعمل في أعقاب النيّة، فهذا هو الجوهر الوضّاء الذي يضفي عليكم الجلال ويزيّن أرواحكم بالكرامة.
شرط الصيام النيّة. ولكن ما هو المراد بالنيّة؟ المراد بها ان هذا العمل وهذا الامساك وهذه الرياضة تؤدّى في سبيل الله وامتثالاً لأمره. وهذا هو الذي يضفي على كل عمل قيمة. ولهذا السبب جاء في دعاء الليلة الأولى من الشهر المبارك: «اللهم اجعلنا ممّن نوى فعمل ولا تجعلنا ممّن شقى فكسل». فالكسل والتقاعس والتلكّؤ عن أداء العمل سواء كان عملاً مادياً أم معنوياً يجلب على الإنسان الشقاء.
الصوم من أفضل الأعمال. ومع انه ظاهرياً لا ينطوي على أي اقدام، إلا انه في الباطن اقدام، وعمل ايجابي، وسبب ذلك هو انعقاد النيّة على أداء هذا العمل. وهذا هو ما يجعلك أيّها الإنسان في حالة عبادة منذ لحظة الصيام الأولى من طلوع الفجر وعلى مدى النهار حتّى وان كنت نائماً أو كنت ماشياً. وهذا هو ما نقل عن رسول الله (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) انه قال: «أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة». ولكن كيف يكون النوم عبادة، والتنفس تسبيح؟ وذلك لأن الإنسان يدخل إلى هذا الوادي بهذه النيّة، حتى وان كان لا يؤدي أي عمل فهو في حالة عبادة مستمرّة.
وجاء في رواية أخرى: «نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله مُتَقبّل، ودعاؤه مستجاب». وسبب هذا يعود إلى ان الإنسان يمسك ويقلع عن بعض لذاته الجسدية طوال ثلاثين يوماً وهي أيام شهر رمضان، في سبيل الله ولنيل رضاه. وهذه العبادة وما سواها من العبادات الأخرى تدور كلها حول محور مكافحة الإنسان لشهواته وأهوائه التي تنزع به صوب الرذيلة والعبودية للهوى.
لا يبتني اطلاق لجام النفس على أية حكمة، والسعي لنيل اللذات كيفما كان لا يجلب السعادة للإنسان. بل هذا يدخل في اطار الحيوانية، وهو من صفات الحيوانات. والإنسان طبعاً فيه جانب حيواني، ومثل هذا السلوك فيه تكريس للصفة الحيوانية.
من الطبيعي ان الجانب الحيواني جزء من وجودنا، ولا أقصد ان لا يكون فينا. والطعام والشراب والراحة واللذة المباحة جزء من وجودنا ولم يمنع أحد عنها، أما ما نُهي عنه فهو ان ينغمس فيها الإنسان. وجنوح الإنسان نحو الجانب المادّي يؤدّي به إلى الانغماس في هذا الجانب. أما الأديان والأساليب العقلانية التي أرسى الإله نظام الكون على أسسها، فهي تصد الإنسان عن الانحدار في هذه الهاوية، ولا تجعله يفقد زمام ذاته فيتدرج فيها.
كل دعوة تحث الإنسان على ارخاء الزمام لنفسه في منحدرات اللذة ومشتهيات الحياة؛ فهي دعوة له إلى النار، وإلى الشقاء والهلكة. أما دعوات الأنبياء والحكماء فهي تدعوا الإنسان إلى كبح جماح نفسه عن اللذائذ. والصوم يدخل في هذا العداد.
شهر رمضان فرصة ثمينة
اعتبرت رواياتنا شهر رمضان فرصة ثمينة يمرّن فيها الإنسان نفسه على الاقلاع عن الذنوب. وقد دوّنت في هذا الباب بضع روايات؛ جاء في أولاها عن الإمام الصادق (ع) انه قال لمحمد بن مسلم: «يا محمد إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ولحمك ودمك وجلدك وشعرك وبشرتك». فلا تكذب ولا تضمر لغيرك الشر ولا توقع الناس في المهالك ولا تضلّ القلوب، ولا تتآمر على أخيك المسلم وعلى مجتمعك الإسلامي، ولا تحقد ولا تبخس الناس في البيع، وتمسّك بالأمانة، وما إلى ذلك.
الإنسان الذي يصوم شهر رمضان من خلال كفّ نفسه عن الطعام والشراب والمشتهيات النفسية والجنسية يجب عليه أيضاً أن يصوم بصره وسمعه وكل أعضائه وجوارحه، وان يعتبر نفسه ماثلاً بين يدي ربّه، وهاجراً للذنوب والمعاصي.
وجاء في تتمة الرواية: «ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك».
وانطلاقاً من ضرورة تربية أنفسنا، يجب علينا اغتنام هذه الفرصة.
وجاء في رواية أخرى عن أميرالمؤمنين (عليه الصلاة والسلام) ان صوم النفس غير صوم الجسم، فـ: «صوم النفس امساك الحواس الخمسة عن سائر المآثم، وخلو القلب من جميع أسباب الشر». أي ان نطهر القلب من كلّ غل وغش للّه ولعباده. كما توجد روايات كثيرة أخرى في هذا المضمار.
يجب علينا إذن أيّها الأخوة والأخوات انتهاز هذه الفرصة؛ واغتنام فترة شهر رمضان للتقرّب إلى الله، والاقتراب من مرحلة الكمال وتنقية نفوسنا من المفاسد والمعاصي.
إنّ فرصة الاستغفار التي تتاح في هذا الشهر فرصة ثمينة ينبغي أن لا يفرّط بها. وشهر رمضان هذا سينطوي على وجه السرعة، وإذا بقينا على قيد الحياة حتى شهر رمضان القادم، فسيمر هو الآخر كالبرق، أو كمر السحاب، وستضيع منّا فرصة ثمينة. فيجب إذن استثمار كل يوم من أيامه وكل ساعة من ساعاته.
أوصيكم أيّها الأخوة والأخوات المصلين، وخاصة الشباب منكم بالاستفادة من ربيع الرحمة الإلهية هذا والدخول في ضيافة الله والاستغفار من معاصي الجسم ومعاصي الروح ومعاصي الفكر ومعاصي القلب. والمجتمع الذي ينال توبة الله وغفرانه، يصبح مجتمعاً نيّراً يُنزل عليه الباري تعالى ـ ببركة ذلك النور ـ وافر خيراته، مثلما انزل على هذا الشعب وعلى هذا البلد خيراته وبركاته ولطفه على مدى الثماني عشرة أو التسع عشرة سنة التي مرّت على انتصار الثورة، بفضل طهارة قلوبكم وطيب أرواحكم أنتم يا أبناء هذا الشعب. إذن يجب الدخول في ضيافة الله لأجل استنزال رحمته.
تعليقات الزوار