في خطابه الذي ألقاه في بعثة الحج الإيرانية إلى الديار المقدسة، يوم السبت 22 آب / أغسطس، وضع قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي إصبعه على اكبر جرح أصاب الجسد الإسلامي، وأوشك أن يأتي على الجسد كله، وهو جرح “الخطأ” في تشخيص العدو من الصديق الذي وقعت فيه بعض التيارات الإسلامية بالمنطقة.

ولفت سماحته في هذا الخطاب إلى أن هذا “الخطأ” الذي أفشل تجربة بعض التيارات الإسلامية في الحكم، لم يقع فيه الشعب الإيراني، الذي أدرك منذ البداية، أن أميركا والكيان الصهيوني هما العدو الحقيقي وليس بعض الدول التي انخدعت وأصبحت أداة بيدهم.

واعتبر الإمام الخامنئي الشعارات ضد أميركا والصهيونية، التي يطلقها الشعب الإيراني في جميع المناسبات الوطنية والإسلامية الكبرى، تأتي تأكيدا لإدراكه العميق والثابت بأن الاستكبار العالمي والكيان الصهيوني هما العدو الحقيقي واللدود للشعب الإيراني والأمة الإسلامية.

بوصلة تشخيص العدو من الصديق في التجربة الإسلامية في إيران، ظلت ثابتة رغم كل الحروب والضغوطات والتحديات التي واجهتها، فهي تشير إلى الاستكبار العالمي والكيان الصهيوني باعتبارهما العدو الأول والأخير لها، حتى بعد تحريضهما الدول العربية ضد إيران، وخاصة ابان الحرب الظالمة التي فرضها النظام الصدامي على الثورة الإسلامية، فلم تنظر إيران قط إلى هذه الدول على أنها عدو، بينما بوصلة تشخيص العدو من الصديق في تجربة التيارات الإسلامية الأخرى في الحكم، فكانت متذبذبة، بل في اغلب الأحيان كانت تشير إلى محور المقاومة، الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله، على أنهم “عدو”، مستخدمة أبشع العبارات في القاموس الطائفي، لوصف هذا “العدو الوهمي”.

هذا “الخطأ” الفادح في عدم القدرة في تحديد العدو من الصديق، دفع هذه التيارات الإسلامية إلى أن تتماهى في بعض الأحيان، مع الجماعات التكفيرية، التي لا عدو لها سوى “الشيعة الروافض، والفرس المجوس، والنصيريين المشركين و..”، وتجلى هذا التماهي بأبشع صورة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، بينما لا أثرا ل”إسرائيل”، ولا لداعميها وفي مقدمتهم أمريكا، في خطابات هذه الجماعات.

لسنا هنا في وارد تحديد الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه التيارات الإسلامية التي حكمت في مصر وتونس، واليوم تحكم في تركيا وبعض البلدان العربية والإسلامية، في هذا “الخطأ”، فهذا موضوع يطول وذو شجون، ولكن هذا “الخطأ” الحق إضرارا بالغة بتاريخ ومستقبل هذه التيارات، فمن الصعب على الإنسان المسلم أن يتقبل فكرة:

- إن أعداء “إسرائيل” وأمريكا في المنطقة، وفي مقدمتهم محور المقاومة، هم “أعداء السنة” أيضا.

- أو أن تتقاطع مصلحة “التنظيمات التي ترفع راية الإسلام”، في سوريا وغيرها مع مصلحة “إسرائيل”، العدو الأول للامتين العربية والإسلامية.

- أو أن يحذف “إسرائيل” وكل جرائمها ضد العرب والمسلمين، من وجدانه، وينظر إليها كصديق، ويفرض في مقابل ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران على هذا الوجدان كعدو.

- أو أن يضع حزب الله، القوة التي أذلت “إسرائيل” ومرغت انفها بالتراب، في كفة واحدة مع جماعات تكفيرية، هدفها الأول والأخير، التفنن في قتل المسلمين وتشويه دينهم وتدمير حضارتهم، بينما يتلقى عناصرها العلاج في مستشفيات “إسرائيل”.

في ذات الخطاب وبعد إشارته إلى تداعيات “الخطأ” الذي وقعت فيه بعض التيارات الإسلامية في المنطقة، يرى سماحة السيد الخامنئي في “الوحدة” بأنها أنجع دواء لجراح المسلمين، معتبرا النزاعات الداخلية في بعض الدول العربية، بذرائع مذهبية وسياسية وحتى حزبية، بأنها نكران لنعمة الوحدة، مذكرا أن الباري تعالى لا يحابي أحدا من الشعوب وإذا لم يعرف شعب ما قدر الوحدة والتعاضد فان الله يبتليه بالخلافات والنزاعات.

رغم كل مؤامرات القوى الدولية الظالمة ضد إيران، إلا أن قائد الثورة الإسلامية، لا يرى في هذه المؤامرات استهدافا للشيعة أو إيران، بل هي استهداف للقران والإسلام بالدرجة الأولى، لان الأعداء يدركون بان الصحوة الإسلامية تنبع من القرآن والإسلام.

هذه الإشارات الدقيقة في خطاب السيد الخامنئي، إلى ما يجري من حولنا، تمنح الإنسان المسلم الشعور بالتفاؤل وبقدرة المسلمين على إفشال المخطط الصهيوامريكي الرامي لتفتيت بلدانهم وشرذمتهم، عبر إشعال نيران الفتن الطائفية، لكن شريطة ألا يبقى هذا الخطاب يتيما، وان يتم مؤازرته بخطابات، تنطلق من دول عربية وإسلامية، تكون بذات العمق والمسؤولية.

ماجد حاتمی