الشهيد مصطفى صدرزاده (السيد إبراهيم) قائد “كتيبة عمار” المنضوية في “لواء فاطميون” الذي استشهد خلال تأدية مهمة استشارية في جبهة ريف حلب الجنوبي، كان قد كشف قبل أشهر قليلة في مقابلة مطولة عن مسار تشكيل “لواء فاطميون” والرسالة التي بعثها السيد حسن نصر الله والحاج قاسم سليماني إلى مجاهدي اللواء.
كما تحدث عن طريقة دخوله إلى سوريا، وكيف حصل على هوية أفغانية وتعلمه اللهجة الفارسية الأفغانية حتى يتمكن من الانضمام إلى “لواء فاطميون”، وكيف استطاع أن يظهر إمكانياته ليتولى بعدها قيادة كتيبة عسكرية.
فيما يلي مقتطفات من المقابلة التي أجراها موقع دفاع برس الإيراني مع الشهيد صدرزاده خلال مدة حضوره في إيران في صيف هذا العام.
جيش محمد، النواة الأولى لـ “لواء فاطميون”
لقد شكل عدد من شباب الأفغان النواة الأولية لتأسيس لواء فاطميون، كان يطلق عليه جيش محمد (ص). وكانت هذه الجماعة تحارب قوات الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وكانت عبارة عن قوات تدعم الثورة الإسلامية الإيرانية، وتعتبر بشكل أو بآخر من قوات الإمام الخميني، كما حاربت جماعة طالبان.
لم يكن لدى جيش محمد أعضاء ثابتين، فكان يزداد عددا أحيانا ويقل أحيانا أخرى. كان أعضاء الجيش يتبعون الإمام الخميني، حتى إن أحدا من أعضاء الجيش حصل على الجنسية الإيرانية ليتمكن من المشاركة في الحرب العراقية-الإيرانية. وبعد سقوط طالبان واستقرار القوات الأمريكية في أفغانستان، تم حل المجموعة، فذهب العديد من مقاتليها إلى إيران، وذلك في ظل قيام الحكومة الأفغانية باعتقالهم، كما إن الأجهزة الأمنية الأمريكية كانت تلاحقهم.
وعندما اشتدت الأزمة السورية، طلب أعضاء المجموعة من الجمهورية الإسلامية بأن تقدم لهم المساعدة للدفاع عن المقدسات الإسلامية في سوريا ومساعدة القوات السورية. وأول من بادر بالأمر كان الحاج علوي والشهيد أبو حامد (قائد لواء فاطميون)، فدعمت الجمهورية الإسلامية تأسيس مجموعة فاطميون في إطار مساعدة حركات المقاومة في كل مكان وزمان.
تكونت النواة الأولى لـ “لواء فاطميون” من 25 شخصا، كانوا من أوائل القوات المتجهة إلى سوريا، وقد بدأت ممارسة مهامها كـ “مجموعة صغيرة” مع جماعات المقاومة العراقية مثل كتائب سيد الشهداء، ثم تمهد الطريق شيئا فشيئا، فكلما شيع شهيد من الشباب الأفغان في إيران وأفغانستان، أثيرت موجة في صفوف الشيعة في أفغانستان للتوجه إلى سوريا دفاعا عن حرم السيدة زينب سلام الله عليها.
كان الشهيد كلاني والشهيد بشير والشهيد مرادي من أوائل الشهداء الأفغان في سوريا، وبات يزداد عدد من كان يريد التوجه إلى سوريا حتى بلغ إلى 50 شخصا ومن ثم إلى 60 والى 100 و200 وآلاف الناس، بعد أن كان عددهم لا يتعدى أصابع اليد.
لواء تحول إلى فیلق
يعود السبب في اختيار اسم “فاطميون” إلى تزامن تأسيس اللواء مع أيام استشهاد السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، كما يقول شبان اللواء إن السيدة فاطمة كانت غريبة واستشهدت وهي غريبة، فإننا أيضا غرباء في سوريا واسم “فاطميون” هو الاسم الذي يليق بنا.
كل مقاتلي اللواء هم من الأفغان، عدد منهم كان يعيش في أفغانستان، كما إن منهم من كان يقيم في سوريا بالقرب من الزينبية في دمشق، ويبلغ عددهم 15 ألف أو أكثر، وبقي ما يقارب 5 آلاف منهم يدافع عن مرقد السيدة زينب بعد هجوم التكفيريين.
هذا وكان عدد من الأفغان ينتمون إلى المقاومة الإسلامية في لبنان، لكن اغلبهم كانوا ينتمون إلى “لواء فاطميون”، وفي ظل تزايد عدد المقاتلين، تحول اللواء منذ فترة إلى فیلق واستقر في مختلف المدن السورية.
كدت أموت بسبب عدم إجادة اللغة العربية
عند مجيئي إلى سوريا، كان من الصعب علي التواصل مع الآخرين، وبسبب عدم إجادتي للغة، كدت أن أموت. ففي ليلة كنت خارج خنادق السوريين، وفي خلفي بستان زيتون، وأمامي خنادق العدو على بعد 50 مترا، فأردت الرجوع إلى الخندق، وسمعت صوتا يقول مين (تعني باللغة الفارسية: لغم). قلت: لغم؟ كيف يمكن وضع لغم خلال عدة دقائق؟ فتقدمت خطوة وسمعت الصوت مجددا يقول بغضب مين. اندهشت وقلت لا يمكن هذا، مستحيل، فصرخ مرة أخرى مين، فقمت بإضاءة المصباح اليدوي فقام بإطلاق النار، انبطحت على الأرض بسرعة وكان يتحدث بصوت مرتفع، فأجبته بالأسلوب نفسه لكن لم نكن نفهم كلام الآخر، حتى عرفني رجل من قوات حزب الله يعرف الفارسية وقال بان مين (باللهجة الشامية) يعني من أنت.
الأمر نفسه كان ينطبق على الجرحى من المقاتلين الإيرانيين الذين لم يكن بإمكانهم التواصل مع الآخرين في المستشفيات بسبب حاجز اللغة، كما لم يكن يعرفون طريقة دفع تكلفة علاجهم.
“أبو حامد” سمح لی أن انضم إلى اللواء
في شهر محرم قبل عامين كنت أمارس مهامي في مرحلتين، إذ كنت أرافق الجيش السوري لمدة 24 ساعة، ثم قوات حزب الله لمدة 48 ساعة، حتى حل شهر محرم، أتى السابع منه ولم أكن قد حضرت أي مجلس حسيني، فطلبت الإذن من القوات السورية وحزب الله للمشاركة في المجالس الحسينية، فسألت عن مكان وجود مواكب الإيرانيين، حتى تعرفت على موكب في ريف دمشق، فحضرت المجلس. كان الخطيب يتحدث من على المنبر فرأيت عددا من الأفغان بزي عسكري يدخلون الموكب.
عندما انتهى مجلس العزاء، جلست على مائدة الطعام، فرأيت بان ملامح وجوه الحاضرين كلها أفغانية، لكن منهم من كان يتحدث بلهجة مدينة قم، وآخر بلهجة طهران، وبعض بلهجة أهالي مشهد، ذلك إن الأفغانيين المقيمين في سوريا كانوا يتحدثون العربية ولم نكن نعرف لغة الآخر، لكن هذه المجموعة كانت تختلف عن المجموعات الأخرى.
فتحدثت قليلا وطلبت منهم بأن أتعرف عليهم، فقالوا لي بان الإيرانيين لا يسمح لهم الحضور في المجموعة، إذ لم يكن من المقرر مشاركة قوات وجنود إيرانيين في الحرب المشتعلة في سوريا. فزدت من إصراري، وقال أحدهم (هل تعرفني وأنت تصر كثيرا) قلت لا، فقال (أنا مسئول الأمن)، تعجبت كثيرا، فالأمن كان مكلف بطرد الإيرانيين من المجموعة ولم يكن يتسامح في التعامل مع هذه القضايا، لكن لا اعرف ماذا حدث له إذ راح يتكلم مع أبي حامد.
توجه أبو حامد إلى وقال لي (إن استشهدت أو جرحت ماذا نفعل حينها)، قلت له إذا استشهدت أو جرحت اتركوني وشأني، اسمحوا لي فقط بأن أشارك في العمليات.
تعلمت اللهجة الأفغانية للانضمام إلى اللواء
أول عمليات شاركت فيها ضمن لواء فاطميون كانت (عمليات الحجيرة) خلف حرم السيدة زينب سلام الله عليها، استطعنا خلالها تحرير المنطقة الخلفية للحرم. ففي يوم التاسوعاء قبل عامين استطعت أن أكون جزء من “لوا فاطميون”.
كنت برفقة قوات اللواء 70 يوما، قررت الرجوع إلى إيران في ظل غياب العمليات العسكرية، فتحدثت مع أعضاء من اللواء كيلا تحدث لي مشكلة عند العودة إلى سوريا مجددا.
بعدما قررت الرجوع إلى سوريا عبر قنوات “لواء فاطميون”، لم يسمح لي ذلك، لكنني قمت بتغيير ملامح وجهي وحصلت على هوية أفغانية وتعلمت لهجتهم، فتمكنت من الانضمام مجددا إلى اللواء.
شاركت في العمليات العسكرية قرابة شهرين، وتعلمت اللهجة في مدة شهر، وكانت مماثلة للهجة أهل السنة من الأفغان، فظنوا بأني عميل، فأخذوا بي إلى الأمن عدة مرات، فتحملت الكثير من المعاناة حتى كسبت ثقة الأمن.
ليس هناك أي كتيبة أو فرقة عسكرية إيرانية في سوريا
إذا قلنا بان نصف سوريا يسيطر عليها التكفيريون ونصفها الآخر بيد القوات السورية ومجموعات المقاومة، فان النقطة الإيجابية في كلامنا هذا تمكن في وحدة صفوف هذه القوات، بينما يشهد الجزء الذي يخضع لسيطرة الجماعات التفكيرية والمسلحة صراعا بينها كجيش الحر والنصرة وداعش.
كما إن ليس هناك أي كتيبة أو فرقة عسكرية إيرانية في سوريا، سوى تلك القوات الاستشارية التي تقوم بتنفيذ مهام استشارية للجيش السوري مثل تشكيل قوات الدفاع الوطني السورية، وهي تركز على الجانب العقائدي والأخلاقي. كما إن السيد نصر الله قال في إحدى خطاباته (لو بحثتم في سوريا كلها فلا تجدون أكثر من 50 إيرانيا).
هناك حركة مقاومة أخرى تكونت في حدود فلسطين
من بركات الحرب ظهور حركة مقاومة جديدة تعتمد على ذاتها، مناهضة لإسرائيل تكونت بمحاذاة حدود فلسطين المحتلة.
وهناك بركات أخرى للحرب، فالكثير من العلويين السوريين تقربوا إلى الشيعة الإمامية من ناحية المعتقدات، كما ان القوات السورية والدفاع الوطني ممن لم يكونوا يؤدون الصلاة أصبحوا يلتزمون بها. فنفوذ إيران ليس نفوذا عسكريا، بل هو نفوذ معنوي.
هناك في سوريا مجموعة أخرى من المجاهدين، وهم من باكستان، تسمى “الزينبيون”، وجل هؤلاء المجاهدين من منطقة باراجنار في باكستان، كما انهم يحاربون التكفيريين في منطقتهم أيضا. هذا وإذا عرف الوهابيون في باكستان بان الباكستاني يقاتل في سوريا، سيقومون بقتل أهله، لكن مثل هذه التهديدات لا تؤثر في معنوياتهم ولا يزالوا يتجهون إلى سوريا.
شجاعة أبطال فاطميون
بعد أن سيطر داعش على مرتفعات “كسب” في الحدود التركية السورية، لم يتسلم حزب الله مهمة تحريرها بسبب علو المرتفعات وإشراف داعش عليها، كما إن الجيش السوري عبر عن عدم قدرته بذلك، لكن “لواء فاطميون” قبل بتنفيذ مهمة تحرير كسب.
تلقينا الخسارة بداية الأمر وتركنا شهداء في المنطقة، وعانينا الكثير من المشاكل، فالقوات التي انسحبت كانت تنظر إلى كسب بحسرة بعد أن تركت الشهداء هناك، ومنهم الشهيد جاويد الذي عرف عنه تبحره في حرب الشوارع والعمليات العسكرية التي تتطلب قوات متدربة مثل الكوماندوس.
بدأت المرحلة الثانية من عمليات تحرير مرتفعات كسب، شهدت ذروة قوة “لواء فاطميون” في دفاع تل قرين وكذلك في الهجوم على كسب.
وصل المقاتلون إلى مرتفعات الجبل فتفاجأ العدو، حيث واجهوا قوات داعش وكبدوهم خسائر كبيرة، وكانت العمليات عظيمة إذ أرسل السيد نصر الله رسالة إلى المجاهدين قال فيها (إنني اقبل يد قوات فاطميون)، كما أرسل الحاج قاسم سليماني رسالة قال فيها (أنني اقبل أيدي وأرجل المقاتلين). وكثيرا ما حاول داعش أن يستعيد المنطقة، لكنه فشل، فهاجم ليلا وتكبد خسائر فادحة، لكنه لم يتمكن من السيطرة على مرتفعات كسب مجددا.
الدواعش يصلون الليل
ذات مرة ألقينا القبض على داعشي باكستاني تدرب على يد السعوديين ودخل سوريا عبر تركيا. كان يؤمن بأنه لو قتل مسلما شيعيا فسيدخل الجنة، كما ألقينا القبض على واحد منهم لم يكن يختلف عن الخوارج، كان شديد الإيمان يتلو القرآن ويصلي صلاة الليل، حتى إن بعضهم كانوا من حفظة القرآن لكنهم لم يترددوا في ذبح طفل رضيع لم يبلغ من العمر سوى 6 أشهر.
وفي صفوف جيش الحر الكثير من غير الملتزمين بالدين، ومنهم العلمانيون، وهم يتلقون التدريبات في إسرائيل والأردن، والعديد منهم لا يعرف بأن جماعته تتلقى الدعم من إسرائيل.
النهاية
ترجمة شفقنا العراق
تعليقات الزوار