"إنّ الفقه الشيعيّ هو أحد أقوى أنماط الفقه ومناهجه، ويستند إلى أسس وأصول قويّة للغاية. وقد نشر إمامنا العزيز هذا الفقه المستحكم على صعيد واسع، وأضفى عليه نظرة عالميّة وأمدَّه برؤية حكوميّة، وأوضح لنا أبعاداً من الفقه كانت خفيَّةً".
القائد الخامنئي دام ظله
فالإمام الخمينيّ قدس سره قد كشف الستار عن هذه الولاية وأخرجها من عالم النظريّة والقوّة إلى عالم التطبيق والفعل، حتّى أصبح في أذهاننا نوعٌ من الارتباط الخاصّ بين مصطلح "ولاية الفقيه" والإمام قدس سره.
وفي هذه العُجالة سنجري، قدر الإمكان، حواراً مُفترَضاً مع الإمام قدس سره، يُجيب فيه سماحته عن أسئلةٍ مُفترَضة حول ولاية الفقيه والحكومة الإسلاميّة.
1- ما هي علاقة الدين بالسياسة؟ وما مدى صِحَّة الحديث عن الفصل بينهما؟
- الدين الإسلاميّ ليس مجرّد دين عباديّ، وظيفته تقتصر على العلاقة بين الإنسان وخالقه، فهو ليس وظيفة روحانيّة فقط، كما إنّه ليس ديناً سياسيّاً فقط، بل عباديّ وسياسيّ، وإنّ سياسته مُدغمة في عباداته، وعبادته مدغمة في سياساته.
- إنّ الإسلام دين السياسة، وهو مقرون بالسياسة في جميع أبعاده وأبعاد حياة الإنسان الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. وعليه، فإمّا ينبغي للإسلام الانزواء، أو تخطئة أولئك الذين حكموا في صدر الإسلام جميعاً.
- لو نظرنا إلى هذا القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين، والذي ليس فيه حرف زيادة ولا نقيصة منذ البداية وحتّى الآن، لو نظرنا إليه بعين التدبير لما وجدناه يدعو الناس أبداً إلى الجلوس في منازلهم وذكر الله والخلوة به إنّه يدعو إلى الاجتماع، ويدعو إلى السياسة، ويدعو إلى إدارة البلاد.
- إنّ المستعمرين هم الّذين قالوا وأشاعوا فكرة فصل الدِّين عن السياسة، وإنّ على علماء الإسلام أن لا يتدخّلوا في الأمور الاجتماعيّة والسياسيّة، فهذا قول الرافضين للدِّين، وإلّا فهل كانت السياسة منفصلة عن الدِّين في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟! وهل انقسم الناس يومئذٍ إلى مجموعتين العلماء والسياسيّين؟!
2- ما هي ولاية الفقيه بما هي مشروع سياسيّ إسلاميّ؟
- الولاية تعني الحكومة وإدارة البلاد وتطبيق قوانين الشرع المقدّس، وهي مسؤولية ثقيلة ومُهمّة للغاية. وهي بخلاف ما يتصوّره العديد من الناس من أنها امتياز، بل إنها وظيفة خطيرة.
- ولاية الفقيه تعني الولاية على الأمور وحفظها لكي لا تخرج عن مسارها الطبيعيّ، والإشراف على سير العمل في المجلس، ومراقبة رئيس الجمهوريّة حتّى لا يقع في الخطأ، ومراقبة رئيس الحكومة والإشراف على كافة الأجهزة الحكوميّة ومنها الجيش.
- ولاية الفقيه هي هدية الباري جلَّ وعلا لكلّ المسلمين.
3- بما أنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن الأحكام كلَّها قبل ارتحاله، أفلا يكفينا السيرُ على هداها بلا حاجة إلى سلطةٍ وحكومة؟
- وجود القانون المدوَّن لا يكفي لإصلاح المجتمع. فلكي يصبح القانون أساساً لإصلاح البشريّة وإسعادها، فإنّه يحتاج إلى سلطة تنفيذيّة، ولذا أقرّ الله تعالى الحكومة والسلطة التنفيذيّة والإداريّة إلى جانب إرسال القانون؛ أي أحكام الشرع. وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على رأس التشكيلات التنفيذيّة والإداريّة للمجتمع الإسلاميّ، واهتمّ صلى الله عليه وآله وسلم، مضافاً إلى إبلاغ الوحي وبيانه وتفسير العقائد والأحكام والأنظمة الإسلاميّة، بإجراء الأحكام وإقامة نُظُم الإسلام، إلى أن وجدت الدولة الإسلاميّة.
وكانت وظيفة تنفيذ الأحكام وإقامة نُظُم الإسلام هي التي جعلت تعيين الخليفة مهمّاً إلى درجة لولاه لما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بلّغ رسالته، ولما كان أكملها، إذ إنّ المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يحتاجون إلى من يطبّق القوانين، ويقيم النظم الإسلاميّة في المجتمع لتأمين سعادة الدنيا والآخرة.
4- ما هو دليلكم على ضرورة تشكيل حكومة إسلاميّة؟
- لقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتشكيل حكومة إسلاميّة في شبه الجزيرة العربيّة، والتاريخ يشهد بذلك. وقد قام من خلال هذه الحكومة بتطبيق القوانين، وتثبيت أنظمة الإسلام، وإدارة المجتمع، فأرسل الولاة إلى رؤساء القبائل والملوك، وعقد المعاهدات والاتّفاقات، وقاد الحروب. والخلاصة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قام بتطبيق مسائل الحكم والدولة في المجتمع الإسلاميّ من خلال إقامته للحكومة.
- لقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمرٍ من الله تعالى بتعيين خليفةٍ له من بعده، يدير شؤون الحكم والحكومة في المجتمع، وعندما يعيّن الله تعالى حاكماً للمجتمع بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا يعني لزوم استمرار الحكومة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً. وبما أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أبلغ الأمر الإلهيّ في وصيّته في حادثة الغدير وغيرها، فيكون بذلك قد أفاد بضرورة تشكيل الحكومة أيضاً.
- ماهية قوانين الإسلام وكيفيّتها -أحكام الشرع- دليل آخر على ضرورة تشكيل الحكومة، فهي تدلّنا على أنها جاءت لتكوين دولة، وأنها شُرّعت لإدارة المجتمع سياسيّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً.
5- هل يمكن السير بحكومة إسلاميّة لا يكون الفقيه على رأسها؟
- يفتقد الحاكم الكفاءة لو لم يكن يعلم بالقانون، لأنّه لو لجأ إلى التقليد، لزال اقتدار حُكمِه، وإذا لم يقلّد فإنّه يكون غير قادر على تطبيق قانون الإسلام. ومقولة: إنّ "الفقهاء حكام على السلاطين" تُعدّ من البديهيات.
- لو كان الملوك مسلمين حقاً، لوجب عليهم الانقياد للفقهاء، والاستفسار عن القوانين والأحكام منهم، وتطبيقها. وفي هذا الحال فإنّ الفقهاء هم الحكّام الحقيقيون، لذا فإنّ الحكم يكون لهم رسميّاً لا إلى أولئك المضطرين للانقياد لهم بسبب جهلهم بالقانون.
6- من الأسئلة الأساس حول أيّ نظامٍ سياسيّ عن ركن هامّ في السلطة وهو الشعب، فما هو دوره في نظريّة ولاية الفقيه؟
- إنّ حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة التي ندعو إليها مستلهَمة من سُنّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام، وتستند إلى الرأي العامّ للشعب. ويتمّ تحديد شكل الحكومة أيضاً من خلال رأي الشعب.
- تقوم ماهية حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة على تلك الشروط التي طرحها الإسلام للحكم، مع الأخذ بنظر الاعتبار الرأي العامّ للشعب. فعلى هذا الأساس تشكّلت الحكومة لتطبيق الأحكام الإسلاميّة.
7- ما هو المائز بين الحكومة الإسلاميّة والحكومات التابعة للأنظمة الوضعيّة؟
- توجد فروق كثيرة بين الإسلام وحكومته الإسلاميّة وبين الأنظمة الأخرى، وإنّ أحد الفروق هو عدل الحكومة الإسلاميّة.
- يكمن الفرق الأساس بين الحكومة الإسلاميّة والحكومات المشروطة -الملكيّة منها والجمهوريّة- في أنّ ممثّلي الشعب أو ممثّلي الملك في تلك الأنظمة هم الذين يشرّعون، في حين تنحصر سلطة التشريع في الإسلام بالله عزَّ وجلّ.
- حكومة الإسلام هي حكومة القانون، وفي مثل هذه الحكومة يكون الحاكم هو الله وحده، والقانون هو حكم الله وحاكم على جميع الناس، وعلى الدولة نفسها.
- هذه حكومة يكون الجميع فيها سواسية أمام القانون، لأنّ قانون الإسلام هو قانون إلهيّ، والكلّ حاضر أمام الله تبارك وتعالى، سواء الحاكم أو المحكوم أو النبيّ أو الإمام أو عامّة الناس.
8- حبّذا لو تُبيِّنون لنا الأهداف الأساس التي تتطلَّع الحكومة الإسلاميّة إلى تحقيقها.
- إننّا نطمح جميعاً إلى أن تكون عندنا حكومة عادلة تطبق جميع المسائل الواردة في القرآن الكريم وفي الإسلام.
- سياسة الحكومة الإسلاميّة تتلخّص في الحفاظ على استقلال وحرية الشعب والحكومة والبلد، والاحترام المتبادل بعد تحقيق الاستقلال الكامل. ولا فرق في هذا المجال بين الدول الكبرى وغيرها.
- آمل أن تقام الحكومة الإسلاميّة في إيران لتتّضح للإنسان مزايا الحكم الإسلاميّ وتتعرف البشرية إلى حقيقة الدين الإسلاميّ، والعلاقة التي يقيمها بين الحكومة والشعب، ونمط إقامته للعدالة، وما يمتاز به الرجل الأوّل في الدولة في معيشته عن سائر الرعيّة. فإذا عرف الناس مزايا الإسلام، فالأمل أن يعتنقه الجميع.
- يجب أن تعلموا بأنّ الحكومة الإسلاميّة إذا ما عملت بواجباتها، فإنها ستحترم كلّ الأقليّات وجميع الأديان الرسميّة في إيران. فمثلما تحترم فئات الشعب المسلم، فإنّها تحترم الأقليّات أيضاً. وليس هذا إلّا لأنّ الإسلام يدعو إلى ذلك. وربما قرأتم في التاريخ، عندما أغارت جيوش معاوية على الأنبار وسلبت خلخال إحدى نساء أهل الذمّة، فبلغ الإمام عليّاً ذلك، وكان خليفة المسلمين آنذاك، فقال: "فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً".
9- بماذا يجب أن يتمتّع الحاكم في الإسلام؟
- الشروط التي من الضروريّ توفّرها في الحاكم نابعة مباشرة من طبيعة الحكومة الإسلاميّة، فإنه بصرف النظر عن الشروط العامّة كالعقل وحسن التدبير هناك شرطان مهمّان هما: العلم بالقانون، والعدالة.
- بما أنّ الحكومة الإسلاميّة هي حكومة القانون، لذا كان لزاماً على حاكم المسلمين أن يكون عالماً بالقانون.
- يجب أن يعلم الحاكم والخليفة بالأحكام الإسلاميّة؛ أي بالقانون أوّلاً، وأن يكون عادلاً ومتكاملاً اعتقاديّاً وأخلاقيّاً ثانياً... لأنّ الحكومة الإسلاميّة هي حكومة القانون، لا الأهواء، وليست تحكّم الأشخاص بالشعب.
- يجب على الحاكم أن يتحلّى بكمال اعتقاديّ وأخلاقيّ، والعدل والنزاهة من الآثام.
المصادر والمراجع العامّة
1- الحكومة الإسلاميّة، الإمام الخميني قدس سره.
2- صحيفة النور، خطابات الإمام الخميني قدس سره وكلماته وبياناته ولقاءاته.
3- الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، إصدار جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة.
4- تأمُّلات في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره، إصدار جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة.
5- الإمام الخميني قدس سره وتجديد الفقه السياسيّ، مجموعة باحثين، إصدار مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ، ج2.
6- بيان الثورة في مرآة الإعلام، الأحاديث والبيانات الصحفيّة للإمام الخمينيقدس سره، إصدار مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ، ج1.
السيّد ربيع أبو الحسن
المصدر: مجلة بقية الله
تعليقات الزوار