ينقسم الفلسطينيون حول إيران كما ينقسمون حول كل شيء تقريبا، ويتداولون أخبار إيران ومواقفها ويشبعونها تحليلا، وهذا ليس غريبا كونها أصبحت دولة نووية ودولة من أصحاب القرار وليست كدول المنطقة لا تحرِّك ساكنا بل تُحرَّك كأحجار الشطرنج، ومن أكثر ما يروّج له مقولة: هناك مخدوعون كثر بإيران، ومقولة أن إيران تسعى لنشر التشيع في فلسطين”.

أنا لن أشعر بالخزي أبدا إن اكتشفت أن إيران تخدعنا وأنها عميلة لإسرائيل وأمريكيا، أتعرفون لماذا؟

لأنني عندها سأكون قد وقعت ضحية لخدعة استمرت 37 عاما لم أر فيها لإيران موقفا إلا داعما لفلسطين وأهلها ومقاومتها، 37 عاما دعمت خلالها منظمة التحرير الفلسطينية ورغم وقوف المنظمة ضدها، إلا أن إيران ظل موقفها ثابتا من فلسطين (حتى أنه أكثر ثباتا من موقف منظمة التحرير نفسها، التي تخلت عن 78% من فلسطين)، ودعمت حركتي الجهاد وحماس، (وجميع الأجنحة العسكرية) رغم العداء المذهبي الذي تكنه بعض هذه الفصائل للشيعة ( إيران )، وبالمناسبة هذا العداء ليس ناتجا عن الأزمة السورية بل هو ممتد منذ الثورة الإسلامية في إيران، فأنا شهدته في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وإن كان هذا العداء يبقى بعيدا عن الإعلام الرسمي (تقية) إلا أنه كان موجودا وظل موجودا وسيبقى موجودا متأصلا في ( على الأقل)كل من ناقشتهم من ذلك الفصيل.

37 عاما دعمت إيران فلسطينَ بالمال وهذا ما شاركتها فيه بعض الدول التي سرعان ما تبين لنا هدفها وغرضها من كل دولار دفعته.

37 عاما دعمت إيران فلسطين سياسيا في كل المحافل، وهذا ما شاركتها في بعضه دول أخرى.

37 عاما دعمت إيران فلسطين لوجستيا وعسكريا فدرّبت كوادر القسام وسرايا القدس وغيرهما، على تقنيات صناعة الصواريخ والمتفجرات وهندسة الأنفاق ناهيك عن مدها بالصواريخ والأسلحة وهو ما لم تشاركها فيه أي دولة أخرى، وهو أيضا ما شكل نقلة نوعية في قدرات المقاومة الفلسطينية.

37 عاما دعمت إيران فلسطين إعلاميا حتى تشكلت حالة شعبية مجمعة على القضية الفلسطينية داخل إيران تمثلت بإحياء يوم القدس العالمي بشكل جماهيري منقطع النظير..

بعد كل هذا يحق لي  – إن لم يكن واجبا عليّ – أن أصدق إيران، ولا يلومني من يراهن على أي طرف آخر ثبت بالوجه الشرعي والعملي خيانته للقضية الفلسطينية على الأقل، فلا يلومني المراهن على أمريكيا والذي يرى بأم عينه الدعم الأمريكي اللامحدود والمعلن لإسرائيل ورغم ذلك ما زال يصدق أن الحل بيد أمريكيا، ولا يلومني من يراهن على السعودية أو من حوله من الأعراب الذين أفضل ما قدموه لفلسطين هو مبادرة (سلام) كان رد شارون عليها ” لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به.” ولا يلومني من يراهن على تركيا صاحبة العلاقات السياسية والعسكرية والتجارية مع إسرائيل.

إذا كانت إيران تمارس الكذب المتقن منذ 37، ووقعت ضحية لهذا الخداع المتقن، فلا يلومني من خدعه مسيلمة الكذاب.

النقطة الثانية وهي ” إيران تسعى لنشر التشيع في فلسطين” أقول لكم لو دفعت إيران لخطباء الرواتب ما تدفعه من رواتب الشهداء والأسرى لوجدت ثلث الشعب الفلسطيني شيعيا.

أ. خالد جرادات