الخطاب التاريخي للإمام الخميني في مقبرة (جنة الزهراء)

التاريخ: الخميس 12/ 11/ 1357هـ ش. 3/ 3/ 1399هـ ق. 1/ 2/ 1979م.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد جرت علينا مصائب كبيرة وكثيرة في هذه المدة، وقد تحقّقت بعض الانتصارات التي كانت كبيرة أيضاً. أنا لا أستطيع أن أعوّض الأضرار التي تحملها الشعب الإيراني! أن لا أستطيع أن أشكر هذا الشعب الذي قدّم ما عنده في سبيل الله! أسأل الله أن ينعم عليه بمثوبته!

إني أقدم العزاء للأمهات الثكلى وأشاركهنّ المصاب! إنني أتقدم بالعزاء للآباء الذين فقدوا أبناءهم والأولاد الذي فقدوا آباءهم!

فما الذي كان يقوله شعبنا ليستحق هذه العقوبات؟! فأحد مطالبهم هو أن الملكية البهلوية بنيت منذ البداية خلافاً للقوانين. وأسسوا المجلس التأسيسي بقوة الحراب، وأجبروا نوابه على التصويت لاختيار رضا شاه ملكاً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أساس النظام الملكي يخالف القانون والقواعد العقلية وحقوق الإنسان، لأنه ـ لو فرضنا ـ إذا اجتمع رأي الشعب ليكون شخص ملكاً عليه باعتبار أن مقاليد أمورهم يجب أن تكون بأيديهم، فإنهم مختارون ويمكن أن يعملوا برأيهم. ولكن إذا أعطى شعب رأيه لملك ليكون خلفه ملوكاً أيضاً، فبأي حق يعيّن شعب عاش قبل خمسين عاماً مصير شعب يأتي بعده؟! إن مقدرات كل شعب بيده. وبناء على ذلك فإن ملكية محمد رضا غير قانونية أولاً، لأن ملكية أبيه كانت خلافاً للقانون وقامت بالقهر وقوة السلاح. وإذا فرضنا بأن ملكية رضا شاه كانت قانونية فبأي حق حدّد أولئك لنا مصيرنا؟! ثم لنفترض أن ملكيته ومجلسه التأسيسي كانا صحيحين، فالآن يقول شعبنا «لا نريد هذا الملك» وبناء على ذلك فإن ملكيته باطلة!

وأما عن الحكومات والمجالس النيابية الناشئة عن محمد رضا، فلم يتدخل الشعب في انتخاب نوابها طوال مدة الحركة الدستورية سوى بعض الأوقات وذاك أيضاً بالنسبة إلى بعض النواب. وحول المجلس الحالي، أسألكم أنتم أهالي طهران هل كان لكم معرفة بنواب المجلس الحالي؟! هل انتخبتموهم أنتم بأنفسكم؟! أو أنهم شكّلوه أيضاً بالقوة وبدون علم الناس! والمجلس الذي يشكّل دون علم الناس ورضاهم، ليس قانونياً، وبناء على ذلك فإن الذين احتلوا كراسي المجلس وأخذوا أموال الناس كراتب لهم، عليهم ضمان (ويجب تعويضها)! وكذلك فإن الحكومة الناشئة عن الشاه غير القانوني غير قانونية أيضاً، فالحكومة الناشئة عن مثل هذا الملك والمجلس غير قانونية. إننا نعلن أن الحكومة التي تعلن أنها قانونية هي بنفسها لا تُقبَل قانونيتها، فإن هذا الشخص (بختيار) بنفسه كان قبل بضع سنوات وإلى الوقت الذي لم يتسنّم بعدُ منصب رئاسة الوزارة كان يعلن بأن الحكومة غير قانونية، فماذا حدث الآن ليقول أنا قانوني؟! هل يمكن لشخص نصب لرئاسة الوزراء من قبل المجلس والشاه غير القانونيين، أن يكون قانونياً؟! هل من حق الشعب الذي يصرخ أن حكومتنا وملكنا ومجلسنا جميعها مخالفة للقوانين وأن حقنا الشرعي والقانوني والإنساني أن تكون مقدراتنا بأيدينا، أن يقيموا لهم في طهران والأماكن الأخرى مقابر للشهداء؟!

يجب أن أقول لكم أن محمد رضا بهلوي، هذا الخائن الخبيث فرّ وقد بدّد جميع ما لدينا، خرّب بلادنا وعمّر مقابرنا! لقد هدم بلادنا من الناحية الاقتصادية بصورة لو أردنا إعادتها إلى حالتها الأولى تلزمنا سنوات طوال لذلك بجهود جميع الناس! إن الأعمال التي قام بها الشاه تحت عنوان «الإصلاح» كانت إفساداً. فإن موضوع «الإصلاح الزراعي» أنزل ضربة قاصمة بالبلاد ربما لا نستطيع معالجتها حتى بعد عشرين سنة! إلا أن يتكاتف الشعب بأجمعه. فقد انتهى الإصلاح الزراعي إلى نقطة تدهورت فيه زراعتنا بصورة عامة. لقد قام محمد رضا بهذا العمل ليقيم أسواقاً لأمريكا وإسرائيل، وأعاق ثقافتنا وبدد جميع القوى البشرية للبلاد!

ولأن هذا الشخص كان عميلاً فقد أسس مراكز فحشاء في البلاد. فتلفزيونه مركز الفحشاء، وأكثر برامج إذاعته فحشاء، والسينما والمراكز التي أجازوا فتحها هي مراكز للفحشاء! إن حوانيت الخمور في طهران أكثر من محلات بيع الكتب! نحن لا نخالف السينما والراديو إنما نخالف الفحشاء! إننا لا نخالف التلفزيون، نحن نخالف ذلك الشيء الذي هو في خدمة الأجانب ويجعل شبابنا متخلّفين ويكون سبباً لهدر القوى الإنسانية للشعب! فمتى كنا نخالف مظاهر الرقي؟! لقد أصبحنا «متوحشين!» عندما وطئت أقدام مظاهر الرقي الغربي بلاد الشرق ولا سيما إيران. إن السينما أحد مظاهر الحضارة التي يجب أن تكون في خدمة تربية الناس، وأنتم تعلمون أن هذه المراكز جرّت شبابنا إلى الانحطاط! وإنما نحن ضد هذه الأمور لهذه الأسباب. إنهم خانونا بكل معنى الكلمة، أعطوا جميع نفطنا لأمريكا والآخرين واشتروا عوضه أسلحة ليبنوا قواعد عسكرية لأمريكا. ولو كانت فترة ملكية (الشاه) قد استمرت ـ لا سمح الله ـ عدة سنوات أخرىـ لانتهت مخازن نفطنا وجميع زراعتنا ولتحطم هذا الشعب بصورة مطلقة وعندئذ يجب على أبناء الشعب أن يصبحوا خدماً للآخرين! إن صرخاتنا من أجل ذلك، وقد أريقت دماء شبابنا لهذه الأسباب أيضاً.

 لقد أمضينا خمسين سنة في كبت وعناء، فلم يكن لدينا صحف نافعة وإذاعة صحيحة ولا تلفزيون سالم، ولم يتمكن الخطيب أن يتكلم ولا أئمة الجماعة، ولم تستطع أي فئة من فئات الشعب أن تعمل بواجباتها! نحن نقول إن ذلك الإنسان وحومته، ومجلسه بأجمعها غير قانونية، وإذا استمروا بأعمالهم فهم مجرمون ويجب أن يحاكموا وسنحاكمهم!

إنني سأشكل الحكومة وألقم الحكومة الحالية حجراً! إني سأعيّن حكومة بمساندة هذا الشعب! إن هذا الشخص (الشاه) الذي لا يقبل نفسه أيضاً، وأصحابه لا يقبلونه أيضاً، وكذلك لا يقبله الشعب ولا الجيش، وإن أمريكا وإنجلترا هما اللتان تدعمانه فقط، وقد أمروا الجيش بدعمه، كان قد قال: «لا يمكن اجتماع حكومتين في البلاد»! من الطبيعي أن هذا الكلام واضح، ولكن يجب على الحكومة غير القانونية أن تذهب، أنت غير قانوني! إن الحكومة التي نتحدث عنها تستند إلى آراء الشعب وحكم الله، فأنت إما أن تنكر الله أو تنكر الشعب!

نحن لن نسمح لهؤلاء بأن يتسلطوا علينا ما دمنا موجودين، ولا نسمح بإعادة الظلم السابق، ولا نسمح بعودة محمد رضا، كونوا يقظين! لقد خططوا وشكّلوا غرفة عمليات، يريدون إعادتنا ثانية إلى فترة الكبت ويضعون جميع ما عندنا تحت تصرف أمريكا، ولا نسمح بذلك ما دامت الأرواح في أبداننا! أرجو الله تبارك وتعالى السلام لكم جميعاً. ويجب علينا جميعاً الاستمرار بهذه النهضة إلى أن يسقط هؤلاء، ونشكل مجلساً تأسيسياً ونعين حكومة ثابتة.

عندي للجيش نصيحة واحدة وشكر.

 ونصيحتي هي أننا نريد أن تكونوا مستقلين. نحن نتحمل المصاعب ونريق دماءنا ونبذل ماء الوجه ويعذَّب مشايخنا ويُسجنون، لأننا نريد أن يكون الجيش مستقلاً، يا أيها المشير ألا تريد ذلك؟! أتريد أن تكون عميلاً؟! أنصحكم بالعودة إلى أحضان الشعب. يجب ألا يكون الجيش تحت إمرة المستشارين الأمريكيين والأجانب! إننا نتكلم بهذا الكلام من أجلكم، تعالوا أنتم أيضاً وتبنّوا هذا الرأي من أجل أنفسكم، بأننا نريد أن نكون مستقلين.

إلا أنني أشكر هذه الفئات التي التحقت بالشعب. لقد حفظ هؤلاء كرامتهم وكرامة شعبهم. إننا نشكر ونحيي المراتب والتقنيين والضباط في القوة الجوية. إننا نشكر ونثني على أولئك الذين أدركوا واجبهم الشرعي والوطني في أصفهان وهَمدان والأماكن الأخرى والتحقوا بالشعب. ونقول للذين لم يلتحقوا، التحقوا بالشعب! إن الإسلام أفضل لكم من الكفر، وإن الشعب أحسن لكم من الأجنبي. إننا نريد أن تكون البلاد قوية وذات نظام مقتدر. إننا لا نريد الإخلال بالنظام، ولكننا نريد نظاماً منبثقاً من الشعب وفي خدمة الشعب، لا نظاماً يرأسه الآخرون ويصدرون له الأوامر! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ــــــــــ

قطع الإمام بعد دخوله طهران، مسافة الـ 33 كيلومتراً بين المطار ومقبرة (بهشت زهراء)، بصعوبة بين ملايين المستقبلين وألقى خطابه هذا هناك في الساعة 30/ 13.

المصدر: كتاب مختارات أحاديث وخطابات الإمام الخميني (قدس سره)، خطاب رقم: 94.