سؤال وجواب

السؤال: ما هو ملاك شرعية الحكومة في نظر الإسلام؟

جوابه: في مستهل الحديث حريٌ بنا القول: حينما نريد بحث قضية ما في ضوء الرؤية الإسلامية، فنظراً إلى أن الإسلام يتشعب إلى مذاهب متعددة، وأشهرها المذهبان: الشيعي والسني، فلابد والحالة هذه من استعراض آراء هذين المذهبين على أقل تقدير، فربما يتفق المذهبان حول مسألة ما، وربما يفترقان، وقد لا يحصل الاتفاق حتى بين علماء الشيعة أنفسهم حول مسألة واحدة.

ففيما يتعلق بشرعية الحكومة يتفق الشيعة والسنة: على أن الله سبحانه إذا نصَّبَ شخصاً للحكم تكتسب حكومته صفة شرعية وله حق الحاكمية؛ لأن الكون بأسره ـ وفقاً للرؤية الإسلامية ـ يعتبر ملكاً طِلقاً لله سبحانه، وكل شيء فيه فهو ملك له جلّت قدرته؛ ولا يحق لأحد التصرف في أي شيء إلاّ بإذن منه تعالى، فهو المالك الحقيقي لكل شيء. وبالأساس فإن ممارسة الحكم على الخلق إنما هو حق لله عز وجل، ومن شؤون ربوبيته ولا حق لأحد أن يمارس الحكم على الغير؛ إلا أن يكون مأذوناً من قبل الله تعالى، بمعنى أن حكومة مَنْ نُصِّب من قبله تعالى هي حكومة شرعية.

 

حكومة النبي(صلى الله عليه وآله) أفضل نموذج للحكومة الدينية

تعدّ الحكومة التي أقامها رسول الله(صلى الله عليه وآله) مصداقاً للحكومة التي تحظى بقبول الشيعة والسّنة. إذ يُجمع المسلمون قاطبة على شرعية حكومة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لما يتمتع به(صلى الله عليه وآله) من تنصيب إلهي. ويذهب أهل السنة إلى أنه ليس هنالك مَنْ نُصِّب للحكم من قبل الله تعالى غير رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بيد أن الشيعة يعتقدون بتنصيب الأئمة المعصومين(عليهم السلام) للحكم بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قبل الله تعالى أيضاً؛ ولابد من الالتفات إلى أن ولاية المعصومين وحكومتهم بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم تأتِ عبر تنصيب من لدن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بل أنه(صلى الله عليه وآله) لمّا صرّح بخلافة علي(عليه السلام) من بعده فإنما كان ذلك تبليغاً بالتنصيب الإلهي، وعلي(عليه السلام) إنما نُصِّب من قبل الله سبحانه للخلافة والولاية، وهكذا الحال بالنسبة لسائر الأئمة(عليهم السلام)؛ ولكن ثمة قضية أخرى تثار وهي: هل هنالك مَنْ نصِّب للحكم من قبل الله في عصر غيبة المعصوم(عليه السلام)؟ يُستفاد من الروايات الواردة في المصادر الروائية الشيعية أن الفقيه الجامع للشرائط المذكورة في الروايات هو الذي يمتلك حق الحاكمية في زمن غيبة المعصوم(عليه السلام)، وبتعبير بعض الروايات أنه: «المنصوب من قبل المعصومين»، فشرعية حكم الفقهاء وليدة النص العام عليهم من قبل المعصومين، المنصوص عليهم على نحو الخصوص من قبل الله تعالى. ففي نظر الشيعة يعتبر المعيار الذي يمنح الشرعية لحكومة رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو نفسه الذي يضفي الشرعية على حكومة المعصومين(عليهم السلام)، وكذا الحال بالنسبة لولاية الفقيه في زمن الغيبة، أي أن شرعية الحكم لا تناط برأي البشر على الإطلاق، وإنما هي أمر إلهي، وتأتي من خلال تنصيبه، والفارق بين تنصيب الأئمة(عليهم السلام) وتنصيب الفقهاء يكمن في أن تنصيب المعصومين عن طريق النص الخاص المشخص لهم، فيما جاء تنصيب الفقهاء عاماً، وفي كل زمان تحظى طائفة منهم بحق الحاكمية.

 

شرعية الحكم في نظر أهل السنة

يرى أهل السّنة أن الله لم ينصِّب إلاّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) حاكماً؛ فكيف تستطيع الحكومة في هذه الحالة إحراز شرعيتها؟ نقول في الإجابة: هنالك ثلاثة سبل لإحراز الحكم شرعيته:

أولها: إجماع المسلمين على حكومة فرد معين.

وثانيها: التعيين من قبل الخليفة السابق.

والثالث: تعيين أهل الحل والعقد.

والطريق الثالث هو أشهرها وأشملها لإحراز الشرعيّة في نظر أهل السنة؛ والمراد منه: إذا أجمع وجهاء المسلمين ـ وهم أهل الرأي والحجى ـ واختاروا حاكماً حينها ستحظى حكومته بالشرعية، وقد رأى البعض تطابق نظرية أهل السّنة فيما يتعلق بشرعية الحكم مع ديمقراطية الغرب، بل حاولوا وصف الإسلام بأنّه السبّاق في مجال الديمقراطية، وسوف نتطرق في موضع آخر إلى بحث نظرية أهل السنة بشأن شرعية الحكم، ونبين تضاربها مع الديمقراطية.