سؤال: ما هو دور الأمة في الحكومة الإسلامية؟
جوابه: بالإمكان بحث دور الأمة على بعدين: أولهما في إضفاء الشرعية على الحكومة الإسلامية، والآخر في إقامتها.
وبإجماع المسلمين فإن شرعية حكومة رسول الله(صلى الله عليه وآله) منبثقة عن الله تعالى، أي أنه تعالى هو الذي منحه(صلى الله عليه وآله) حق الحاكمية، ولم يكن لرأي الأُمة أي دور في إضفاء الشرعية على حكومته(صلى الله عليه وآله)؛ بيد أن دوراً حيوياً كان للأمة في إقامة حكومة النبي(صلى الله عليه وآله)؛ الذي لم يفرض حكمه بالقوة على الأمة، بل المسلمون هم الذين بايعوه قلباً ولساناً، وقبلوا حكومته طائعين؛ وقد ساهم دعم الأمة السخي في ترسيخ دعائم حكومة النبي(صلى الله عليه وآله).
هنالك اختلاف في الرأي بين السنّة والشيعة حول شرعية حكم الأئمة المعصومين(عليهم السلام)؛ حيث يعتقد أهل السنّة أن شرعية أية حكومة ـ عدا حكومة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ إنما تأتي من خلال رأي الأمة وبيعتها، فهم يعتقدون بأن الأمة لو لم تكن قد بايعت علياً(عليه السلام)؛ لما حظيت حكومته بالشرعية، فيما يعتقد الشيعة أن شرعية حكومة الأئمة المعصومين(عليهم السلام) مستمدة في التنصيب الإلهي؛ أي أن الله سبحانه هو الذي منحهم حق الحكم، وقد أدى النبي(صلى الله عليه وآله) دور المبلّغ في هذا المجال، أما بيعة الأمة وتبعيتها فقد كان لها الدور الأساس في إقامة حكومة المعصومين(عليهم السلام).
من هنا فإن علياً(عليه السلام) بالرغم من التنصيب الإلهي له لقيادة الأمة وزعامتها، ومع ما كان لحكومته من سمة شرعية؛ لكنه أحجم عن التدخل في الشؤون الاجتماعية لمدة خمسة وعشرين عاماً لعدم مبايعة الأمة إياه. فلم يفرض حكومته بالقوة على الناس، والكلام نفسه يصح بشأن سائر الأئمة(عليهم السلام).
الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة
ينبغي القول بشأن الحكومة في عصر الغيبة: نظراً لانتفاء الفارق بين وجود الإمام المعصوم(عليه السلام) وعدم وجوده في نظر أهل السنّة؛ وذلك لعدم اعتقادهم بالإمامة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) بالنحو الذي عليه الشيعة؛ فإن شرعية الحكم منوطة برأي الأمة، أي أنّ السُّنّة يرون إحراز الحكومة، أو الحاكم للشرعية عبر التصويت المباشر للأمة، أو تنصيب الخليفة السابق، أو عن طريق انتخاب أهل الحل والعقد؛ أما فقهاء الشيعة ـ عدا القليل من المعاصرين ـ فإنهم يذهبون إلى أن للفقيه حق الحاكمية في زمان الغيبة، والحكومة أمرٌ أوكله الله سبحانه للفقهاء عن طريق الأئمة المعصومين(عليهم السلام). إذن شرعية الحكومة في عصر الغيبة إنما تأتي من قبل الله سبحانه لا رأي للأمة في ذلك والتي يتمثل دورها بإضفاء العينية على الحكومة في عصر الغيبة وحسبُ، لا الشرعية.
لقد حاول البعض تضخيم دور الأمة في الحكومة الإسلامية ـ في عصر الغيبة ـ فقالوا: إن ما منحه الله سبحانه للفقهاء عن طريق الأئمة المعصومين(عليهم السلام) هو الولاية العامة، أي ليس تنصيب الفقهاء على غرار تنصيب المعصومين(عليهم السلام)للحكومة والولاية؛ لأن تنصيب الأئمة جاء خاصّاً ومحدّداً، أما الفقهاء فقد جرى تنصيبهم للولاية تنصيباً عاماً، ومن أجل تحديد فقيه، توكل إليه الحكومة والولاية يتعين الرجوع إلى آراء الأُمة. إذن الشرعية بالأساس من الله، أما تعيين الفقيه للحكم فهو منوط بالأُمة وهذا دورٌ يضاف إلى دور الأُمة في إضفاء العينية على حكومة الفقيه.
ينبغي لنا أن نقول في نقد هذه النظرية: إما أن يكون مراد المتحدث أن لحكومة الفقيه في عصر الغيبة شرعيةً تلفيقية، بمعنى أن شرعية ولاية الفقيه تتحقق بالتنصيب الإلهي وبرأي الأمة معاً، وبعبارة أخرى: إن رأي الأُمة يمثل إلى جانب التنصيب الإلهي جزءاً دخيلا في إضفاء الشرعية على حكومة الفقيه؛ أو مراده إن التنصيب الإلهي هو العنصر الأساسي في شرعية حكومة الفقيه في عصر الغيبة، غير أن الله سبحانه اشترط عدم إحراز الفقيه لحق الحكم؛ إذا لم تتوفر آراء الأمة؛ أي أنّ رأي الأمة شرطٌ في شرعية حكومة الفقيه وليس جزءاً دخيلا فيها.
وإذا أردنا إقحام رأي الأُمة في تعيين الشرعية بأي نحو كان؛ فإننا نواجه الإشكال التالي: هل أن الحاكمية هي حق للناس حتى يمنحوه لأحد؟
قلنا آنفاً: إن الحاكمية حقٌ لله فقط، والأئمة المعصومون(عليهم السلام) أحرزوا حق الحاكمية على الناس من لدن الباري تعالى فإذا ما كان لرأي الأمة دَخَلٌ في إضفاء الشرعية على الحكومة يتعين حينئذ فقدان الفقيه الحاكم للشرعية؛ متى ما رفضت الأمة حكومته، لكننا قلنا: إن للفقيه حق الولاية في عصر الغيبة، وهذا الحق إنما يكتسب صفة التحقق العيني من خلال قبول الأمة، فيلزم حينئذ من ذلك أن عدم موافقة الأمة يقتضي خلوّ المجتمع الإسلامي من الحكومة الشرعية.
تعليقات الزوار