على الرغم من مضيّ نحو ثلاثين عاماً -28 عاماً- على انتهاء الدفاع المقدس، إلا أنّ ذكرى الشهداء وأسماءهم لا يصيبها القِدم ولا تضيع؛ لقوله سبحانه وتعالى: ﴿أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ (آل عمران: 169)؛ فهم أحياء في الواقع، هذا هو حال الشهداء على مرّ التاريخ.

 

* حرب اليوم: تشويه الجهاد والمقاومة

إنّ هدف حرب العدوّ الناعمة اليوم، هو إبعاد الناس عن ساحة الجهاد والمقاومة، وجعلهم غير مبالين بالمثل العليا. وهم يديرون هذه الحملات الإعلاميّة الواسعة، وينفقون عليها المليارات لتيئيس الشعب الذي استطاع بمقاومته وصموده إفشال الكثير من المخططات. فالعدوّ يسعى للسيطرة على الأجواء الفكريّة والروحيّة. ولا نتصوّر أنّ العدو يريد شنّ حربٍ، واحتلال جزء من أراضي البلد، فهذه أساليب قديمة وغير مطروحة اليوم.

 

* أولاً: ذكر الشهداء؛ عبر الأقلام المبدعة

حسناً، في مثل هذه الظروف، فإن ذلك الشيء الذي يمكنه أن يثبّت أقدام الشعب، وأن يخلق فيه الشوق والنضارة، هو ذكر الشهداء. والمحافظة على ذكرى الشهداء اليوم هي مسؤولية وواجب. لذلك، يجب علينا أن نسعى في بيان سيرة الشهداء، وخصائص حياتهم، ونوعية سلوكهم في الحياة. إنّ روحية الإنسان، وخصائص حياته، وماضيه، ومبانيه الفكرية والعقائدية، هي قضايا في غاية الأهمية.

 

على فنّانينا أن لا يسعوا لإنتاج الأفلام فقط، ينبغي ألّا نغفل عن الكتاب. فليقم أهل الكتابة وأصحاب الأقلام المبدعة والذوق الرفيع، بتصوير هذه الأمور وتجسيدها، ليؤلّفوا كتباً قصيرة، بحيث يتمكّن الشباب من قراءتها بسهولة، لينتجوا وينشروا الكتب. لا داعي للمبالغة ولا لكتابة أشياء غير واقعية، فليقوموا بتبيين ما حدث في الواقع بشكل صحيح، بكل جمال وبلاغة؛ فإنّ هذا ما يجذب القلوب، ويترك تأثيراً في الناس.

 

* ثانياً: بيان مُثُل الشهداء العليا

توجد نقطة أخرى هي بيان المثل العليا والأهداف الكبرى للشهداء. فما هي الأهداف السامية التي قاتلوا من أجلها؟ هل كانت القضية مسألة حربٍ على الأرض وترسيم الحدود فقط؟ هل كان الأمر يقتصر على ذلك؟

كانت المثل العليا عبارة عن الإسلام، والله، والحكم الدينيّ والإسلاميّ. هذه المُثل كانت تشدّ ذلك الشابّ إلى الجبهة، ومن لا يصدّق ذلك فلينظر إلى وصاياهم. ما كان يوصي به الإمام الخمينيّ العظيم قدس سره في قراءة هذه الوصايا، سببه أنّها تظهر الدافع والسبب الذي جاء بهذا الشاب للحرب؛ أيّ جاذبيّة شدّته، وأيّ مغناطيس جذبه، وما الذي دفعه ليتجاوز أهواء الشباب، وليترك دراسته وجامعته، وليتخلّى عن أجواء حياته المريحة قرب أمّه وأبيه، وليتوجَّه إلى صقيع المناطق الباردة، أو حرارة المناطق الحارّة؛ ليقاتل العدوّ، حاملاً روحه على كفّه. بالطبع، فإنّ قتال العدوّ يبدو من بعيد أمراً هيّناً! فإن لم يذهب الإنسان إلى هناك، ولم يسمع أصوات القذائف والمدافع والانفجارات وما شابه، فلن يدرك واقع الأمر. هذا الشاب يهبّ للذهاب إلى هناك، ويقتحم المخاطر. من أجل ماذا؟ هذا ما يظهر في الوصايا؛ في سبيل الله وفي سبيل الإمام، ولأجل الحجاب. إنَّ قضية الدين والمُثل الإلهية، وحاكمية الإسلام، والثورة، والإسلام الثوريّ، هي التي كانت تدفع هؤلاء للقتال.

 

* ثالثاً: اغتنموا فرصة حياة آبائهم

توجد نقطة ثالثة، وهي أن تغتنموا الفرصة المتبقية للحديث مع آباء الشهداء وأمهاتهم. لقد رحل الكثير منهم، وضاعت هذه الفرصة، لنرى ما هو مَرْبَى هذا الشاب ومَنْبِتُه. عندما يتحدث الأب والأم، فإنّما يكشف كلامهما البيئة التي نشأ وكبر فيها هذا الشاب؛ من حيث الموقع الاجتماعي، ومن حيث الميول والتوجّهات المختلفة، إضافة إلى أنّ ذلك يكشف لنا بعض التفاصيل من حياة الشهيد أيضاً. هذه ثمرة أخرى فلا تضيّعوها، واجعلوها من الأولويات. اذهبوا أولاً نحو الآباء والأمهات الأحياء، وزوجات الشهداء، والإخوة والأخوات، واسألوهم عن الشهيد وعن أخلاقه وروحيّته، ثم ضعوا تلك المعلومات في متناول جيل الشباب.

 

* سِيَر الشهداء في أعمال فنيّة

إنّ هناك أعمالاً جيدة في الواقع، بعضها بصريّ لافت للنظر؛ أسماء الشهداء المباركة، وصورهم، ورسومهم وبعض كلماتهم التي تُعلّق في الشوارع والمعابر، لكن الأهم منها هو المضمون والمحتوى، فليكن العمل على تعزيز بُعد المحتوى وبُعد الهداية، والبُعد التربويّ؛ ليعرف شباب اليوم ما هو هذا الدفاع المقدس الذي نتحدّث عنه. كما إنّ بعض الكتب التي أُلّفت في هذا المجال جيدة جداً؛ حيث تصوّر تفاصيل الأحداث والتضحيات ومشاعر الغربة والإيثار والشهامة والشجاعة، التي كان يتحلّى بها الشباب خلال العمليات وقبل تلك العمليات، وما كانوا ينجزونه من مهام في تلك اللحظات العصيبة. لقد تمّ تصوير هذه الأمور وتبيينها بشكل جيد؛ فليتمّ تبيين هذه المسائل للجيل الشاب أيضاً.

 

نسأل الله أن يوفّقكم جميعاً، ويمنّ علينا بهذا الفيض أيضاً؛ لنتمكّن من فهم مرتبة الشهداء ومنزلتهم حقاً، وأن يجعل مجتمعنا مجتمع شهداء؛ لتتأمن الدنيا والآخرة شعبنا ومجتمعنا إن شاء الله.

 

(*) من کلمة الإمام الخامنئي دام ظله خلال لقائه أعضاء اللجان المنظمة لإحياء ذكرى الشهداء في محافظتي "كهكيلويه" و"بوير أحمد" وخراسان الشمالية 2-10-2016م.

 

المصدر: مجلة بقية الله