حسين جوان آراستة
خلاصة:
يتميز دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنّه دستور فُصِّل على مقاس نظام عقيدي ذي رؤية شمولية توحيدية، وحضور ديني فاعل في جميع مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية. وتؤكّد بعض مواد هذا الدستور مبدأ المساواة في الحقوق بين أفراد الشعب (بجنسيه) وذلك على أساس الكرامة الإنسانية وحق اكتساب الفضائل الأخلاقية وارتقاء سلّم الدرجات الروحية، من دون أن تثير بعض الحقائق الموضوعية غباراً حول مبدأ المساواة المذكور من قبيل الفروق الطبيعية بين المرأة والرجل مما هو مذكور في الفقه وبالتبع في القوانين المدنية والجزائية التي وضعها المشرّع نصب عينيه من خلال إضافة عبارة «شرط مراعاة الضوابط الإسلامية».
من هذه النافذة، يلج المؤلف موضوع حقوق المرأة في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبالتحديد من زاويتي الحقوق الاجتماعية والحقوق السياسية، ليخلص إلى نتيجة مفادها: «إنّ الدستور ينظر إلى حقوق المرأة بعين الاحترام في إطار الاعتبارات الدينية, سواء في الجانب الاجتماعي أو في الجانب السياسي؛ وذلك لجهة اعتماده مبدأ التأصيل ومحورية الدين. وهو لم ينجرّ وراء طروحات الآخرين في الإقرار بمبدأ المساواة اللامنطقية، من خلال رفضه مبدأ الاستغلال لكلا الجنسين، مؤكّداً في الوقت عينه على الفوارق الطبيعية لنصفي التفاحة البشرية».
مقدمة
إن الانطباع الذي يتولّد لدى المرء منذ الوهلة الأولى عند قراءته لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية, هو: أنّه ينطلق من قراءة خاصة للكون والإنسان، أراد المشرّع من ورائها التأسيس لنظام عقيدي ذو رؤية شمولية توحيدية، تعكس الحضور الديني القوي في جميع مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية.
بهذه العبارة يستهلّ الدستور موادّه: «يبيّن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية طبيعة المؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع الإيراني طبقاً للمقرّرات والضوابط الإسلامية»، وتختتم آخر مادة فيه والتي تعنى بالتعديل بهذه العبارة: «تشكّل الموادّ ذات الصلة بالهوية الإسلامية للنظام، وتشريع القوانين والمقرّرات استناداً إلى المعايير الإسلامية والأركان الإيمانية وأهداف الجمهورية الإسلامية والنظام الجمهوري وولاية الأمة وإمامتها، وإدارة شؤون البلاد استناداً إلى الآراء العامة والدين والمذهب الرسمي لإيران، كلّها مبادئ ثابتة لا تقبل التغيير».(1)
كثيرة هي «الموادّ ذات الصلة بالهوية الإسلامية للنظام» من جملتها وأهمّها المادة الرابعة التي تقول:
«يجب أن تخضع جميع القوانين والمقرّرات المدنية, والجزائية, والمالية, والاقتصادية, والإدارية, والثقافية, والعسكرية, والسياسية للضوابط الإسلامية. وتسود هذه المادة بصورة مطلقة وعامة على جميع مواد الدستور الأخرى، ومهمّة تحديد هذه المسألة هي من اختصاص مجلس صيانة الدستور».
هذا كله يوصلنا إلى حقيقة موضوعية مفادها أنّ الدستور الإيراني في كل ما ذهب إليه من تشريعات صريح في تبنّيه للضوابط الإسلامية بخصوص جميع القضايا، وقضية المرأة بالطبع واحدة من هذه القضايا.
تفصح المقدمة عن طبيعة الرؤية التي يحملها الدستور إزاء المرأة؛ إذ جاء فيها:
«في عملية إقامة المؤسسات الاجتماعية الإسلامية تحرير للكوادر البشرية التي ظلّت حتى هذه اللحظة مشروع استغلال شامل من قبل الأجنبي، من ربقة الاستلاب الماهوي، واستعادة لهوّيتها وحقوقها الطبيعية المغتصبة. ومن الطبيعي أن تكون حصّة المرأة من هذه الحقوق أكبر لتوازي حجم الظلم الذي وقع عليها أثناء النظام الاستبدادي السابق.
وتمثّل الأسرة الحاضنة الأولى لانطلاق الإنسان نحو فضاءات التعالي والسموّ، ومنها تخرج خيوط النسيج المجتمعي حيث وحدة العقيدة والهدف لحمته وسداه، لتنسج البساط الأحمر الذي تفترشه حركة الصعود الإنسانية نحو ذرى التكامل؛ لذا فإنّ تهيئة المستلزمات الضرورية بغية تحقيق هذا الهدف هي من صميم الواجبات التي تضطلع بها الحكومة الإسلامية.
إذن، وفي ظل هذه القراءة عن الخلية الأسرية، من الطبيعي أن تطرح المرأة عنها حالة التشيئ والتألية(من الآلة) التي تخدم مفهوم الاستهلاكية والاستغلال، لتعود إلى موقعها الإنساني الخطير والحيوي في ممارسة الأمومة، وتنشئة الفرد العقيدي الطليعي، ودخول معترك الحياة الفعّالة جنباً إلى جنب مع الرجل، لتتصدّى بالتالي لمسؤوليات أخطر وتحظى بشأن أعظم».
في هذه السطور، يرفض الدستور النظرة الدونية للمرأة، ليتناول دورها الموثّر على جميع الصُعد:
1- المرأة كأنثى ـ إحقاق حقوق المرأة.
2- المرأة كزوجة ـ هي اللبنة الأساسية في البناء الأسري ـ تمثّل الأسرة نقطة الانطلاق الرئيسية نحو سمو ورفعة المجتمع.
3- المرأة كأم ـ أولوية المرأة على الرجل في مسألة تربية النشء الجديد.
4- حضور المرأة في مجالات الحياة الفاعلة ـ بمعيّة الرجل ـ تصدّيها لمسؤولية أخطرـ حظوتها بمكانة أرفع.
ارتبطت نظرة الدستور إلى المرأة باعتبارها جزءاً لا يقبل الانفصال عن المنظومة الأسرية، وقد تُعَدُّ هذه النظرة تقليدية وكلاسيكية، في حين يجب الانتباه إلى أنّ الدستور لم يسع مطلقاً إلى حبس المرأة ضمن جدران البيت والأسرة، بل حرص على الحفاظ على البيت الأسري الذي يعاني للأسف من هشاشة أركانه في عالم اليوم. ويدلّ على ذلك تجاهل دساتير بعض الدول مثل الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وسويسرا لموضوع الزواج وموقع الأسرة وعدم الإشارة إليه ولو بشكل عابر، ما خلا الدستور الإيطالي الذي اكتفى في المادة 29 منه بالاعتراف رسمياً بالزواج.
تنصّ المادة العاشرة من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ما يلي:
«استناداً إلى أهمية الأسرة وموقعها وأنّها الرحم الذي يولد منه المجتمع الإسلامي، كان لزاماً أن تصبّ جميع القوانين ومشاريع القوانين والبرامج باتجاه تسهيل الزواج، وصيانة حرمته وقدسيته، والعمل على تمتين العلاقات الأسرية على مبدأ الحقوق والأخلاق الإسلامية».
ويجدر بنا هنا أن نشدّ على أيدي الذين أسهموا في تدوين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونثمّن موقفهم لما جاء في المادة 16 من ذلك الإعلان، بخاصّة مع عدم اكتراث معظم الدساتير العالمية إزاء هذه المسألة الخطيرة ونعني بها مسألة الزواج، تنصّ المادة المذكورة على:
«الأسرة هي اللبنة الطبيعية والرئيسية في البناء الاجتماعي، ووتستحق أن تحظى بالدعم والرعاية من قبل الدولة والمجتمع».
وجاء في توضيح مجلس الخبراء الإيراني للمادة العاشرة من الدستور الإيراني ما يلي:
«شرّعت هذه المادّة لإبراز خطورة الدور المناط بالأسرة باعتبارها منظومة اجتماعية خاصة، يجب صونها داخل حدود المجتمع، والتصدّي لكل ما من شأنه إضعافها وتفسيخها عن طريق وضع القوانين والبرامج الكفيلة بتحقيق هذا الهدف. لقد اقتطع عصر المكننة المرأة من محيطها الأسري ليرمي بها في متاهات المسؤولية الوظيفية، ما أربك كيان الأسرة برمّته، ... ليس في هذه المادة تأكيد خاص على مسؤولية المرأة حيال الرجل، بل هي تشير إلى الأسرة كوحدة بنيوية تتماهى في خضمّ المجتمع، وتلاشي كيانها بالمعنى المفهومي للكلمة. نعم، باستطاعة المرأة التوفيق بين العمل والبيت دون المساس بحقوق الأطفال، أو الإخلال بمسؤوليات الأمومة والزوجية. لكن الأمر المهم يكمن في الحيلولة دون انفصام العرى والوشائج بين الزوجة وزوجها والأم وطفلها، أو الإخلال بالمفاهيم المقدسة مثل عاطفة الأمومة وتربية الأبناء الذي قد يسببه خروج المرأة إلى ميادين العمل.(2)
ويضيف عضو آخر من أعضاء المجلس على هذه السطور قائلاً:
«لا ينبغي للأوضاع الاقتصادية السائدة في البلد أن تدفع بالنساء في الأسر الفقيرة إلى العمل خارج المنزل لتأمين معيشتهن».
ثم يتحدّث في المادة العاشرة عن قدسية الأسرة قائلاً:
«أحياناً، يجد موضوع تشكيل الأسرة في بعض الثقافات مفهوماً مادياً وجنسياً واقتصادياً، وأحياناً أخرى تراه يتقمّص مفهوماً أخلاقياً أرقى من هذه المفاهيم الأرضية. بعبارة أخرى: يقوم الزواج على الغريزة الجنسية المادّية تعضدها الشراكة الاقتصادية والاجتماعية وتنبض فيه روح إلهية دينية وجدانية. وبمراجعة سريعة للروايات والأحاديث الشريفة الواردة في موضوع الروابط الأخلاقية بين الزوجين وبين الأبناء ووالديهما والحقوق المتبادلة، يظهر لنا بجلاء أنّ الرسالة الرئيسية التي تستبطنها هي الثواب والرضا الإلهي, وهما قيمتان تسموان على العلاقة الجنسية أو الاقتصادية أو التكافلية، وهذا بالضبط ما عنينا به من القدسية.»(3)
ومن خلال طرح رؤية شاملة، يُلزم الدستور الإيراني الحكومة بتطبيق الإجراءات التالية(4) في إطار حقوق المرأة:
1- توفير الشروط الكفيلة برفع مكانة المرأة، والنهوض بحقوقها المادية والمعنوية.(المرأة كأنثى).
2- حماية الأمومة، بالأخص في فترة الحمل وحضانة الطفل، وحماية الأطفال المشرّدين.(5)(المرأة كأم)
3- استحداث المحاكم الصالحة للحفاظ على كيان الأسرة وديمومتها.(المرأة كزوجة)
4- تشريع قوانين الضمان الاجتماعي لحماية الأرامل وكبار السن واللائي لا وصيّ لهنّ. (المرأة كجنس لطيف)
5- منح الأمهات الصالحات حضانة الأطفال مراعاة لمصلحتهم وذلك في حال عدم وجود وليّ قانوني. (المرأة كأم)
ويتراءى لنا أنّ المادة الأولى من بين المواد الخمس المذكورة أعلاه هي الأكثر ملامسة لأنوثة المرأة في النواحي الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحيث إن هذه الحقوق قد كفلها الدستور الإيراني لجميع أفراد الشعب رجالاً ونساءً في مادّته العشرين، لذا لم ير المشرّع ضرورة تكرارها في البند الأول من المادة الحادية والعشرين، فاكتفى بتعبير عام وهو «إحياء الحقوق المادية والمعنوية» للمرأة.
نبدأ الآن دراستنا الحقوقية بشقّيها الاجتماعي والسياسي من خلال نظرة سريعة في موادّ الدستور الإيراني:
الدستور والحقوق الاجتماعية للمرأة
المساواة بين المرأة والرجل هي المقولة الأهمّ التي تعترضنا أثناء مناقشتنا لموضوع الحقوق الاجتماعية للمرأة.
تنصّ المادّة التاسعة عشرة من الدستور الإيراني على ما يلي:
«يتمتّع الشعب الإيراني بكل طوائفه وفئاته بحقوق متساوية، ولا تمييز بينهم بسبب اللون أو العرق أو اللغة أو ما شابه.»
وجاء في المادّة العشرين:
«يعتبر جميع أفراد الشعب رجالاً ونساءً سواسية أمام القانون، ويتمتّعون بكافة الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية شرط مراعاة الضوابط الإسلامية».
لنقارن هاتين المادتين مع مثيلاتهما في الدساتير الأخرى:
تنصّ المادّة الثانية من الدستور الإيطالي على:
«يتمتّع جميع المواطنين بمكانة اجتماعية متماثلة، وهم سواسية أمام القانون لا تمييز بينهم بسبب اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو المعتقد السياسي أو الظروف الفردية والاجتماعية».(6)
المادّة التاسعة عشرة من دستور روسيا الاتحادية (البند الثاني):
«تضمن الحكومة تساوي الأفراد في الحقوق والحريات دون النظر إلى الجنس أو العرق أو الطائفة أو اللغة أو الدين أو الثروة.... إلخ».
المادّة الخامسة عشرة من الدستور الكندي:
«يتمتّع جميع الأفراد بحقوق وحماية متساوية تجاه القانون بعيداً عن أي تمييز بسبب العرق أو الجذور الوطنية أو القومية أو اللون أو الدين أو الجنس.... إلخ».(7)
المادّة الأربعون من الدستور المصري:
«المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا فرق بينهم بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين أو المعتقد».
يلاحظ أنّه حتى مصر، الدولة الإسلامية المهمّة ترفض ما تعتبره تمييزاً جنسياً، والعبارات التي تضمّنتها تلك الدساتير في ما يتعلّق بالمساواة بين المرأة والرجل هي من وحي المادّة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(8) التي تقول: «لكل فرد الحق بالتمتّع بجميع الحقوق والحريات الوارد ذكرها في هذا الإعلان دون اعتبار لأي اختلاف في العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين... إلخ».
في المادّة الثالثة من الميثاق الأممي للحقوق المدنية والسياسية(9) تتعهد الحكومات باحترام المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة.
هنا قد يتساءل البعض لماذا لم تذكر المادّة التاسعة عشرة من الدستور صراحة أن لا فضل للرجل على المرأة، وهل تعدّ عبارة «وما شابه» الواردة في المادّة التاسعة عشرة إشارة «للجنس» أيضاً؟
الذي يستشفّ من المداولات الختامية لمجلس خبراء الدستور حول هذه المادّة هو أنّها لم تعن بحقوق المرأة أو الرجل لا من قريب ولا من بعيد، «بل تناولت العوامل الطبيعية ذات الخصوصية الجغرافية».(10) نفس هذا الغموض يكتنف مسألة عدم ذكر «الدين». في ردّه على استفسار أحد النواب حول سبب عدم ذكر كلمة الدين في هذه المادّة، قال نائب رئيس مجلس الخبراء: «لقد قلنا كلمتنا سلفاً في ما يخصّ الدين، وفي هذه المادّة أردنا فقط أن نوضّح عدم وجود أي دور للعرق أو اللون أو القومية في موضوع تحديد الحقوق، بناءً على ذلك لا علاقة لهذه المادّة بتاتاً بالدين».(11)
إذن، وبعد أن اتّضحت الصورة بالنسبة للمادّة التاسعة عشرة، نواصل بحثنا مع المادّة العشرين من الدستور التي تتناول موضوع حقوق المرأة(12) عبر أبعاد ثلاثة:
1- المرأة والرجل سواسية أمام القانون.
2- يتمتّعان بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
3- شرط مراعاة الضوابط الإسلامية.
هذه الأبعاد تشمل كل شيء عدا مفهوم المساواة في حقوق الجنسين بالمعنى المتداول والمقصود به (التشابه والتماثل)، بل إنّ مدوني الدستور الإيراني لم يسعهم الموافقة على ما تضمّنته المادّتان 2 و16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مساواة في حقوق الجنسين, أو بعبارة أدقّ التطابق في حقوقهما والمقتبس في جميع الدساتير. فعند تدوينهم لهذه المادّة وضعوا نصب أعينهم الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة الواردة في الفقه الإسلامي وبالتبع في القوانين المدنية والجزائية من قبيل النكاح والطلاق والإرث والولاية والحضانة والشهادة والديات والقصاص و...، التي تكرّر ذكرها في مواضع عدّة.(13)
إنّ فكرة وجود فوارق طبيعية بين الجنسين كانت من البداهة؛ بحيث لم تلق أي معارضة البتة، ولعلّ إضافة عبارة «شرط مراعاة الضوابط الإسلامية» كان من باب رفع أي التباس قد يشوب مصطلح المساواة.(14)
لا جدال في أنّ الإسلام يقف في وجه كل محاولات التمييز وعدم المساواة، وهو لم يخلع على الرجل امتيازات أو فضائل ترفع من شرفه وكرامته بالمقارنة مع المرأة، لقد قال عزّ من قائل:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم ).(15)
إذن، لا دور هنا للجنس أو الطائفة في تقييم شأن الإنسان وشرفه، بل الكلمة الفصل للتقوى، فالمرأة المسلمة المؤمنة تنال نصيبها من الثواب الإلهي بنفس المقدار الذي يناله الرجل,(16) وليس للخبيثين أن ينكحوا الطيبات,(17) لأنّ العروج إلى سماء الحياة الطيبة وفق المفهوم القرآني لا يتوقف على جنس الفرد، بل يتطلب جناحين يرتقي بهما أولهما الإيمان وثانيهما العمل الصالح,(18) وربّ امرأة زكت على الرجال وتربّعت على ذرى الفضيلة، إلى الدرجة التي جعلت نبي زمانها مشدوهاً لعظم شرفها وسموّ فضلها.(19)
لم ير المدوّنون للدستور الإيراني، وهم في غالبيتهم من الفقهاء المجتهدين والباحثين الإسلاميين، في اختلاف الجنس اختلافاً في الإنسانية، وهو اعتقاد يستمدّ شرعيّته من مبادئ الدين الإسلامي الصريحة، لكنّ الاختلاف الموجود في حقوق المرأة والرجل أمر بديهي نظراً لوجود فوارق خَلْقية معترف بها، وأي تجاهل لهذه الحقيقة باسم شعار المساواة، هو في الواقع قفز على جميع الفوارق الموجودة. إن شرط «مراعاة الضوابط الإسلامية» الوارد في المادّة العشرين يحمل إشارة بوجوب التسليم بالفوارق الطبيعية بين المرأة والرجل، ووضع كلّ منهما في مكانه الصحيح كما هو وضعهما في الفقه الإسلامي.
وفي مجال تشريع الحقوق والواجبات نظر الشارع المقدّس إلى المرأة كمرأة وإلى الرجل كرجل، وبهذه الرؤية المتّزنة والشمولية لحقوق المرأة والرجل نكون قد حقّقنا المساواة المنشودة بينهما، بعيداً عن أيّ تمييز، وما التباين الذي نلحظه في الحقوق بين الجنسين (التي ترجح كفته المرأة تارة ولصالح الرجل تارة أخرى) إلا نتيجة طبيعية للفرق العضوي والروحي بين كل منهما، وإغفال هذه الحقيقة سينتج عنه ظلم عظيم للمرأة كما للرجل.
بصرف النظر عمّا قيل حتى الآن، هنالك سؤال يبرز إلى الواجهة وهو، أيّ امتياز قُدّم للمرأة من خلال تشريع المادّة العشرين في الدستور الإيراني؟ كما أسلفنا، لم تكن المادّة التاسعة عشرة أساساً تعنى بمسألة حقوق المرأة؛ لذلك أنيطت هذه المهمّة بالمادّة العشرين، التي إذا ما تأمّلناها جيّداً سنجد أنّ المشرّع رأى تقاطع مبدأ المساواة بالمفهوم المتداول مع صريح التشريعات الإسلامية، وهذا ما دفعه إلى إضافة عبارة «شرط مراعاة الضوابط الإسلامية» إلى المادّة المذكورة.
ولكن، أليس من الغرابة أن نكون مؤمنين بمبادئنا الدينية، ونحاول التقوقع في حالة من التكلّف والتصنّع؟ فإضافة هذه المادّة لن يضيف إلى المرأة المسلمة شيئاً أو يسلبها شيء. إذن ما فائدة أن نضمّن دستورنا بند المساواة بين الرجل والمرأة الوارد في بقية الدساتير إن كنّا لا نؤمن بمضمونه ولا نتمثّل جوهره، ناهيك عن أنّه لا يستند إلى خلفية منطقية، فماذا يعني ذلك غير التلاعب بالكلمات والعبارات؟ ومع هذا، كان على المشرّعين الذين أبدوا جرأة وشجاعة فريدتين في الثبات على المبادئ والتمسّك بالمسلّمات الإسلامية، ولم ينحنوا أمام صيحات المزايدة، أن يكتفوا بمحكم الدستور وبالتحديد مضمون المادّة الرابعة، والانصراف عن هذه المادّة.
انطلاقاً ممّا ذكر، وأخذاً بالاعتبارات الخاصة التي تصبّ باتّجاه التأكيد على الهوية الإسلامية للدستور، تكون الحكومة ملزمة «بالعمل على تأمين جميع حقوق أفراد الشعب (رجالاً ونساءً) وخلق فرص قضائية عادلة للجميع وأن يكونوا سواسية أمام القانون»(20) امتثالاً لروح الدستور الذي يحثّ الحكومة أيضاً على توظيف جميع طاقاتها وإمكانياتها «لإلغاء مظاهر التمييز المجحف، وتوفير فرص متساوية للجميع وعلى جميع الأصعدة المادّية والروحية».(21)
يتيح الدستور فرص عمل متساوية لكلا الجنسين؛ وذلك لأنّه: «يحقّ لكل فرد أن يختار العمل الذي يناسبه شرط عدم تعارضه مع مبادئ الإسلام والمصالح العامة وحقوق الآخرين. وعلى الحكومة توفير فرص العمل وخلق ظروف متساوية أمام الجميع للحصول عليه، وذلك في ضوء حاجة المجتمع».(22)
تنصّ المادّة 163 من الدستور على: «يحدّد القانون مواصفات القاضي طبقاً للضوابط الفقهية».
من ناحية أخرى، تنصّ المادّة الأولى من القانون الخاص بشروط اختيار قضاة المحاكم الصادر في عام 1982 على: «يتمّ اختيار القضاة من بين الرجال المؤهلين»، وقد أدّت التطورات اللاحقة إلى تعاظم دور المرأة في سلك القضاء، ما استدعى إصدار التعديل المؤرخ 19/4/1995 على المذكرة الإيضاحية رقم 5 للمادّة الأولى جاء فيه: «يجوز للنساء المؤهلات من ذوات الاختصاصات القضائية أسوة بالرجال التصدّي لمنصب مستشار في المحكمة الإدارية العليا والمحاكم المدنية الخاصة ومنصب قاضي تحقيق، ومستشار الدوائر الحقوقية وما شابه»، وطبقاً لذلك فتح الباب أمام النساء لشغل جميع المناصب القضائية باستثناء رئاسة المحكمة وإصدار الأحكام التي ألقيت بمسؤوليتها على عاتق الرجال وذلك وفقاً لشبه إجماع عند الفقهاء تتبعهم في ذلك القوانين العادية.
وعلى العموم، تقودنا هذه الدراسة إلى أنّ الدستور في جزئه المتعلّق «بالحقوق الاجتماعية للمرأة» يسجّل عدّة حقائق من جملتها:
1- إلغاء التماثل القانوني بين المرأة والرجل.
2- إلغاء التمييز القانوني بين المرأة والرجل.
3- القبول بمبدأ التمايز القانوني بالنسبة للمرأة والرجل.
4- إناطة مسؤولية تحديد أمثلة التمايز آنفة الذكر بالقوانين العادية وطبقاً للضوابط الإسلامية.
الحقوق السياسية للمرأة في الدستور
يشدّد الدستور الإيراني على مبدأ المشاركة العامة لجميع الأفراد نساءً ورجالاً في إدارة شؤون البلد على مختلف الأصعدة وذلك عن طريق إجراء الانتخابات أو الاستفتاء العام،(23) وبالنسبة لشروط المُنتَخَبين والمنتَخِبين، لم يضع المشرّع أي فروق بين الرجل والمرأة، بل أناط بالقانون تحديد تلك الشروط(24)
وبشكل عام يمكن تصنيف المشاركة السياسية النسائية إلى ثلاثة محاور:
أولاً: المشاركة في السلطة التنفيذية
1- القيادة
طبقاً للمادة 107، يضطلع مجلس الخبراء بمهمّة اختيار القائد، حيث يتشاور أعضاؤه حول جميع الفقهاء المؤهلين المنصوص عليهم في المادتين 5 و109.
فالمادّة الخامسة تنصّ على: «تناط قيادة الأمة وإمامتها بفقيه عادل ورع محيط بظروف عصره، شجاع، مدبّر وحكيم».
كذلك تستعرض المادّة 109 من الدستور جملة من الصفات الواجب توفّرها في القائد من قبيل:
«1- الأهلية العلمية اللازمة للإفتاء في أبواب الفقه المختلفة، 2- العدالة والورع اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية، 3- الرؤية السياسية والاجتماعية الثاقبة، التدبير، الشجاعة، الإدارة الناجحة، والقدرة اللازمة للقيادة».
الفقه، والعدل والأهلية العلمية، ثلاثة شروط وردت في المادّتين المذكورتين، بينما لم يرد ذكر لشرط الرجولة، ويبدو أنّ هذا الشرط قد احتسبه المشرّع شرطاً مسلّماً ومفروغاً منه؛ لأنّ الإسلام قد جعل ولاية الأمر والإمامة أمانة في أعناق الرجال، دون أن يشكّل ذلك منقصة للمرأة بل مكرمة تراعي خصوصيّتها وتحفظ لها حرمتها وكرامتها.
ما فتئت ثقافة الإسلام تنظر إلى مسألة تقلّد المسؤولية نظرة تكليف وأمانة قبل أن تكون نظرة مغانم ومناصب. وإنّ مسؤولية قيادة المسلمين وولاية أمرهم من الخطورة بحيث ينوء بحملها حتى من أمسك بطيب الخصال. بلى، قد لا يرى قصير النظر في الرئاسة أبعد من كونها منصباً مرموقاً يسيل له اللعاب، عندها لا يُستغرَب من أمثاله أن يُشكلوا على الله بسبب عدم ارتقاء المرأة لمرتبة النبوة. والجواب على مثل هذا الإشكال موجود في علم الأنثربولوجيا ومعايير التقييم وطبيعة المسؤولية التي تتناسب مع شخصية كل من المرأة والرجل، وهو أمر لا يتسع هذا المقال للدخول في تفاصيله.
وإذا كان الدستور قد وضع شرط الذكورة لمنصب رئيس الجمهورية وهو منصب لا يتضمّن ولاية الأمر، فمن باب أولى أن يتضمّن منصب القائد وهو ولي الأمر هذا الشرط.
2- رئاسة الجمهورية
حول مواصفات المرشّح لهذا المنصب تنصّ المادّة 115 من الدستور على: «يختار رئيس الجمهورية من بين الشخصيات الدينية والسياسية»، ويمثّل هذا المنصب أعلى منصب رسمي في البلاد بعد مرشد الثورة، وتقع على الرئيس مهمّة تطبيق موادّ الدستور وإدارة السلطة التنفيذية عدا ما يتعلّق منها بمسؤوليات المرشد.(25) وواضح أنّ هذا الموقع يحمّل صاحبه مسؤوليات جسام. ولقد أثير جدل واسع حول كلمة «الشخصيات» الواردة في المادّة المذكورة؛ حيث إنّ البعض بذل جهداً مشكوراً لتوسيع معنى الكلمة حتى تشمل النساء أيضاً، معلّلين ذلك بأنّها تشير إلى مدلول شخصاني وليس جنساني.
تستعمل كلمة «شخصية» للدلالة على الأشخاص البارزين والمعروفين؛ لذلك فهي تحتمل معنى النساء أيضاً، ولعلّ القائلين بهذا الرأي لم يكونوا مؤمنين في قرارة أنفسهم بهذا الاستدلال، صحيح أنّ هذه الكلمة تعني في اللغة الفارسية العظماء والنخب، لكنّ مدلولها هنا يخصّ العظماء من الرجال دون النساء؛ إذ سيكون من باب المزاح والسخرية أن يطلق في الفارسية لقب شخصية علمية أو سياسية على المرأة، ولم يحدث أن استخدمت مثل هذه التعابير من قبل في المرأة ولو لمرة واحدة، بل حتى القائلين بهذا الرأي لم يقيموا دليلاً واحداً يؤيّد مدّعاهم، لا بل إنّ متابعة سريعة لسير المناقشات التي جرت بين خبراء الدستور توضّح بجلاء مقصود المشترع في هذا الخصوص.(26) وأخيراً لا يسعنا إلا القول بأنّ استخدام كلمة «الشخصيات» بدلاً من الرجال كانت تخريجة ماهرة للدلالة على شرط الذكورة دون التصريح به جهاراً.
3- الوزارة
من وجهة نظر الدستور لا يوجد أي مانع في توزير النساء، وهذا ما تنصّ عليه المادّة 133 التي تخوّل القوانين الجارية مهمّة تحديد عدد الوزراء ونطاق صلاحيّاتهم.
ثانياً: المشاركة في السلطة التشريعية
1- مجلس الشورى الإسلامي
يمثّل مجلس الشورى الإسلامي تجسيداً حياً لإرادة الشعب وتعبيراً عن خلاصة نخبه، وهو يقف على رأس هرم السلطات الثلاثة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك لموقعه التشريعي والرقابي المتميّز، وكذلك للصلاحيات والنفوذ اللذان يتمتّع بهما.
تنصّ المادّة 58 من الدستور على أنّ: «نوّاب الشعب المنتخبون يجسّدون الإرادة التشريعية في مجلس الشورى الإسلامي».
جاء في المادّة 62: «يتألف مجلس الشورى الإسلامي من نوّاب الشعب الذين يُنتخبون مباشرة بطريقة الاقتراع السرّي».
يجيز الدستور حضور المرأة في السلطة التشريعية، ولم يحدّد عدد النوّاب النساء، بل ترك ذلك إلى الشعب ليقرّر ما يراه مناسباً، حتى لو تمّ اختيار جميع النوّاب من النساء، بما في ذلك منصب رئاسة السلطة التشريعية، من هنا، يتّضح لنا كم هي الطريق معبدة لوصول المرأة إلى أكثر المناصب حساسية في الدولة.
2- مجلس المحافظة على الدستور
للسلطة التشريعية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ركنان الأول مجلس الشورى الإسلامي والثاني مجلس المحافظة على الدستور، تربطهما علاقة عمودية، إذ يتمتّع مجلس المحافظة على الدستور بسلطات واسعة لدرجة أنّ مجلس الشورى الإسلامي يستمدّ شرعيّته منه.(27) يتألّف المجلس بموجب المادة 91 من ستّة فقهاء يعيّنهم مرشد الثورة، وستّة خبراء قانونيين يرشّحهم رئيس المحكمة العليا ثم يعرضون على مجلس الشورى لنيل الثقة، ولا يوجد أي حظر شرعي أو قانوني لدخول المرأة في هذا الميدان.
أمّا ما يتعلّق بمنصب الوزير، فلم يحدث أن تقلّدت سيدة إيرانية هذا المنصب حتى الآن، على الرغم من عدم وجود أي قيود قانونية في هذا المجال، وقد يعزى السبب إلى كونه منصباً تنفيذياً تكتنفه بعض التعقيدات والإشكاليات الخاصة به في نظام الجمهورية الإسلامية، ولعلّ الوقت قد حان ليقوم مجلس الأوصياء بإعداد التشريعات المناسبة لوصول النساء المؤهلات لهذا المنصب؛ لأنّ ذلك سيغلق الباب بوجه أي جدل في هذا المجال.
ومن جهتي لا أتفق مع مبدأ توزير المرأة بالرغم من جميع التأكيدات الواردة في الشريعة السمحاء بخصوص صيانة حرمة المرأة وكرامتها، وفي تعليل ذلك أقول: مع وجود رجال أكفاء ومختصّين للتصدّي للمناصب الوزارية فما الداعي لإقحام المرأة في المواقع التنفذية المعقّدة؟ نعم، متى ما خلا الموقع من ذوي الخبرة والاختصاص من الرجال حينذاك سيكون لكل حادث حديث ويكون توزير المرأة موضع ترحيب.
ولكنّ السؤال الملحّ في الوقت الحاضر هو لماذا لم تجد المرأة طريقها إلى مجلس الأوصياء بعد ربع قرن على تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ هل يكمن السبب في الافتقار إلى ذوات الكفاءة من النساء ؟ قطعاً لا. هل أنّ تبوّء مقعد في مجلس المحافظة على الدستور هو ذو طبيعة تنفيذية, وبالتالي ربّما يقدح في كرامة المرأة؟ الجواب بالتأكيد لا.
من هنا، وبالنظر لرجحان أهمية منبر مجلس الأوصياء على المنصب الوزاري، نقترح دخول المرأة إلى هذا المجلس لكي يترجم النظام الإسلامي في إيران عملياً اهتمامه بحقوق المرأة، ويعدّ المستلزمات الضرورية للنهوض بواقع المرأة وتسجّل حضوراً مؤثراً وفاعلاً لها في مواقع اتّخاذ القرار وعلى أعلى المستويات في البلاد، فحضورها في هذا المجلس يعني التواجد في المكان الذي يتيح لها المساهمة في التنظير للدستور,(28) ناهيك عن الإشراف على سير جميع الانتخابات (عدا انتخابات المجالس المحلية الإسلامية) وكذلك جميع الاستفتاءات.(29)
ثالثاً: المشاركة في السلطة القضائية
هل يحقّ للمرأة التواجد على رأس السلطة القضائية في البلاد؟ لقد أشرنا في ما سبق إلى المادّة 136 التي تعطي القوانين الجارية صلاحية تحديد مواصفات القاضي والشروط التي ينبغي توافرها فيه حسب الأصول الفقهية، لكنّا نعلم أنّ القوانين الجارية لا تجيز للمرأة القضاء إصدار الأحكام القضائية على الرغم من السماح لها بدخول هذا الجهاز. في هذا السياق، لا يعتبر موقع رئيس السلطة القضائية منصباً قضائياً، بل هو منصب سياسي، وأحد السلطات الثلاثة في البلاد نظراً إلى أنّ شاغله يعيّن من بين الفقهاء المجتهدين المؤهلين، لذلك في حال وجود من تحمل الشروط اللازمة لهذا المنصب وهي الاجتهاد، العدالة، الإلمام بالقضاء، التدبير، والحكمة آنذاك يمكن لمرشد الثورة أنّ يضعها في هذا الموقع، وذلك حسبما نصّت عليه المادّة 157؛ لأنّ رئيس السلطة القضائية لا يقضي حتى نقول: إنّ تصدّي المرأة لهذا المنصب يتعارض مع الضوابط الفقهية، فهو مكلّف بمهام محدّدة أتى على ذكرها الدستور في المادّة 158 وهي: استحداث الهيئات الضرورية في المحاكم، إعداد اللوائح القضائية، تعيين القضاة العدول والمؤهلين، عزلهم وتنصيبهم، تسيير الشؤون الإدارية، وفي ما يتعلّق بالمرأة, فلا توجد أي موانع فقهية تحول بينها وبين الدخول في أي حلقة من الحلقات المذكورة.
رابعاً: المشاركة في جميع الهيئات السياسية الرفيعة
1- مجلس خبراء القيادة
خوّل الدستور مجلس المحافظة على الدستور صلاحية تعيين شروط ومواصفات الخبراء وذلك للدورة الأولى، ومن ثمّ تنتقل هذه الصلاحية تلقائياً إلى مجلس الخبراء نفسه ليقرّر ما يراه مناسباً في هذا الشأن.(30) ويمكن للمرأة أن تجرّب حظّها في هذا المرفق الحسّاس؛ لأنّ لوائح هذا المجلس لم تنصّ على شرط «الذكورة» لأعضائها.
2- مجمع تشخيص مصلحة النظام
يتمّ تعيين أعضاء هذا المجمع (الدائم منهم والمؤقت) من قبل مرشد الثورة,(31) وقد سمح الدستور بالحضور النسائي في هذا المجلس وإن لم يتمّ هذا حتى الآن، ولو تمّ لكنّا أنصفنا النسوة المؤهلات للدخول في هذا المحفل، ولأسكتنا الأبواق المغرضة في الداخل والخارج. ولا شك في أنّ حكمة مرشد الثورة ودرايته ستفتح الباب أمام التطوّر والرؤية الشمولية ورفع اللبس وسوء الفهم تجاه هذا المجمع، كما ستخدم مصالح النظام بالتأكيد.
3- المجلس الأعلى للأمن القومي
هذا المجلس أيضاً لا يضع أية قيود قانونية على تبوء المرأة مقاعد فيه وذلك نظراً لتركيبة أعضائه المنصوص عليها في المادّة 176 من الدستور.
4- هيئة إعادة صياغة الدستور
وتتألف من 9 لجان هي: أعضاء مجلس المحافظة، رؤساء السلطات الثلاثة، الأعضاء الدائمون في مجمع تشخيص مصلحة النظام، خمسة أعضاء من مجلس خبراء القيادة، عشرة أشخاص يختارهم المرشد، ثلاثة أشخاص من مجلس الوزراء، ثلاثة أعضاء من السلطة القضائية، عشرة نواب من مجلس الشورى الإسلامي، وثلاثة أشخاص من الهيئات التدريسية الجامعية.(32) في ضوء ما قيل، يتبيّن لنا أنّ الباب مفتوح على مصراعيه للحضور النسوي في هذه الهيئة، وأكثر من ذلك يمكن أن يمَثَّلْنَ في كل لجنة من لجانه التسع المذكورة أعلاه، ليسجّلن بذلك حضوراً نسوياً قويّاً وفاعلاً، علماً بأنّه قد حضرت جلسات كتابة الدستور نائبة واحدة فقط. ومن الطبيعي كلما دعت الحاجة إلى إعادة النظر في الدستور، يتحتّم اتّخاذ الخطوات التمهيدية لتأمين مشاركة المرأة التي تمثّل نصف المجتمع في كتابة أهم وثيقة قانونية وسياسية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
خلاصة:
1- إن الشراكة النسوية الفاعلة في جميع مرافق الحياة السياسية الوطنية ـ عدا القيادة ورئاسة الجمهورية ـ هي موضع ترحيب من قبل دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
2- في ضوء عدم وجود أي مانع قانوني لحضور المرأة في بعض المؤسسات مثل مجلس المحافظة على الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام، فإنّ اتّخاذ خطوات عملية وملموسة في هذا الشأن يمكن أن يزيد من مصداقية وصواب موقف المسؤولين في الجمهورية الإسلامية في عدم انسجام بعض المواقع التنفيذية البحتة مع حرمة المرأة وكرامتها.
3- إنّ الدستور ينظر إلى حقوق المرأة بعين الاحترام سواء في الجانب الاجتماعي أو في الجانب السياسي في إطار الاعتبارات الدينية وذلك لجهة اعتماده مبدأ التأصيل ومحورية الدين. كما أنَّه لم ينجرّ وراء طروحات الآخرين في الإقرار بمبدأ المساواة اللامنطقية، من خلال رفضه مبدأ الاستغلال لكلا الجنسين، مؤكّداً في الوقت ذاته الفوارق الطبيعية لنصفي الجنس البشري.
________________________________
[1] المادة 177 من دستور الجمهورية الإسلامية في إيران.
[2] عبد الكريم أردبيلي، وقائع مناقشات المجلس، المراجعة النهائية للدستور، ج1، ص440- 441.
[3] محمد بهشتي، نفس المصدر السابق، ص442. في هذا الشأن صرّح آية الله مشكيني قائلاً: الآية الشريفة: «هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ» أروع تعبير عن معنى القدسية.(نفس المصدر، ص443)
[4] المادّة 21 .
[5] هذا الدعم يشمل الفقرات 76- 78 من قانون العمل. ومن هذه الحالات إجازة الحمل والولادة للنساء العاملات هي 90 يوماً، وتخفيف أعباء العمل على المرأة العاملة من قبل صاحب العمل واحتساب ذلك ضمن ساعات عملها سيتيح للأم فرصة رضاعة وليدها حتى اكتمال الحولين. راجع أيضاً: قانون حمل الأمتعة باليد دون الاستعانة بالأدوات الميكانيكية الخاص بالنساء، الصادر عن الهيئة العليا للعمل في 16/3/1991.
[6] مكتب الاتفاقيات الدولية، دستور الجمهورية الإيطالية، طهران، معاونية البحوث، تدوين وتنقيح القوانين واللوائح في البلاد، طبعة ثانية، 2000، ص24.
[7] مكتب الاتفاقيات الدولية، الدستور الكندي، طهران، معاونية البحوث، تدوين وتنقيح القوانين واللوائح في البلاد، طبعة أولى، 1999، ص125.
[8] الصادر في 10 ديسمبر 1948.
[9] الصادر في 1966.
[10] نائب رئيس مجلس الخبراء، الوقائع الكاملة لمناقشات المجلس، المراجعة النهائية للدستور، الجلسة 27، ج1، ص690.
[11] نفس المصدر.
[12] نفس المصدر، ج1، ص692.
[13] نفس المصدر، ص692- 693.
[14] نفس المصدر.
[15] سورة الحجرات, الآية 13.
[16] سورة الأحزاب, الآية 35.
[17] سورة النور, الآية 26.
[18] {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة}.(سورة النحل, الآية 97).
[19] {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أنّى لك هذا، قالت هو من عند الله...}(سورة آل عمران, الآية 37).
[20] البند 14 من المادة الثالثة.
[21] البند 13 من المادة الثالثة.
[22] المادة 28 من الدستور.
[23] المادة السادسة.
[24] المادة 62.
[25] المادة 113.
[26] راجع: الوقائع الكاملة للمجلس: المراجعة النهائية للدستور، ج3، ص1771- 1767.
[27] المادة 93.
[28] طبقاً للمادة 98.
[29] طبقاً للمادة 99.
[30] المادة 108.
[31] المادة 112.
[32] المادة 177.
تعليقات الزوار