قبل فترة وجيزة فارقت روح سماحة آية الله محمد علي التسخيري هذه الحياة، وكان هذا العالم أحد أنشط علماء الشيعة في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية. وفي البيان الذي أصدره الإمام الخامنئي عقب رحيله اعتبر سماحته أنّ صحيفة أعماله كانت لامعة بالفعل في مجال خدمة المجامع الإسلامية.
ينشر موقع KHAMENEI.IR بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل هذا العالم الجليل حواراً كان قد أُجري عام ٢٠١٢ مع آية الله التسخيري حول نشاطاته في العالم الإسلامي.
بداية نرجو أن تحدّثونا قليلاً عن كيفية تعرّفكم على الإمام الخامنئي.
قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، لم تكن لديّ معرفة تامّة بسماحة الإمام الخامنئي؛ لأنّني كنت في النجف وغالباً ما كنت على معرفة بأوضاع وشخصيّات ومراجع النّجف. بعد دخول السّجن في زمن صدّام، وقد كانت فترة قاسية؛ قاموا بنفيي. ورغم أنّ والداي كانا إيرانيّان، إلا أنّني غالباً ما كنت على تواصل مع الطلاب العرب. والدي هو آية الله الشيخ علي أكبر التنكابني، وقد كان عالماً فاضلاً جاء إلى النجف وتتلمذ على يد علماء كبار كآية الله العظمى العراقي، وآية الله العظمى النائيني ثمّ آية الله العظمى الخوئي وتزوّج هناك بعلويّة من عائلة قدامى الإصفهانيّين وقد كانت من عائلة إمام جمعة إصفهان. كانت الوالدة غالباً ما تتحدّث باللغة العربيّة ولم يكن الوالد على معرفة كبيرة باللغة العربيّة. لذلك تعلّمت من جهة قليلاً من اللغة الفارسيّة من ناحية والدي والكثير من اللغة العربيّة بفضل والدتي والأجواء التي كانت محيطة بي. والدّروس أيضاً كانت في أغلب الأحيان تُقام بين الطلبة العرب. والأساتذة كانوا يدرّسون في أغلب الأحيان باللغة العربيّة؛ فالمرحوم آية الله العظمى الخوئي كان يدرّس بالعربيّة، والمرحون آية الله السيد محمّد تقي الحكيم صاحب أصول الفقه المقارن، كان يدرّس باللغة العربيّة.
ما هو السبب الأساسي لتواجدكم في إيران وكيف بدأ تعاونكم مع مكتب قائد الثورة الإسلاميّة؟
نظراً لإتقاني اللغة العربيّة ومعرفتي بالأجواء العربيّة هناك، دخلت التنظيم الحزبي التابع للمرحوم الأستاذ والشهيد العظيم السيد محمّد باقر الصّدر. تمحور عمل هذا التنظيم حول مكافحة صدام والنظام البعثي. بعد فعاليات مديدة في هذا الحزب، وقعت في سجن قاسٍ يُدعى قصر النهاية. ثمّ بفضل الله وبواسطة النفوذ الذي كان لدى الإمام الخميني وخوف البعثيّين من الإمام (رحمة الله عليه) نجوت وتمّ نفيي إلى إيران. وطوال ستّ أو سبع سنوات قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، انهمكت ببعض الأنشطة الثقافيّة والسياسيّة في بعض الأحيان ومع بلوغ الثورة ذروتها، سرتُ على ذلك المسار الذي تكلّل بالنّصر بعون من الله. قبل ذلك لم أكن على معرفة بالإمام الخامنئي، وكانت معرفتي بسماحته عامّة، لكن من الواضح أنّه بعد انتصار الثورة الإسلاميّة كانت لديّ محبّة خاصّة تجاه الإمام الخميني (قده) وتلامذته. وأحد تلامذة الإمام البارزين كان آية الله الخانئي الذي كنت أشعر فعلاً بحبّ شديد لشخصه وخطاباته. وفي العام الذي عُيّن فيه قائداً للثورة الإسلاميّة، طلبوا في يوم من الأيام أن أذهب للقاء سماحته. لقد دخل سماحته الساحة منذ اليوم الأوّل بنظرة دوليّة شاملة وقال لي أنّني أتوقّع منذ الآن اللقاء بالعديد من رؤساء الجمهورية والشخصيات المهمّة وسوف أعرّفك مستشاراً لي في العلاقات الدوليّة.
هل المقصود هو مستشار الشؤون الدوليّة في مكتب قيادة الثورة الإسلاميّة؟
لا، لم يكن هناك مكتبٌ لكي نكون بخدمة الإمام الخامنئي. وقد تمّ لاحقاً تسليمي مكتباً وأوكلت إليّ مسؤولية أن أكون مستشاراً دوليّاً لمكتب قائد الثورة الإسلاميّة. طلبوا مني أن أجهّز مشروعاً شاملاً. وقد جهّزت بناء على حبّي للإمام الخامنئي ومعرفتي بوجهات نظره العالميّة ذلك المشروع.
ما الذي كان يتضمّنه مشروعكم؟
لدينا في خارج البلاد عدّة عناصر؛ لو نظرنا في الوقت الخاليّ إلى نسبة الشيعة، الزيديّين، العلويّين وغير الإثنى عشريّين أيضاً، سنرى أنّ عددهم يبلغ حوالي المئتي مليوناً حول العالم. حسناً، هؤلاء المئتي مليون يمثّلون أقرب مقرّ للجمهوريّة الإسلاميّة. هؤلاء مدافعو الثورة الإسلاميّة. قلوبهم معنا. لقد واجهوا مصاعب عديدة. والأعداء مارسوا عليهم ضغوطاً كثيرة. ونحن كنا منشغلين بالحرب وسائر قضايانا ولم نملك فرصة الاهتمام بقضاياهم ومشاكلهم؛ وكان علينا أن نفكّر بشيعة العالم. اقترحت على الإمام الخامنئي أن نؤسّس مجمعاً يُدعى مجمع أهل البيت العالميّ. رحّب سماحته بهذه الفكرة كثيراً ووافق عليها.
في البداية اجتمع عدد من المفكّرين والمخططين في البلاد ووضعوا ورقة تأسيسيّة لهذا المجمع. لكنّه شهد تغييرات فيما بعد. ثمّ اتجهنا نحو تأسيس مؤتمر طهران الكبير. كان أوّل مؤتمرٍ في تاريخ الشيعة وشارك فيه كبار الشيعة من أكثر من خمسين دولة حول العالم. طبعاً تطوّر هذا المؤتمر فيما بعد ليضمّ أكثر من مئة دولة. بحثنا عن الشخصيّات ودعوناهم إلى طهران وتمّ طرح بعض المواضيع. والمجموعة التي جاءت اقترحت أن يتمّ تأسيس المجمع العالميّ لأهل البيت بحيث يكون مركزه الجمهوريّة الإسلاميّة.
لقد قلتم بأنّ ورقة تأسيس المجمع كتبها عدد من الأشخاص، هل يمكنكم ذكر أسمائهم؟
كنت أنا منهم، وحجّة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ شفيعي نيا وآخرون لا أذكر أسمائهم الآن. هذا المجمع تأسس بناء على أمر من الإمام الخامنئي وكان مصدر خيرٍ بالفعل. تمّ استكمال كتابة ورقة التأسيس وكنّا نبحث عن أمين عامّ للمجمع. دعني أذكر خاطرة حول الفترة التي كان فيها الطريق إلى العراق مغلقاً. في إحدى الليالي شاهدت في عالم الرؤيا نفسي ذاهباً إلى كربلاء ولكن ما إن وصلت إلى الحدود، فُتحت الحدود. ما إن وصلت إلى كربلاء، دخلت إلى حرم أبي عبدالله الحسين وعبرت البوابة الداخليّة للحرم وزُرت زيارة من أعماق القلب. كنت مسروراً جدّاً في الصباح وأفكّر في تفسير هذه الرّؤيا؟ لم تنقضِ ساعة حتّى استدعاني الإمام الخامنئي وطلب منّي أن أكون الأمين العام لمجمع أهل البيت العالمي وتخدم الشيعة حول العالم بكامل قوّتك.
بعد تأسيس المجمع العالمي لأهل البيت، ما هي الخطوات الأخرى التي تمّت من أجل تقوية العلاقات داخل الأمّة الإسلاميّة؟
الاقتراح الآخر الذي قدّمه الإمام الخامنئي كان تشكيل مجمع خاصّ بأهل السنّة، بحيث يكون شبيهاً بمجمع دار التقريب في القاهرة. دار التقريب ذاك تأسس عام 1940 م في القاهرة. وشارك فيه عدد كبير من علماء أهل السنّة وعدد من علماء الشيعة كالمرحوم شلتوت، والمرحوم حسن البنّا رئيس الإخوان المسلمين، والمرحوم الشيخ محمّد المدني.
ذلك المجمع ساهم كثيراً في التقريب بين الشيعة والسنّة، وانتهى بفتوى الشيخ شلتوت ثمّ طباعة مجمع البيان وطباعة كتاب حديث الثقلين في القاهرة وسائر الأمور الأخرى. ثمّ في العام 1970 م انتشرت مجلّته أيضاً لكنّ أولئك العظام انتقلوا إلى رحمة الله تعالى. وكان بين الشيعة المرحوم كاشف الغطاء والمرحوم آية الله العظمى البروجردي. بعد وفاة هؤلاء العظام، توقّف العمل في مجمع دار التقريب.
ومن أجل إحياء هذا النهج والتنسيق مع مجمع أهل البيت، تمّ تأسيس المجمع العالميّ للتقريب بين المذاهب في طهران. طبعاً هذان لم يكونا متناقضين أبداً. فكلاهما كانا يصبّان في خدمة أهل البيت (عليهم السلام) ووحدة الأمّة الإسلاميّة. كان هذا مشروعاً يضمّ ملياراً وخمسمئة مليوناً من أهل السنّة. وهناك مؤسسة أخرى تأسست بأمر من الإمام الخامنئي تُدعى مؤسسة المدارس والحوزات العلميّة في العالم، وكانت خاصّة بالطلبة خارج الحدود والطلبة الذين يسكنون في إيران من غير الإيرانيّين ويحتاجون مركزاً للعلوم الإسلاميّة. ضمّت مؤسسة المدارس والحوزات العلميّة حول العالم حوالي سبعمائة مدرسة غالبيّتها من المدارس النائية، والتي كانت بحاجة إلى أستاذ أو برامج معيّنة وتعاني من ضائقات ماليّة.
من الخطوات المهمّة الأخرى المنجزة كان تأسيس مجلس الشورى الإعلامي الأعلى. ومجلس الشورى الأعلى هذا لم يستطع القيام بالتنسيقات اللازمة في حياة الإمام الخميني، لذلك تمّ تشكيل مجلس شورى بإدارة الإمام الخامنئي من أجل تنظيمه بشكل أكبر. لعلّ مجلس الشورى الوحيد الذي يشرف الإمام الخامنئي على إدارته بشكل شخصي هو مجلس الشورى هذا، وهو يضمّ وزراء وممثل رئيس الجمهوريّة والوزراء المعنيّين وقد كان مجلس شورى كبير ومهمّ للغاية.
كانت جلسات مجلس الشورى هذه تنعقد بحضور الإمام الخامنئي؟
نعم، لا أذكر بعده مجلس شورى بتلك العظمة. ثمّ بادر بعض المسؤولين هناك لتقديم اقتراح للإمام الخامنئي. فالسيد لاريجاني الذي كان حينها وزير الثقافة والسيد الصدر الذي كان الأمين العام للشورى والسيّد محمّدي العراقي الذي كان رئيس مؤسسة التبليغ وأنا العبد، تقدّمنا باقتراح تأسيس مؤسسة كبرى تدمج بين المؤسسات الدوليّة المتنوّعة كمؤسسة التبليغ الدوليّة، ومؤسسة التوجيه الدوليّة، ومجمع أهل البيت ومجمع التقريب. كان ينبغي دمج هذه المؤسسات ونشاطاتها بشكل كامل لكي تتحرّك ضمن إطار مؤسسة واحدة.
طبعاً، للوهلة الأولى كان الإجماع على أن يتمّ دمج كلّ الأنشطة الدوليّة في هذه المؤسسة. وكانت هناك قضيّتان ينبغي حلّهما: الأولى، هل هناك إمكانيّة لاتخاذ خطوة بهذه العظمة وهذا الحجم أم لا؟ ثانياً، من هو الشخص القادر على تحمّل مسؤوليّة هذا العمل العظيم؟ على كلّ حال بعد حوالي السنة والنصف أمر قائد الثورة الإسلاميّة بتأسيس مؤسسة الثقافة والعلاقات. هذه المؤسسة حملت أهدافاً عظيمة وسامية كإرسال المبلّغين إلى أنحاء العالم، وتوجيه كافّة المجلّات التابعة للجمهورية الإسلامية خارج البلاد، وقد كانت حينها تفوق المئة مجلّة وتتمّ ترجمتها لمختلف اللغات، وتوجيه وطباعة مختلف الكتب من قبل الجمهورية الإسلاميّة، وقضيّة الحوار مع الأديان، وقضيّة الحوار مع أهل السنّة، وقضيّة التشيّع، والقضايا المرتبطة بالتعرّف على إيران. حددنا ستّة دوائر؛ دائرة إيران، دائرة الشيعة، دائرة الثورة، دائرة الإسلام، دائرة الأديان والدائرة البشريّة العامّة.
وتمّ رسم خطوط استراتيجيّة ضمن كلّ واحدة من هذه الدوائر. وتمّ طرح حوالي الأربعين إلى خمسين موضوعاً في هذا الملفّ؛ من بينها: الاهتمام بشؤون النساء خارج البلاد، والأطفال، ومختلف فئات المجتمع، الترويج لإيران، وتاريخ إيران، وثقافة إيران، واللغة الفارسيّة، والثورة، وجذور الثورة، ورجال الثورة وإنجازات الثورة. طبعاً، كان كلّ هذا بفضل الرّؤية الشاملة التي كانت متوفّرة لدى الإمام الخامنئي، وكانت تنطوي على أهميّة وقيمة كبيرة. تمّ وضع ورقة تأسيسيّة مرحليّة لهذا الأمر. وقد منّ قائد الثورة الإسلاميّة عليّ بتأسيس هذه المؤسسة. كان الأمر صعباً جدّاً بالنسبة إليّ، فقد كان عليّ إجراء عمليّتين جراحيّتين كبيرتين؛ الأولى تتمثّل في التعرّف على مختلف المؤسسات الدوليّة التي ذكرتها وتحليلها وحلّها وهذا كان أمراً في غاية الصعوبة والثاني كان دمج هذه المؤسسات في هيكل واحد. كيف كان يجدر بي تقسيم الطاقات؟ وماذا عن قضيّة كتابة الورقة التأسيسيّة وبعدها شرح المكانة الحكوميّة لهذه المؤسسة الجديدة.
في نهاية المطاف تمّ تأسيس مؤسسة جيّدة بميزانيّة ضئيلة للغاية. وقد بُذلت لأجلها جهودٌ كثيرة. وفي كلّ مرّة كنا نتشرّف فيها بلقاء الإمام الخامنئي كان يفتح أمامنا أفقاً واسعاً من آفاق هذا الموضوع. ونحن كنا نبذل الجهود من أجل تحقيق الأهداف التي يرسمها سماحته لنا.
ومع كلّ خطوة كان يرسم لنا أهدافاً أرفع وأسمى. هذا التخطيط وهذه الأهداف، كلّها كانت تصبّ ضمن إطار الأنشطة الإعلاميّة والتبليغيّة التي كان الإمام الخامنئي يرمي إلى تحقيقها. بعد ذلك أيضاً تمّ دمج المركز العالمي للعلوم الإسلاميّة ومركز مؤسسة المدارس والحوزات بأمرٍ من سماحته. وبالطّبع، كانتا قبل الدمج مؤسسة واحدة مع مستشارّين، فقد كانت الرئاسة تنسّق مع مستشارَين مختلفين. وفي المرحلة الثالثة تمّ دمج كلّ هذه المؤسسات في جامعة المصطفى العالميّة. وهذه الجامعة تمثّل اليوم حركة عالميّة عظيمة. كلّ هذه الأمور ناجمة عن عمق أفكار الإمام الخامنئي السامية وتلك الرؤية العالميّة الواسعة التي يملكها سماحته.
أوّل خاطرة أذكرها هي خاطرة تخطيط الإمام الخامنئي من أجل الأنشطة الثقافية، ولم تكن أذهاننا تكترث لمثل هذه الأمور لكنّها دلّت على رؤية الإمام الخامنئي الشاملة. هذه الأمور التي ذكرتها، يتفرّع عن كلّ واحد منها فروع وتوابع. وفي كلّ باب هناك حركة خاصّة ومعيّنة. والأحزاب الشيعيّة المتنوّعة، ومراكزها الثقافيّة، وقواها، وخبراؤها الاقتصاديّون، كلّها كانت بحاجة إلى جهود تنسيقيّة كبيرة لكي يتسنّى حلّ مشاكل كلّ واحد منها.
تعليقات الزوار