تمر علينا هذه الايام ذكرى شهادة السيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى قدس سرهما، هذا الرجل اتصف بمواصفات قل نظيرها وهذه اخته التي ام تعرف حق معرفتها لا في حیاتها ولابعدها لتقتدي المرأة الیوم بها حیث تفتقد مثلها هذه الایام. هي کانت حقا زینب عصرا وجاهدت وصمدت کزینب سلام الله علیها.
ها هي ذكرى شهادة المفكّر الكبير والمجاهد العظيم السيد محمد باقر الصدر، وأخته العالمة المربّية العلوية آمنة الصدر الملقبة ب "بنت الهدى" تطلّ علينا من جديد حاملة العظات والعبر، ورغم أن الكثيرين قد كتبوا خلال الاربعین عاما مروّا على هذه الواقعة الأليمة فتركوا رصيداً مهماً على صعيد توضيح أبعاد الشخصيتين الكريمتين، فإن الحديث عنهما ما يزال غضّاً يانعاً في جوانبه المختلفة العلمية والاجتماعية والسياسية.
هذا وإن الحديث عن الشهيدة بنت الهدى لا يكاد ينفصل عن الحديث عن أخيها وأستاذها الشهيد الصدر، ويبدو من غير الممكن فهم شخصية الشهيدة دون المرور ولو بشكل سريع بشخصية الشهيد الصدر والعلاقة الخاصة بينهما.
ففي ذکری الواحد و الأربعين لاستشهادها طلبنا من احدی تلامذتها التي تشرفت ان تتربی علی ید طاهرة کآمنة الصدر تذكر لنا بعض جوانب حیاتها. هذه منی زلزلة تلميذة من تلميذات الشهيدة بنت الهدى رضوان الله تعالی علیها، خريجة كلية الهندسة عام 1978، عضو في المجلس الأعلى الإسلامي، عضو سابق في مجلس النواب وعضو في الجمعية الوطنية التي تتحدث عن ذکرياتها وما تعلمت من استاذتها قبل اکثر من 40 عاما:
السؤال: کيف يمکن التعريف على شخصية السيدة بنت الهدی وحياتها ونضالها، اهدافها:
كانت حركة الشهيدة بنت الهدى مميزة فقد تعرفت الفتيات عليها كمشرفة لمدارس الزهراء صلوات الله عليها، أما كتاباتها فقد سبق دورها التربوي في مدارس الزهراء علیها السلام بسنوات ، فكانت مقالاتها في مجلة الأضواء مخصصة للنهوض بالمرأة لتأخذ دورها المهمش بفعل سياستين مختلفتي الاتجاه تعمل كالمقص لتحويل دور المرأة العراقية إلى دور دمية جميلة سواء في داخل اسرتها ومجتمعها، فلم يسمح للمرأة العراقية أن تكون راعية لبيت زوجها. كان عيباً أن تقول الواحدة في منتصف القرن العشرين ان عملها هو ربة بيت!!!! فهربت المرأة من البيت الى الوظيفة فوجدت الوظيفة تحصر نشاطها بارضاء مديرها بدلا عن ابيها او زوجها وتقدم لها اموالا نهاية كل شهر.
في مثل هذه الاجواء المسمومة شمرت الشهيدة بنت الهدى عن ساعديها وتحركت بجد واخلاص وطاعة لمرجعيتها وقد تميز تحركها التربوي في ذاك الوقت بألقاء محاضرات وهي بعملها هذا سبقت كل التربويات واقدمت على القاء المحاضرات بوسط اجتماعي وبلغة تفهمها النساء سواءً بقصتها او مقالاتها والمتميز بهذا الدور هي شخصيتها الفاعلة وقلمها الجذاب فقد كانت شاعرة وكتبت الكثير من القصص وطبعتها وكنا نقوم بتوزيعها.
كنا في ذلك الوقت في مرحلة المتوسطة، الذي كان يثير الاعجاب والحماس في شخصيتها انها لم تدخل المدرسة!! ولم تملك المال لتشتري الكتاب! كانت عائلة متعففة لاتصرف على نفسها اموال الخمس التي تصلهم من محبيهم. فكانت هي بحد ذاتها حجة على كل النساء اللاتي يتكاسلن عن التعلم في البيت والتفقه بامور دينهن.
كان التلفزيون ومجلات الموضة تقوم مقام الموبايل في يومنا هذا، فقد كنا اسيرات الموضة ومتسمرين امام التلفزيون الذي يهزأ بقيمنا وتراثنا ويدعوننا الى التحلل الاخلاقي لنحصل على اعجاب الشباب والمجتمع، كانت الافلام المصرية ومجلة حواء تربط بين الحرية ومظهر السفور والتحلل ومع العلم والجهل والتخلف والعباءة من جهة اخرى ، فكان عيباً ان تدخل الفتاة الجامعة بالعباءة!…
وكان قبحاً ان تستري نفسك، وتخلفا ان رفضت مصافحة رجل، لكن بنت الهدى نسجت من القصص وكتبت المقالات لتعري هذا التثقيف الزائف للحقائق فقد كانت تحضر مناقشات مسائية في بيوت بغداد قادمة من النجف مع النساء الی وقت متأخر بالليل تنتهي دائما بارتداء الحجاب والتوبة الى الله، كانت النسوة اسرع اهتداء من رجالهن وخصوصا الطبقة المثقفة والضباط لانتشار حفلات المجون والسكر في أوساطهم، كانت الخلافات الزوجية بسبب رفض الزوجة مرافقة زوجها لتلك الحفلات ورفضها ان تهیئ له او لاصدقائه موائد الخمر! نعم كانت بنت الهدى تختلط وتناقش هكذا مستوى من النساء وتهديهم للحق...
السؤال: هل کان لنشاطاتها التربویة ثمرة واضحة اجتماعیا؟
اغاظ هذا النشاط الفرق الحزبية التي تمنع الكتاب الديني لان صدام في وقتها قد اصدر كتيبا يصف الدين والتدين بالتخلف والحجاب بالرجعية!
وأتذكر أن أختي أوقفتها المديرة وفتشت حقيبتها لتجد قصة لبنت الهدى فتصرخ كمن وجد ثعبانا في الحقيبة، واصبحت في السبعينيات كتب بنت الهدى تتداول سرا خوفا من مصادرتها!
كما حاول حزب البعث اخافتها فقد اتصلنا على شركة تاكسي معروفة لكي يوصل بنت الهدى بوقت متأخر من ليل ساخن بالمناقشات الى بيتها في بغداد/الكاظمية فمنعوه ان يرسل سيارة وبعثوا بسيارتهم وحاول سائقهم التحرش بكلمات معها ورفض الوقوف عندما طلبت منه التوقف بحجة انه سكران ففتحت باب السيارة فاضطر للتوقف ونزلت وأخذت سيارة اجرة اخر من الشارع ورجعت للبيت لتكتب شعرها الخالد الذي تردده المئات من تلميذاتها وهن تحت سياط التعذيب بالسجون:
انا كنت اعلم ان درب الحق بالاشواك حافل خال من الريحان ينشر عطره بين الجداول...
السؤال: عاشت السيدة آمنة الصدر ايام انطلاق الثورة الإسلامية فی إيران وقد قال أخوها فی قائد هذه الثورة :" ذوبوا فی الإمام الخميني کما هو ذاب فی الاسلام". ما کان رأیها بهذه الانطلاقة وما کان دورها؟
مع انتصار الثورة الاسلامية كانت تهنئة المرجع الشهيد الامام محمدباقر الصدر للامام الخميني بانتصارها وابتهاج الشعب العراقي بها كأول مرجع واول شعب يعلن عن تأييده لانتصار الثورة دون حكومته الغاشمة سبب رعباً في داخل الاوساط البعثية فاعتقلوا الشهيد الصدر فخرجت بنت الهدى الى حرم جدها صارخة الظليمة الظليمة قد اعتقل مرجعكم.
فخرجت التظاهرات في النجف وبغداد والبصرة ولبنان فكانت انتفاضة17رجب فاطلقوا سراحه.
فجاءت الناس تتوافد على بيته معلنة تاييدها له وبالمقابل واجهت حكومة البعث الصدامي وبالحديد والنار تاييد الشعب لتهنئة الامام الصدر للامام الخميني فامتلئت السجون بالشباب والشابات المثقفات وتم حجز العوائل ومصادرة املاكهم وعلى حين غرة يتفاجأ الشعب العراقي بانه فاقد لهويته وارضه وماله ومطرود على الحدود بلا اولاده وبلا اموال تجارته، فاصبح اكثر من مليون عراقي خارج الحدود مهجّر قسرا وكثير من العراقيين قد اخذوا فتوى بالخروج خارج العراق للعمل بفتوى الشهيد الصدر في تحرير العراق، حيث كان الشهيد الصدر يعلم جيدا باساليب البعثية القمعية لهذا اوصى وهو في حياته ان اذا حوصر ومنع من الخروج فعين قيادة نائبة في خارج الوطن تعمل لاستحالة عملها بالداخل لتخليص الشعب العراقي من هذه العصابة البعثية.
بنت الهدى كما قالت لي سكرتيرة صدام ونشرتها في مجلة المجاهدة بأن جلبها صدام الى القصر ورأها مرتدية لجلباب اسود طويل وخيرها صدام بين ان يطلق سراحها مقابل ان تظهر على شاشة التلفزيون وتنال بسوء الامام الخميني قدس سره فرفضت فاعدمت برصاص داخل القصر.
لقد اعتقلت مع اخيها دون بقية افراد اسرته وتصوروا كما قال احد البعثيين بعد سنوات من اعدامهما ستستقر البلاد واقنعوهم بان اعدامهما سينهي ثورة الناس عليهم وتنتهي حالة الاضطرابات والاعتقالات، لكن الحقيقة المرة ان البعثيين لم يناموا ليلة هانئة منذ ذلك اليوم، فقد اجبروا الشعب العراقي باشعال حروب ثلاث وعلى مدى ثلاثين عاماً تدمر كل مابناه العراق، وادى بالنهاية الى سقوط صدام بعد ان سمح لقوات التحالف الدخول لتحفظ سرقاتها من النفط ومنعت الناس من دخولها وتركوهم يعبثون ببقية الوزارات.
السؤال: باعتقادي انها ظُلمت فی حیاتها وبعد استشهادها بما ان المجتمع لایعرفها ولاتتخذها المراة قدوة لها. ما رایك؟
في الحقيقة هي رحلت عند بارئها، لكن الذي خسر هو الشعب العراقي لانه يفتقد الى قصص ناجحة ميدانية وبنت الهدى والثلة اللاتي عملن معها لو تم الحديت عنهن لافتخرت النساء وخصوصاً اليوم حيث نجد الكثير من الفتيات يتحججن بعدم قدرتهن على اكمال التعليم لانهن داخل البيت او فقيرات لا يملكون ملابس مناسبة او يتعللن بانهن يتيمات لكن لو طرحنا بنت الهدى لوجدناها هي افضل نموذج عراقي وشيعي فهي يتيمة الاب بعمر السنتين وامية لم تدخل مدرسة وضحت بكل مواهبها وفي ذروة نجاحها الباهر من اجل ان توقف مشروع خطير يفرق الشيعة عن مرجعيتها واشعال الفتن بما يسمى مرجعية عربية قبال مرجعية الامام الخميني، فرفض الشهيد محمدباقر الصدر ذلك ورفضت بنت الهدى وقدمت حياتها لتبقى الحوزة الدينية لعصية عن اختراقها.
السؤال: ما هي مواصفات مدرسة بنت الهدی؟
مدرسة بنت الهدى واضحة من حركتها مستقلة الإرادة والاختيار ورغم ضعفها المادي والاجتماعي إلا أن إرادتها قوية في ان تتوفق لتبلغ اعلى درجات الكرام وقد ساعدها الله على ذلك والحمد لله رب العالمين.
تم اعتقال شهيدنا الأول محمد باقر الصدر رضوان الله عليه في يوم 19جمادى الأولى 1400هجري الموافق 1980/4/5 ميلادي.
وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال والتعذيب الشديد تم إعدامه مع أخته العلوية الطاهرة بنت الهدى وكان عمره الشريف 47 سنة وفي مساء يوم 1980/4/9 ، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساء قطعت السلطة البعثية التيار الكهربائي عن مدينة النجف المقدسة وفي ظلام الليل الدامس تم دفنهما مضرجين بدماء الشهادة الطاهرة وعلامات التعذيب واضحة على الجسدين الشريفين في مقبرة وادي السلام المجاورة للمرقد الشريف للإمام علي (عليه السلام).
تعليقات الزوار