الجانب الإعلاميّ في الحركة الحسينيّة (2)(*)
سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)
لا يمكن فصل الدور الإعلاميّ عن حركة الإمام الحسين عليه السلام قبل معركة كربلاء، وخلالها، وما بعدها، لما له من أهميّة بالغة في بيان الحقائق ودفع الافتراءات والأكاذيب.
فبعد أن تناولنا حركة الإمام عليه السلام الإعلاميّة في العدد السابق، يبقى أن نترجم ذلك في واقعنا الحاليّ، في كيفيّة الاستفادة منها في مواجهة الأضاليل الإعلاميّة، خصوصاً ما تبثّه شبكات التواصل الاجتماعيّ.
•ماذا نستفيد من معركة الإمام عليه السلام الإعلاميّة؟
إنّ لمعركة الإمام الحسين عليه السلام الإعلاميّة فوائد جمّة ينبغي الوقوف عندها، وهي كالآتي:
1- عدم الاستهانة بالحرب الإعلاميّة والنفسيّة التي تُشنّ على المؤمنين والمجاهدين والمقاومين والمظلومين في كلّ مكان من العالم؛ فهذه الحرب جزءٌ من معركة العدوّ التي يخوضها إلى جانب القتال والعسكر والقصف والاغتيال.
2- الاستفادة من كلّ الإمكانات والفرص والقدرات المتاحة في الجانب الإعلاميّ والتبليغيّ، وهذا جزء يجب أن يكون أساسيّاً في المعركة التي نخوضها، إلى جانب الناس والرأي العام في زماننا هذا، خصوصاً أنّ ثمّة إمكانات هائلة، وتطوّراً تكنولوجيّاً، وتقنيّات كثيرة يجب أن يُستفاد منها جميعها.
3- مواجهة الحرب النفسيّة والإعلاميّة القائمة على: الكذب والافتراء والتزوير والتشويه وتحريف الوقائع وتسقيط القرآن الكريم، الممتدّة منذ زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، عن طريق تحصين أنفسنا؛ فلا تؤثّر فينا هذه الحرب، ولا تزلزلنا، ولا تدفعنا إلى الشكّ، والتردّد، والضياع، والتيه. ولذلك، من جملة الوسائل القرآنيّة في المواجهة هي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: 6)؛ يخاطب الله سبحانه وتعالى المؤمنين وأصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمجاهدين والمقاومين في كلّ مكان، وهم غير معصومين ويمكن أن يخطئوا، فيطلب منهم أن يتبيّنوا، وأن لا يحكموا على أيّ خبر سمعوه قبل أن يتأكّدوا منه.
إذا أرادت الحالات الإيمانيّة والجهاديّة في عالمنا ومنطقتنا أن تصدّق كلّ ما يُشاع من أخبار وأقوال واتّهامات، فإنّها ستتلاشى خلال أيّام قليلة، وستفقد وجودها ومعنويّاتها وآمالها وثقتها بنفسها. لذلك، فإنّ الخطوة الأولى في هذا الطريق هي التحصين؛ فعندما نسمع أيّ خبر، سواء كان يتعلّق بنا أو بغيرنا، لا يجوز أن نقبله كيفما كان، خصوصاً أنّنا نعيش في زمنٍ يشيع فيه الاتّهام والكذب والتزوير والتشويه، فكيف إذا كانت هذه الأخبار تأتينا من جهة معادية ومتآمرة، تتمنّى فناءنا من الأساس؟! من هنا، لا يصحّ أن نصدّق كلّ ما نسمعه، أو أن نقبله، أو أن نبني عليه، بل يجب أن نستبين، ونحقّق، وندقّق.
4- اعتماد أسس وقواعد واضحة في مواجهتنا الإعلاميّة، سواء كانت دفاعاً أو هجوماً؛ فالجميع مسؤولون عن شرح معطيات الموقف وحيثيّاته للناس وللرأي العامّ.
5- التحلّي بمنطق قويّ نقدّمه للناس، يستند إلى استدلال، وبرهان، وحجّة؛ لأنّنا نريد أن يصبح الناس قادرين على التحليل والفهم وتقدير المواقف. وهذا ما نسمّيه بـ"البصيرة"، إذ ليس المطلوب أن يقبل الناس كلّ شيء كيفما كان، بل المطلوب أن يعرفوا الأسس، والقواعد، والمباني، والأدلّة، والحجج، والمنطق، والأهداف، والضوابط، حتّى تتكامل هذه المسيرة بكلّ مستوياتها.
6- بناء الموقف على أساس الحقّ، والصدق في نقل الوقائع؛ فلا نزوّر، ولا نحرّف الحقائق، ولا نخترع وقائع، ولا نفتري على أحد، ولا نتّهم أحداً بلا دليل، ولا ننساق إلى الافتراءات، ولا نكون سبّابين ولا شتّامين.
• الإمام عليّ عليه السلام في صفّين
في حرب صفيّن، التي كانت حرباً طويلة ومؤلمةً وقاسية، كان جنود معاوية يشتمون أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام وجيشه، فما كان من بعض قادة أمير المؤمنين عليه السلام وجنوده إلّا أن ردّوا على الشتائم بالشتائم. ومع أنّ تصرّفهم ذاك كان في موضع الدفاع عن النفس، ولكنّ الأمير عليه السلام جمعهم، وقال لهم، بحسب ما نقله الشريف الرضيّ: "ومن كلام له عليه السلام، وقد سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام أيّام حربهم في صفّين: إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، ولَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ..."؛ أي أنّكم كان يجب أن تصفوا الحال، وتتحدّثوا بالمنطق وبالاستدلال، فذلك أفضل وأبلغ في العذر، يتابع عليه السلام: "اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهِمْ، واهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَه، ويَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ والْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِه"(1)؛ وكان من الأفضل بدل سبّهم وشتمهم، تعريفهم بالحقّ.
•وسائل التواصل: خطر محدق
أصبحت شبكات التواصل الاجتماعيّ تشكّل خطراً كبيراً على الجميع؛ فكلّ واحد منّا اليوم صار لديه إذاعة وتلفزيون وجريدة ووكالة أنباء، بالصوت والصورة، وهو جالس في بيته.
هذا تطوّر لم يحصل في تاريخ البشريّة سابقاً، وهو يتيح للجميع أن يكونوا جزءاً من الجبهة الإعلاميّة؛ هجوماً ودفاعاً، سواء في جبهة الصديق أو في جبهة العدوّ.
•شبكات تساهم في الخراب
إنّ المطلوب من بيئة المقاومة وجمهورها أن يكونوا على درجةٍ عالية من الوعي، والحرص، والبصيرة، والمسؤوليّة. من هنا، نشدّد على ما يأتي:
1- يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الناس، ونعترف أنّنا غير قادرين على ضبط شبكات التواصل الاجتماعيّ تماماً، وأن لا نطالب الآخرين بذلك.
2- لا تتحمّل قيادة حزب الله مسؤوليّة ما يصدر على شبكة التواصل الاجتماعيّ، سواء من جمهورها وبيئتها أو من أيّ بيئةٍ أخرى، وليست قيادتنا المعنيّة بإعطاء القرار لأولئك الذين يتسابقون في الردّ والتعليق.
3- يتحمّل كلّ الإخوة والأخوات في هذا الجمهور، وهذه البيئة، مسؤوليّة القرار الذي يتّخذونه عبر هذه الشبكات، وتبعاته؛ فلا يصح، في لحظة الغضب والانفعال، أن يعمد أحدٌ إلى إطلاق رأي أو موقف شخصيّ، ويقول كلّ ما يحلو له، فهذا خطأ كبير.
ننتمي كلّنا إلى جبهة واحدة ومسيرة مُشرّفَة، فما يقوم به أحدنا ينعكس علينا جميعاً؛ وعلى هذه المقاومة كذلك.
•قوّتنا في أخلاقنا
أتمنّى من المسؤولين في حزب الله والعلماء والكوادر، فضلاً عن أفراد هذه البيئة، أن ينتظروا التوجيه قبل إطلاق أيّ موقف؛ فأحياناً تكون المصلحة في السكوت وعدم الردّ على كلّ ما يُشاع. وإذا كان ثمّة من يريد الردّ، فليكن ذلك في إطار أدبيّاتنا وأخلاقنا؛ فالسُّباب والشتم والتجريح الشخصيّ ليس علامة قوّة أبداً، حتّى لو كان نتيجة تنفيس احتقان، وإنّما هو علامة ضعف؛ فالضعيف هو من يسبّ ويشتم، أمّا القويّ فلا يحتاج إلى اللجوء إلى ذلك، بل يناقش ويطرح أفكاره بهدوء.
•أئمّتنا عليهم السلام قدوتنا
إنّ جزءاً أساسيّاً من معركة كربلاء وحركتها كان التواصل مع الناس، والاتّصال، والعلاقات العامّة. وعلى الرغم من كلّ المظلوميّة التي تعرّض لها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام، فهل صدرت من الإمام الحسين عليه السلام أو من الإمام زين العابدين عليه السلام أو من السيّدة زينب عليها السلام ولو كلمة واحدة خارج السياق الأخلاقيّ والأدبيّ؟! طبعاً لا، مع أنّ الموقف كان قمّة المظلوميّة والانفعال، والغضب، والغربة.
هؤلاء أئمّتنا الذين يجب أن نقتدي بهم، وهذا جزء من المعركة التي تحتاج إلى انضباط، كما هو الحال في العسكر تماماً؛ إذ على المقاوم أن يكون منضبطاً حتّى يفوّت فرصة العدوّ في إحداث الفتنة، والانسياق نحو حرب داخليّة في البلد.
- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ عليه السلام، ج 2، ص 185.
المصدر: مجلة بقية الله
تعليقات الزوار