في رحاب الوصية الالهية(01)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، بعد أن بيّن الإمام قدس سره أهمية المجالس التشريعية وبعد أن حذّر من دخول العناصر المنحرفة وضرورة الحذر من قبل كل فردٍ من أفراد الشعب وبعد أن أوصى كل التجمعات الشعبية بأن تنتخب اللائقين للكون في هذه المجالس، وبعد أن طلب من جميع النواب والممثلين كغيرهم أن يكونوا على سلوك حسن حتى لا يكون هناك أي مجال لدخول المنحرفين، وبعد أن طلب الإمام من مجلس صيانة الدستور أن يقوم أفراده بواجباتهم الدقيقة حتى لا يقعوا تحت تأثير أي قوة من القوى وحتى لا تكون القوانين مجرد بنودٍ على صفحات الكتب وليس لها اعتبار، بعد كل هذا يعود الإمام (ره) الى الشعب ليحثه على المشاركة في الانتخابات وليس القصد من هذا هو لمجرد التكرار وإنما فيما مضى أن عملية التكرار التي يمارسها إنما هو لتثبيت الفكرة حيث ينبغي أن تتخذ هذه المسألة أولوية عند الكلام في السياسة أو الاجتماع أو ما شابه ذلك.
يقول الامام قدس سره: «ووصيتي الى الشعب الشريف أن يكونوا حاضرين في جميع الانتخابات سواء انتخاب رئيس الجمهورية أو ممثلي مجلس الشورى الاسلامي أو انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة، وأن يكون منتخبوهم وفق الضوابط التي تجب مراعاتها مثلاً لينتبهوا أنه إذا حصل تسامح في انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة أو القائد ولم يتم انتخاب الخبراء وفق الموازين الشرعية فمن المحتمل جداً أن تلحق بالاسلام والبلد خسائر لا تعوّض... وعندها يكون الجميع مسؤولين أمام الله تعالى.
على هذا الأساس فإن عدم تدخل الشعب من المراجع والعلماء الكبار الى التجار والكسبة والفلاح والعامل والمواظف، حيث أنهم جميعاً مسؤولون عن مصير البلد والإسلام سواء في هذا الجيل أم الأجيال القادمة إن عدم تدخلهم وتسامحهم خصوصاً في بعض الظروف قد يكون ذنباً هو أكبر الكبائر.
إذن يجب علاج الواقعة قبل وقوعها وإلاّ فلن يكون بوسع أحد أن يفعل شيئاً وهذه حقيقة لمستموها ولمسناها بعد المشروطة ولا يوجد أي علاج أنجح وأفضل من أن يقوم الشعب في جميع أنحاء البلد وفق الضوابط الإسلامية والدستور بالأعمال المنوطة به وأن يتشاور مع الطبقة المتعلمة الملتزمة والمثقفة المطلعة على مجاري الأمور وغير المرتبطة بالدول القوية المستثمرة، المشهورة بالتقوى والالتزام بالاسلام والجمهورية الاسلامية ويتشاور مع العلماء الروحانيين المتقين الملتزمين بالجمهورية الاسلامية.
ولينتبه الجميع الى أن يكون رئيس الجمهورية وممثلو المجلس من طبقة تلمس محرومية مستضعفي المجتمع ومحروميه ومظلوميتهم وتعمل على تحقيق رفاهيتهم لا من الرأسماليين وأكلة الأرض، والمتربعين في صدر المجالس المرفهين الغارقين في ملذاتهم وشهواتهم الذين لا يستطيعون فهم مرارة الحرمان ومعاناة الجائعين والحفاة.
ويجب أن نعلم أن كثيراً من المشكلات يمكن اجتنابها كما يمكن التخلص من كثير من المشكلات إذا كان رئيس الجمهورية وممثلو المجلس أكفاء وملتزمين بالإسلام ومتحرقين لأجل بلدهم وشعبهم ويجب ملاحظة هذا الأمر في انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة أو القائد مع امتياز خاص وهو أن الخبراء إذا تمّ تعيينهم بانتخاب الشعب وبناءً على منتهى الدقة أو استشارة المراجع العظام في كل عصر والعلماء الكبار في جميع أنحاء البلد والمتدينين، ودخل مجلس الخبراء متدينون وعلماء ملتزمون وتمّ تعيين أكثر الشخصيات كفاءة والتزاماً للقيادة أو شورى القيادة فسيكون بالامكان منع وقوع كثير من المشكلات أو أنها ترفع بكفاءة.
وبملاحظة الأصل التاسع بعد الماية من الدستور سيتضح واجب الشعب الخطير في تعيين القائد أو شورى القيادة ومدى الضرر الذي يلحقه بالإسلام والبلد والجمهورية الاسلامية أقل تساهل في الاختيار، بحيث أن احتمال هذا الضرر الذي هو في غاية الأهمية يترتب عليه تكليف إلهي للجميع».
وعندما نطّلع على هذا النص نلاحظ بوضوح المسألة التي يركز عليها الامام في أكثر من مناسبة وهي دور الشعب في عملية البناء والتأسيس، ولكن عندما نرى الإمام يذكر الشعب في أكثر من مناسبة قبل الانتخاب وبعدها وعندها وقبل الثورة وعندها في جميع أدوار الحياة نلاحظ أن الإمام يعطي للشعب هذا الدور الكبير وذلك لأننا قلنا فيمامضى بأن الإمام ينظر الى أنّ الشعب هو الذي يعطي فعلية الحكم إذا كان البعض ينظرون الى الشعب على أساس أنه يعطي الشرعية فالإمام يقول بأن الشرعية من الله سبحانه وتعالى ولكن هذا الشعب هو الذي يعطي الفعليّة حيث إذا لم يكن الشعب في الميدان وإذا لم يكن حاضراً لأن يبذل ولأن يقدم ولأن يساهم في عملية البناء فإن كل شيء يكون حبراً على ورق وليس له أي فاعلية على الإطلاق فالشعب هو الذي يعطي الفعلية والفاعلية لأية حركة سياسية واجتماعية، وبعد انتصار الثورة الاسلامية نرى أن الامام يركز على هذه المسألة أكثر من أي وقتٍ مضى وذلك لأنه قبل انتصار الثورة كان يخاطب الكتلة المعنية بكلامه مباشرة أكثر من غيرها، أما بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة فإن كل فردٍ من أفراد الشعب معنيٌ بذلك وذلك كأن الحكومة هي حكومة البلد الذي هو محتوٍ لهذه المجموعة الكبيرة من الطبقات الشعبية فكل فرد وكل طبقة من هذا الشعب معنية بكلام الإمام وهذا هو حال الفرق ما بين الدولة وبين الثورة الذين يقومون بالثورة هم مجموعة من هذا الشعب تؤثر على غيرها وقد يكون هناك جمع كبير من الناس لا علاقة بالأحداث وأما عندما نفكر بالدولة فإننا نأخذ بعين الاعتبار حاكمية هذه الدولة على جميع الطبقات الشعبية وبالتالي فإنه عندما نفكر بقانون من قوانين الدولة فإنه يُطلب من كل عنصرٍ من عناصر هذا الشعب وهذه الأمة أن يكون له رأيه ويكون له دوره في هذه العملية، وهنا لا بد لنا بعد ملاحظة نص الامام من تسجيل النقاط التالية:
النقطة الأولى: إن الحكم كان يقوم على أساس المؤسسات ولا يقوم على أساس الأفراد وهذا كان يركز عليه الإمام (ره) كثيراً في حياته، وأراد لهذه الدولة أن تبنى على أساسه وذلك لأن البناء على المستوى الفردي سوف يتزلزل بتزلزل فردٍ أو مجموعة أفراد، أما إذا بنينا مؤسسة فإن الأمر يختلف عن ذلك.
هذه المسألة وإن كانت واقعية في الثورة الاسلامية، إلاّ أننا نسجل أن الإنسان الذي يريد أن يبني مؤسسة أو دولة على أساس المؤسسات، يضع في حسابه إحتمال الخطأ في هذه المؤسسة أو تلك وهو لا يبني دولة مؤسسات في مجتمع معصوم بل إن هذا المجتمع معرض للخطأ كما هو معرض للصواب وبالتالي فإنه يمكن لأي مؤسسة من المؤسسات أن يتطرق إليها الخطأ أو الإنحراف، وهذه مسألة تضع الأمور في غاية الواقعية فليس هناك مثل وإنما هناك دولة ينبغي أن تبنى على الأرض وبين الناس الذين يمكن أن يقعوا في أخطاء وفي إنجرافات.
النقطة الثانية: أن الإمام يحمل المسؤولية لمن ابتعد هو عن المسؤولية، فليس أولئك الذين انتخبوا، الذين قاموا بواجبهم الانتخابي أو ما شابه، ليس هؤلاء يتحملون الأوزار الحاصلة فيما بعد، وإنما الذي يتحمل الأوزار الحاصلة هو أولئك الذين ابتعدوا عن روح المسؤولية، فليست المسؤولية هي التي ينبغي أن تذهب لتجبر هؤلاء الأفراد على أن يقوموا بدورهم بل إنّ عليهم أن يقوموا بمسؤولياتهم فلو فرضنا أن مجموعة من المنحرفين قد استطاعت أن تأتي الى أحد المجالس التشريعية وكان هناك جمع كبير من الناس لم يشارك في الانتخابات التي جاءت بهؤلاء فإن هذا الجمع الذي لم يشارك في الانتخابات يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا المجال بل لعل المسؤولية الأولى ملقاة على عاتقه طبعاً بعد مسؤولية أولئك الذين قاموا بانتخاب العناصر الفاسدة وذلك لأن الذي لا يتحمل المسؤولية يفسح المجال لغيره ليقوم بعملية تخريب المجتمع.
النقطة الثالثة: إن الأخطاء على مستوى القضايا الشخصية يمكن السكوت عنها وذلك لأن الحق الشخصي يمكن للإنسان أن يسقطه فلو أن انساناً أخذ مالاً من إنسان آخر ظلماً فإن باستطاعة الإنسان المظلوم الذي أُغتصب الحق منه باستطاعته أن يسامحه بذلك الحق وأن يبرأ ذمته ولا يطالبه بأي شيءٍ من الأشياء، هذا مستوى الحق الشخصي، وأما إذا كان هناك أخطاء على مستوى الحكم فإنه لا يجوز السكوت عنها على الإطلاق فهي ليست كالقضايا الشخصية. القضايا الشخصية التي يتم تجاوزها لأن طرفها هو نفس الإنفسان الذي يستطيع أن يسقط الحق، أما القضايا التي تتعلق بالحكم فإن طرفها هو الأمة بأكملها والشعب بأكمله ولهذا فإن ترك هذه الأمور على عواهنها سوف يجعل من الظلم هو الحاكم وسوف تؤول أمور الأمة بأكملها الى أن يملأها الإنحراف والفساد والظلم وبالتالي يكون هذا الإنسان الذي يسكت عن حق الأمة عندما يكون الحكم منحرفاً أو عندما يكون الحاكم منحرفاً، أو عندما يكون الممثل لفئة ما منحرفاً هذا الانسان إذا سكت عن هذه المسألة فإنه يكون عندئذٍ قد جعل للظلم شرعية وهذا ماكان يشير إليه أمير المؤمنين (ع) عندما قيل له لو تركت معاوية في الحكم، إذا ترك معاوية في الحكم فهذا أثبت لحكومة علي بن أبي طالب (ع) ولكنه قال عليه السلام: «معاذ الله أتريدون مني أن أطلب النصر بالجور» هناك نصر سوف يحققه علي بن أبي طالب إن هو ترك معاوية في الحكم إلاّ أن هذا يكون على حساب الأمة التي سوف تُعطى حاكمية معاوية عليها شرعية من قبل علي بن أبي طالب عليه السلام ولا يجوز أن يكون هذا الأمر أبداً.
النقطة الرابعة: إن الامام المقدس عندما يوجه الأمة الاسلامية لتنتخب رئيسها ويحدد فيه مواصفات معينة هذه المسألة ليست تدخلاً في الشؤون الداخلية للأمة الإسلامية من دون مبرر وإنما الإمام المقدس (ره) يعطي مواصفات للرئيس وذلك لزيادة الضمانة، هناك ضمانة الإسلام وضمانة الالتزام ولكن الإمام يبحث عن ضمانات لهذا الالتزام لأن الرئيس قد يكون ملتزماً بمظاهر الإسلام ببعض الأحكام الشرعية إلاّ أن هناك خلفية ينبغي أن يفكر بها الإمام المقدس ليكون هذا الالتزام وهذا التقيد بأحكام الله سبحانه وتعالى ليس شيئاً عابراً في حياة ذلك الرئيس، ومن هنا فإن الامام المقدس رضوان الله تعالى عليه ينظر الى هذه الخلفية، وعلى هذه القاعدة لا بد من أن تكون عملية الانتخاب من قبل الناس أو من قبل مختلف طبقات الشعب شاملة لأولئك الذين يريدون الحاكمية الله سبحانه وتعالى أن تكون هي الأصل ولا يريدون لحالتهم الشخصية أن تكون كذلك. ومن هذه الزاوية نرى أن الامام المقدس (ره) يعطي مواصفات لأولئك الرؤساء والممثلين بأن يكونوا من الطبقات المستضعفة، وعندما يكون الإنسان من طبقة محرومة ومستضعفة عندئذٍ يكون هذا الإنسان أقرب الى أن يتقيد بالالتزام وبالاسلام وبالأحكام الإلهية من غيره لأن الذين لا ينتسبون الى مثل هذه الطبقات عادةً يكون التزامهم هشاً ويمكن أن يتعرض في أي لحظة من اللحظات للسقوط.
النقطة الخامسة: لها علاقة بالنقطة الرابعة أي إنها تحدد بعض مواصفات الرئيس، وذلك لأننا قلنا بأنه لا يكفي في هذا الرئيس وفي هذا الممثل لأي طبقة من طبقات الشعب والأمة لا يكفي فيه مجرد الالتزام بأحكامٍ ظاهريةٍ والقيام ببعض التكاليف التي لا يستطيع الإنسان أن يسبر أغوارها ليصل الى أنها هل هي واقعية أم أنها مجرد شكليات في حياة هذا الإنسان. إذا أردنا أن نعرف هذا الإنسان أنه على مستوى من الصدق وعلى مستوى من الأمانة فإنه ينبغي علينا أن ننظر الى الهم الذي يحمله هذا الإنسان، فهل هذا الإنسان يهتم فعلاً بالطبقات الشعبية؟ هل هذا الإنسان يحمل هموم المستضعفين؟ هل هذا الإنسان يحمل هَم حاكمية شرع الله سبحانه وتعالى؟ أو أنّ له هموماً أخرى؟ قد يكون هناك اهتمام لتطبيق بندٍ من البنود ولكن هذا الاهتمام بتطبيق ذلك البند قد يكون سببه شيئاً دنيوياً يعود على مصلحة ذلك الإنسان ولكن إذا أردنا أن نعرف أن هذا الإنسان فعلاً هو خادم لهذه القضية أو لا فينبغي علينا أن نلاحظ مختلف اهتماماته وهمومه، هل هي اهتمامات رسالية أو ليست كذلك؟
النقطة السادسة والأخيرة: هناك مناصب حساسة في الدولة، ولكن هناك مناصب أكثر حساسية من غيرها وفي كل منصب من هذه المناصب ينبغي أن تراعى كل الاعتبارات التي ذكرناها وعندما نتحدث عن مجلس الخبراء مثلاً الذي يُعتبر أكثر المناصب حساسية فإنه ينبغي علينا أن نلتفت الى هذه المسألة إن أي خطأ يحصل على مستوى انتخاب مجلس الخبراء سوف يجعل قابلية الخطأ والانحراف في غيره قابليةً أكبر، وذلك باعتبار أن هذا المجلس هو المصفاة لغيره فإذا كان هناك ثقب في هذه المصفاة فهذا يعني أنّ غير مجلس الخبراء من مواقع السلطة والحكومة والدولة سوف يتعرض للانحراف أكثر، وبالمقابل إذا كان هذا المجلس في غاية الضبط فإنه نضمن كثيراً والى حدٍ بعيد أن يكون هناك عدل وأن يكون هناك اتقان وأن يكون هناك تقيد بحكم الله سبحانه وتعالى على مختلف بقية المناصب القائمة في دولة الاسلام ومن هذه الزاوية نرى أن الإمام (ره) يركز كثيراً على هذا المجلس لأنه والعياذ بالله إذا صار مجلساً منحرفاً فليس هناك أي شيء في الدولة إلاّ وسوف يصيبه الانحراف، بينما إذا حافظ وكما هو الواقع على أصالته وتقواه من خلال تقوى الأفراد فإن هذا يُعتبرُ ضمانة على صفاء هذه الدولة وعلى تقوى هذه الدولة وعلى التزام أفراد هذه الدولة وذلك من خلال مراقبة هذا المجلس لهؤلاء طبعاً ليس من خلال سوء الظن وإنما من خلال حاكمية أحكام الله سبحانه وتعالى وليس عمل هذه المجالس وخصوصاً مجلس الخبراء سوى تطبيق ما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يُطبق والله تعالى لم يأمرنا إلاّ بالعدل والقسط من أجل أن تقوم حياة الناس على الخير والفلاح
والبركة والحمد لله رب العالمين
تعليقات الزوار