في رحاب الوصية الالهية (04)
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن تحدث الإمام المقدس عن مراكز التعليم سواء في الجامعة أو الحوزة، وعن الأسلوب الذي اتبعه الاستكبار العالمي من أجل القضاء على الحوزة والسيطرة على الجامعة، وما يمثله ذلك الأمر من خطر على الإسلام.
وبعد أن دعا الامام إلى التحصين الداخلي في كل موقع من هذه المواقع، لأن الحصانة الداخلية هي الكفيلة بعدم التأثير، وإلاّ فإن البلاد بأكملها سوف تقع فريسة الاستكبار.
وبعد أن دعا الامام مختلف الجهات إلى معالجة هذا الواقع، بدءاً من التحصين الداخلي، وانتهاءً بمعالجة الآثار السلبية التي تبرز في الساحة بسبب اتجاه فكري منحرف أو ما شابه..
بعد هذا كله وجه الامام نظره إلى المجلس النيابي حيث إن لهذا المجلس أثراً في غاية الخطورة.. وذلك لأن كثيراً من القضايا السلبية يتحملها النواب الذين كانوا في المجلس في العهود التي سبقت الثورة الاسلامية... وكيف كان هؤلاء يقومون بالتغطية العملية لأي اتجاه للبلد نحو الاستكبار حتى كاد أن يصبح بأكمله في فم ذلك الاستكبار..
وكيف يمكن لهذا المجلس أن يشكل بالمقابل ضمانة ليبقى بعيداً عن المخاطر؟
يقول الامام: من مهمات الأمور التزام نواب مجلس الشورى الاسلامي.. نحن رأينا أية أضرار محزنة جداً لحقت بالاسلام ودولة ايران من مجلس الشورى غير الصالح والمنحرف منذ ما بعد المشروطة إلى عصر النظام البهلوي المجرم.
وأسوأ من كل زمان وأخطر، في هذا النظام المفروض الفاسد، وأية مصائب وخسارات متلفة حلت بالبلد والشعب من هؤلاء الجناة التافهين العبيد.
في هذه الخمسين سنة أدى وجود أكثرية مصطنعة منحرفة في مقابل أقلية مظلومة إلى أن تُنفِّذ انكلترا وروسيا وأخيراً أميركا كل ما أرادوا تنفيذه على يد هؤلاء المنحرفين الغافلين عن الله وجر البلد إلى الدمار والفناء.
منذ ما بعد المشروطة لم يعمل أبداً تقريباً بمواد الدستور المهمة تم ذلك قبل رضاخان عبر المنبهرين بالغرب وحفنة من الخوانين وأكلة الأرض (الاقطاعيين) وفي زمن النظام البهلوي عبر ذلك النظام السافاك والمرتبطين به والمستعبدين له.
والآن وقد أصبح مصير البلد في أيدي الناس بعناية الله وهمة الشعب العظيم الشأن، وقد أنتخب النواب والممثلون من قبل الشعب دون تدخل الدولة وخواني المحافظات والمأمول أن يحول التزامهم بالاسلام ومصالح البلد دون أي انحراف..
فإن وصيتي إلى الشعب حاضراً ومستقبلاً أن يقوموا ـ في كل دورة انتخابية ـ وإنطلاقاً من إرادتهم الصلبة والتزامهم بأحكام الاسلام ومصالح البلد باختيار ممثلين ملتزمين بالاسلام والجمهورية الاسلامية ـ هؤلاء غالباً بين متوسطي المجتمع والمحرومين ـ وغير منحرفين عن الصراط المستقيم نحو الغرب أو الشرق لا يميلون إلى المدارس الفكرية الانحرافية، أشخاصاً متعلمين مطلعين على قضايا العصر ومجالات السياسة الاسلامية.
من خلال متابعة فقرات هذا النص نرى الامام يضع النواب في كل زمان ومكان أمام مسؤولياتهم وذلك لأن أي انحراف يمكن أن يوجد في المجتمع إذا لم يكن بيدهم منع استمرار الإنحراف فإن بيدهم تسجيل الموقف بأنهم يرفضون هذا الأمر وإن لم يفعلوا ذلك فليس هناك أي مبرر على الإطلاق لوجود هؤلاء في هذا الموقع..
وعلى هذا الأساس يجب أن نتفهم حقيقة مهمة وهي أن الإمام لا يخاطب هنا أعضاء المجلس النيابي في الدولة الإسلامية... بل كل من هو موجود في موقع النيابة هو معني بهذا الكلام ولا سيما إذا أخدنا بعين الإعتبار أن الامام يحمل المسؤولية لكل من كان نائباً قبل انتصار الثورة الاسلامية..
ولا فرق بين الساحة الإيرانية وغيرها من ساحات العالم الاسلامي على هذا المستوى، نعم هناك خصوصيات موجودة في ايران جعلت الاستكبار يحيك حيالها مجموعة من المؤامرات لتثبيت أقدامه، غير أن لكل بلد أيضاً خصوصياته التي تجعل منه عرضة لمؤامرات من نوع آخر..
وإذا قدر للثورة الإسلامية أن تنتصر فهذا لا يعني أن النواب على مستوى الساحة المنتصرة سوف يعيشون الراحة.. بل عليهم نفس تلك الواجبات التي كانت سابقاً بالإضافة إلى الحفاظ على المنجزات التي تحققت من خلال الثورة لأن الحفاط على الانتصار هو أصعب من تحقيق الانتصار.
وهنا لا بد من تسجيل مجموعة من الحقائق الجديرة بالاهتمام على مستوى الساحة النيابية:
أولاً: إن المجلس النيابي يفترض أن يضم أشخاصاً يَعُونَ مسؤولياتهم.. فإن الانسان إذا كان نائباً عن انسان فإن هذا الأمر يحمله مسؤولية كبيرة.. فكيف إذا كان نائباً عن الشعب؟ يجب على النائب إدراك حجم هذه المسؤولية والعمل على تحقيق مصلحة هذا الشعب الذي يمثله.. وقد يكون هو أكثر من غيره علماً بهذه المصلحة ولذلك يكون هو أقدر من غيره على تحقيقها أو العمل على تحقيقها ولو بالحد الأدنى وليس هناك مصلحة أكبر من أن تكون التشريعات في خدمة حاضر ومستقبل هذا الشعب بحيث تبقى كرامة هؤلاء مصانة من خلال تمثيله لهم.
وليس الوجود في المجلس النيابي هو عبارة عن زعامة تحقق شيئاً من المكانة المعنوية للنائب كما يحصل في كثير من الأماكن.. أو أنها عبارة عن وسيلة لخدمة ميدانية فيها نفع مادي للبعض من الناس كما يحصل أيضاً في كثيرٍ من البلاد.. وذلك لأن من أراد أن يكون زعيماً فلا يجوز له أن يضحي بمصالح الناس من أجل تلك الزعامة.. ومن أعتقد بأن النائب دوره العمل على النفع المادي للبعض فهو مخطئ لأن هذا من مختصات الجهات التنفيذية وأما المجلس النيابي فهو للتشريع وحفظ القوانين التي فيها المصلحة الكلية للأمة بغض النظر عن النفع الجزئي لبعض أوساط هذه الأمة.
ثانياً: إن الإستقامة هي أمر مطلوب في كل مورد من الموارد وبغض النظر عن أي تكليف للإنسان.. ولكنها تزداد ضرورة كلما وقف المرء أمام أي استحقاق.. ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بالآخرين لأن هؤلاء الذين انتخبوا هذا الشخص لهذا الموقع أرادوا له أن يكون ممثلاً لهم ولا يمكن له أن يقوم بهذا الدور إلاّ إذا جرد نفسه من الأهواء ليصل إلى المرحلة التي يصبح فيها خادماً بالفعل لما انتدب له..
ومعلوم أن هناك إغراءات كثيرة لأولئك الموجودين في المجالس النيابية لأنهم محط الأنظار ومجلسهم له دور خطير في الحياة السياسية والاجتماعية... فإذا كان هناك ثغرة في بنية هؤلاء العقائدية أو الأخلاقية أو العملية فإنه من خلال تلك الثغرة سوف تتسلل شياطين الأرض ليصبح هذا الإنسان خادماً لهم وسائراً بعكس اتجاه مصلحة الناس الذين أولوه عنايتهم، وهذا ما يشكل انتكاسة كبيرة في الحياة السياسية للمجتمع إذ يمكن من خلال ذلك أن لا يستيقظ المجتمع إلاّ وقد خسر كل مواقع القوة فيه.
ثالثاً: كل ما مر معنا هو فيما يتعلق بالنائب وما هو المطلوب منه ولكن الأهم من ذلك هو أن يتوجه الخطاب إلى الشعب الذي ينتخب فلا يجوز أن يقال من قبل هذا الشعب بعد عقود من الزمن بأن أعضاء المجالس كان لهم دور خطير في إيصال البلاد إلى الهاوية.. وذلك لأن هؤلاء الذين يشكلون المجلس قد تم انتخابهم من قبل أفراد الشعب.
ولذلك يوجه الامام قدس سره الخطاب إلى الناس ويضعهم أمام مسؤولياتهم لأن النواب قد يظهرون قبل انتخابهم كثيراً من المواصفات من خلال الشعارات الانتخابية كما هو الحال في مختلف دول العالم.. إلاّ أن هذا لا يلامس الحقيقة.. فيبقى المطلوب من أفراد المجتمع هو البحث في المواصفات الفعلية للمرشح وعلى أساسها يرجح البعض على البعض الآخر.. وليس البحث في الشعار الانتخابي ليكون ذلك أساساً للإختيار.
إن الوعي الذي ذكر في النقطة الأولى والاستقامة التي ذكرت في النقطة الثانية هي من جملة المواصفات المطلوب وجودها. هذا وإن كان الانسان أقدر على تشخيصه في نفسه من غيره.. إلاّ أن الذين يريدون للآخرين أن يمارسوا عنهم دورهم في الحياة السياسية والاجتماعية، يجب أن يتحققوا من وجود هذه المواصفات. كما يفعل الانسان الذي يريد استنابة شخص في عمل تجاري على سبيل المثال فإنه يتحقق من فهمه ووعيه في حقول التجارة.. وكذلك يتحقق من نبله واستقامته.. وإن لم يتحقق من ذلك فإنه لا يقدم على الاستنابة.. مع أن الاستنابة في المجلس هي أخطر بكثير من الاستنابة الشخصية.
رابعاً: إن المطلوب من الشعب الذي ينتخب حتى لو أحسن الدراسة والاختيار أن لا يغفل عن المستقبل.. وهذا ما لا بد معه من المراقبة الدائمة لأولئك النواب.. ويجب على هذا الشعب الذي إنتخبهم أن يجري دائماً عملية تقويم لهم فهل هم يمثلونه فعلاً؟.. وهل أن المصالح التي يسعى إلى تحقيقها من خلالهم قد تحققت أو هي في طور التحقُّق؟.. وهل أن هناك إنسجاماً بين ما كانوا يقولون في الماضي وبين ما يفعلون في الحاضر؟..
وعلى هذا الأساس إذا كان هذا الشعب قد أخطأ في التقدير والحساب في المرة الأولى.. فإنه بعد المراقبة والتدقيق والتحقيق لا يجوز أن يقع مرة أخرى في الخطأ لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
تعليقات الزوار