القدس في فكر الإمام الخميني‏

تشكل المنطقة العربية التي تحتضن قبلة المسلمين في مكة المكرمة والمسجد الأقصى في القدس النقطة المحورية للعالم الإسلامي المترامي الأطراف وتشكل أيضاً نقطة التواصل والعبور إلى القارات الثلاث أوربا وآسيا وأفريقيا، منها انتشر الإسلام إلى بقاع العالم ووصل إلى تخوم هذه القارات، وهي مركز الوحي والرسالات السماوية التوحيدية وتضم نسبة كبيرة من قبور الأنبياء العظام والأئمة الأطهار، إضافة إلى ذلك تكتسب هذه المنطقة أهمية استراتيجية لما تزخر به من ثروات طبيعية ومنابع حيوية ونقاط جيوبولتيكية كانت محط أنظار العالم وأطماعهم التوسعية.

وفلسطين اليوم تعتبر محور الصراع الوجودي بين الأمة الإسلامية والعربية وبين قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسهم أمريكا وربيبتها "إسرائيل".

وتبقى القدس هي الرمز والعنوان لهذا الصراع لما تمتلك من أبعاد تاريخية ودينية؛ فهي ملتقى الرسالات التوحيدية وفيها قبلة المسلمين الأولى والى مسجدها الأقصى أُسرِي بالنبي الأكرم‏ (ص) وعلى ترابها كانت ولادة رسول الله عيسى ابن مريم ‏عليه السلام.

لهذه الاعتبارات تكمن أهمية القدس في وجدان الأمة العربية والإسلامية بكل تنوعاتها الدينية والتاريخية وتكمن أهميتها السياسية باعتبارها المركز الجامع للقضية العربية والإسلامية التي تتوحد حولها كل القوى الوطنية والقومية والإسلامية والمسيحية في إطار مشروع المواجهة والمقاومة الكبرى لإزالة الاحتلال وتحريرها من العدو الصهيوني.

فقضية فلسطين عموماً والقدس خصوصاً احتلت حيزاً مهماً جداً في فكر الإمام الخميني "قدس سره" وموقعاً متقدماً جداً في خطابه السياسي رسم فيه ملامح وأولويات الأبعاد الدينية والتاريخية والفكرية والسياسية لما تمثله القدس في وجدان الأمة، كما حدد للأمة أولوياتها السياسية والجهادية في المواجهة لإنقاذها وفلسطين من مخالب الاستكبار العالمي، ليأخذ الصراع بذلك وجهته الصحيحة التي ترتكز على المخزون الإيماني المعتمد على القدرة الأزلية، والذي يولّد دفعاً معنوياً هائلاً يستخدم في إطار مواجهة العدو، وبذلك تخرج القضية من الإطار الفئوي أو القومي أو تعلقها بشعب أو دين معين لتصبح ملك كل إنسان يؤمن بإله واحد، وتصبح قضية كل إنسان يعيش الظلم والعدوان والقهر والاستضعاف.

 يقول الإمام الخميني (قدس سره):

"إن مسألة القدس ليست مسألة شخصية، وليست خاصة ببلد ما، ولا هي مسألة خاصة بالمسلمين في العصر الحاضر، بل هي قضية كل الموحدين والمؤمنين في العالم السالفين منهم والمعاصرين واللاحقين".

بهذه الأبعاد الإيمانية والإنسانية حدد الإمام المسؤوليات والواجبات المترتبة على كل فرد في إطار الصراع لتحرير القدس من العدو الغاصب، فاعتبره واجباً على كل مسلم، وحدد الأولوية العملية للتحرير فاعتبرها مهمة الشعوب والقوى السياسية الحية في مجتمعاتها، فناشدها وحملها مسؤولياتها بعد أن فُقد الأمل بالأنظمة العربية التي تسير في فلك الاستكبار.

ولأجل حشد طاقات الشعوب بكل فئاتها وتنوعاتها ولإعطاء القدس بعدها الشامل خصص يوماً عالمياً للقدس وهو آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، والذي يقارب عادةً ليالي القدر، فهذا الاختيار بأبعاده الفكرية والروحية عظيم جداً لأن الشحن الروحي فيه يكون في ذروته، والتعلق بالقدرة الإلهية الأزلية في أرقى لحظاتها، وهو اليوم الذي يجمع الأمة في إطار العبادة ليعبر عن التوحد والوحدة ويشكل بذلك نقطة انطلاق لتكوّن لحظة الوعي والخروج من الغفلة وبث روح الجهاد والمقاومة الرافضة للظلم والعدوان، ويجمع حول ذلك كل طاقات الأمة بكل فئاتها الوطنية والقومية، الإسلامية والمسيحية وجميع الشعوب المستضعفة لزجها في عملية المواجهة الحقيقية لمقارعة المستكبرين والظالمين الذين زرعوا هذا الكيان السرطاني في جسد الأمة.

"على مسلمي العالم أن يعتبروا يوم القدس يوم كل المسلمين في العالم، بل يوم المستضعفين جميعاً، وليكن منطلقاً لهم في مقارعتهم للمستكبرين والظالمين".

إن أهمية القدس ومكانتها التاريخية والدينية في وجدان الأمة يقتضي منها استنفار كل طاقاتها وحشدها في المواجهة وتوحيدها بهذا الاتجاه لأنها الجامع الذي يوحد ولا يفرق، ولأجل ذلك كانت القدس قضية حاضرة دائماً في فكر ونهج الإمام الخميني الذي لم يترك مناسبة ولا وسيلة إلا وأعلن فيها تبنيه وتأييده ودعمه لحق الشعب الفلسطيني وضرورة زوال الكيان الصهيوني، وهو (قدس سره) صاحب المقولة المشهورة:

"إسرائيل غدة سرطانية يجب أن تزول من الوجود".