رؤية في الوصية الإلهية ـ السياسية للإمام الخميني (قده)

هو الحاضر دوماً بفكره وإرثه الذي تركه للأمة نهجاً وصراطاً لتحقيق العزّة، يزداد نوره إشراقاً وبهاؤه يسطع تألقاً، تذكار الإمامة ووريث النبوة، مزج العلم بالعمل، ترك آثاراً معالم للطريق راسماً خطوطه العريضة، وديعةٌ إلهية ترك وصيته نعمل بها ونغوص في أغوارها.. هو الإمام الخميني "قده".

آية الله الشيخ إبراهيم الأنصاري أحد العلماء الكبار في إيران، عايش الإمام متتلمذاً على يديه. التقت به مجلة "بقية الله" أثناء زيارته إلى لبنان لتحاوره في الوصية الإلهية ــ السياسية للإمام الخميني "قده"، فكانت هذه المقابلة:

* ما هو سرّ وصول الإمام "قده" إلى القمة في المرحلة التي لم يساعده فيها ظرف سياسي أو اجتماعي بل وقفت تلك الظروف في وجهه؟

ــ سرّ وصوله إلى القمة اتصاله بمن هو القمة في العالم على الاطلاق من انس أو جنّ أو ملك أو غيره، الا وهو صاحب الأمر (صلوات الله عليه وعلى آبائه)، فإن الفقيه الجامع للشرائط نائب عن الإمام الذي هو نائب وخليفة عن الرسول الذي هو خليفة الله في الأرض، وحيث إنه تبارك وتعالى هو (ربنا الأعلى) فكل موجود يتصف بالعلو بمقدار ارتباطه به، ولا علّو ولا ارتفاع إلاّ بالقرب منه تعالى إذ كلّ ما بالغير ينتهي إلى ما بالذّات، فكما أنه يستحيل لمن لا يرتبط به أن يصل إلى القمة، كذلك يستحيل لمن يرتبط به أن لا يكون في القمة بمقدار قربه منه تعالى.

وأمّا كون ثورته في القمة فبنفس البيان، بمعنى أن الثورة بمقدار ارتباطها به تعالى تكون في القّمة وبمقدار بعدها عنه تكون منحطة. وحيث إن الثورة الإسلامية كانت لتنفيذ أحكامه تعالى، وإذا كان برنامج الثورة تنفيذ الأحكام الإسلامية فهذه الثورة لابد أن تكون عملاً إلهيّاً، إذ لا معنى لأن يقال بأنّ الشعب الفلاني يضحي بنفسه ونفيسه لتحكيم الإسلام واعلاء كلمة الله ولكن لا لله، لأن سنخ العمل كهذا يستدعي هدفاً إلهياً، وهل يقدم عاقل بالتضحية بحياته أو حياة أولاده لارضاء شخص آخر؟ إلا أن يكون ذلك الشخص رضاه رضا الله وسخطه سخط الله كما هو الحال بالنسبة إلى مولانا وسيّدنا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) ونوّابه.

وأمّا وصوله "قده" إلى القمة في المرحلة التي لم تساعده الظروف السياسية والاجتماعية، فلأجل أن الأعداء كلّما كثروا وتجمعوا اشتدّ اليأس من غير الله  ووصل إلى مرحلة (كمال الانقطاع إليه)  كما في دعاء الإمام السجاد (عليه السلام)، وإذا وصل إلى هذه المرتبة وسرت هذه الحالة إلى اتباعه الذين هم (حزب الله) صاروا حزب الله بمعناه الواقعي، وقد وعد الله تعالى وعداً لا خلف فيه بأنّ {حزب الله هم الغالبون}،  وانقلب الجيش الذي كان جيشاً سياسياً إلى (جند الله)، وقد وعد الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد بأنّ {جندنا لهم الغالبون}، وإذا قام الشرق والغرب في وجههم خرج من قلوب أتباعه كل ما كان من الاعتماد على الشرق والغرب أو رجائهم واستقر فيها (اليأس من غير الله) فصاروا من مصاديق قول الصادق (ع) "من أراد أن لا يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه فلييأس من الناس كلهم"، وإذا استقرت في باطنهم حالة الاخلاص لله تعالى ورفض ما سواه انطبقت عليهم كلمة الله الصادقة ووعده الحق {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون} وإنما وصل القمة لكون هدفه القمة في الأهداف.

* ماذا أراد الإمام "قده" من مقدمة الوصية، حيث نعتقد أنها أساس الوصية، وما هي مضامينها؟

ــ احتمل قوياً أنه "قده" أراد الاقتباس من أنوار القرآن والاقتداء به.

ومن أهم مضامينها:

1ــ  الإشارة إلى ما أثبته المتكلمون والمحدثون منا ومن ساير المذاهب من تواتر الحديث، حيث قال "قده": (ولابد من التذكير بهذه الحقيقة وهي أن حديث الثقلين متواتر بين جميع المسلمين، وقد نقل في كتب السنّة من الصحاح الستة إلى الكتب الأخرى بألفاظ مختلفة ومن موارد متكررة متواتراً عن رسول الله "ص"). ومن أراد الاطلاع على حقيقة ما ذكره فليرجع إلى ما ذكره العلامة الأميني  والسيّد علي الميلاني وغير هؤلاء من العلماء، فقد جمعوا اسناد الحديث وأثبتوا أنّه فوق التواتر مرات.

2ــ  وأما دلالته فقد أشار "قده" بقوله: (وهذا الحديث الشريف حجة قاطعة على جميع البشر خصوصاً مسلمي المذاهب المختلفة)، وسوف يتّضح صراحة دلالته قريباً في الأرقام التالية.

3ــ  قوله (ص): "لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض". هذه الجملة تدل على الملازمة التامة والمستمرة بين الكتاب والعترة، وقد أخبر رسول الله (ص) بأن من ترك العترة يزعم أنّه تمسك بالقرآن وحده فهو يقع في الضلالة الأبدية، (من رفض العترة فقد رفض القرآن).

4ــ  ولازم ما ذكر أن من عمل بقول مخالف لأقوال أهل البيت أو مخالف للقرآن فقد ترك التمسك بالقرآن والعترة، ومعنى التمسك بهما تقديمهما على كل ما يخالفهما، ورفض كل رأي وصاحب رأي يقف في مقابلهما.

5ــ  قال "قده": (.. لا من حيث المقامات الغيبيّة المعنوية والعرفانية، فقلم مثلي عاجز عن الجسارة في مرتبة يستعصي عرفانها ولا يطاق تحمّله إن لم أقل أنّه ممتنع على كل دائرة الوجود...).

ذكر أمير المؤمنين عليه السلام أن "القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق"، ويقول القرآن {قرآناً عربياً غير ذي عوج} {بلسان عربي مبين} {ولقد يسرنا القرآن للذكر} {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} ويقول {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم}.

فتارة يصفه بأنه مبين، وأنه عربي لا عوج فيه، وأنه قابل للفهم لكل عارف بلغة العرف، وأخرى يصفه بأنه لا يعقله إلا العالمون وانّه لا مكان له إلا صدور الذين أوتوا العلم وأن باطنه عميق. والتوفيق بين المدلولين أن القرآن مائدة إلهية ينتفع به كل أحد بقدر قابليته فمحكمات القرآن وظواهر آياته لكل عارف بالعربية وكنه معانيه وبواطنه للخواص والعلماء الذين يستنبطون آراءهم من المعصومين (عليهم السلام).

وعين هذا البيان ثابت في حق العترة، فإن كمالاتهم الظاهرية التي كانت لائحة وأخلاقهم الطاهرة وعباداتهم الكثيرة ودموعهم الغزيرة وأجوبتهم القاطعة عن المسائل العلمية ونور وجوههم وهيبتهم وعظمتهم كانت واضحة للعوام، وأما مقاماتهم المعنوية وذواتهم النورانية والأسرار الإلهية المودعة في حقائقهم المقدسة التي هي القرآن الناطق والفرقان المتجسد، ففيها قال "قده": (يستعصي عرفانها ولا يطاق تحمله إن لم أقل أنّه ممتنع على كل دائرة الوجود من الملك إلى الملكوت الأعلى ومن هناك إلى اللاهوت وكل ما هو خارج حدود فهمي وفهمك).

6ــ  يستفاد من كلامه "قده" مستضيئاً بنور الحديث النبوي (ص) أنه كما أن جواب كل سؤال موجود في القرآن الكريم بمقتضى قوله تعالى: {لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} وغيره من الآيات، ولكن لا بالتفصيل بل بنحو الاجمال الذي لا يعقله إلا العالمون. كذلك جواب كل سؤال علمي وديني موجود في صدور الذين أوتوا العلم من العترة الطاهرة وهم الأئمة المعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين) ولكن بنحو التفصيل والبيان، ولذا قال في حقهم {وكل شي‏ء أحصيناه في إمام مبين}.

7ــ  قوله "قده": (لعل جملة "لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" إشارة إلى أن كل ما جرى على أحد هذين الثقلين بعد الوجود المقدس لرسول الله (ص) فقد جرى على الآخر  وهجران كل منهما هجران للآخر).

هذه العبارة إشارة إلى فرقتين إحداهما تركت الكتاب وتمسكت بروايات العترة بزعمها وهم الاخباريون الذين افرطوا في الأخذ بالروايات بدليل أن القرآن غير مفهوم، ولو رجعوا إلى الروايات التي يقولون بحجيّتها لرأوا فيها ما لا يعد وفوق التواتر ممّا يأمر بالرجوع إلى القرآن واستنباط الأحكام منه وعرض الروايات عليه وطرح ما خالفه وما شابه ذلك.

والفرقة الأخرى وهم الأكثرية تمسكوا بزعمهم بالقرآن واستغنوا عن العترة بل صرفوا كل همهم في إيذاء أهل البيت وقتلهم وهتك حرمتهم.

كل ذلك زعماً منهم أن ظلمهم هذا يختص بالعترة ولا يسري إلى القرآن، وكأنهم ما قرأوا قوله تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم}، فالوجود الكتبي للقرآن لأول مرة هو صدر أمير المؤمنين (ع) وأولاده المعصومين والوجود اللفظي والوجود الخارجي للقرآن ذواتهم وصفاتهم وأفعالهم فهم لا غيرهم مصاديق القرآن الناطق، وكل مصيبة تصيبهم أو أذية تلحقهم أو إهانة وهتك حرمة تصل إليهم فهو مصيبة للقرآن وأذية وهتك في حقه وكل ما يختلقون من الأحاديث في تنقيص شأنهم وتعظيم ظالميهم يصيب القرآن.

8ــ  قوله "قده": (وبلغ الأمر حداً على أيدي الحكومات الجائرة والمعممين الخبثاء الأسوأ من الطواغيت أصبح القرآن معه وسيلة لاقامة الجور والفساد وتبرير ظلم الظالمين).

وإن محاربتهم لمعاني القرآن ومؤامراتهم عليه عن طريق نسبية المعاني فهي بتعيين مفسرين رسميين مثل ما يعطى (شهادة ممارسة الطبابة) للدكاترة. والخطر الذي ترتب على هذا العمل من جهتين: الأولى منع غيرهم من التفسير لعدم كونهم مفسرين رسميين، الثانية الترخيص في تفسير القرآن على حسب أهواء أعداء أهل البيت وفي طريق تقوية الآراء الباطلة وتضعيف جانبهم، وصرف الآيات التي وردت في شأنهم إلى غيرهم، واثبات التعطيل والتجسيم والجبر والتشبيه.

فتراهم يفسّرون آية واحدة تفاسير عديدة لا ينطبق واحد منها على العقل ولا على ظاهر النقل ولا ينطبق على قواعد اللغة والنحو والصرف والبلاغة، وغرضهم لنصرة المذاهب المخترعة لهم من جهة، ومحاربة القرآن بتكثير محتملاته واخفاء المعنى الواقعي أو محوه من جهة أخرى. والحاصل أن نصب مفسرين مجازين من قبل الحكومة لم يكن بقصد محاربة أهل البيت (ع) فقط بل بهدف محاربتهم ومحاربة معاني القرآن ومحوها أيضاً.

9ــ قال "قده" (الكتاب الذي يجب أن يكون وسيلة لجمع المسلمين والبشرية وكتاب حياتهم أصبح وسيلة تفرقة واختلاف)، لأن القرآن لو كانت له قراءة واحدة كما قال الإمام الصادق عليه السلام: "القرآن واحد نزل من عند الواحد" وكان له تفسير واحد يقيني صدر من معصوم، كان القرآن أعظم وسيلة للوحدة بين المسلمين ومانعاً من تفرقة صفوفهم، وأما إذا كانت القراءات سبعة أو عشرة فكأن هناك قرآنات متعددة لكل فرقة قرآن خاص يرد قرآن غيره، وكان للقرآن عدّة مفسرين يفسره كل واحد منهم حسب ما يهواه أو يهواه أميره وخليفته وفرقته ومذهبه، فيتحول القرآن إلى أحسن وأقوى وسيلة للتفرقة بين المسلمين يتشبث كل حزب وفرقة بقراءة قارئ وتفسير مفسر فيشتد الاختلاف.

10ــ  قال "قده" (... وبهدف محو القرآن وتثبيت الأهداف الشيطانية للقوى المتجبرة عمدت إلى طبع القرآن بخط جميل ونشره على نطاق واسع ليخرجوا القرآن عن حياة المسلمين بهذه الحيلة الشيطانية).

* اعتبر الإمام "قده" أن الثورة الإسلامية فريدة من نوعها، فبماذا يميّزها الإمام؟ وماذا أعطى الإمام لهذه الثورة؟

لقد ميّزها الإمام بمميّزات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية، وحيث إن الجهات الثلاث الأولى بحثوا عنها كثيراً ولا يزال يبحث عنها حتى في الجرائد وغيرها، ولذا فنحن نشير إلى بعض الميزات الدينية التي أشار إليها الإمام "قده"، وهي:

قال "قده": (ونحن اليوم فخورون بأننا نريد تطبيق أهداف القرآن والسنّة، وفئات شعبنا المختلفة منهمكة في هذا الطريق المصيري العظيم تنثر الأرواح والأموال والأعزاء في سبيل الله تعالى). المراد بتطبيق أهداف القرآن ليس هو اجبار الناس على العمل بأحكام القرآن مثل الصلاة والصوم ونحوه بل المراد به كون (كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى) بمعنى أن الحكومة تكون إسلامية، بأن تكون وسائل الإعلام إسلامية، ويكون الجوّ العامّ بمظهر إسلامي لا يرى فيها ما ينافي الإسلام من السفور والرقص والموسيقى وساير الأعمال المشوهة لسيماء البلد الإسلامي، وتكون صلاة الجمعة ومواكب العزاء لسيد الشهداء (ص) وساير الشعارات الدينية والمذهبية رائجة في المجتمع.

وأما (بذل الأرواح والأموال والأعزاء في سبيل الله) كما أشار إليه السيد القائد "قده"، فهو إشارة إلى قمة الرفعة المعنوية التي حصلت للشعب الإيراني وهو أن يكون الدين عندهم في الدرجة الأولى فوق المال والنفس والعرض كما قال سيد الشهداء عليه السلام: "القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار".

* ما هي الحقائق التي كشف عنها الإمام "قده" عن الاعلام المعادي للإسلام؟

أشير إلى بعض تلك الحقائق من عبارة الإمام نفسه بدون تفصيل، ألا وهي:

1ــ (من المؤامرات المهمة... الدعايات على نطاق واسع بأبعاد مختلفة لزرع اليأس من الإسلام في الشعوب وخاصة الشعب الإيراني المضحي، تارة يقولون إن أحكام الإسلام التي وضعت قبل ألف وأربعمائة سنة لا تستطيع إدارة الدول في العصر الحاضر أو إن الإسلام دين رجعي ويعارض كل أنواع التجدد ومظاهر التمدن).

2ــ (وأسوأ من ذلك كله وضع الجامعات والثانويات والمراكز التعليمية التي كانت تودع بأيديها مقدرات البلد فيوظفون المعلمين والأساتذة المنبهرين بالغرب أو المنبهرين بالشرق المعارضين مئة بالمئة للإسلام...).

3ــ (وليس عبثاً أن تركّز الأبواق الاعلامية في جميع أنحاء العالم وامتداداتها المحلية في بذل كل جهدها على الشائعات والأكاذيب التي تزرع الشقاق وتنفق في سبيل ذلك مليارات الدولارات).

هذا نموذج من الحقائق التي كشف عنها الإمام "قده". وأما كيفية مواجهة هذه المؤامرات فليس إلاّ عن طريق العمل بكلّ ما في هذه الوصية الخالدة من وصايا دينية وغيرها.

* يقدِّر الإمام مكانة الشعب الإيراني ويعظِّمه حتى كان يفضّله على شعب الحجاز والعراق والكوفة أيام الرسول (ص) والإمام علي (ع) والإمام الحسين (ع)، لماذا؟

الجواب على هذا السؤال بيّنه الإمام "قده" في تفسير البيان الذي أجرى مقايسة بين الإيرانيين وبين أصحاب رسول الله (ص) وأصحاب أمير المؤمنين وأهل الكوفة الذين دعوا الإمام الحسين عليه السلام، وذكر حجته التفضيل بالاجمال لا بالتفصيل. وأزيد على ما ذكره "قده" أنّ هناك آيات كثيرة تهدد أصحاب رسول الله بأنهم إن استمروا فيما هم عليه من النفاق والعصيان والمؤامرات ضد الرسول (ص) فإنّ الله سوف ينقل الإسلام الحقيقي منهم إلى أقوام آخرين في بلاد أخرى يكونون أخلص لله في عقائدهم وأطوع لله في أعمالهم وأكثر حباً للرسول وآله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

فمن هذه الآيات قوله تعالى في آخر آية من سورة محمد (ص) {... وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}، وفي سورة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم}، وفي سورة أخرى {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}. فإن بعض هذه الآيات وإن وردت روايات تطبقها على موارد أخرى لا تنافي ما نريد ولكن مع ذلك فإنّ الروايات المستفيضة من طريق الشيعة والسنّة وردت في تطبيقها على الإيرانيين أو أهل اليمن، والسر فيه أن هذين البلدين كانا مركز التشيّع في طول التاريخ غالباً. وعليه فلا منافاة بين ما يروى من أن الرسول (ص) لما سئل من هؤلاء أشار مرة إلى سلمان فقال هم قوم هذا، وأخرى إلى أبي موسى الأشعري، فقال: (هم قوم هذا)، وربما احتمل أن يكون مراده (ص) من قوم أبي موسى الأشعريين الذين انتقلوا من الكوفة إلى قم وكانوا حملة أحاديث أهل البيت عليهم السلام فإنهم وإن كان أصلهم من اليمن وكانوا في الكوفة، ولكنهم لأجل تشيعهم اضطروا إلى الانتقال إلى قم وقاموا بترويج المذهب هناك.

* كيف خاطب الإمام "قده" المعارضين والمفسدين؟

خاطبهم بخطاب شديد مقارن للمنطق، ولحن منطقه تنبيههم على أن معارضتكم للجمهورية الإسلامية معارضة مع شعبكم ومملكتكم وحريتكم ودينكم ودنياكم واستقلالكم، وتأييد وتقوية منكم لأعداء وطنكم وللمستعمرين والكفار والخائنين ولا تنحصر معارضتكم برجال الدين فقط فإن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم، ولا تكونوا آلة للمستكبرين وعملاء للمستعمرين.

* ماذا أراد العدو من فصل الحوزة عن الجامعة، وكيف واجه الإمام ذلك؟

أما العدو فكان هدفه من فصل الحوزة عن الجامعة فصل الدين عنها وعن الحكومة، وإذا انفصل الدين عن الحكومة وعن الشعب فحينئذ يكون استعمارهم أسهل وكل من خرج عن عبودية الله فلا مفر من دخوله تحت عبودية العباد. وعليه فالإمام واجههم بارجاعهم إلى العلماء وإلى الحوزات العلمية وبالتّبع ارجاعهم إلى الدين حتى يخرجوا من عبادة العباد إلى عبادة الله تبارك وتعالى. وحاصله أنهم إن أقبلوا على الدنيا فقدوا دينهم ودنياهم، وإن أقبلوا على الدين وصلوا إليهما معاً.

* حذَّر الإمام "قده" كثيراً من الانقياد للقوى الكافرة واعتبره من أخطر الأمراض، فلماذا شدّد الإمام على ذلك، وما هي مظاهر ذلك الانقياد؟ وكيف يمكن مواجهته من قبل الشعب والمسؤولين؟

أما تشديد الإمام فسببه تشديد القرآن عليه، فإنه مضافاً إلى الآيات الكثيرة والشديدة في هذا نجد سورة الممتحنة كلها تبيّن السياسة الخارجية للإسلام، فتبدأ بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء...}، وتنتهي بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور}، وقد وصل الأمر في التشديد إلى مرحلة أن يقول القرآن {ومن يتولّهم منكم فإنه منهم..}.

وأما مظاهره فلا يحتاج إلى بيان في الدول الإسلامية، فأينما نولي وجوهنا فثمة وجه من وجوه الشيطان ومظهر من مظاهر الانقياد للكفّار.

وأما كيفية مواجهته فهو عن طريق الاحساس بالاستقلال والذاتية والاستغناء بالله وبدينه عن أعدائه، فإنّ من استغنى بالله أغناه الله كما قال رسول الله (ص) "استغن عمن شئت تكن مثله".

* كيف كانت نظرة الإمام "قده" إلى الشباب؟

قلب الشاب وعقله مثل الظرف الخالي الذي يمتلئ بكل ما يصبّ فيه فما أحسن أن نملأه بالإيمان قبل أن يملؤه بالكفر ونملؤه بالتقوى قبل أن يملؤه بالفسق، وبالأخلاق قبل أن تسبق إليه البذاءة والوقاحة. وأما قلب الكبير فمثل الظرف المملوء بشي‏ء فإنه لا يدخل فيه شي‏ء إلا ما كان أثقل مما فيه مثل أن يكون الكأس مملوءاً بالماء فيصبّ فيه الرمل ونحوه مع صعوبة. ولهذا يجب علينا أن نملأ فراغ أذهانهم بالعلوم الدينية قبل أن يملؤها بالكفريات والعلوم المضرّة.