المستضعفون في فكر الإمام الخميني المقدس
يوم الخامس عشر من شعبان محطة عزيزة على قلوب المسلمين والمؤمنين والموالين، لا سيما أهل هذا الزمان، ففيه كانت اشراقة وجه الامام المهدي (عج) على الدنيا وعالم الإمكان.. وهو الامام الذي يرتبط اسمه بتحقيق مهمة إلهية تنتهي بإقامة العدل والقسط والسلام على عالم الانسان والكائنات، بعد حقبات من الاضطراب والخوف والقلق.. وهو الامام الذي أنيطت به مهمة الانتقام والثأر لجميع الانبياء والاولياء والمؤمنين في طول الزمان وعرض المكان.. وهو الامام الذي سيتحقق على يديه الوعد الإلهي المتمثل بالمن على المستضعفين الذين يتوج الله تعالى حركة استضعافهم نصراً وعزاً لهم، بجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين للأرض وما عليها..
ولأجل هذه الحقيقة اختار الامام الخميني (قده) عيد مولد الامام المهدي ليكون يوماً للمستضعفين الذين بذل (قده) جل حياته من أجل الدفاع عنهم وعن قضاياهم، ومن أجل استنهاضهم وتحريضهم وحثهم على القيام بغية استرداد حقوقهم من أيدي المستكبرين والناهبين لخيراتهم وثرواتهم. وهو لأجل ذلك دعا الى وحدة المستضعفين على امتداد العالم، ومما قاله في هذا الصدد: "يا مستضعفي العالم، انهضوا واتحدوا واطردوا الظالمين، فإن الأرض لله وورثتها هم المستضعفون". واعتبر ان هذه الوحدة مقدمة في سبيل انشاء جيش المستضعفين الذي يضم في صفوفه هذه الفئة من أتباع جميع الديانات ومن الناس كافة، حتى تصل النوبة الى المواجهة بين حزب المستضعفين وأعدائهم من المستكبرين والمستعمرين الذين يؤكد الامام الخميني (قده) أنهم سوف يُهزمون في اذا اتحد المستضعفون ونهضوا في مقابلهم، ولن يجد المستكبرون بداً من إلقاء ما في أيديهم من وسائل استكبارهم والانسحاق تحت عجلة الركب الذي سوف يتصدره المستضعفون الذين يمثلون الأكثرية في العالم، والذين تقلصت لديهم فرص تحقيق ذواتهم وإظهار مواهبهم وإبداعاتهم والعيش بكرامتهم بسبب التسلط الاستكباري ونهب امكاناتهم وسلب اراداتهم من قبل مجموعة قوى مستكبرة وظالمة وغاصبة..
وإن الدعوة التي أطلقها الامام الخميني (قده) نحو وحدة المستضعفين وقيامهم هي المؤشر الى العصر الذي أعلنه الامام، بأنه عصر المستضعفين وانتصاراتهم وتحقيقهم لوجودهم وإثباتهم لحقهم، حيث اعتبر الامام الخميني (قده) أن الاستكبار آيل الى الزوال وأن حقيقته واهية، وأن المستضعفين مع قليل من الجهد والجهاد قادرون على رمي المستكبرين خارج معترك التاريخ وبعيداً عن سياقه، وبالتالي فإن العصر يتجه نحو تحقيق ارادة الله ووعده الذي وعده عباده الصالحين والبشر المستضعفين من أتباع الحق المنتشرين في أصقاع الأرض والمنتمين الى رسالات الله المختلفة، والذين يعتقدون برسل الله وكتبه ورسالاته. وحول هذا الوعد يقول الامام الخميني (قده): "ان النصر النهائي يكمن في انتصار جميع المستضعفين على جميع المستكبرين".
والمستضعفون هم الذين تضيق عليهم الأرض بما رحبت، فلا يجدون حولاً يتسلحون به سوى الاعتصام بالله ورجاء عونه، أو الهجرة عن الأهل والديار خوفاً من سطوة المستكبرين ومن عدوانهم وهمجيتهم. هؤلاء الناس الذين حُرموا من العيش بسلام وأُخرجوا من ديارهم بغير حق وأوذوا في سبيل الله واضطهدوا على امتداد هذه المعمورة، هؤلاء سوف يمن الله عليهم ليس فقط باستعادة حقوقهم وتوفير الأمن لهم وكفّ أيدي المستكبرين عنهم، بل أيضاً بجعلهم أئمة على الناس والوارثين لهذه الأرض والحكام عليها، وذلك بعد ان يقضى على الاستكبار وينبلج فجر عيد المستضعفين الذي يقول عنه الامام الخميني (قده): "إن عيد الشعب المستضعف هو ذلك اليوم الذي يكون فيه المستكبرون قد دُفنوا في الأرض".
وهذه الحقيقة، أي حقيقة انتصار المستضعفين، تثبت أن الله تعالى لا يرضى الاستكبار، وهو يحمّل المستكبرين مسؤولية الحؤول دون وصول الكثيرين من أهل الأرض الى ا لحق، فهم بذلك كالشياطين من جند إبليس الذين يصدون عن سبيل الله، ما يعني أن مآلهم يجب ان يكون مماثلاً لمآل إبليس، فكما طرد الله إبليس من رحمته وساحة قدسه ومحل كرامته، كذلك سوف يطرد الله المستكبرين من المحل الذي تسلطوا فيه على الناس وأسسوا فيه زعاماتهم وأقاموا فيه أمجادهم بغير حق، وعلى حساب المستضعفين والمحرومين، وسوف يذل هؤلاء المتجبرين ويمنّ على المستضعفين في ذلك اليوم الذي يخرج فيه إمام المستضعفين من الأولين والآخرين ليزيل الفساد الذي تراكم بفعل شرور المستكبرين، ويرفع الحرمان عن أهل الأرض ويقيم العدالة الإلهية وقيم الاسلام على امتداد هذه الأرض ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون من أئمة الفساد والاستكبار والاستبداد في العالم. هذا من جهة الوعد الإلهي، وكذلك من جهة الانسان، فإن فطرته التي جُبل عليها تمقت الاستكبار والمستكبرين، وإن أظهر الناس رغماً عنهم احتراماً للمستكبرين، فإن حقيقة ما تكنه نفوسهم هو المقت والنفور من الاستعلاء والاستكبار.
وعندما تنجلي الحقيقة عن تمظهرات الأنفس البشرية الحقانية فإن ما ينفع الناس سوف يمكث في الأرض، وما يضرهم ويضيرهم سوف يُمحق من الوجود.
وبناءً على هذه المعادلة، أي ثبوت ما يتماهى مع حقانية الانسان وفطرته وزوال ما يخالفها ويتنافى معها، فإن الأمم الطاغية والمستكبرة سواء كانت تمثل الاحتلال او الطغيان او العدوان، سوف تتهاوى ويُدحر الاحتلال ويسقط الطغيان ويزول العدوان بشكل نهائي عندما تخرج مؤشرات الخامس عشر من شعبان الى الظهور والعيان، ويبدو جلياً البعد الذي يربط بين هذه المناسبة والمستضعفين، وهو البعد الذي يوصل بين إمام المستضعفين وهذه الفئة المقهورة التي سوف يحقق لها إمامها المولود في الخامس عشر من شعبان العزة والسؤدد بعد زمن طويل من القهر والحرمان. فالسلام على المولود في النصف من شعبان، يوم ولد ويوم غاب ويوم يخرج ويوم يُستشهد ويوم يُبعث حياً.
تعليقات الزوار