موضوع البحث هو تأثير النهضة الكربلائية لسيد الشهداء في الثورة الإسلامية الإيرانية من وجهة نظر الإمام الراحل.

 

في كثير من أحاديث ونداءات الإمام الراحل سمعنا وقرأنا عن نهضة كربلاء.

 

ولقد تبلورت الثورة الإسلامية في 12 محرّم سنة 1383هـ.ق والتي اكتسبت اسم 15 خرداد. لأن 15 خرداد 1342هـ.ش هو بداية الثورة.. الحقيقة يجب أن نقول 12 محرّم وكذا في عام 1357 وهو عام انتصار الثورة شهد محرم الحرام المسيرات والتظاهرات المليونية، اجتازت الثورة مرحلة(مئات الآلاف).

 

النظام البائد ومن أجل تعزيز مواقفه حرّك مسيرة تأييد له بلغ المشاركون فيها 000/400 شخص.

 

وردّ الشعب على هذه التظاهرة بأربع مسيرات مليونية هي التي حسمت الصراع لصالح الإسلام وكانت كما يلي:

 

تظاهرة في يوم تاسوعاء. يوم عاشوراء. يوم الأربعين.

 

وفي الثامن والعشرين من صفر ذكرى رحيل النبي الأكرم إلى الملكوت الأعلى.

 

وشهدت تلك الأيام الخالدة نهضة إيران من أقصاها إلى أقصاها.

 

إذن فإن بدء الثورة كان في أجواء كربلائية وانتصارها كان في أجواء كربلائية.

 

ومن جهة أخرى نلاحظ أن نداءات قائد الثورة كانت تستمد طاقتها مفرداتها ومحتواها من خطاب وكلمات سيد الشهداء الملتهبة.

 

فعندما أورد الإمام الراحل في أحد نداءاته[1] التاريخية هذه كلمات الحسين الثائرة: (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما)[2] هب طلبة الحوزات وطلاب الجامعات وانبعثت في صفوف الجميع روح جديدة.

 

كانت كلمات الإمام الراحل تستمد روحها من الإمام الحسين مندمجة بـ﴿نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾[3] فتتصل السماء بالأرض وتشتعل شرارة الثورة الإلهية.

 

ولأن الإمام الراحل يعرف سرّ الثورة والمنطلق، ويعرف الغاية النهائية نراه (قدس سره) يؤكد دائماً على اسم كربلاء وذكرى الحسين بن علي.. وكانت الدموع تتجمع في عينيه وهو يجلس للعزاء في يوم عاشوراء.

 

وكان جسمه يقشعّر لمجرّد ذكر الحسين.. ذلك أنه تلميذ في حضرة الحسين.. وكان يعتبر ثورته قبساً من تلك الثورة الخالدة.

 

إذن فإن بدء الثورة الإسلامية، والمحاور الأساسية في نداءات قائد الثورة وأركان وصايا مؤسس الجمهورية الإسلامية تتحرك في دائرة كربلائية.

 

كم هي الثورات التي أخفقت هنا وهناك من هذا العالم لماذا؟ لأن الحسين بن علي ليس له حضور فيها.

 

لو كان للحسين حضور في ثورة الجزائر.. وفي مصر، وفي السودان لانتصرت في زمن مبكر وأثمرت وآتت أكلها.

 

ومن الممكن أن يثور الإنسان لأهداف أرضية ولكنه سيخلد إلى الأرض.

 

من أجل هذا يخلد الثوريون في مصر، الجزائر، السودان، إلى الأرض في أول منعطف تاريخي يثورون ويخلدون إلى الأرض بين فترة وأخرى.. لأنه ليس هناك من حضور للحسين.. لدموع من أجل الحسين.. الحسين الذي يعني معانقة الموت والاستشهاد.

 

مرّة يكون الضحك والبكاء بسبب حسّي عصبي وفي هذه الحالة ليس هناك من جدوى يعني يبكي الإنسان وهو يصغي إلى مارش جنائزي، ويضحك لدى سماعه طرفة ساخرة. ذلك أن لكليهما مبدأ حسي وعصبي.

 

ولكن من يتأثر عرفانياً ويذرف الدموع حزناً لن يضحك إلا بعد سنوات طوال.

 

السجاد الذي شهد مأساة كربلاء لم يشاهد ضاحكاً مدّة أربعين سنة.

 

فيما رفضت إحدى السيدات أن يظللها سقف بعد الذي جرى على الحسين.

 

إن الذي يبكي بمارش حزين ويضحك لطريفة لن يجني أثراً عقلياً لا من ضحكه ولا من بكائه.

 

الدموع ثروة إنسانية والعاقل من ينفقها على الحبيب..

 

الجاهل يبعثر دموعه دون طائل.

 

والله سبحانه يقول: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾[4].

 

إننا لن ننتصر على الغول الكامن في أعماقنا إلاّ بالدموع.. عندما نعود من ساحات الصراع ظافرين.. نعود لنبكي.

 

وهذا علي بن أبي طالب بطل الإسلام والسيف الذي لا يهزم، ينظر إلى الدموع سلاحاً للرجال الإلهيين فيقول في دعاء كميل: (وسلاحه البكاء).

 

فمن لا يكون من أهل النوح على نفسه والبكاء، لن يكون من أهل تهذيب النفس وترويضها.

 

ومن أراد أن يهزم عدوه في داخله عليه أن يذرف الدموع على سيد الشهداء.

 

الذين عاشوا سنوات الدفاع المقدس الطويلة، شهدوا كيف تهيمن مراثي الحسين على الخطوط الأمامية في جبهات الحرب والقتال.

 

لقد شهدت بنفسي كيف يلتهب شعور المقاتلين في الخطوط الأمامية، عندما ترتفع في الفضاء مراثي عاشوراء.. إنّ من يذرف الدموع على الحسين يشتاق إلى الشهادة.

 

وأمّة كهذه لا تعرف الموت.

 

من أجل هذا كان الإمام الراحل يؤكد باستمرار: كل ما عندنا هو من كربلاء.. من يوم عاشوراء.

 

وإذا آمنا بأن الثورة الإسلامية هي من بركات النهضة الكربلائية فلينظر إلى من ربّى الحسين لأن كل ما هو في العرض لابد أن ينتهي إلى ما هو بالذات.

 

الحسين بن علي عليه السلام له صحبة مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وتربية الرسول صلى الله عليه وآله نجدها في كلماته وهو لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى.

 

ومن هنا يمكن الإشارة إلى المحاور الأصلية في النصر في أقسام أربعة:

 

الأول: التأمل في مشيئة الله سبحانه وعلمه وفعله.

 

الثاني: التأمل في سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله العلمية والعملية الذي هو أول تجلّ لله سبحانه.

 

الثالث: التأمل في سيرة أهل البيت عليهم السلام عموماً في سيرة الحسين عليه السلام خاصة.

 

الرابع: التأمل في سيرة نائب الإمام المعصوم يعني الإمام الراحل (قدس سره).

 

والآن نشرح هذه الأقسام.

 

فيما يخص القسم الأول أن الله سبحانه يدبر شؤون العالم باسمين من أسمائه الحسنى: (الحكيم) و(الغني).

 

ولأنه حكيم وذو جود وقسط وعدل فإن كل أفعاله تنطوي على غاية وهدف.

 

ولأنه غني صمد[5]، لا هدف له، فلأنه هو المبدأ ولا مبدأ له.

 

إنّ كل عمل إنما هو لنيل الكمال، ولكن إذا أراد ذات الكمال المحض فلأنه هو الكمال.. فمنه يصدر العمل لا أنه يعمل من أجل بلوغ الكمال.

 

إذن فلأنه الغني، فلا هدف له، بل هو ذاته الهدف، ولأنه حكيم ففعله هادف.

 

والهدف الذي ذكره الله سبحانه من وراء الخلق عبارة عن (العلم.. والعمل) يعني:

 

1ـ إدراك أسرار الخلق ورموز الخليقة.

 

2ـ الخضوع في رحاب الخالق والتواضع في ساحته.

 

فالذي لا يعلم شيئاً، لا يبلغ الهدف الذي يعلم ولا يملك.. يعني أن من لم يرق علمه إلى الغنى هو أيضاً لا يبلغ الهدف.

 

ومن لطائف الأدب لدى الخواجة عبد الله الأنصاري قوله:

 

(اللهم إن كنت عالماً) فاجعلني (غنياً) لأنه لا يوجد من يسمع كلام العالم.. على العكس من كلام الغني.

 

والغني من حاز علماً..

 

وما أعمق تأوهات هذا العارف إذ يقول: الهي لا أعرف ما أملك ولا أملك ما أعرف.

 

الله سبحانه يريد من الإنسان عالماً غنيّاً، وقد أشار القرآن الكريم إلى (العلم) في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[6].

 

وهذه إشارة إلى السيرة النظرية.. يعني خلق العالم من أجل أن يعلم الإنسان عظمة الخلق ويوحد الله ويعرفون أن الله (عليم قدير).

 

وهناك إشارة قرآنية إلى هدفية الخلق في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[7].

 

وهاتان الآيتان تبيان السيرة النظرية والعملية للخلق يعني أن هدفية الخلق تكمن في:

 

ـ خلق العالم من أجل الإنسان العالِم.

 

ـ الخلق من أجل الإنسان العابد.

 

وقد جمع الإمام الحسين هاتين الآيتين في قوله عليه السلام: (إن الله سبحانه وتعالى ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا عن عبادة ما سواه)[8].

 

ومعنى هذا: (المعرفة + العبادة) فالعارف العابد لا يعترف بغير الله. 

 

القسم الثاني:

 

فيما يخص القسم الثاني. في أول خطبة في نهج البلاغة يتحدث الإمام علي عليه السلام عن الغاية من وراء بعث الأنبياء عموماً ورسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله خصوصاً: إنّ سلسلة الأنبياء تتصل حلقاتها حتى تصل إلى الرسالة الخاتمة في نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله: (فهداهم به من الضلالة وأنقذهم بمكانه من الجهالة)[9].

 

فالناس في ضوء رسالة النبي صلى الله عليه وآله علموا وعملوا، استحال جهلهم إلى علم، وسلكوا الجادة بعد أن كانوا حيارى تائهين.

 

ونعود إلى القرآن مرة أخرى لنرى أن هذه الآية في قوله تعالى: ﴿يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[10]، فالتزكية هي السيرة العلمية و(التعليم) هو السيرة النظرية.

 

القسم الثالث:

 

وعندما نصل في البحث إلى أهل البيت عليهم السلام وثورة سيد الشهداء العالمية نرى في زيارة أربعين الحسين بن علي عليه السلام هذا الخطاب: (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة)[11] فثورة الحسين جاءت إنقاذاً للناس من الجهل والتيه.. من أجل أن يعلموا وان يعملوا.. الاكتشاف والسير في الطريق المضيء.

 

القسم الرابع:

 

والآن نبحث في سيرة الإمام الراحل: النظرية والتطبيق؛ ونرى في كلماته وأحاديثه في الخلاء والملأ هذين الأصلين وهما أن الإنسان عندما يدرك المعارف الإلهية يمنح هذه المعارف قيمة عملية.

 

فمن حاز هذين الأصلين، يعني إدراك نظام عملية الخلق والانصهار في هذا الفهم أصبح حرّاً.

 

وعندما تتضح له مفاهيم القيامة والجنة والجحيم.

 

ومن لا يؤمن بالله سوف يعمل بما يمليه عليه الهوى والهوى هو أسوأ إله يتخذه الإنسان.

 

فما نراه من قول بعضهم أنا أقول ما أشاء، وأفعل ما أشاء يعني إن إلهي هواي:

 

﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾[12].

 

فمن كان إلهه هواه تكون جنته شهوته وجحيمه غضبه وهو يعيش بين نعيمه وجحيمه وسيكون معاده في هذه الدائرة فقط.

 

إذن فمن كان له إله وكانت له قيامة وجنته وجحيمه شاء ذلك أم أبى.

 

إنه يفرح لأقل شيء ويغضب لأدنى شيء.

 

ولكن لو كان آمن بالله حقاً وصدقاً، لتحرر من عبادة نفسه وهواه وتحرر من عبادة الآخرين وهذا الذي أشار إليه سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام في قوله: (فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عباده عما سواه) فمثل هذا الإنسان لا يعبد غير الله أبداً كائناً من يكون.

 

لقد تشرّب الإمام الحسين هذا الفكر وجسده في نهضته التاريخية فلقد كانت خطبه تنضح بالتوحيد.

 

منذ انطلاقته في مكة وهو يتحدث عن الله الوطن.

 

الوطن هو المكان الذي يولد فيه الإنسان ويخرج منه ثم يعود إليه.

 

الوطن ليس المياه والتراب، وطننا جميعاً هو المكان الذي جئنا منه.. وقد أبدع شيخ الإشراق في قوله:

 

     وطني ليس مصر ولا العراق وشام           وطني في كل مكان ليس له اسم[13]

 

فالإنسان القادم من الله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ موطنه الله، ومن كان له حنين إلى الوطن وطّن نفسه للقاء.

 

وقد وطّن سيد الشهداء نفسه في اللقاء يوم عاشوراء، عندما أعلن في مكة: (من كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا).

 

وفي ليلة عاشوراء عرض الإمام الحسين على أصحابه الانصراف وأنهم في حلّ من بيعته؛ ولكن ماذا حصل؟ الذي حصل أن أصحابه أعلنوا شوقهم للقاء الحق وأنهم لن يتراجعوا عن الطريق الذي اختاروه.

 

إنّ من بين أبطال كربلاء رجال قطعوا 1200 فرسخ[14] في ظروف بالغة القسوة.. ومن المحتمل أن ذلك الرجل واسمه سعيد بن عبد الله الحنفي قد قطع هذه المسافات مشياً.

 

فأية قوّة دفعت بهذا الإنسان إلى أن يطوي هذه المسافات الطويلة، ونفسه ممتلئة بشوق الاستشهاد؟!

 

هذا إنسان ينهل من (الكوثر) بعد أن تحرر من (التكاثر).

 

إنّ المسافة الممتدة بين مكة والكوفة تبلغ 300 فرسخاً وكان سعيد من ممثلي مدينة الكوفة.. قطع هذه المسافة ليوصل الإمام الحسين رسائل أهل الكوفة.

 

ثم عاد إلى الكوفة بصحبة مسلم في طريق بعيد عن أعين الجواسيس.. عاد إلى الكوفة ظامئاً جائعاً بعد تيه في صحراء مليئة بالرمال.

 

وسيقطع المسافة للمرّة الثالثة بعد شهادة مسلم بن عقيل والأحداث الدامية التي أعقبت ذلك.

 

ثم ليعود مرّة رابعة إلى الكوفة برفقة الإمام الحسين والآن وهو في يوم عاشوراء وقد حان وقت صلاة الظهر. الحسين عليه السلام يستمهل العدو فرصة لأداء الصلاة لكن دون جدوى ويتقدّم سعيد الحنفي ليكون درعاً أمام الحسين يتلقى السهام الغادرة.

 

ويصلي الإمام آخر صلاة في ظروف رهيبة.. لقد كانت سهام الموت تنطلق إليه فيصدّها الحنفي بصدره وكفّيه.

 

وعندما امتلأ جسمه بالسهام سقط على الأرض، وكان الإمام قد انتهى من صلاته فقال الحنفي بصوت فيه حشرجة اللحظات الأخيرة من الحياة.

 

ـ أوفيت يا ابن رسول الله؟

 

ويأتيه الجواب: أنت بين يدي في الجنّة.

 

ووفقاً لرواية الإمام الباقر عليه السلام فإن جنود الحسين يوم عاشوراء لم يكونوا يستشعروا آلام الضرب والطعن والجراح إلا بما تولده القرصة من ألم.. لماذا؟

 

لأن الروح هي مصدر الألم والفرح.

 

يصوم أحدهم فيشعر بوطأة الظمأ والجوع.. ويصوم الآخر فلا نرى فيه إلاّ النشاط والابتهاج.. أليست الظروف الفيزيائية متساوية للاثنين.

 

فلماذا يتعذب الأول، وينطلق الآخر؟!

 

لأن الروح لدى الثاني مشدودة إلى نقطة بعيدة عن الظروف المادّية.

 

ولقد كان أبطال كربلاء من تلك الروح العظيمة المبهورة بالغيب.

 

وخلال لحظات نبت في جسم سعيد ثلاثة عشر سهماً لم تفجرّ في روحه العاشقة من الألم إلاّ بقدر ألم الوخزات.

 

والآن ننقل نماذج عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الإمام الحسين عليه السلام وعن الإمام الراحل (رض).

 

فيما يخص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه في غمرة الظروف العصيبة ربما جاز للمسلمين التراجع إلا النبي صلى الله عليه وآله فلا.. لأن الله سبحانه يخاطبه: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[15].

 

وهذه أيضاً كلمات علي بن أبي طالب يقول: (والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها)[16].

 

وعندما يصل الدور إلى الحسين نجل علي وسبط النبي صلى الله عليه وآله وفيما كانت التقارير ترد إليه وتؤكد تدهور الوضع في العراق والحجاز، وأنه لم يعد هناك مكان آمن، فلا تجازف بحياتك وحياة أهل بيتك أجاب بإباء: (والله لو لم يكن لي في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية)[17].

 

الآن ونحن في عصر وارث الحسين الإمام الراحل وفي النصف الأول من عام 1357هـ.[18] وفيما كانت الثورة في ذروة الاشتعال أمر العدو الذي يسير كلاّ من إيران والعراق أن يتم إبعاد الإمام من النجف.

 

كان من المقرر أن يسافر الإمام إلى الكويت بعد ضغوط تعرّض لها الإمام في ضرورة مغادرة العراق.

 

الكويت أغلقت حدودها يوم ذاك.. لم تسمح للإمام أن يلتقط أنفاسه في مطارها وهو الشيخ الذي أتبعته السنون، ماذا كان موقف الإمام قال: لو لم يبقَ لي مكان آمن على وجه الأرض فسأنتقل من مطار إلى مطار ومن ميناء إلى ميناء وأقود الثورة).

 

أليست هذه الكلمات صدى لكلمات الحسين بن علي؟ أليست هي ترجيعة لكلمات ثائرة هتف بها الإمام الحسين قبل أربعة عشرة قرناً؟

 

لم يكن هناك يوم ذاك من مأوى للإمام ولا ملجأ إلا الله وهذا هو قدر الإنسان المؤمن الذي يلتهب وجدانه بقوله تعالى: ﴿ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾[19].

 

ميثاق وثيق يربط الإمام الراحل بأهل البيت عليهم السلام وسيد الشهداء خصوصاً.

 

أنه يحمل ميراثهم المقدس، وكلما كان الارتباط وثيقاً كان الميراث عظيماً ولذا انقطع بموته ما لم ينقطع بموت غيره من العلماء الربّانيين.

 

الموضوع الختامي في هذا البحث هو أن الإمام الحسين عليه السلام وفي كثير من نداءاته وخطبه ورسائله يؤكد أن ثورته ونهضته لا تنحصر به ولا تقتصر عليه.

 

ولذا فهو يعبر دائماً بقوله(مثلي)..

 

فهو يقول مثلاً وبعد أن يستعرض شخصية يزيد شارب الخمر و..: (ومثلي لا يبايع مثله).

 

وعندما عرضت عليه البيعة سرّاً قال: (مثلي لا يبايع سرّاً)[20].

 

حتى عندما عرض عليه أن يسلك طريقاً غير الطريق العام في الهجرة من المدينة إلى مكة رفض ذلك قائلاً: مثلي لا يفعل ذلك.

 

حتى عندما يتحدث عن يزيد يستخدم هذا التعبير كقوله عليه السلام: (وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد)[21].

 

إذن فالصراع بين الحسين ويزيد لم يكن صراعاً شخصياً بل هو صراع بين جبهتين.

 

ولذا فإن الإمام يقول إن مثلي لا يبايع مثل يزيد.

 

فالنهج الحسيني ميراث في روح الإمام الخميني، وهو النهج المنتصر دوماً بإذن الله مهما شنت الحروب عليه لأن الله سبحانه يقول: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ﴾[22].

 

وإننا نعيش مصداقاً من هذه الحروب التي أوقدها العدو من أجل إطفاء كلمة الله ولكن هيهات.. تنطفئ الحروب وينتهي العدوان.. وتبقى كلمة وهي العليا متألقة إلى الأبد.

 

 ــــــــــــــــــــ

 

[1] (سنؤدي واجبنا الإلهي إن شاء الله وسننال إحدى الحسنين؛ قطع أيدي الخونة عن حريم الإسلام والقرآن الكريم أو جوار رحمة الحق جلّ وعلا: و(إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما). صحيفة نور: 1/78.

 

[2] تاريخ التواريخ: 3/166، تحف العقول: 245.

 

[3] الحجر، الآية: 29.

 

[4] النجم، الآية: 43.

 

[5] الذي لا يحتاج إلى أحد.

 

[6] الطلاق، الآية: 12.

 

[7] الذاريات، الآية: 56.

 

[8] علل الشرائع: 9، كنز الفوائد: 115.

 

[9] نهج البلاغة الخطبة رقم 1.

 

[10] آل عمران، الآية: 164.

 

[11] بحار الأنوار: 98/106 الرواية 17.

 

[12] الجاثية، الآية: 23.

 

[13] الشاعر الباكستاني: إقبال اللاهوري.

 

[14] الفرسخ= 3 أميال عربية، الميل العربي = 2 كم تقريباً(المترجم).

 

[15] النساء، الآية: 84.

 

[16] بحار الأنوار: 33/475 الرواية 686.

 

[17] مقتل الحسين للخوارزمي: 1/188، تاريخ الطبري: 7/221.

 

[18] 1978م.

 

[19] الكهف، الآية: 27.

 

[20] ناسخ التواريخ: 1/385.

 

[21] مقتل العوالم: 1/53، ناسخ التواريخ: 1/388.

 

[22] المائدة، الآية: 69.