بالسَّند المتّصل إلى أفضل المحدّثين وأقدمِهِم محمَّدِ بن يعقوبَ الكلينيِّ رضي الله عنه عن محمَّد بن يحيى، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن عليِّ بنِ النُّعمانِ، عن معاوية بن عمّارٍ قالَ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ عليه السَّلام يقولُ: كانَ فِي وَصيَّةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم لِعَليٍّ عليه السّلام أنْ قالَ: يَا عَلِيُّ أوصيكَ في نَفْسِكَ بِخِصالٍ فَاحْفَظْهَا عَنِّي، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أَعِنْهُ. أَمَّا الأَولى فَالصِّدْقُ وَلاَ يَخْرُجَنَّ مِنْ فيكَ كِذْبةٌ أبَداً. والثّانِيَةُ الوَرَعُ وَلاَ تَجْتَرِئْ عَلَى خِيَانَةٍ أَبَداً. وِالثّالِثَةُ الخَوْفُ مِنَ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ. وَالرّابِعَةُ كَثْرَةُ البُكَاِء مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَعَالى يُبْنَى لَكَ بِكُلِّ دَمْعَةٍ أَلْفُ بَيْتٍ فِي الجَنَّةِ. وَالخَامِسَةُ بِذْلُكَ مَالَكَ وَدَمَكَ دُونَ دِينَكَ. وَالسّادَِسَةُ الأَخْذ بِسُنَّتي في صَلاتي وَصَوْمي وَصَدَقَتي، أَمَّا الصَّلاةُ فَالخَمْسُونَ رَكْعَةً، وَأَمَّا الصِّيامُ فَثَلاثَةُ أَيّامٍ فِي الشَّهْرِ: الخَمِيسُ فِي أَوَّلِهِ وَالأَرْبَعاءُ في وَسَطِهِ وَالخَمِيسُ فِي آخِرِهِ، وأَمَّا الصَّدَقَةُ فَجُهْدُكَ حَتّى تَقولَ قَدْ أَسْرَفْتَ وَلَمْ تُسْرِف.

 

وَعَلَيْكَ بِصَلاةِ اللّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ، وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ الزَّوالِ، وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ الزَّوالِ وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ الزَّوَالِ وَعَلَيْكَ بِتِلاَوَةِ القُرْآنِ عَلَى كُلِّ حالٍ، وَعَلَيْكَ بِرَفْعِ يَدَيْكَ فِي صَلاَتِكِ وَتَقْلِيبِهِمَا، وَعَلَيْكَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضوءٍ، وَعَلَيْكَ بِمَحَاسِنِ الأَخْلاَقِ فَارْكَبْهَا وَمَساوِئ الأَخْلاَقِ فَاجْتَنِبْهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلاَ تَلُومَنَّ إِلاّ نِفْسَكَ([1]).

 

 

 

الشرح:

 

 (الخصال) جمع خصلة ومعناها الفضيلة النابعة من السجية، كما في (الصِّحاح) وعليه يكون استعمالها في مطلق الأفعال والخلق، كما في هذا الحديث الشريف وغيره، من باب المجاز. ومن الممكن أن تكون الخصلة، أعم من الفضيلة الراسخة في طبيعة الإنسان، فيكون استعمالها في مثل الموارد من باب الحقيقة.

 

قوله عليه السّلام (الورَع) بفتح الراء و(الرِّعة) مصدران لَورِع يَرِع بكسر الراء فيهما. ومعناه التقوى أو شدّة التقوى ومنتهى الحذر. ومن المحتمل أن يكون المعنى مأخوذاً من ورّعته توريعاً، أي كففته، لأن الورع في الحقيقة، كف النفس، ومنعها من تخطى حدود الشرع والعقل. أو من ورّع بمعنى الرد، يقال َورّعت الإبل عن الماء إذا رددتها، لأن المؤمن يرّد نفسه عن الشهوات والولوج فيها.

 

قوله عليه السلام: (لا تَجْتَرِئْ) يكون من باب الافتعال، بمعنى الجسارة والشجاعة، وكثرة الإقدام في الأمور. في الصحاح عن أبي زيد (الجُرْأةُ مِثالُ الجُرْعَةِ: الشَّجاعَةُ) و(في الصحاح) أيضاً (الجَريءُ الِمْقَدامُ).

 

قوله عليه السلام: (فَجُهْدُكَ) الجُهْدُ بضمّ الجيم وفتحها: الطاقَةُ والمَشَقَّةُ، يُقالُ: جَهَدَ دابَّتَهُ وَأَجْهَدَهَا، إذا استعملها أكثر من طاقتها. ويكون الجهد أيضاً بمعنى الجدّية والإصرار. وهذه المعاني تتناسب مع هذه الرواية.

 

قوله عليه السّلام: عَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ إن كلمة عليك اسم فعل،

 

وتستعمل بمعنى الفعل المتعدي أو في محل الفعل المتعدي عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي ألزموا، وعليه تكون الباء للتأكيد والتأييد لا للتعدية. وقال في مجمع البحرين إذا تعدّت عليك، بالباء كان معناها استمسك مع إفادة المبالغة.

 

ونحن نذكر إنشاء الله معاني الحديث، ضمن مقدمات وفصول.

 

 

 

مقدمة

 

يتضح من نواحي عديدة من هذا الحديث الشريف، أن هذه الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام كانت عنده صلوات الله وسلام عليه مهمة جداً، هذه النواحي هي:

 

إحداها: توجيه الوصية نحو أمير المؤمنين عليه السّلام مع أنه سلام الله عليه، أسمى من أن يتساهل في الأحكام الشرعية، والأوامر الإلهية، ولكنّ هذه الأمور لدى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كانت هامّة جداً، فلم يحجم عن الوصية بها. ومن المتعارف أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا يوصي بشيء إلا وكان يعتني به، ويراه مهماً، فلأجل إظهار أهميته، يوصي به، حتى لمن يعرف أنه لا يتهاون به.

 

أما احتمال أنه صلّى الله عليه وآله وسلم قد أوصى لأمير المؤمنين عليه السّلام حتى يُفهم الآخرين، من قبيل (إيَّاكَ أَعْنِى وأسمَعِي يَا جَارةَ) فهو بعيد. لأن سياق الحديث بأن الخطاب متوجه نحو الإمام علي عليه السّلام، وأنه المقصود مباشرة، كما يستفاد من كلمة (فِي نَفْسِكَ) و(احْفَظْهاَ) و(اللَّهُّمَ أَعِنْهُ). ثم أن مثل هذه الوصايا كانت متداولة بين الكبار من الناس، وبين الأئمة الأطهار عليهم السّلام من وصية بعضهم البعض الآخر، وكان الظاهر من سياق كل واحد من مثل هذه العبارات التي وردت من إمام لإمام آخر عليهم السلام، هو الإمام المخاطب بنفسه. كما ورد في إحدى وصايا الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام إلى ولديه الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السّلام: (أُوصِيكُمَا وَأَهْلَ بَيْتِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي) ومن المعلوم أن الحسنين عليهما السلام كانا داخلين في هذه الوصية، وتكشف هذه الوصايا عن شدة اهتمام وتعلق المعصومين عليهم السّلام بعضهم ببعض.

 

وعلى أي حال إن كون الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام مخاطباً بالوصية يكشف عن عظمة الوصية وأهميتها.

 

ثانيتها: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أكد على هذه الوصية بهذا المستوى من التأكيد للإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام رغم أنه لن يتجاوز وصية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قيد أنملة ولم يبد تجاهها وهناً ولا فتوراً.

 

ثالثتهما: نبّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عليًّا بعد أن قال: (يا عَليّ أُوصِيكَ) على أهمية الوصية قائلا: (فَاحْفِظْها عَنِّي). ولما تمنى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على عليّ عليه السّلام أن يأتي بهذه الوصايا المهمة دعا له قائلاً: (اللَّهُم أَعِنْه) وهكذا بقية التأكيدات التي وردت في كل واحدة من هذه الجمل بصورة مستقلة مثل نون التأكيد، وتكرار الوصية وغير ذلك مما لا نحتاج إلى تعداده.

 

إذن يعلم أن هذه الوصايا من الأمور الهامة. ومن الواضح أنه لا يعود في جميع هذه الوصايا بالفائدة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وإنما تعود المنفعة إلى المخاطب. والإمام عليه السّلام وإن كان في الأصل هو المخاطب، ولكن التكاليف عامة ومشتركة بين الجميع، حيث لا تعطل برحيل المخاطب، بل إنها متواصلة مع الأجيال.

 

ولا بد من معرفة أن شدّة تعلق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، بالإمام علي عليه السّلام تبعث على الفائدة الكبيرة لهذه الوصايا التي بُيّنت بهذا الأسلوب وعلى أهميتها الكثيرة. والله أعلم.

 

فصل: في مفاسد الكذب

 

من وصايا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ملازمة الصدق والابتعاد عن الكذب فَالصُدقُ وَلا يَخْرُجَنّ مِنْ فِيكَ كِذْبَةً أبداً ويستفاد من تقديم رسول الله

 

صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الوصية على الوصايا الأخرى، أن هذه الوصية أهم من كافة الوصايا المذكورة. ونحن نقدم مفاسد الكذب على مصالح الصدق.

 

واعلم أن هذه الرذيلة من الأمور التي اتفق العقل والنقل على قبحها وفسادها وأنها في نفسها من الفواحش والمعاصي الكبيرة، كما تدل على ذلك الأخبار. وقد تترتب عليها مفاسد أخرى لا تقل عن هذه الموبقة، بل قد يسقط الإنسان من أعين الناس في الوسط الاجتماعي على إثر كذبة واحدة عندما تُكتشف، ولا يستطيع إلى نهاية العمر أن يجبرها. فإذا اشتهر إنسان لا قدّر الله بالكذب، فلعلّه لا يوجد شيء آخر يسيء إلى شخصية الإنسان أكثر من الكذب. ومضافاً إلى ذلك فإن مفاسده الدينية وعقوباته الآخروية كثيرة أيضاً. ونحن نقتصر على ذكر بعض الأحاديث الشريفة في هذا الموضوع. وحيث أن شناعة الكذب من الأمور الواضحة المعروفة، نبتعد عن الإسهاب في الحديث عنه.

 

روى في الوسائل عن محمَّد بن يعقوب بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل جَعَلَ لِلشَّرِّ أقفالاً وَجَعَل مَفاتيحَ تِلْكَ الأقْفالِ الشَّرابَ، وَالكِذْبُ أشَرُّ مِنَ الشَّرَابِ» ([2]).

 

والآن تدبر في هذا الحديث الشريف المروي عن عالم آل محمد عليهم السلام، والمذكور في كتاب يعدّ مرجعاً لجميع علماء الأمة، ويتلقى بالقبول لدى كافة العلماء رضوان الله عليهم، وأنظر هل يبقى سبيل للاعتذار؟ أليس هذا التهاون في الكذب إلاّ من جراء الضعف في الإيمان تجاه أخبار أهل بيت العصمة عليهم السلام؟

 

نحن لا نعرف الصور الغيبية لأعمالنا، ولا ندرك الارتباطات الغيبية بين المُلك والملكوت، ولهذا نبتعد عن مثل هذه الأخبار، ونحن من أمثالها على المبالغة. ولكن هذا المنهج باطل وناتج من الجهل والضعف في الإيمان. فلو فرضنا بأننا حملنا هذا الحديث الشريف على المبالغة، أليست المبالغة ذات شروط ووضع خاص؟ هل نستطيع أن نقول عن كل شيء أنه أسوأ من الخمر، أولا بد وأن يكون الشيء ذا شرّ عظيم حتى نتمكن من المبالغة ونقول إنه أعظم من الشر؟

 

وبإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قالَ: «الكِذْبُ هُوَ خَرَابُ الإِيمانِ» ([3]).

 

في الحقيقة أن مثل هذه الأخبار، تهزّ أعماق الإنسان، وتقصم ظهره فإننا نتصور بأن الكذب من الأعمال الفاسدة، التي فقد الإحساس بقبحها نهائياً من جرّاء شيوعها بين الناس، ولكن سيأتي وقت ننتبه ونشعر بأن الإيمان الذي هو رأس مال حياة عالم الآخرة، قد زال من أيدينا من جراء الاستهانة بالكذب ولم نشعر بذلك أبداً.

 

وعن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: سُئِلَ رَسُولُ الله صلّى اللهُ عَليهِ وآلهِ وَسَلم يَكُونُ المؤمِنُ جَبَاناً؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ وَيَكُونُ بَخيلاً؟ قالَ: نَعَمْ، قِيلَ: ويَكُونُ كَذَّاباً؟ قال: لا([4]).

 

ونقل عن صدوق الطائفة محمد بن علي بن الحسين إنه قال: من كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: أَرْبَى الرِّبا الكِذَبُ([5]). مع أن التشديد في حرمة الربا وبشاعته مما يذهل الإنسان.

 

ومن الأمور التي لابد للإنسان أن يلتفت إليها، هو أن الأخبار قد استنكرت الكذب حتى هزله ومزحه، وشدّدت في ذلك. وأفتى العلماء بحرمته أيضاً. كما ذكر صاحب الوسائل في عنوان الباب الذي هو تعبير عن فتاواه: بَاب تَحْريم الكذِب في الصغيرِ والكبيرِ والجِد والهزْلِ عدا ما استثنى([6]).

 

وعن الكافي الشريف عن أبي جعفر عليه السّلام قالَ كانَ عَليّ بن الحُسين صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمَا يقولُ لِوَلِدِه اتِّقُوا الكَذِبَ، الصَغيرَ مِنْه وَالكبِير فِي كل جِدّ وَهَزْلٍ فَإنَ الرَّجُلِ إذا كَذِبَ في الصَغيرِ اجْتَرَئ في الكَبيرِ أمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ اللهِ صَلّى الله عَليه وآله وَسَلم قال: مَا يَزَالَ العبَدُ يَصدُقَ حَتَّى يَكْتُبُهُ الله صَدِّيقاً وَمَا يَزَالَ العَبْدُ يَكْذِبُ حَتَّى يَكْتُبُهُ اللهُ كَذَّاباً([7]).

 

وفي الكافي عن الأصبغ بن نباته ـ قالَ: قالَ أميرُ المؤمنين عليه السّلام: «لاَ يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيمانِ حَتّى يَتْرُكَ الكِذْبَ هَزْلَهُ وَجِدَّهُ» ([8]).

 

وفي وصايا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: يَا أبَا ذَرٍّ، وَيْلٌ لِلَّذي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ([9]).

 

وبعد عرض هذه الأخبار الشديدة والمنقولة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام، لا بد من الجرأة الكبيرة والشقاء المضاعف، حتى يقدم الإنسان على هذا الأمر الخطير، والمعصية الكبيرة. وكما أن الكذب قد عُدّ من المفاسد الخطيرة جداً، اعتبر صدق اللهجة والاستقامة في الحديث، مهمّاً جداً، وأُثنى عليه في أخبار أهل البيت ثناءاً بليغاً. ونحن نكتفي بذكر بعضها:

 

محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: كُونُوا دُعاةً لِلنّاسِ بِالخَيْرِ بِغَيْرِ ألْسِنَتِكُمْ، لِيَرَوْا مِنْكُمُ الاجْتِهَادَ وَالصِّدْقَ وَالوَرَعَ([10]).

 

وقال الصدوق رحمة الله بسنده إلى رسول الله قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسلّم: إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِني غداً وَأوْجَبَكُمْ علَّي شَفَاعَةً، أصْدَقَكُمْ لِسَاناً، وأدَّاكم لِلأمَانةِ وَأحْسَنَكُمْ خُلُقاً وَأقْرَبَكمُ ْمِنَ النَّاسِ([11]).

 

فصل: في حقيقة الورع ومراتبه

 

يتحدث هذا الفصل عن الورع، وأنه قد عُدَّ من منازل السالكين والسائرين إلى الله سبحانه، وعُرِّف حسب ما نقل العارف المعروف خواجة عبد الله الأنصاري «هُوَ تَوَقٍّ مُسْتَقْصىً عَلَى حَذَرٍ أَوْ تَحَرُّجٌ عَلَى تَعْظِيمٍ». وهذا التعريف يشمل كافة مراتبه، لأن للورع مراتب كثيرة: فورع العوام، الاجتناب عن الكبائر، وورع الخواصّ الابتعاد عن الشبهات خشية الوقوع في المحرمات كما أشير إليه في حديث التثليث الشريف([12]). وورع أهل الزهد الاجتناب عن المباحات للابتعاد عن وزرها. وورع أهل السلوك ترك النظر إلى الدنيا لأجل الوصول إلى المقامات. وورع المجذوبين، ترك المقامات لأجل الوصول إلى باب الله، ومشاهدة جمال الله. وورع الأولياء، الاجتناب عن التوجّه إلى الغايات.

 

ولكل واحدة من هذه المراتب شرح لا يجدينا الإسهاب فيه. وما يجب أن نعرفه هنا هو:

 

أن الورع عن المحرّمات الإلهية يكون على أساس جميع الكمالات المعنوية، والمقامات الأخروية. ولا يحصل لأحد مقامُ إلا عند الورع عن محرّمات الله. وإن القلب الذي لا يتحلّى بالورع، ليصدأ، وليبلغ به الأمر إلى مستوى لا يُرجى له النجاة. إن الورع يوجب صفاء النفوس وجلائها، وأنه يكون من أهمّ المنازل لدى العوام، ويعتبر من أفضل زاد المسافر نحو الآخرة. وقد ورد في فضله حسب أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السّلام أكثر مما يسعه هذا الكتاب. ونحن نكتفي بذكر بعض هذه الأحاديث. يرجع الباحث لأكثر من ذلك، إلى كتب الأخبار.

 

الكافي: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: أوصيكَ بِتَقْوَى اللهِ وَالْوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ اجْتِهَادٌ لاَ وَرَعَ فِيهِ([13]).

 

وبهذا المضمون رواية أخرى أيضاً. وهذا شاهد على أن العبادات تتساقط عن الاعتبار، إذا كانت خالية من الورع. ومن المعلوم أن الغاية المنشودة من العبادات التي هي ترويض النفس، ولجمها، وقهر الملكوت للمُلك والطبيعة، لا تحصل إلاّ بواسطة الورع الشديد، والتقوى الكاملة.

 

ثم إن النفوس المدنسة بالمعصية، لا تقبل صورة ولا رسماً إلا بعد تنظيفها من الكدر وتطهيرها من القذارة، حتى يتمكن الرسّام من الرسم فيها. فالعبادات التي هي الصور الكمالية للنفس، لا تنفع من دون صقلها من غبار المعصية، وإنما تكون صورة من دون لبّ وظاهراً من دون روح.

 

وبإسناده عن يزيدَ بنِ خَليفَةَ قالَ: وَعَظَنا أبو عبد الله عليه السّلام فَأَمَرَ وَزَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالوَرَعِ فَإِنَّهُ لاَ يُنالُ مَا عِنْدَ اللهِ إلاّ بِالوَرَعِ»([14]).

 

فبموجب هذا الحديث الشريف، أن الإنسان الذي لا ورع له، يكون محروماً من الكرامات التي وعدها الله لعباده. وهذا الحرمان من أعظم الخذلان والشقاء. وفي الوسائل مسنداً إلى الإمام الباقر عليه السّلام في حديث: «لاَ تُنالُ وِلاَيَتُنَا إِلاّ بِالعَمَلِ وَالوَرَعِ»([15]).

 

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق ثم (... قالَ يا عِيسى بن عَبْد اللهِ لَيْسَ مِنَّا وَلا كَرامَةُ مَنْ كانَ فِي مِصْرٍ فِيه مائَةُ ألْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَكانَ في ذَلكَ المِصْر أحَدٌ أوْرَع مِنْه)([16]).

 

ولا بد من معرفة أن المقياس في كمال الورع على ضوء الروايات الشريفة، هو الاجتناب عن محرمات الله، وأن كل من يبتعد عن المحرمات الإلهية أكثر، يُعدّ من أروع الناس طراً. فينبغي أن لا يستغل الشيطان هذا الموضوع ـ ليس منا وفي مصر مائة ألف يوجد أحد أروع منه ـ ويعظمه، ويلقي اليأس في القلب، لأن من طبيعة هذا الملعون دفع الإنسان إلى الشقاء الأبدي من خلال اليأس، بأن يقول له في المقام مثلاً: كيف يمكن أن يكون أروع إنسان في بلد يحتضن مائة ألف أو يزيدون من الناس؟ فإن هذا من أساليب كيد هذا اللعين، ووساوس النفس الأمارة. ولكن جوابه هو أن من ابتعد عن المحرمات الإلهية يندرج في هذا الروايات، حسب ما يستفاد من الأحاديث المباركة، ويعتبر من أورع الناس.

 

ثم إن الابتعاد عن المحرمات الإلهية، لا يستدعي جهداً جباراً، بل الإنسان مع قليل من الترويض النفسي والعمل، يستطيع أن يترك جميع المحرمات، شريطة إرادته على أن يكون من أهل السعادة والنجاة، ومن أهل الولاية للأئمة الأطهار وكرامة الحق المتعالى. وإذا لم يكن له صبر على المعصية، بهذا المقدار، لما تحقق له البعد عن المعصية. أنه يجب أن يتمتع بقدر من الجلادة والإصرار والترويض النفسي.

 

تتميم: في بيان مفاسد الخيانة وحقيقة الأمانة

 

توجد في المقام نكتة لا بد من الإشارة إليها، وهي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بعد أن أوصى بالورع فرع عليه قائلا (وَلا تَجْتَرِئ عَلَى خِيانَةٍ أبَدَاً) مع أن الورع يكون عن كل المحرمات، أو يكون أعم من الخيانة، وعليه لا بد من تَفسير الخيانة بمعنى أعم من التفاهم العرفي لها، حتى تتطابق مع الورع، بأن نقول إن مطلق المعصية أو اقتراف مطلق ما يمنع السير إلى الله خيانة، لأن التكاليف الإلهية أمانات للحق سبحانه كما ورد في الآية الكريمة (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)([17]). الخ. حيث فسّر بعض المفسرين الأمانة بالتكاليف الإلهية، بل إن جميع الأعضاء، والجوارح والقوى، أمانات للحق المتعالى واستعمالها على خلاف رضا الحق سبحانه، خيانة، كما أن توجيه القلب إلى غير الحق يعدّ من الخيانة. بيت شعر: هذه الروح التي أعارها لي الصديق الحميم سأرجعها إليه في اليوم الذي أرى وجهه. أو أن المقصود من الخيانة نفس المعنى المتعارف، ويكون وجه التخصيص بذكرها لأجل شدة الاهتمام بالخيانة، فكأنّ الورع كل الورع هو الابتعاد عن خيانة الأمانة.

 

ومن يرجع إلى أخبار المعصومين عليهم السّلام المأثورة في ردّ الأمانة والابتعاد عن الخيانة، لأدرك حجم اهتمام الشارع المقدس بهذا الموضوع. ويضاف إلى ذلك هو أنّ قبحها الذاتي لا يخفى على أحد. وأنه يجب إخراج الإنسان الخائن من المجتمع البشري، وإلحاقه بأرذل الشياطين. ومن المعلوم أن الإنسان الذي يشتهر بين الناس بالخيانة، تضيق عليه الحياة وتصعب، حتى في هذا العالم أيضاً.

 

إنّ البشر بصورة عامة يعيشون مع بعضهم البعض في ظلّ التعاون والتعاضد حياة سعيدة، ولا يمكن لأحد، الحياة بصورة منفردة، إلاّ إذا غادر المجتمع البشري والتحق بالحيوانات الوحشية. ثم إن العجلة الكبيرة التي تدور لتحريك الحياة الاجتماعية، هي اعتماد الناس بعضهم على بعض، فإذا زال الاعتماد وتلاشت الثقة، لما تمكّن الإنسان أن يعيش هنيئاً رغيداً. إن الركيزة الأساسية للاعتماد المتبادل بين الناس قائمة على الأمانة وترك الخيانة، فلا يحظى الخائن، بالاطمئنان لدى الناس ويعدّ مارقاً على المدينة وخارجاً عن العضوية للمجتمع البشري وتكون عضويته مرفوضة لدى أصحاب المدينة الفاضلة. ومن الواضح أن مثل هذا الإنسان يعيش حياة ضنك وفي صعوبة بالغة.

 

ونحن لأجل تتميم الفائدة، نذكر في هذا الباب بعض الأحاديث المنقولة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، إذ تكتفي بها القلوب الواعية، والأعين الباصرة.

 

محمّد بن يعقوب بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: لاَ تَنْظُرُوا إلى طولِ رُكوعِ الرَّجُلِ وَسُجُودِهِ فَإِنَّ ذلِكَ شَيْءٌ اعْتَادَهُ فَلَوْ تَرَكَهُ اسْتَوْحَشَ لِذَلِكَ، وَلكِنِ انْظُرُوا إِلَى صِدْقِ حَدِيثِهِ وَأَدَاءِ أَمَانَتِهِ([18]).

 

وبإسناده عن أبي كَهْمَسٍ قالَ: قُلْتُ لأبِي عَبْدُاللهِ عليه السّلام: عبَدْاللهُ بْنُ أبِي يَعْفورٍ يُقْرئُكَ السَّلاَمَ. قالَ: «عَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلامُ، إذا أَتَيْتَ عَبْدَاللهِ فَأَقْرِئُهُ السَّلامَ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ لَكَ، انْظُرْ مَا بَلَغَ بِهِ عَلِيٌّ عِنْدَ رَسولِ اللِه صلّى الله عليه وآله وَسَلم فَالْزَمْهُ، فَإِنَّ عَلِياً عليه السّلام إِنَّما بَلَغَ بِهِ عِنْدَ رَسولِ اللهِ بِصِدْق الحَديثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ» ([19]).

 

فيا عزيزي: تدبّر في هذا الحديث الشريف، وانظر إلى أن مقام صدق الحديث وأداء الأمانة دفعا بعلي بن أبي طالب عليه السّلام إلى بلوغ ذلك المقام الرفيع.

 

ويفهم من هذا الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان يحبّ هاتين الخصلتين أكثر من غيرهما، لأن هاتين الصفتين من الصفات الكمالية لمولانا علي بن أبي طالب عليه السّلام قد بلغتا به ذلك المقام الرفيع، وإن الإمام الصادق عليه السّلام قد أبدى اهتماماً بهاتين الصفتين أكثر من كل الأفعال والأوصاف، وذكّر عليه السّلام ابن أبي يعفور الذي هو من المخلصين والمقربين له عليه السّلام بهما خاصة.

 

وبإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قالَ أبو ذَرٍّ رَضي اللهُ عَنْهُ ـ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلم يَقُولُ: حافَّتا الصِّراط يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّحِمُ والأمانَةُ، فَإِذَا مَرَّ الوصولُ لِلرَّحِمِ المُؤَدِّي لِلأَمَانَةِ نَفَذَ إلَى الجَنَّةِ، وَإِذَا مَرَّ الخَائِنُ لِلأَمَانَةِ القَطُوعُ لِلرَّحِمِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَعَهُمَا عَمَلٌ وَتَكْفَأُ بِهِ الصِّراطُ فِي النّار([20]).

 

فعلم بأن صورتي الرحم والأمانة في ذلك العالم تقفان على طرفي الطريق، وتعينان من يصل رحمه ويؤدي أمانته، ومع تركهما لا يفيدنا أي عمل آخر وإنما بتركها يهوي الإنسان في النار.

 

وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أَدُّوا الأمانَةَ وَلَوْ إِلَى قَاتِلِ وَلَدِ الأَنْبِياءِ.

 

وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام في وصيَّتِهِ لَهُ: اعْلَمْ أنَّ ضَارِبَ عَلِيٍّ عليه السّلام بِالسَّيْفِ وَقَاتِلَهُ لَو ائتَمَنَني وَاسْتَنْصَحَنِي وَاسْتَشَارَنِي ثُمَّ قَبِلْتُ ذلِك مِنْهُ لأَدَّيْتُ إِلَيْهِ الأَمَانَة([21]).

 

ومحمّد بن عليٍّ بن الحسين بإسناده عن أبي حمزة الثماليِّ قالَ: سَمِعْتُ سَيِّدَ العَابِدِينَ عَليَّ بنَ الحسينِ بن أبي طالب عليه السّلام يَقُولُ لِشِيعَتِهِ: عَلَيْكُمْ بِأَدَاءِ الأَمَانَةِ فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله وسلم بِالحَقِّ نَبِيّاً لَوْ أَنَّ قَاتِلَ أَبِي الحُسَيْنِ بْنِ عَلَيٍّ عليهما السّلام ائْتَمَنَني عَلَى السَّيْفِ الَّذِي قَتَلَهُ بِهِ لأَدَّيْتَهُ إِلَيْهِ» ([22]).

 

وبإسناده عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم في حديثِ المَناهى أَنَّهُ نَهَى عَنِ الخِيَانَةِ وَقالَ: «مَنْ خَانَ أَمَانَةً فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَرُدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي وَيَلْقَى اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَمِنَ اشْتَرَى خِيَانَةً وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ كَالَّذِي خَانَهَا» ([23]).

 

وتوجد بهذا المضمون أحاديث أخرى مذكورة في كتب الأخبار. ويعرف الجميع مضاعفات سخط الذات المقدس الحق وغضبه على البعد. كما أنه من المعلوم أن الشفعاء، لا يشفعون لمن هو مغضوب عليه لدى الحق سبحانه. وخاصة أن الخائن يكون خارجاً أيضاً عن أمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم. ففي حديث آخر (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَانَ مُؤمِناً)([24]) وفي حديث ثالث عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلم مَنْ خَانَ أَمَانَة فِي الدُّنيَا وَلَمْ يَرُدّها عَلَى أَهْلِهَا مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الإسلامِ وَلَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيَهَوى بِهِ فِي شَفِير جَهَنَّم أَبَد الآبِدين ([25]) أعوذ بالله من هذه الخطيئة.

 

ومن المعلوم أن خيانة المؤمنين تعمّ الخيانة المالية والخيانات الأخرى التي هي أكبر من الخيانة المالية. فيجب على الإنسان في هذه الدنيا أن يراقب النفس الأمارة كثيراً، إذ ربما تقوم بعملية التعتيم للحقائق على الإنسان وتذليل الصعوبات وتسهيلها، مع أنها توجب الشقاء الدائم والخذلان الأبدي.

 

هذه هي حالة الخيانة لعباد الله، ويتبين من هنا أيضاً وضع الخائن لأمانة الحق المتعالي.

 

في الإشارة إلى بعض أمانات الحق

 

ولا بد من معرفة أن الحق تبارك وتعالى، قد وهبنا كافة القوى والأعضاء الظاهرية والباطنية، وبسط لنا بساط الرحمة والنعمة في مملكتنا الظاهرية والباطنية، ووضعها كلها تحت قدرتنا لتسخيرها، وائتمننا عليها بلطفه ورحمته، وهي ـ هذه العطايا ـ طاهرة ونظيفة من كل القذارات الصورية والمعنوية وكذلك ما أنزل علينا من عالم الغيب كان بعيداً عن الشوائب والعناصر الغريبة، فإذا أرجعنا هذه الأمانات لدى لقائنا بالذات المقدس، من دون أن تصير ممزوجة مع عالم المادة، وقذارات المُلك والدنيا، كُنَّا أُمناء على الأمانة التي أودعت عندنا، وإن لم نحافظ على طهارة هذه الأمانات، غدونا من الخائنين والخارجين عن الإسلام الحقيقي، وملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وفي الحديث المشهور إن (قَلْبَ المُؤمن عَرْشُ الرحْمن) وفي الحديث القدسي المعروف «لا يَسُعُنِي أَرْضِي وَلا سَمَائِي وَلكِنْ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْديَ المُؤْمِنِ» ([26]). فإن قلب المؤمن عرش الحق المتعالي، وسرير سلطنته وسكنى ذاته المقدس، وإنه سبحانه صاحب هذا البيت، فالالتفات إلى غير الحق خيانة للحق، والحب لغير ذاته الأقدس ولغير أوليائه الذين يعتبر حبّهم حبّه سبحانه، خيانة لدى العرفاء.

 

وإن ولاية أهل بيت العصمة والطهارة، ومودّتهم، ومعرفة مرتبتهم المقدسة، أمانة من الحق سبحانه. كما ورد في الأحاديث الشريفة في تفسير الأمانة في الآية (إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلى السَّماواتِ والأرضِ) ([27]) بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام. كما أن غصب خلافته وولايته، خيانة لتلك الأمانة وأن رفض المتابعة للإمام علي عليه السّلام مرتبة من مراتب الخيانة. وفي الأحاديث الشريفة.

 

إن الشيعي هو الذي يتّبع أمير المؤمنين عليه السلام اتباعاً كاملاً وإلاّ فإن مجرد دعوى التشيع من دون الاتباع لا يكون تشيعاً.

 

إن كثيراً من الأوهام، تعتبر من قبيل الشهوة الكاذبة يشتهي الإنسان الطعام وهو شبعان، فإذا لمسنا في قلوبنا مودّة علي عليه السّلام وأولاده الطاهرين اغتررنا بها، وحسبنا أن هذه المودة لوحدها ستبقى وتستمر من دون حاجة إلى تبعية كاملة لهم. ولكن ما هو الضمان على بقاء هذه المودة إن لم نحافظ عليها بل إن تخلّينا عن آثار الصداقة والمودة التي هي المشايعة والتبعية؟ إذ من الممكن أن الإنسان ينسى علي بن أبي طالب عليه السّلام من جراء الذهول والوحشة الحاصلتين من الضغوط الواقعة على غير المخلصين والمؤمنين. ففي الحديث (إن طائفة من أهل المعصية يتعذبون في جهنم وهم ناسون اسم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وبعد انتهاء فترة العذاب وحصول الطهارة والنظافة من قذارات المعاصي يتذكّرون اسم النبي المبارك أو يلقى الاسم في قلوبهم، فيصرخون ويستغيثون قائلين وا محمداه صلى الله عليه وآله وسلم فتشملهم بعد ذلك الرحمة).

 

إننا نظن أن حادثة الموت وسكراته، تضاهي حوادث هذا العالم. عزيزي إنك عندما تعاني من مرض بسيط، تنسى كل علومك وثقافاتك، فكيف بك عندما تواجه الصعاب والضغوط والمصائب والأهوال التي ترافق الموت وسكراته؟ إذا تصادق الإنسان مع الحق سبحانه، وعمل حسب متطلبات الصداقة، وتذكّر الحبيب وتبعه، كانت تلك الصداقة مع الولي المطلق، والحبيب المطلق الذي هو الحق المتعالي محبوبةً لديه سبحانه، وملحوظة عنده تعالى. ولكنه إذا ادعى المودة ولم يعمل حسب مقتضاها بل خالفه، فمن الممكن أن الإنسان يتخلى عن تلك الصداقة مع الولي المطلق قبل رحيله من هذه الدنيا نتيجة التغييرات والتبدلات والأحداث المتقلبة في هذا في هذا العالم. بل والعياذ بالله قد يصير عدواً له سبحانه وتعالى. كما أننا شاهدنا أشخاصاً كانوا يدعون المودة والصداقة وبعد العِشرة اللامسؤولة، والأعمال البشعة تحوّلوا إلى أعداء وخصماء لله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السّلام. وإذا فرضنا أن هؤلاء رحلوا من هذا العالم على حب محمد وآله، فهم على حسب الروايات الشريفة والآيات المباركة من أهل النجاة يوم القيامة ومصيرهم السعادة، ولكنهم يكونون في معاناة لدى البرزخ

 

وأهوال الموت وعند لحشر ففي الحديث (إِنَّنا شُفَعاؤُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلكِنْ تَزَودُّوا لَبرْزَخِكُم)([28]).

 

أعوذ بالله من عذاب القبر وضغطه وشدة البرزخ وعذابه، حيث لا يشابهه شيء في هذا العالم. إن الكوّة التي تفتح من جهنم على القبر، لو انفتحت على هذا العالم لهلكت كافة الموجودات. نعوذ بالله منه.

 

 

 

فصل: في بيان الخوف من الحق المتعالي

 

إعلم أن الخوف من الحق جل وعلا من المنازل التي قلّما نستطيع أن نجد للعوام من الناس منزلة وفضيلة في مستوى منزلة الخوف من الحق سبحانه. وهذا الخوف مضافاً إلى أنه يكون من الكمالات المعنوية، يعتبر منشأً لكثير من الفضائل النفسية، وعاملاً هامّاً لإصلاح النفس، بل مصدر جميع الإصلاحات للنفس، ومبدأ لعلاج جميع الأمراض الروحية. ويجب على الإنسان المؤمن بالله، السالك والمهاجر إلى الله، أن يهتم كثيراً بهذه المنزلة، وأن يُقبل بوجهه أكثر فأكثر على ما يبعث الخشية من الله في القلب، ويعمّق جذوره فيه، مثل التفكر في العذاب والعقاب وشدّة أهوال الموت وبعد الموت من عالم البرزخ والقيامة، والصراط والميزان والحساب وألوان عذاب جهنم، ومثل التذكر لعظمة الحق المتعالي وجلاله وقهره وسلطانه ومكره وسوء العاقبة وأمثال ذلك.

 

وحيث أننا عرضنا شرحاً مختصراً لكل هذه المراحل في هذا الكتاب، اقتصرنا هنا على ذكر بعض الأحاديث في فضيلة الخوف من الله تعالى.

 

محمَّدُ بنُ يعقوبَ بإسناده عن إسحاق بنِ عمّارٍ قالَ: قالَ أبو عبد الله عليه السّلام: «يا إسْحاقُ، خَفِ اللهَ كَأّنَّكَ تَراهُ، وإِنْ كُنْتَ لاَ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَإِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَراكَ ثُمَّ بَرَزْتَ لَهُ بِالمَعْصِيةِ فَقَدْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَهوَنِ النَّاظِرينَ عَلَيْكَ» ([29]).

 

واعلم أنه إذا عرف شخص كيفية تجلي الحق في المُلك والملكوت، وظهور الذات المقدس في السموات والأرضين، بواسطة المشاهدة الحضورية، أو المكاشفة القلبية، أو الإيمان الحقيقي وإذا أدرك كيفية ارتباط الحق بالخلق، والخلق بالحق على ما هي عليها، وكيفية ظهور المشيئة الإلهية في الكائنات الموجودة، وفناء هذه الموجودات في تلك الإرادة على ما هي عليها، لعرف بأن الحق المتعالي حاضر في كل مكان وحيّز ولشاهده بالعلم الحضوري في جميع الموجودات، كما يقول الإمام الصادق المصدَّق عليه السّلام «مَا رَأَيْتُ شَيْئاً إلاّ وَرَأَيْتَ اللهَ مَعَهُ أَوْ فِيه وتنكشف عليه حقيقة كُنْتُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ المتوخاة من التقريب بالنوافل». فيرى الحق حاضراً في جميع مراتب الوجود، حسب مرتبته ومقامه إما علماً أو إيماناً أو عيناً وشهوداً. ومن المعلوم، أن السالك في أي مقام كان، يراعي حضور الحق، ويمتنع عن مخالفة ذاته المقدس، لأن مراعاة الحضور والمحضر من الأمور الفطرية التي جبل عليها الإنسان، فإنه مهما كان مستهتراً ومن دون حياء، فرّق بين حضور الطرف الآخر وغيابه، خاصة إذا كان حضوراً للمنعم العظيم الكامل، لأن فطرة الإنسان تراعي حضور كل شيء بصورة مستقلة.

 

في بيان اختلاف الناس في مراعاة حضور الحق

 

ولا بد من معرفة أن كل واحد من أهل الإيمان والسلوك والعرفان والولاية، يراعون حضور الحق سبحانه وحضرته حسب مرتبتهم التي تخصّهم، فإن المؤمنين والمتقين يراعون حضوره جلّ وعلا بامتثال الأوامر وترك النواهي. والمجذوبين بعدم الالتفات إلى الغير، والانقطاع التام الكامل عن غيره. والأولياء الكمّلين بنفي الغير وإزهاق الأنانية. وملخص الكلام أن من المقامات الشامخة لأهل المعرفة وأصحاب القلوب، مشاهدة حضور الحق المتعالي ومراعاة حضرته. كما أنّه لدى مشاهدتهم كيفية العلم الفعلي للحق سبحانه، وفناء الأشياء فيه تعالى، وحضور الموجودات لدى ساحة قدسه، ومعرفتهم بأن هذا العالم في محضر الرب المتعالي، يراعون محضره، كل حسب مقامه الذي يحظي فيه. وهذا أيضاً من الأمور الفطرية.

 

وأشار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى المقام الأول ـ مشاهدة حضور الحق سبحانه ـ في وصيته لأمير المؤمنين عليه السّلام، هذه الوصية التي نحن بصدد شرحها. كما أشير إليه في الحديث الشريف لإسحاق بن عمار بقوله عليه السّلام وَالثّالِثَةُ: الخَوْفُ مِنَ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ. وأشار الإمام الصادق عليه السّلام إلى المقام الثاني ـ مشاهدة كيفية العلم الفعلي سبحانه وتعالى ـ بقوله وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. وإلى فطرية رعاية محضره سبحانه، بقوله وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاكَ.

 

إن للخوف مراتب حسب اختلاف مراتب أهل الإيمان والسلوك وذوي الترويض للنفس وأرباب العرفان، ويعتبر من المراتب العظيمة للخوف، الخشية من عظمة الحق وتجلّياته القهرية والجلالية. ومن الممكن أن لا نجعل هذا المقام من مراتب الخوف، كما يقول العارف المعروف في كتاب (منازل السائرين) وَلَيْسَ فِي مَقَامِ أَهْلِ الخُصوصِ وَحْشَةُ الخَوْفِ إِلاّ هَيْبَةُ الإِجْلاَلِ.

 

 

 

في فضل البكاء

 

إن للبكاء من خشية الله سبحانه فضلاً كبيراً، كما ورد في هذا الحديث (يُبْنَى لَكَ بِكُلِّ دَمْعَة ألْفَ بَيْتٍ فِي الجَنِّة).

 

روى الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين رضوان الله عليه بسنده المتصل إلى الإمام الصادق عليه السّلام عن آبائه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث المناهي قالَ: وَمَنْ ذَرُفَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ دُمُوعِهِ قَصْرٌ فِي الجنَّةِ مُكَلَّلٌ بِالدُّرِ والجَوْهَرِ، فِيهِ مَا لاَ عَيْنٌ رَأت وَلاَ أُذْنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ([30]).

 

وعن ثواب الأعمال بإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قالَ: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: لَيْسَ شَيْءٌ إلاّ وَلَهُ شَيْءٌ يَعْدِلُهُ إِلاّ اللهُ فَإِنَّهُ لاَ يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَلاَ إِلهَ إِلاَّ الله لاَ يَعْدِلُهُ شَيْءٌ، وَدَمْعَةٌ مِنْ خَوْفِ اللهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا مِثْقَالٌ، فَإِنْ سَالَتْ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَرْهَقْهُ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ بَعْدَهَا أَبَداً([31]).

 

وفي عيون الأخبار عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه عليهم السلام قال: «قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلام أنَّ الرَّجُلَ لَيَكُون بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَ الثَّرى وَالْعَرشِ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ فَمَا هُوَ إلاَّ أَنْ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وجلَّ نَدَماً عَلَيْهَا حَتَّى يَصِيرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَقْرَبُ مِنْ جِفْنِه إلى مُقْلَتِهِ» ([32]).

 

وفي الكافي وعن أبي عبد الله عليه السّلام قال: (مَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَلَهُ كَيْلٌ وَوَزْنٌ إِلاَّ الدُّمُوعَ فَإِنَّ القَطْرَة تُطْفِي بِحَاراً مِنْ نَارٍ وَلَوْ أَنِّ بَاكِياً بَكَى فِي أُمَّةٍ لَرُحِمُوا) ([33]).

 

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون مأثورة عن المعصومين عليهم السلام.

 

في بيان وتوجيه المكافأة العظيمة على الأعمال البسيطة

 

يجب أن نشير إلى أن بعض أصحاب النفوس الضعيفة، غير المطمئنة تعترض على ما ورد في الأحاديث الشريفة من المكافأة العظيمة يوم القيامة على أمور جزئية بسيطة، في حين أننا غافلون عن أن شيئاً إذا كان عندنا تافهاً وبسيطاً لما كان دليلاً على أن صورته الغيبية الملكوتية أيضاً بسيطة وتافهة؛ إذ من الممكن أن يكون شيئاً متواضعاً ولكن باطنه وملكوته في منتهى الجلال والعظمة. فإن الهيكل المقدس لرسول صلّى الله عليه وآله وسلم والشكل الخارجي لجسم الرسول الأكرم المعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، من الكائنات الصغيرة في هذا العالم، ولكن روحه المقدسة كانت تحيط بالمُلك والملكوت، وكان صلّى الله عليه وآله وسلم واسطة لإيجاد السماوات والأرضين، فالحكم على صغر الصورة الباطينة الملكوتية لشيء، يتفرّع على العلم بعالم الملكوت، وبواطن الأشياء، ولا يحقّ لأمثالنا إصدار مثل هذا الحكم. ولا بد لنا من الانتباه لكلمات علماء عالم الآخرة أي الأنبياء والأولياء عليهم السّلام والإذعان لما يقولون.

 

ثم إن ذلك العالم قائم على التفضّل وبسط رحمة الحق اللامتناهية، ومن المعلوم أنه لا حدود لتفضّل الحق المتعالي أنه لمن منتهى الجهل استبعاد تفضّل ذي الجود المطلق، وذي الرحمة اللامحدودة.

 

إن النعم التي منحها سبحانه لعباده والتي تبعث على عجز العقول عن إحصاء مفرداتها بل علي العجز عن إحصاء كلياتها، هذه النعم كانت من دون طلب واستحقاق، فما هو المانع، أن يتلطف الحق سبحانه على عباده، انطلاقاً من تفضّله البحت ومن دون أيّ سبب، أضعافاً مضاعفة من الأجر والمثوبة؟ وهل نستطيع أن نستبعد المكافأة العالية والكثيرة في عالَمٍ قد قيل فيه (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ) ([34]). موضوع تحت تصرّف إرادة الإنسان رغم عدم وجود حدّ محدود لمشتهيات الإنسان؟ إن الله سبحانه قد خلق عالم الآخرة وخلق إرادة الإنسان بصورة لو أراد الإنسان شيئاً لتحقق ذلك الشيء بنفس إرادته. فلا استبعاد لمكافأة كثيرة وكبيرة في ذلك العالم على أعمال بسيطة وجزئية.

 

عزيزي إن الأخبار والأحاديث الشريفة التي تتحدث عن مثل هذه المثوبات الكثيرة لا تتحدّد بالواحد والاثنين والعشرة حتى نستطيع أن نناقش فيها، وإنما هي فوق حدّ التواتر فإن جميع الكتب المعتبرة المعتمدة مشحونة بأمثال هذه الأحاديث، وتكون هذه الأخبار الكثيرة بمثابة ما إذا كنا قد سمعنا الحديث بآذاننا من المعصومين عليهم السّلام، ومن دون حاجة إلى التأويل والتفسير. إذن إنكار موضوع ـ المكافأة الكثيرة على العمل البسيط ـ الموافقة للنصوص المتواترة، والتي لا تصطدم أيضاً مع البراهين بل تتطابق مع سلسلة من الأدلة، إنكار ذلك يكون من جرّاء ضعف في الإيمان ومنتهى الجهالة.

 

يجب على الإنسان أن يكون مستسلماً لأقوال الأنبياء والأولياء عليهم السّلام ولا يوجد شيء في سبيل تكامل الإنسان، أفضل من التسليم والطاعة أمام أولياء الحق. وخاصة في الأمور التي لا مجال للعقل في التّطرق إليها ولا يوجد سبيل لإدراكها واستيعابها إلا بواسطة الوحي والرسالة. ولو أراد الإنسان أن يتطرق بعقله الصغير وأوهامه وظنونه، إلى الأمور الغيبية الأخروية، والتعبدية الشرعية، لانتهى أمره إلى إنكار الضروريّات والمسلّمات، لأنه ينجرّ من القليل إلى الكثير رويداً رويداً، ومن البسيط إلى الأعلى حتى يفضي به الأمر إلى جحود الأوليات البديهية من الدين.

 

لو فرضنا أن الإنسان ناقش في الأخبار وسندها ـ رغم أنه لا مجال لمثل هذه المناقشة ـ لما استطاع أن يناقش في الكتاب الكريم والقرآن السماوي المجيد حيث نجد فيه أيضاً ذكراً لأمثال هذه المثوبات، مثل قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)([35]). وقوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) ([36]).

 

بل وحسب زعم الكاتب أن من عوامل هذا الرفض والاستبعاد للمكافأة الكبيرة على العمل الصغير، العُجب واستعظام العمل: مثلاً إذا صام شخص يوماً واحداً، أو أحيا ليلة واحدة بالعبادة، فلا يستكثر الثواب الكثير إذا سمع بأن جزاءه ثواب عظيم، ولكنه إذا عرف بأنّ هذا الثواب ثمن عمله استبعد عظمة الأجر والثواب، وبعد أن استعظم عمله ويُعجب به، يتلاشى الاستبعاد ويُصدّق الثواب العظيم ويؤمن به.

 

عزيزي إذا فرضنا بأننا كنا طيلة حياتنا التي نعيشها خمسين أو ستين عاماً، من الملتزمين لكل الوظائف الشرعية، ثم ارتحلنا من هذه الدنيا مع إيمان صحيح وعمل صالح وتوبة مقبولة فماذا نستحق من الجزاء لهذا القدر من الإيمان والعمل؟ مع أنّ هذا الإنسان حسب القرآن الكريم والسنة النبوية واتفاق جميع الأمم، تشمله رحمة الحق سبحانه، وتدخله الجنة الموعودة، هذه الجنة التي يخلّد الإنسان في نعمها ورفاهها، ويعيش إلى الأبد في الرحمة والروح والريحان، ولا مجال لإنكار ذلك أبداً، مع أنه إذا أردنا أن نقارن الجزاء بالعمل ـ على فرض أن يكون لعملنا مكافأة ـ لما استحق هذا القدر من الجزاء الذي يعجز العقل عن تصور كميته وكيفيته.

 

فيظهر أن القضية لا ترتبط بمقارنة المكافأة مع العمل، بل تكون منوطة بشيء آخر ـ الرحمة الواسعة الإلهية ـ وعليه لا يبقى مجال لاستبعاد هذه المكافأة العظيمة على عمل صغير ورفضها.

 

فصل: في بيان عدد النوافل

 

إن مقصود رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من قوله (أمَّا الصَّلاةُ فالْخَمْسُونَ رَكْعَة) الموافق لسنته (الآخِذُ بِسُنَتِي فِي صَلاَتِي)، هو الصلوات من فرائضها ونوافلها عدا ركعتين بعد صلاة العشاء تؤديان من جلوس وتعدّان ركعة واحدة، حيث يكون مجموع عدد الركعات مع هاتين الركعتين من جلوس إحدى وخمسين ركعة. ولعل تجاهل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لذكر هذه الركعة لأجل أن خمسين ركعة هذه، مستحب مؤكد. كما تدلّ على ذلك رواية ابن أبي عمير قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السّلام عَنْ أَفْضَلِ مَا جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ: «تَمَامُ الخَمْسِينَ» ([37]).

 

ويستفاد من بعض الروايات أنه قد جرت سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على أداء الخمسين ركعة هذه. مع أن هناك روايات أخرى تدل على أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قد كان يأتي بالعَتَمة ـ الركعتان من جلوس بعد صلاة العشاء ـ ولعلّ عدم ذكرها ضمن النوافل، وجعل السنّة خمسين ركعة، لأجل أن العتمة بديل عن صلاة الوتر من دون أن تكون لها استقلالية، كما تدل على ذلك رواية فضيل بن يسار، وتسمى في الرواية الشريفة بالوتر. وفي بعض الروايات أنه من صلى العتمة ومات كان من الذين ماتوا وقد أقاموا صلاة الوتر. ففي الحقيقة أن صلاة العتمة هي صلاة الوتر التي لا بد أن نؤديها فبل وقتها خشية موتنا تلك الليلة، فعندما يحلّ وقتها لا تكون تلك العتمة مُجزية عنها. وفي بعض الروايات أن العَتَمَة لم تكن من نوافل الصلوات اليومية، وإنما أضيفت حتى تكون النوافل ضعف الفرائض.

 

وملخص الحديث أنه لا تهاتف بين هذه الروايات، فإنه من الممكن أن تكون خمسون ركعة من أفضل السُّنن، وهاتان الركعتان من جلوس ـ العتمة ـ مستحبتان غير مؤكدتين، وإنما شرعتا لتتميم عدد الضعف، وللاحتياط في الإتيان بالعتمة قبل مفاجأته الموت بالليل قبل أن يأتي بصلاة الوتر.

 

وعلى أي حال هناك فضل كبير للنوافل اليومية، بل اعتبر في بعض الروايات أنّ من المعاصي ترك النافلة وفي بعض آخر أن الله سبحانه سيعذّب الإنسان على ترك السنّة. وفي بعضها تصريح بوجوب النوافل. ويكون هذا التعبير لأجل التأكيد على الإتيان بها والردع عن تركها. وينبغي على الإنسان مهما أمكن أن لا يتركها، لأن الهدف المنشود من ورائها حسب الروايات المذكورة إتمام الفرائض وقبولها. ففي بعض الأحاديث قال الصادق عليه السلام (شِيعَتنا أَصْحَابُ الإحْدى وَخَمْسِينَ رَكْعَة) ([38])ويظهر من هذا الحديث أن الشيعة هم الذين يأتون بالإحدى وخمسين ركعة، ولم يتقصروا على الاعتقاد بها فحسب من دون أن ينجزوها. ويقابلهم أهل السنة. ويظهر ذلك من حديث علامات المؤمن عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام قَالَ: عَلاَمَاتُ الْمُؤْمِنْ خَمْس، وَعدَّ مِنها صَلاة الإحْدى وَخَمْسِين([39]).

 

 

 

في بيان استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر

 

وأما السُّنة الثانية للرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم فهي الصيام ثلاثة أيام في الشهر. وقد ورد في فضل ذلك ما يتجاوز أربعين رواية. وحصل خلاف لدى العلماء الإعلام حول كيفية ذلك. والذي يشتهر بينهم ويتطابق مع الأحاديث الكثيرة، وعمل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في نهاية عمره الشريف، وعمل أئمة الهدى، هو صوم ثلاثة أيام في الشهر الواحد هي: أول خميس من الشهر، وهو يوم عرض الأعمال. والأربعاء الأول من العشرة الثانية وهو يوم نحس مستمر، ويوم نزول العذاب. والخميس الأخير من الشهر الذي هو يوم عرض الأعمال أيضاً. وفي الرواية عن أبي عبد الله عليه السّلام... لأَنَّ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الأُمَم كَانُوا إِذَا نَزَلَ عَلَى أَحَدِهِم الْعَذَابَ، نَزَلَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلم هذِهِ الأَيَّامَ لأَنَّهَا الأَيَّامَ الْمَخَوفَةِ)([40]). وفي صدر هذا الحديث (وَقَالَ لِيَعْدِلَنَّ ـ صيام ثلاثة أيام في الشهر ـ صَوْمُ الدَّهْرِ). وعلّل في بعض الروايات بالآية الكريمة (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا)([41]).

 

وأما الروايات التي تخالف الأحاديث المذكورة من جهة تعيين أيام الصيام الثلاثة، فهي محمولة على مراتب الفضل. وإذا افترضنا التهافت والتعارض بين هاتين المجموعتين من الأخبار، كان الترجيح من جهات شتّى للروايات التي منها الحديث الشريف. بل نستطيع أن نقول بأنه من التعارض بين النصّ والظاهر أو بين الأظهر والظاهر، والمجموعة التي فيها الحديث المذكور نصّ وأظهر فتتقدم على المجموعة التي تقابلها وتعارضها.

 

وأما مرسلة الصدوق التي تقول (وَرُوِيَ عَنِ العَالَمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَمِيسَيْنِ يَتَّفِقَانِ فِي آخر الْعَشْرِ، فَقَالَ صُمْ الأَوَّلَ لاَ تَلْحَقَ الثَّانِيَ)([42]). فلا تتنافى مع هذه الأخبار، لأن ظاهرها البلوغ إلى الثواب العاجل، إذ من المحتمل أن لا يتوفق الإنسان إلى الصيام في الخميس الثاني بسبب مفاجأته الموت. كما ورد نفس هذا المضمون في تعليل صلاة العَتَمَة. فهذه الرواية ـ مرسلة الصدوق ـ بنفسها تدل على المقصود، من أفضلية الصوم في الخميس الأخير من الشهر، ولا تمتّ إلى الأخبار المعارضة بصلة. والظاهر أن الإنسان إذا صام الخميس الأول من الشهر، وبقي على قيد الحياة حتى حلول الخميس الأخير من الشهر، فالأفضل صومه أيضاً، لنيل ثوابه، إذ أن الصوم في الخميس الأول لا يغني عنه. وما ذكره المحقق الجليل فيض الكاشاني والمحدّث العالي الشأن صاحب الحدائق عليهما الرحمة للجمع بين هاتين المجموعتين من الأحاديث فبعيد، وخاصّة كلام صاحب الحدائق رضوان الله تعالى عليه.

 

في بيان أفضلية الصدقة

 

وأما السُّنة الثالثة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فهي عبارة عن: (أَمَّا الصَّدَقَةَ فَجُهدُكَ حَتَّى تَقُولَ قَدْ أَسْرَفْتُ وَلَمْ تُسْرِف) وهي من المستحبات، التي قل أن يبلغ مثوبتها في الأجر والثواب، عمل آخر. والأخبار في التصدق حتى على من لا يوافقنا في الدين، وعلى الحيوانات البرية والبحرية، أكثر مما يتناسب مع حجم هذا الكتاب. ونحن نكتفي بذكر بعضها:

 

محمَّد بن يعقوب بإسناده عن عبد الله بن سنان في حديث قالَ: قَالَ أبو عبد الله عليه السّلام: لَيْسَ شَيْءٌ أَثْقَلَ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى المُؤْمِنِ، وَهِيَ تَقَعُ فِي يَدِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ العَبْدِ.

 

وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام في حديث قالَ: إنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئاً إلاّ وَلَهُ خَازِنٌ يَخْزُنُهُ إلاَّ الصَّدَقَةَ فَإِنَّ الرَّبَّ يَلِيهَا بِنَفْسِهِ؛ وَكَانَ أَبِي إِذَا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل([43]).

 

وهناك أحاديث أخرى قريبة من مضمون هذا الحديث، دالّة على عظمة شأن الصدقة وجلالة قدرها، حيث إن الله سبحانه لم يخوّل أمرها إلى شخص آخر، وإنما تولى هو بنفسه مع يد قدرته وإحاطته القيّومية، المحافظة على صورة الصدقة الغيبية الكاملة.

 

ثم إن التدبر في هذا الحديث الشريف وأمثاله المذكورة في الأبواب المختلفة من كتب الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين، يبعث على استكشاف التوحيد الفعلي للحق سبحانه، والتجلّي القيوميّ لدى أهل المعرفة وأصحاب القلوب ـ العرفاء ـ ويشير إلى نكتة مهمة، يجب على من يؤدي هذا الأمر المهم ـ التصدّق ـ الالتفات إليها، وهي:

 

إن الإنسان عندما يتصدق بيده إذا منّ على الفقير أو أساء إليه والعياذ بالله، كانت منّته وإساءته أولاً إلى الله تعالى وثانياً إلى الفقير. كما أنه إذا خشع وتواضع وأبدى منتهى الذل والمسكنة لدى تقديم الصدقة إلى السائل المؤمن، كان خضوعه وذله وخشوعه لله أولاً ثم للفقير المؤمن ثانياً. كما رأينا بأن عالم آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، وعاشق جمال الحق المتعالي، الإمام باقر العلوم عليه السّلام (إِذَا تَصَدَّقَ بِشيءٍ وَضَعَهُ فِي يَدِ السّائِلِ ثُمَّ ارتَدَّه مِنْهُ فَقَبَّلَه وَشَمَّهُ ثُمَّ رَدّهُ فِي يَدِ السّائِلِ).

 

والله سبحانه وتعالى يعلم بأن مثل هذه المغازلة مع المعشوق جل وعلا إلى أي حدّ كانت تبعث على قرار نفس العاشق المجذوب، وراحة أعماق الإمام المقدسة وكانت تسبّب إخماد ذلك اللهب والضرام المتأجج في صدره صلوات الله وسلامه عليه.

 

ومن المؤسف جداً آلاف المرات أني قدمت إلى هذا العالم وأنا مستغرق في بحار هوى النفس، وملتصق بالأرض المادية، ومقيّد بالشهوات وأسير للبطن والفرج، وغافل عن عالم مُلك الوجود، وسكران بسكر الأنانية والذاتية، من المؤسف إني سأفارق هذا العالم، ولم أدرك شيئاً من محبّة الأولياء، ولم أفهم شيئاً أبداً من جذباتهم وجذواتهم ومنازلهم ومغازلتهم، بل كان حضوري في هذا العالم حضوراً حيوانياً، وحركاتي حركات حيوانيةً وشيطانيةً. وعليه فسيكون موتي أيضاً حيوانياً وشيطانياً. اللهم إليك المشتكى وعليك المعول.

 

إلهي: أنقذنا بنور هدايتك، وأيقظنا من هذا النوم العميق، وخذ بأيدينا إلى عالم الغيب والنور ودار البهجة والسرور، ومحفل الإنس، والخلوة الخاصة بك.

 

وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «أرْضُ الْقِيِامَةِ نَارٌ مَا خَلاَ ظِلَّ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّ صَدَقَتَهُ تُظِلُّهُ»([44]) وفي الرواية عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى «أَنَا خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَكَلْتُ بِالأَشْيَاءِ غَيْرِي إِلاّ الصَّدَقَةَ فَإِنِّي أَقْبضُهَا بِيَدِي، حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ يَتَصَدَّقَ بِشِقَّةِ التَمْرَة فَأُرَّبِّيها لَهُ كَمَا يُرَبِّي الرَجُلُ مِنْكُمْ فَصِيلَةُ وَفِلْوَهُ حَتَّى أَتْرُكَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحدٍ»([45]). وروايات كثيرة من هذا القبيل.

 

وورد في أحاديث كثيرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم (الْصَدَقَةُ تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ)([46])وعن أبي الحسن عليه السّلام (قَالَ: إسْتَنْزِلُوا الْرِزْقَ بِالصَّدَقَةِ)([47]) وعن أبي عبدالله عليه السلام (قَالَ: حُسْنُ الصَّدَقَةِ يَقْضِي الدَيْنَ) ([48])وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم (قَالَ الْبِرُّ وَالْصَدَقَةُ يَنْفِيَانِ الفَقْرَ، وَيَزِيدَانِ فِي العُمْرِ، وَيَدْفَعَانِ سَبْعِينَ مِيتَةَ سُوءٍ)([49]) وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الصَّدقةَ وصلة الرَّحمِ تُعَمِّرانِ الدِّيار وتَزيدانِ في الأَعْمارِ» ([50]) وعن أبي جعفر عليه السّلام (إِنَّهُ قَالَ الْصَدَقَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ، جُزْءِ الصَّدَقَةِ فِيهِ بِعَشْرَة وَهيَ الصَّدَقَةُ عَلَى العَامَّةِ. وَقَالَ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَجُزْءُ الصَّدَقَةِ فِيهِ بِسَبْعِينَ وَهِيَ الصَدَقَةُ عَلَى ذَوِي العَاهَاتِ، وَجُزْءُ الصَّدَقَةِ فِيهِ بِسَبْعَمَائَةِ وَهِيَ الصَّدَقَةُ عَلَى ذَوِي الأَرْحَامِ، وَجُزْءُ الْصَدَقَةِ بِسَبْعَةِ آلافٍ وَهِيَ الْصَدَقَةُ عَلَى العُلَمَاءِ وَجُزْءُ الصَّدَقَةِ بِسَبْعِينَ أَلْفاً وَهِيَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَوتى)([51]) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إِنَّ الصَّدَقَة لاَ تَزِيدُ المَالَ إِلاَّ كَثْرَةً)([52]). عن أبي عبد الله عليه السّلام أنه قال (إِرْغَبُوا فِي الصَّدَقَةِ وَبَكِّرُوا بِهَا، فَمَا مِنْ مُؤْمِن يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ حِينَ يُصْبحُ يُرِيدُ بِهَا مَا عِنْدَ اللهِ، إِلاَّ دَفَعَ اللهُ بِهَا عَنْهُ شَرَّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِي ذلِكَ الْيَوْم أَوْ قَالَ وَقَاهُ اللهُ شَرَّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فِي ذلِكَ الْيَومِ)([53]) وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ اللهُ عَنْهُ نَحْسُ لَيْلَتِهِ فَلْيَفْتَتِح لَيْلَتهُ بِصَدَقَةٍ، يَدْفَعُ الله عَنْهُ نَحْسَ لَيْلَتِهِ)([54]) وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم (إِنَّ اللهَ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَدْفَعُ بِالصَّدَقَةِ الدَّاءَ و...)([55]) وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لأَنْ أَحُجَّ حِجَّةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً وَرَقَبةً حَتَّى انْتَهى إِلى عَشْر وَمِثْلَهَا وَمِثْلَهَا حَتَّى انْتَهى إِلَى سَبْعِينَ وَلأَنْ أَعْدَل أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ أَشْبعُ جُوعَتَهُم وَأَكْسُو عَوْرَتُهُمْ وَأَكُفُّ وُجُوهَهُمْ عَنِ النَّاسِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَحُجَّ حِجَّةً وَحِجَّةً حَتَّى انْتَهى إِلَى عَشْرٍ وَعَشْرٍ وَمِثْلَهَا وَمِثْلَهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعِين([56]).

 

مع أنه قد ورد في عتق الرقاب عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلم مَنْ أَعْتَقَ مُسْلِماً أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عِضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنَ النَّار([57]). وعن أبي عبد الله عليه السّلام أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ عَلَيْهِ السّلام أَعْتَقَ أَلْفَ مَمْلُوكٍ مِنْ كَدَّيدَهِ([58]) وغير ذلك من الروايات التي يبعث عرضها على إطالة لا موجب لها.

 

 

 

في بيان أمر دقيق آخر

 

ونحن ننهي هذا الموضوع بذكر أمر دقيق لا بد من معرفته وهو أنه قد ورد في الآية الشريفة قوله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ([59]).

 

وفي الحديث عن الحسين بن علي والصادق صلوات الله عليهما أَنَّهُمَا كَانَا يَتَصَدَّقَانِ بِالسُكَّرِ وَيَقُولانِ إِنَّهُ أَحبُّ الأَشْيَاءِ إِلَيْنَا وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى (لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ([60]).

 

وفي الحديث عن أبي الطفيل قالَ: اشْتَرى عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلام ثَوْباً فَأَعْجَبَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَآلِهِ وَسَلم يَقُولُ: مَنْ آثَرَ عَلَى نَفْسِهِ آثَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ بِالجَنَّةِ وَمَنْ أَحَبَ شَيْئاً فَجَعَلَهُ لِلَّهِ قَالَ الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ قَدْ كَانَ العِبَادُ يُكَافِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ وَأَنَا أُكَافِيكَ الْيَومَ بِالْجَنَّةِ) ([61]).

 

وروى أن أبا طلحة وهو من الأصحاب قسّم حائطاً ـ بستاناً ـ له في أقاربه عند نزول هذه الآية وكان أحب أمواله إليه فقال له رسول صلّى الله عليه وآله وسلم: (بَخٍّ بَخٍّ ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ لَكَ) ([62]).

 

عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلام (إلى أن قال) فَقَالَ إِنَّ الْحَسَنَ بنَ عَلِي عَلَيْهِ السَّلامَ قَاسَمَ رَبَّهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى نَعْلاً وَعْلاً وَثَوْباً وَدِينَاراً وَدِيناراً) ([63]).

 

وفي حديث آخر عن ابن أبي نصر، قَالَ قَرَأَتُ فِي كتاب الحسن عليه السّلام إلى أبي جعفر يَا أَبَا جَعْفَرٍ بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوالِي إِذَا رَكِبْتَ أَخْرَجُوكَ مِنَ البَابِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا ذلِكَ مِنْ بُخْلٍ بِهِمْ لِئَلاَّ يَنَالَ مِنْكَ أَحَدَاً خَيْراً، وَأَسَأَلُكَ بِحَقِي عَلَيْكَ لاَ يَكُنْ مَدْخَلُكَ وَمَخْرَجُكَ إِلاَّ مِنَ الْبَابِ الكَبِيرِ فَإِذَا رَكِبْتَ فَلْيَكُنْ مَعَكَ ذَهَبٌ وَفِضَّةُ ثُمَّ لاَ يَسْأَلُكَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَيْتَهُ وَمَنْ سَأَلَكَ مِنْ عُمُومَتِكَ أَنْ تُبرَّهُ فَلاَ تُعْطِهِ اقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ دِينَاراً وَالكَثيِرُ إِلَيْكَ إِنِّي إنِّما أُرِيدُ بِذلِكَ أَنْ يَرْفَعَكَ اللَّهُ فَأَنْفِقْ وَلاَ تَخْشَى مِنْ ذِي الْعَرْشِ إقْتَاراً([64]).

 

ولا تتهافت هذه الروايات المذكورة مع الأحاديث التالية التي تقول (سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام عن قول الله عز وجل (وَأَتُوا حَقَّه يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ) فَقَالَ كَانَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ الأَنْصَارِي سَمَّاهُ وَكَانَ لَهُ حَرْثٌ فَكَانَ إِذَا حَلَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيَبْقَى هُوَ وَعَيَالُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ذلِكَ سَرَفاً) ([65]).

 

وعن أبي عبد اللّه عليه السّلام ـ إلى أن يقول ـ فَيَكُونُ مِنَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ يُرَدُّ دُعاؤهُمْ قُلْتُ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: أَحَدُهُمْ رَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَنْفَقَهُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ أُرْزُقْنِي فَيُقَالُ لَهُ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَبِيلاً إِلَى طَلَبِ الْرزْقِ) ([66]).

 

وعن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الصدقة صدقة تكون عن فضل الكف) ([67]). ووجه عدم التهافت هو أن الإكثار في التصق قد لا يبلغ مرحلة التضييق على الأهل والعيال. إذ ربما أشخاص يتصدقون بنصف أموالهم أو أكثر مع المحافظة على كفا أهلهم، وعدم دفعهم نحو الضيق والعسر.

 

 

 

في بيان سرّ من أسرار الصدقة

 

لا بد وأن نعرف بأن الإنسان قد نشأ وتربّى على حبّ المال والجاه والزخارف الدنيوية وقد انعكس هذا التعلق على قلبه، وتعمّق فيه وأضحى مصدراً لكثير من المفاسد الخلقية والسلوكية، بل للانحرافات الدينية. كما ورد في أحاديث كثيرة وأشرنا إلى ذلك في غضون شرحنا لبعض الأحاديث. وعليه إذا استطاع الإنسان بواسطة الصدقات أو الإيثار على النفس أن يستأصل من قلبه هذا التعلق أو يخفف منه، لتمكن من اجتثاث مادة الفساد ومصدر الأعمال المشينة فترة حياته وفتح أبواب المعارف الإلهية، وعالم الغيب والملكوت، والملكات الفاضلة، على نفسه. وهذا من الأمور الهامة في الإنفاق المالي الواجب والمستحب وخاصة في الإنفاق المستحب حيث لا بد من الإقلاع عن التعلق بالدنيا حتى يتم البذل. وهو واضح.

 

إذن يتبين من كافة الأخبار والأحاديث في هذا الموضوع أن الصدقة تشتمل على الفضائل الدنيوية والأخروية حيث ترافق الإنسان من اللحظة الأولى من التصدق فتدفع الشر والبلاء عن الإنسان حتى يوم القيامة ومواقفها إلى أن تُدخل الإنسان إلى الجنة وتُسكنه جوار الحق سبحانه.

 

تتمة

 

لا بد وأن نعرف بأن صدقة السر أفضل من الصدقة في العلانية، كما ورد في الكافي الشريف بسنده إلى عمار الساباطي عن الإمام الصادق عليه السّلام قال يَا عَمَّاُر الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي العَلاَنِيَةِ وَكَذلِكَ وَاللَّهِ العِبَادَةُ فِي السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي العَلاَنِيَةِ.

 

وقد ورد في أحاديث كثيرة عن أبي جعفر عليه السّلام قالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلم: صَدَقَةُ السِّرِّ تُطفئُ غَضَبَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى([68]).

 

وفي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّه ـ إلى أن قال ـ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَمْ تَعْلَمْ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقَ شِمَالُهُ)([69]).

 

ولعل نكتة أفضلية صدقة السِّرَّ تكمن أولاً في أن عبادة السر أبعد من الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، وثانياً أن صدقة السرّ تحافظ على كرامة الفقراء.

 

وأيضاً أن الصدقة على الأرحام والأقرباء أفضل من التصدق على غيرهم، لأن عنوان صلة الرحم الذي هو من أفضل العبادات ينطبق على مثل هذه الصدقة. ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السّلام قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلم أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الكَاشِحِ([70]). وعن أبي عبد الله عليه السّلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلم... وَصِلَةُ الإِخْوَانِ بِعِشْرِينَ وَصِلَةُ الرَّحِمِ بِأَرْبَعَةَ وَعِشْرِينَ)([71]). وفي بعض الروايات عن محمد بن علي بن الحسين قال: قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَم: لاَ صَدَقَة وَذُو رَحِمٍ مُحْتَاجٍ([72]).

 

 

 

ختام:

 

إعلم أنه يظهر من وقله (عليه السلام) في هذا الحدث الشريف: «وأما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف» أن المطلوب في الصدقة الإكثار فيها وأنه لا يتحقق الإسراف مهما أكثر الإنسان من التصدق. وفي الحديث: قال سألت أبا عبد الله «عليه السلام» (إلى أن قال:) فقال: إن الحسن بن علي «عليه السلام قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلاً ونعلاً وثوباً وثوباً وديناراً وديناراً»([73]).

 

وفي حديث آخر عن ابن أبي نصر، قال: «قرأت في كتاب أبي الحسن عليه السلام إلى أبي جعفر يا أبا جعفر بلغني أن المتوالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير وإنّما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيراً، وأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير فإذا ركبت فليكن معك ذهبُ وفضة ثم لا يسألك أحد شيئاً إلا أعطيته ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير إليك ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسةٍ وعشرين ديناراً والكثير إليك إني إنما أريد بذلك أني رفعك الله فأنفق ولا تخشى من ذي العرش إقتاراً» ([74]).

 

ولا تتهافت هذه الروايات المذكورة من الأحاديث التالية التي تقول: «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل {وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} فقال: كان فلان بن فلان الأنصاري سماه وكان له حرث فكان إذا حل يتصدق به فيبقى هو وعياله بغير شيء فجعل الله عز وجل ذلك سرفاً»([75]).

 

وعن أبي عبد الله «عليه السلام» (على أن يقول) : «فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قلت من هم قلت من هم؟ قال: أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في وجهه ثم قال يا رب أرزقني فيقال له ألم أجعل لك سبيلاً إلى طلب الرزق».

 

وعن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أفضل الصدقة صدقة تكون عن فضل الكف([76]). ووجه عدم التهافت هو أن الإكثار في التصدق قد لا يبلغ مرحلة التضييق على الأهل والعيال. إذ ربما أشخاص يتصدقون بنصف أموالهم أو أكثر مع المحافظة على كفاف أهلهم، وعدم دفعهم نحو الضيق والعسر.

 

 

 

فصل: في فضيلة صلاة الليل

 

أبدى هذا الحديث الشريف، إهتماماً بالغاً تجاه صلاة الليل وصلاة الظهر «وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال» أما بالنسبة على صلاة الليل فقد تولينا الحديث عنها لدى شرحنا لبعض الأحاديث المتقدمة([77]). وهنا نكتفي في ذكر الروايات الشريفة المأثورة في فضيلة صلاة الليل.

 

في الوسائل عن كتاب الكافي بسنده إلى أبي عبد الله الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «شَرَفُ المؤمن صلاته باليل، وعز المؤمن كفه عن أعراض الناس»([78]).

 

وعن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: «قال النبي» صلى الله عليه وآله «لجبرائيل: عظني فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه وأعمل ما شئت فإنك ملاقيه وأعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه كفه عن أعراض الناس»([79]). وعن جعفر بن محمّد قال: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا، وثمان ركعات من آخر الليل، والوتر زينة الآخرة وقد يجمعها الله لأقوامٍ»([80]).

 

وعن محمد بن محمد المفيد قال: «قال رسول الله» صلى الله عليه وآله: «إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عنيه ليرضي ربه بصلاة ليله باهى الله به الملائكة وقال أما ترون عبدي هذا قد قام من لذيذ مضجعه لصلاةٍ لم أفرضها عليه اشهدوا أني قد غفرت له»([81]).

 

والأحاديث المأثور في فضل صلاة الليل كثيرة فلا مجال لعرضها في هذا المختصر.

 

 

 

في بيان الصلاة الوسطى

 

وأما المقصود من صلاة الزوال المذكورة في وصيّته صلوات الله وسلامه عليه (وعليك بصلاة الزوال) فهو نوافل صلاة الظهر، كما صرّحت بها الأحاديث. وهذا اقدر من الاهتمام إما لأجل أن في هذه النوافل خصوصية معينة، وإما لأجل أنها من توابع الصلاة الوسطى، ومتمّماتها ومن بواعث قبولها.

 

ويمكن أن يكون المقصود من صلاة الزوال صلاة الظهر نفسها التي تُدعي أيضاً بالصلاة الوسطى، من جهة وقوعها في وسط الصلوات اليومية، وقد أمر الحق المتعالي المحافظة على إقامتها قائلاً: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)([82]).

 

ويؤيد هذا الاحتمال أولاً: أنه المشهور بين الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ وثانياً أنه الأظهر من الروايات حيث تحظى بخصائص زائدة على الصلوات الأخرى. وثالثاً أنها الصلاة الأولى التي أنزلها الحق سبحانه بواسطة جبرائيل على آدم أبي البشر على نبينا وله وعليه الصلاة والسلام.

 

والظاهر أن اهتمام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بها حيث يوصي قائلاً: (عليك بصلاة الزوال) لأجل المحافظة على شروطها وحدودها ونوافلها وأوقاتها، وليس لأجل التأكيد على صلاة الظهر. ويستفاد ذلك من الأمر بالمحافظة على الصلوات وخاصة صلاة الظهر أيضاً. وقد وردت أحاديث كثيرة مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السّلام، تأمرا بالمحافظة على أوقات الصلوات، والإتيان بها في وقت فضيلتها، بل قد يسبب تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة من دون مبرر، التهاون في الصلاة. وخاصة إذا استمر على مثل هذا التهاون، وتكرّر على مدى الأيام اللاحقة.

 

ومن الواضح جدا أن من يعتني بشيء، أنجزه في أسرع وقت وفي أفضل صورة. وعلى العكس ما إذا لم يحفل به ورآه أمراً هيّناً، لتهاون فيه وتماهل، ونعوذ بالله من أن ينتهي أمر الإنسان إلى الاستخفاف بالصلاة، والتهاون بها.

 

عن أبي جعفر عليه السّلام قال بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِد إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَم نَقُرٌ كَنَقْرِ الغُرَابِ لَئِنْ مَاتَ هذَا وَهكَذَا صَلاَتُهُ لَيَمُوتُنَّ عَلَى غَيْرِ دِينِي ([83]) بل قد يفضي الأمر بالإنسان من جراء الاستخفاف بالصلاة، إلى تركها. ومن الطبيعي أن الإنسان إذ لم يبد اهتماماً بشيء، لسقط من عينه ولانتهى إلى النسيان.

 

 

 

إننا قلّما يعترينا النسيان تجاه أمر دنيوي سيّما في الأمور المهمّة منها، وذلك لاستعظام النفس لها، وتعلّقها بها، وتذكّرها الدائم، ومن الطبيعي أن لا يُنسى مثل هذا الأمر. فإذا قال لك شخص صادق في وعوده، إنني لدى الظهر من يوم كذا، أدفع لك مبلغاً يعدّ كبيراً ومهمّاً عندك، فإنك لا تنسى ذلك اليوم والموعد بل تحصي الساعات والدقائق حتى يقترب الوقت لكي تستقبل الموعد بكل توجه وحضور قلب، كل ذلك نتيجة أن حبّ النفس لذلك الشيء وإكبارها له، قد شغلك به، فلا تتهاون فيه أبداً. وهكذا يتم الاهتمام من جانب الإنسان في كل الأمور الدنيوية حسب وضعه وشؤونه، وأما إذا كان الشيء تافهاً لدى الإنسان، لتوجهت النفس لحظة واحدة ثم غفلت عنه.

 

إذن: هل تعرف المسّوغ لفتورنا هذا في الأمور الدينية؟ إنه لأجل عدم إيماننا بالغيب وأن مرتكزات عقائدنا واهية، وإيماننا بالوعود الإلهية والأنبياء مهتزاً ومتزلزلاً، وتكون النتيجة أن جميع الأمور الدينية والشرائع الإلهية عندنا تافهة وموهونة، ويفضي هذا الوهن شيئاً فشيئاً إلى الغفلة فإما أن هذه الغفلة تهيمن علينا، وتخرجنا كلياً من هذا الدين الشكلي الصور ي الذي نعتنقه، أو تبعث على الغفلة لدى أهوال نزع الروح وشدائد اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان.

 

إن من الأمور المهمة التي تتوّفر في هذه الصلوات الخمسة التي تعتبر عمود الدين، والقاعدة الصلبة للإيمان والتي لا يرقى إلى مستواها شيء في الأهمية بعد الإيمان، وبعد التوجهات النورية الباطنية، والصور الغيبية الملكوتية، حيث لا يعلم أحد عظمتها إلا الحق سبحانه والخواص في حالات من الأدب الخاص الروحاني الإلهي، الذي يدفع بالإنسان إلى توثيق الأواصر بينه من جهة والحق المتعالي والعوالم الغيبية من جهة أخرى. ويبعث على ملكه الخضوع لله سبحانه في الفؤاد، ويقوي الشجرة الطيبة التي هي التوحيد والتفريد، ويجذّرها في النفس على نحو لا يمكن اقتلاعها. كما أنه يفلح في الاختبار العظيم الذي يحصل له من قبل الحق المتعالي لدى سكرات الموت وأهوال المطّلع ومشاهدة شيء من عالم الغيب، ويوجب استقرار دينه وثباته، من دون أن يكون مستودعاً وقابلاً للزوال حتى يصاب بالنسيان، لدى أقل ضغط.

 

فيا أيها العزيز: إيّاك ثُمَّ إيّاك وَاللَّهُ مُعينُكَ فِي أوليكَ وَأُخْرَاكَ إن تتهاون في أمورك الدينية وخاصة الصلوات الخمسة، وتبدي الفتور والإهمال تجاهها. ويعلم الله بأن الأنبياء والأولياء وأئمة الهدى عليهم السّلام قد دفعوا بالناس نحو الصلوات وحذّروهم من التخلّف عنها، نتيجة العطف والحنان منهم على العباد، إذ أنهم لا ينتفعون من إيماننا ولا تجديهم أعمالنا شيئاً.

 

فصل: في فضل تلاوة القرآن

 

إن من وصايا الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم الأمر بتلاوة القرآن (وَعَلَيْكَ بِتَلاَوَةِ القُرْآنِ عَلَى كُلِّ حَال) وإن عقلنا القاصر لا يستوعب فضيلة تلاوة القرآن وحملة وَتَعَلُّمِهِ والتمسّك به وملازمتَه والتدبَّر في معانيه وأسراره. وما نقل عن أهل بيت العصمة عليهم السّلام في ذلك أكثر من طاقة هذا الكتاب على استيعابه. ونحن نقتصر على ذكر بعضها:

 

الكافي: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: «القُرْآنُ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ المُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَأَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً»([84]).

 

وبإسناده عن الزُّهريِّ قالَ: سَمِعْتُ عَلَيَّ بنَ الحسينِ عليهما السّلام يَقولُ: آياتُ القُرْآنِ خَزَائِنُ فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خَزِينَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ فِيهَا)([85]).

 

والمستفاد من هذين الحديثين أنه حريّ بقرّاء القرآن التدبّر في آياته والتفكّر في معانيه، وأن التمعّن والتأمل في الآيات الكريمة الإلهية، واستيعاب المعارف والحِكَم والتوحيد من القرآن العظيم، لا يكون من التفسير بالرأي المنهي عنه الذي يلتجأ إليه أصحاب الرأي والأهواء الفاسدة، الذين لا يتمسكون برأي أهل بيت الوحي، المخاطبين بالكلام الإلهي، كما ثبت ذلك في محلّه، ولا داعي للولوج في هذا الموضوع والإسهاب فيه. ويكفينا قوله تعالى: (أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلوبٍ أَقْفَالها)([86]).

 

ووردت أحاديث كثيرة تأمرنا بالرجوع إلى القرآن والتعمّق في آياته. فقد نقل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: (أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ)([87]).

 

وبإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آياتٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الذّاكِرِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مِائتي آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الخَاشِعِينَ، وَمَنْ قَرَأَ ثَلاَثْمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الفَائِزِينَ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسَمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُجْتَهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ بِرِّ، القِنْطَارُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنْ َذَهٍب، وَالمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيراطاً أصْغَرُهَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَأَكْبَرُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» ([88]).

 

وجاء في الأحاديث الكثيرة أن قراءة القرآن تتمثّل في صورة بهيّة جميلة تشفع لأهله وقرّائه. وقد أعرضها عن ذكرها.

 

وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَهُوَ شَابٌّ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْآنُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَجَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ السَّفَرَةَ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَكَانَ القُرْآنُ حَجِيزاً عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ كُلَّ عَامِل قَدْ أَصَابَ أَجْرُ عَمَلِهِ غَيْرَ عَامِلِي فَبَلَّغ بِهِ أَكرَمَ عَطَايَاكَ قَالَ فَيَكْسُوهُ اللهُ العَزِيزُ الجَبَّاُر حُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَّلِ الجَنَّةِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَرْضَيْنَاكَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ القُرْآنُ يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْغَبُ لَهُ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هذَا فَيُعْطِي الأَمْنَ بِيَمِينِهِ وَالخُلْدَ بِيَسَارِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ الجَنَّة فَيُقَالُ لَهُ إِقْرَأْ وَاصْعَدْ دَرَجَةً ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَغَنَا بِهِ وَأَرْضَيْنَاكَ فَيَقُولُ نَعَمْ([89]). وفي نفس الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام (وَمَنْ قَرَأَهُ كَثِيراً وَتَعَاهَدَهُ بِمَشَقَّةً مِنْ شِدَّةِ حِفْظِه أَعْطَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَجْرَ هذَا مَرَّتَيْنِ) ([90]).

 

وتبين من هذا الحديث الشريف أن المطلوب من تلاوة القرآن الكريم هو تأثيره في أعماق قلب الإنسان، وصيرورة باطنه صورة كلام الله المجيد، وتحويل ما هو ملكة القلب من القرآن الكريم إلى التحقق والفعلية وذلك حسب ما ورد في الحديث المذكور (مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَهُوَ شَابٌ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْآنُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ) حيث يكون كناية عن استقرار صورة القرآن في فؤاده، بدرجة يتحول باطن الإنسان حسب استعداده وأهليته، إلى كلام الله المجيد والقرآن الكريم.

 

وفي حَمَلَةِ القرآن من تحوّل تمام باطنه إلى حقيقة الكلام الجامع الإلهي، والقرآن الجامع والفرقان القاطع، وذلك مثل الإمام علي بن أبي طالب والمعصومين من أولاده الطاهرين عليهم السّلام، حيث يكون وجودهم آيات طيبات وآيات الله العظمى، والقرآن التامّ والتمام. بل إن هذا هو المطلوب من جميع العبادات كما أنه من الأسرار الهامة للعبادات، وأن تكرار الصلاة من أجل تحقيق هذه الحقائق العبادية، وتحويل ذات الإنسان وقلبه إلى صورة العبادة.

 

وفي الحديث (أَنَّ عَلِّياً عَلَيْهِ السَّلاَمِ صَلاَةُ المُؤْمِنِيَن وَصِيَامُهم)([91]).

 

في بيان أن العبادة تؤثر في الشباب

 

ويتم بالقرآن الكريم التأثر القلبي والتحوّل الباطني بصورة أفضل فترة الشباب، لأن قلب الفتى لطيف وبسيط وذو نقاء وصفاء أكثر. وأن وارداته قليلة، وتضارب الأفكار وتهافتها فيه قليل. فيكون شديد الانفعال والتأثر وسريع التقبّل.

 

إذن يجب على الشباب حتى إذا كانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، أن ينتبهوا إلى كيفية تفاعلهم وعِشرتهم مع الآخرين، ويتورّعوا عن الاختلاط مع السيئين. بل أن الصداقة والاختلاط مع العصاة وذوي الخلق الفاسد والسلوك المنحرف مسيء لجميع الناس من أي طبقة كانوا، ويجب أن لا يكون أحد مطمئناً بنفسه ومغروراً بإيمانه أو أخلاقه وأعماله. كما ورد في الأحاديث الشريفة الأمر بالابتعاد عن معاشرة أهل المعصية.

 

 

 

في آداب تلاوة القرآن

 

وملخص القول أن المبتغى من خلال تلاوة القرآن هو ارتسام صورة القرآن في القلب، وتأثير الأوامر والنواهي فيه، وتثبيت الأحكام والتعاليم الإلهية. ولا يتحقق هذا إلا في ظل مراعاة آداب القراءة. وليس الهدف من الآداب ما هو المعروف لدى بعض القُرّاء من الاهتمام البالغ بمخارج الألفاظ، وأداء الحروف، هذا الاهتمام الباعث مضافاً إلى الغفلة عن المعاني والتدبر فيها، إبطال التجويد بعض الأحيان، فإن كثيراً من الكلمات القرآنية نتيجة مثل هذا التجويد، تفقد صورتها الخلاّبة الأصيلة، وتتحول إلى صورة أخرى، ذات صورة ومادة تختلف عما أرادها الله تعالى. إن هذا يُعتبر من مكائد الشيطان حيث يلتهي الإنسان المؤمن إلى آخر عمره بألفاظ القرآن، وينسى نهائياً استيعاب سرِّ نزول القرآن، وحقيقة الأوامر والنواهي، والدعوة إلى المعارف الحقة، والخلق الفاضل الحسن، بل ينكشف لديه بعد مضي خمسين عاماً أنه من جرّاء تغليظ بعض الحروف، والتشديد فيها، قد أخرج صورة بعض الكلمات كلياً عن حالتها الطبيعية وأصبحت ذات صورة غريبة.

 

بل الهدف المنشود من وراء آداب قراءة القرآن، تلك الآداب التي وردت في الشريعة المقدسة والتي يعدّ من أفضلها وأعظمها التفكر والتدبر في آيات القرآن كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

 

في الكافي الشريف بسنده إلى الإمام الصادق عليه السّلام قال: «إنَّ هذاَ القُرْآنَ فِيهِ مَنَارُ الهُدى وَمَصَابِيحُ الدُّجى، فَلْيَجُلْ جَالٍ بَصَرَهُ وَيَفْتَحْ لِلضِّيَاءِ نَظَرَهُ، فَإِنَّ التَّفَكُّر حَياةُ قَلْبِ البَصِيرِ كَمَا يَمْشى المُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ»([92]).

 

وفي المجالس بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السّلام في كلامٍ طويلٍ في وَصْفِ المتَّقِينَ: وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْويفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَاقَشَعَرَّتْ مِنْهَا جُلُودُهُمْ وَوَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ صَهِيلَ جَهَنَّمَ وَزَفِيرَهَا وَشَهِيقَهَا فِي أصولِ آذَانِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْويقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ([93]). ومن الواضح أن من يتمعّن ويتدبر في معاني القرآن الكريم، يتأثر قلبه، ويبلغ مقام المتقين شيئاً فشيئاً. وإن حظي بتوفيق وسداد من الله، لَتجاوز هذا المقام أيضاً ولَتحوّل كل عضو وجارحة وقوة منه إلى آية من الآيات الإلهية، ولعلّ جَذَوَاتَ خطاب الله وجذباته، ترفعه وتبلغ به إلى مستوى إدراك حقيقة اقْرَأْ واصْعَدْ ([94]) في هذا العالم وانتهى إلى مرحلة سماع الكلام من المتكلم من دون واسطة، وتحوّل إلى موجود لا يسع الإنسان فهمه واستيعابه.

 

 

 

الإخلاص في القراءة

 

ومن الآداب اللازمة في قراءة القرآن، والتي لها دور أساسي في التأثير في القلب والتي لا يكون من دونها لأي عمل أهمية وشأن، بل يعتبر ضائعاً وباطلاً وباعثاً على السخط الإلهي. وهو الإخلاص، فإنه ركن أصيل للانطلاق إلى المقامات الأُخروية، ورأس مال في التجارة الأخروية.

 

وقد ورد في هذا الباب أيضاً أخبار كثيرة من أهل بيت العصمة عليهم السّلام: منها ما حدثنا الشيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه:

 

بإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قالَ: «قُرّاءُ القُرْآنِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ قَرَأَ القرآنَ فَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً وَاسْتَدَرَّّ بِهِ المُلُوكَ وَاسْتَطَال بِهِ عَلَى النَّاسِ. وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنُ فَحَفِظَ حُرُوفَهُ وَضَيَّعَ حُدُودَهُ وَأَقَامَهُ إِقَامَةُ القَدَحِ، فَلاَ كَثَّر اللَّهُ هؤُلاَءِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ. وَرَجُلٌٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَوَضَعَ دَوَاءَ القُرْآنِ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُُ وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ وَقَامَ بِهِ فِي مَسَاجِدِهِ وَتَجَافَى بِهِ عَنْ فِرَاشِهِ، فَبِأُوْلئِكَ يَدْفَعُ اللَّهُ العَزِيزُ الجَبّارُ البَلاَءَ، وَبِأُولئِكَ يُدِيلُ اللَّهُ مِنَ الأَعْدَاءِ، وَبِأُلئِكَ يُنْزِلُ اللَّهُ الغَيْثَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَاللَّهِ لَهؤُلاَءِ فِي قُرّاء القُرْآنِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الأَحْمَرِ»([95]).

 

وعن عقاب الأعمال بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام قالَ: «مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ يَأْكُلُ بِهِ النَّاسَ جَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لاَ لَحْمَ فِيهِ»([96]).

 

وبإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قالَ: مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَآثَرَ عَلَيْهِ حُبَّ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا اسْتَوْجَبَ سَخَطَ اللَّهِ وَكَانَ فِي الدَّرَجَةِ مَعَ اليَهودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَنْبِذُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ. وَمَنْ قَرَأَ القُرْآنَ يُرِيدُ بِهِ سُمْعَهً وَالتِمَاسَ الدُّنْيَا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَزَجَّ القُرْآنُ فِي قَفَاهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ وَيَهْوَى فِيهَا مَعَ مَنْ هَوَى. وَمَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً، قَالَ: كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى «فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ. وَمَنْ قَرَأَ القُرْآنَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَتَفَقُّهاً فِي الدِّينِ كَانَ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلُ جَمِيعِ مَا أُعْطِى المَلاَئِكَةُ وَالأَنْبيِاءُ والمُرْسَلُونَ. وَمَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ يُرِيدُ بِهِ رِياءً وَسُمْعَةً لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيُبَاهِيَ بِهِ العُلَمَاءَ وَيَطْلُبَ بِهِ الدُّنْيَا بَدَّدَ اللَّهُ عِظَامَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي النَّارِ أَشَدُّ عَذَاباً مِنْهُ، وَلَيْسَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ العَذَابِ إلاّ سَيُعَذَّبُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَخَطِهِ. وَمَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَتَوَاضَعَ فِي العِلْمِ وَعَلَّمَ عِبَادَ اللَّهِ وَهُوَ يُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ أَعْظَمُ ثَواباً مِنْهُ وَلاَ أَعْظَمُ مَنْزِلَةً مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ مَنْزِلٌ وَلاَ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَلاَ نَفِيسَةٌ إِلاَّ وَكَانَ لَهُ فِيهَا أَوْفَرُ النَّصِيبِ وَأَشْرَفُ المَنَازِلِ»([97]).

 

 

 

في معنى الترتيل

 

ومن آداب قراءة القرآن الكريم الذي يبعث على التأثير في النفس، ويجدر بالقارئ أن يراعيه، هو الترتيل في التلاوة، وهو كما في الحديث عبارة عن الحد الوسط بين السرعة والعجلة من جهة، والتأني والفتور المفرطين الموجبين لتفرّق الكلمات وانتشارها من جهة أخرى.

 

عن محمَّد بن يعقوب بإسناده عن عبد الله بن سليمان قالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعالى: (وَرَتَّل القُرْآنَ تَرْتِيلاً) قال: قال أميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السّلام: تَبَيَّنْهُ تِبْياناً (تَبْييناً ـ خ ل) وَلاَ تَهُدَّهُ هَدَّ الشِّعْرِ وَلاَ تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلكِنْ أَفْرِغُوا قُلُوبَكُمُ القَاسِيَةَ وَلاَ يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ ([98]) (أي لا يكن هدفكم ختم القرآن في أيام معدودة أو الإسراع في قراءة السورة والبلوغ إلى آخرها).

 

فالإنسان الذي يريد أن يتلو كلام الله، ويداوي قلبه القاسي، ويشفي أمراضه القلبية من خلال قراءته للكلام الجامع الإلهي، ولكي يطوي مع نور هداية المصباح الغيبي المنير، وهذا النور على النور السماوي، طريق الوصول إلى المقامات الأخروية والمد ارج الكمالية، لا بد له من توفير الأسباب الظاهرية والباطنية والآداب الصورية والمعنوية. أما أمثالنا عندما نقرأ القرآن بعض الأحيان، فمضافاً إلى أننا نغفل نهائياً عن معاني الآيات الكريمة، وأهدافها السامية وأوامرها ونواهيها ووعظها وزجرها، وكأنّ آيات الجنّة ونعيمها، وآيات جهنم والعذاب الأليم، لا تعنينا، بل ـ نعوذ بالله ـ يكون انتباهنا وتوجّه قلوبنا عند قراءة الكتب القصصية أكثر من توجهنا حين تلاوتنا للآيات المجيدة، مضافاً إلى ذلك فإننا في غفلة حتى عن الآداب الظاهرية لقراءة القرآن الكريم.

 

وقد ورد في الأحاديث الشريفة، الأمر بقراءة القرآن بصوت حزين وجميل (وَعَنْ أَبي الْحَسنَ عَلَيه السَّلام قالَ ذَكَرتُ الصَّوتَ عِنْدُهُ فَقالَ إِنَّ عَلي بنُ الحُسين عَلَيهما السَّلام كانَ يَقْرأُ فَرُبّما مَرَّ بِه المارّ فَصَعِقَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِه، وأَنَّ الإِمامَ لَوْ أَظْهَرَ مِنْ ذلِكَ شَيئاً لَما إِحْتَمَلَهُ النَّاسُ مِنْ حُسْنِةِ) ([99])ونحن عندما نريد أن نُري للناس صوتنا الحسن وأنغامه الجميلة، نلتجأ إلى قراءة القرآن أو الآذان، من دون أن نستهدف تلاوة القرآن والعمل بهذا الاستحباب. وعلى كل حال إن مكائد الشيطان وأضاليل النفس الأمارة كثيرة، وغالباً يلتبس الحق بالباطل، والحسن بالقبيح، فيجب أن نلوذ إلى الله سبحانه ونعوذ به من هذه الأشَرْاكَ والأفخاخ.

 

 

 

فصل: في بيان رفع اليدين في الصلاة وتقليبهما

 

إن ما ورد في هذا الحديث الشريف من قوله (وَعَلَيْكَ بِرَفْعِ يَدَيْكَ فِي صَلاتِكَ وَتَقْلِيبهما) ظاهر في رفع اليدين لدى التكبيرات أثناء الصلاة. وأن المقصود من تقليب اليدين يحتمل أن يكون جعل باطن الكفين نحو القبلة، فإن من المستحبات هو رفع اليدين لدى التكبير، ويحتمل أن يكون المقصود منه رفع اليدين لدى القنوت، فيجعل باطن الكفين نحو السماء، كما أفتى باستحباب ذلك الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم، وناقشوا في دليل ذلك، رغم أنه لا حاجة إلى دليل آخر بعد السيرة القطعية المتشرعة على القنوت المتعارف من رفع اليدين نحو السماء وعدم فهمهم منه إلاّ هذه الطريقة الشائعة لدى المصلين في القنوت، وعدم اكتفائهم برفع اليدين بصورة مطلقة. وعلى أي حال فإن الأظهر من هذه الرواية الشريفة، هو الاحتمال الأول.

 

واعلم أن المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم استحباب رفع اليدين عند التكبير في الصلاة. وذهب بعض إلى الوجوب مستنداً إلى بعض الأوامر والأخبار التي وردت في تفسير الآية الشريفة (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ([100])بأن المقصود من النحر هو رفع اليدين عند التكبير([101]).

 

ولكن هناك شواهد كثيرة في الأحاديث تدل على استحباب رفع اليدين دون وجوبه، مثل التعليل الوارد في الأخبار، وخاصّة حديث فضل بن شاذان المروي عن الإمام الرضا عليه السّلام ([102]) مضافاً إلى أن صحيحة علي بن جعفر، صريحة في عدم وجوب رفع اليدين([103]).

 

ولذا فإنّ هذه الأخبار ـ بعض الأخبار الواردة في تفسير فصلِّ لربك وانحر ـ مع قطع النظر عن القرائن الصارفة، ظاهرة في وجوب رفع اليدين لدى التكبير في الصلاة. ومقتضى الجمع بين الروايات الصريحة في الاستحباب، هو حمل الروايات على الاستحباب تحكيماً للنص على الظاهر.

 

ويحتمل أن تكون رواية علي بن جعفر دالّة على وجوب رفع اليد على خصوص الإمام دون المأموم. ويحتمل أن تكون بصدد بيان حال الإمام والمأموم في صلاة الجماعة وإيثار الصمت تجاه من يصلي فرادى. ولا منافاة في وجوب رفع اليدين على الجميع: الإمام والمأموم ومن يصلي فرادى، ولكن رفع يد الإمام يجزي عن رفع يد المأمومين كما أن قراءة الإمام تجزيء عن قراءة المأمومين.

 

وبناءاً على هذا الاحتمال وهو أظهر الاحتمالات في الرواية، لا ترد مناقشة بعض المحققين المتأخرين، حتى يستلزم حمل المطلق على المقيّد، فتكون النتيجة أن رفع اليدين لدى التكبير واجبٌ على الإمام خاصة دون غيره. ولكن مع ذلك فإن عدم القول بالفصل بين الإمام فيجب عليه رفع اليدين حين التكبير، دون غيره، ومذهب المشهور من العلماء قديماً وحديثاً، وجميع القرائن الخارجية والداخلية، كل ذلك يدل على استحباب رفع اليدين، ولا مجال للبحث في ذلك.

 

وهذا القدر من البحث قد فاض عن حجم هذا الكتاب.

 

 

 

ورغم أن رفع اليدين حين التكبير يكون مستحباً، فلا ينبغي ترك هذا المستحب مهما أمكن، وخاصة أن هناك من العلماء من يقول بوجوبه. ويكون مقتضى الاحتياط هو عدم ترك هذا المستحب.

 

 

 

في بيان سرِّ رفع اليدين

 

وعلى أيّ حال فإن رفع اليدين لدى التكبير في الصلاة، يعدّ من زينة الصلاة، كما أن صلاة جبرائيل عليه السّلام، وملائكة السماوات السبع، تكون على هذا الغرار، كما ورد عن الأصبغ بن نباته عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (فَصَلِّ لرَبّكَ وانْحَرْ) قالَ يا جِبْرائِيلُ ما هذِهِ النُّحَيْرَة الَّتِي أَمَرَ بِها رَبِّي؟ قالَ يا مُحَمَّدُ إنَّها لَيْسَتْ بِنُحَيْرَةَ، وَلكِنّه يَأمُرُكَ إذا تَحَرَّمَت للْصَّلاةِ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ إِذا كَبَّرْتَ وإذا رَكَعْتَ وإِذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكوعِ وإِذا سَجَدْتَ فَإِنَّها صَلاتُنا وَصَلاةُ الْمَلائِكَةِ فِي السَّماواتِ السَّبْعِ وأَنَّ لِكُلِّ شيءٍ زِينَة وإِنَّ زِينَةَ الصَّلاةِ رَفْعَ الأَيْدِي عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَة([104]).

 

ونقل عن الإمام الرضا عليه السّلام كما في كتابي (علل الشرائع) و(عيون الأخبار) قال: (إِنَّما تُرْفَعُ اليَدانِ بِالتَّكْبِيرِ لأَنَّ رَفْعَ الْيَدَينِ ضَرْبٌ مِنْ الإِبْتِهالِ وَالْتَبَتُّلَ وَالتَّضَرُّع فَأَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يكُونَ الْعَبْدُ فِي وَقْتِ ذِكْرِه لَهُ مُتَبَتِّلاً مُتَضَرِّعَاً وَلأَنَّ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِحْضارُ النِّيَةِ وَإقْبالُ الْقَلْبِ) ([105]). وهذا الكلام يتطابق مع ما يقول بعض أهل المعرفة في فلسفة رفع اليدين لدى التكبير من إلقاء غير الله وراء ظهره، واقتلاع أشواك طريق الوصول إلى الحبيب، وجعل نفسه منقطعة عن الغير وخالصة مخلصة له ـ من دون أدنى توجه إلى الغير والغيرية الذي يعد في مذهب العشاق والمحبين شركاً لله سبحانه ـ ثم يبدأ معراجه الحقيقي الروحاني، والسفر إلى الله. وهذا السفر والمعراج لا يمكن أن يتحقق من دون رفض الغير والغيرية وترك الذات والأنانية. كما أن مع التكبيرات السبعة الافتتاحية نخرق الحجب السبعة الملكية والملكوتية نهائياً. ففي كل تكبيرة من التكبيرات السبعة من صلاة الأولياء خرق لحجاب، ورفض لعوالم ذلك الحجاب وللقاطنين فيها. ثم ينكشف عليهم حجاب آخر، ويتجلّى لهم على قلوبهم، تجلياً تقييدياً، فبالتكبير اللاحق يجتث الأشواك من الطريق، ولا يلتهي بعالم ما وراء الحجاب وساكنيه، وكأنّ باطن قلوبهم يهتف: الله أكبر من أن يتجلى تجلياً تقييدياً، كما هتف بذلك شيخ الأولياء والمخلصين، خليل الرحمن في ذاك السفر العرفاني الشهودي، والتجليات التقييدية. فالسالك إلى الله، والمسافر إلى ساحة الحبيب، والمجذوب لطريق الوصول إلى المعشوق، يخرق الحجب واحداً بعد آخر، حتى ينتهي إلى التكبير الأخير، فيخرق به الحجاب السابع، ويرفض الغير والغيرية ويقول: (وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) ([106]). كما قاله النبي إبراهيم خليل الرحمن. ثم تنفتح عليه الأبواب، وتنكشف له سبحات الجلال، فيستعيذ من الشيطان الرجيم، ويبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم.

 

لقد أشار إلى ذلك محمَّد بن عليّ بن الحسين ـ رضوان الله عليه ـ بإسناده عن أبي الحسن عليه السّلام أنَّه رَوى لِذَلِكَ عِلَّةً أخْرى وهِيَ أَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلم لَمّا أُسْرِىَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَطَعَ سَبْعَ حُجُبٍ فَكَبَّرَ عِنْدَ كُلِّ حِجابٍ تَكْبِيرَةً فَأَوْصَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذلِكَ إِلى مُنْتَهَى الكَرَامَةِ([107]).

 

وفي حديث آخر قريب إلى هذا المضون عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قَالَ قُلْتُ لَهُ لأَيِّ عِلَّةٍ صارَ التَّكْبِيرُ فِي الإِفْتِتاحِ سَبْعَ تَكْبِيراتٍ أَفْضَلْ (إلى أن قال) قالَ يا هُشامُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ سَبْعاً وَالأَرْضَينَ سَبْعاً وَالْحُجُبُ سَبْعاً، فَلَمَّا أَسْرَى بِالنَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ، فَكانَ مِنْ رَبَّهِ كِقابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى رَفعَ له حِجابُ مَنْ حُجُبِهِ فَكَبَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِه وسَلَّم وَجَعَلَ يَقُولُ الْكَلِماتِ الَّتِي تُقالُ فِي الإِفْتِتاحِ، فَلَمَّا رَفَعَ لَهُ الثَّاني كَبَّرَ فَلَمْ يَزلْ كَذلِكَ حتَّى بَلَغَ سَبْعَ حُجُبٍ فَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيراتٍ، فَلِتلِكَ الْعِلَّةِ يُكَبِّرُ للإِفْتِتاح فِي الصَّلاةِ سَبْعَ تَكْبِيراتٍ([108]).

 

وهذا الحديث ينسجم مع الذوق والمشرب العرفاني أكثر من الحديث السابق، لأن مع رفع كل يد لدى خرق الحجاب، وإزاحة لستار، وظهور نور من أنوار الكرامة، وحيث أن هذا النور قيد من الحجب النورانية، فمع رفع اليدين يحطم هذا القيد ويزيح الحجاب ويُنَحْى وهكذا حتى يتجلى الذات ويتم الوصو13ل إلى منتهى الكرامة، الذي هو غاية آمال الأولياء. ونستطيع أن نفسر الرواية السابقة على ضوء هذه الرواية.

 

وعلى أي حال إننا محرومون من استيعاب هذه المعاني، فكيف بمشاهدتها أو الوصول إليها. ومشكلتنا أننا نجحد كل هذه المقامات والدرجات، ونعتقد بأن صلاة الأولياء ومعراجهم مثل صلاتنا ومعراجنا، ونجعل كمال عملهم مضاهياً لكمال عملنا، غاية الأمر أننا نتصور بأن صلاتهم تتفوق على صلواتنا من جهة حسن القراءة وإنجاز الآداب والشرائط، وأنها خالية من الشرك والرياء والعُجب، أو أن عبادة الأولياء لا تكون خشيةً من النار أو طمعاً في الجنة ولا نتصور شيئاً وراء ذلك، في حين أن لصلاتهم ومعراجهم الروحاني مقامات سامية أخرى، لا ترقى إليها أوهامنا.

 

في التنبيه إلى مكيدة من مكائد الشيطان

 

وملخص الكلام في هذا المقام ـ الذي انتهينا إليه من دون قصد ـ أنه يجب أن ننتبه إلى أن أسوأ الأشواك في طريق الكمال والوصول إلى المقامات الروحانية، والذي يُعَدُّ من إبداع الشيطان القطاع للطريق، هو إنكار المقامات والمدارج الغيبية الروحية، ويعتبر هذا الجحود رأس مال كل الأضاليل والجهالات، وسبب للوقوف والخمود عن الحركة والتقدم، وإماتة لروح الشوق التي هي مركب إلي كل الكمالات، وإطفاء لهب العشق الذي يكون واسطة المعراج الروحاني الباعث على كمال الإنسان، فيُمنى بالتقاعس والإحجام عن الطلب.

 

على العكس إن الإنسان إذا آمن بالمقامات الروحانية والمعارج العرفانية فمن الممكن أن هذا الإيمان يُلهب جذوة العشق الفطريّ الهامد تحت رماد الرغبات النفسية، ويشعل نور الشوق في القلب، فيندفع شيئاً فشيئاً نحو الطلب والنهوض بالجهاد، فيصبح مشمولاً لهداية الحق، ونجدة الذات المقدس المتعالي له والحمد لله.

 

 

 

فصل: في فضل السواك

 

إعلم أن من الآداب المستحبة الشرعية بشكل مطلق السواك الذي أوصى به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الشريف (وَعَلَيْكَ بِالسِّواكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ) ويتأكد في بعض الحالات الخاصة مثل قبل الوضوء وقبل الصلاة وعند قراءة القرآن وحين السحر ولدى القيام من النوم. وقد أكدت الأخبار الشريفة على ذلك، وذكرت له آثار كثيرة. ونحن نقتصر على ذكر بعضها في هذا الكتاب.

 

الكافي: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: «فِي السِّواكِ اثْنَتَا عَشْرَةَ خَصْلَةً: هُوَ مِنَ السُّنَّةِ وَمَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ومَجْلاةٌ لِلْبَصَرِ وَيُرْضِي الرَّبَّ وَيَذْهَبُ بِالْبَلْغَمِ وَيَزِيدُ فِي الحِفْظِ وَيُبَيِّضُ الأَسْنَانَ وَيُضَاعِفُ الحَسَنَاتِ وَيَذْهَبُ بِالحَفْرِ وَيَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُشَهِّي الطَّعامَ وَيَفْرَحُ بِهِ المَلائِكَةُ»([109]).

 

وهناك حديث آخر بهذا المضمون، وهذا الحفر الوارد في الحديث الشريف هو الالتهابات التي قد تحصل في أصول الأسنان من اللثة التي تدعى لدى الأطباء بـ (Pyrrhei' مرض استسقاء اللثة) والتي توجب التقيح والتعفن، حيث يختلط القيح الذي ينز منه، مع الطعام الممضوغ ويسبب أمراضاً خطيرة مثل سوء الهضم وغيره، وفي بعض الأحيان يضطر الطبيب إلى قلع الأسنان حتى يتمكن من القضاء على الأمراض.

 

فمن الحرّي بالأسنان أن يواظب على السواك الذي يفيد صحته وينظف أسنانه، مع قطع النظر عن الأمور الغيبية الباطنية التي أعظمها رضا الله سبحانه، وأن يستمر على هذه السُنة التي تعدّ من سُنن المرسلين.

 

وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلَّم أَوْصانِي جِبْرائيلُ بِالسِّواكِ حَتَّى خِفْتُ عَلَى أَسْنانِي([110]).

 

وقال صلّى الله عليه وآله وسلم (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلى أُمَّتِي لأَمْرتَهُمْ بِالسِّواكِ عِنْدَ وُضُوءِ كُلِّ صَلاةٍ)([111]).

 

وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السّلام (قالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّم كانَ إِذا صَلَّى الْعِشاءَ الآخِرَ أَمَر بِوُضُوئِه وَسِواكِهِ يُوضَعُ عِنْدَ رَأَسِهِ مَخْمَراً فَيَرْقُدُ ما شاء الله ثُمَّ يَقُومُ فيَسَتْاكَ وَيتوَّضأُ وَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعاتٍ ثُمَّ يَرْقُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَسْتاكُ وَيتوَّضأُ وَيُصَلِّي ثُمَّ قالَ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةً حَسَنَةً) ([112]).

 

وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ رَكْعَتانِ بِالسِّواكِ أَفْضَلُ مِن سَبْعينَ رَكْعَةٍ بِغَيْرِ سِواكٍ([113]).

 

وفي الحديث عن المعلى بن خنيس قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدَِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلام عَنِ السَّوَاكِ بَعْدَ الوُضُوءِ فَقَالَ الإِسْتِيَاك قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ نَسِيَ حَتَّى يَتَوَضَّأُ قَالَ يَسْتَاكُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ.

 

والأخبار كثيرة في المقام. ومن أرادها فليراجع كتب الأصحاب([114]).

 

فصل: في بيان مبادئ محاسن الأخلاق ومساوئها المذكورة

 

في نهاية وصية الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم إننا وإن شرحنا في هذا الكتاب في مناسبات عديدة، كثيراً من خُلق النفس، بصورة مفصلة، وذكرنا بقدر ما يتناسب والميسور والمناسبة كيفية الاتصاف بالمحامد الخلقية والابتعاد عن مساوئها ومفاسدها، ولكننا في هذا المقام نستعرض بياناً جامعاً في هذا الموضوع.

 

اعلم أن الخُلق عبارة عن حالة نفسية، تدفع الإنسان نحو العمل من دون تَروّي وتفكّر. فمثلاً إن الذي يتمتع بالسخاء، يدفعه خلقه هذا إلى الجود والإنفاق من دون حاجة إلى تنظيم مقدمات، وترتيب مرجحات. وكأنّ هذا الخُلق غدا من الأمور الطبيعية للإنسان مثل النظر والسمع. وهكذا النفس العفيفة التي أصبحت العفّة خُلقاً لها جزءاً طبيعياً لها، وما دامت النفس لم تبلغ هذا المستوى من التجذر الخلقي بواسطة التفكر والتدبر والترويض، لم يكن لها أخلاق وكمال، ويخشى عليها من زوال الخلق الكريم الذي يعدّ من الكمالات النفسية، وتغلب عليها العادات والخلق السيئ. وأما إذا بلغ الخلق مستوى الأفعال الطبيعية في الإنسان، وغدا من قبيل القوى والآلات، وظهرت سلطنة الحق وقهره، لكان زواله مشكلاً ونادراً.

 

وقال علماء الأخلاق أن هذه الحال والخلق النفسية قد تكون في الإنسان طبيعية وفطرية، ومرتبطة بمزاج الإنسان من دون فرق بين ما هو خير وسعادة أو شرّ وشقاء. كما هو المشهور من أن بعض الناس منذ نعومة أظافرهم يرغبون في الخير، وبعضهم ينزع نحو الشر وأن البعض يُثار بأدنى شيء، ويستوحش من عمل بسيط، ويفزع من أقل سبب، وبعض يكون على خلاف ذلك. وقد تحصل بعض هذه الخلق النفسانية من خلال العادات والعِشرة والتدبر والتفكر، وقد تحصل نتيجة التفكر والتروي حتى يبلغ مستوى الملكة.

 

وهناك اختلافات كثيرة بين علماء الأخلاق، لا مجال لذكرها والبحث عنها في هذا الكتاب حيث تمنعنا عن التعمق في الهدف الأساسي. فنحن نستعرض ما يناسب المقام ويجديه فنقول:

 

لا بد من معرفة أنه ليس المقصود من قولنا إن الخلق النفسية، طبيعية وفطرية. إنها ذاتية وغير خاضعة للتغيير، بل إن جميع الملكات والخُلق النفسانية، قابلة للتبدّل والتحوّل، ما دامت النفس تعيش في هذا العالم، عالم الحركة والتغيير، وتخضع للزمان والتجدد، وتملك الهيولى والقوة، ويستطيع الإنسان أن يُغيّر خُلُقه النفسي ويحوّله إلى أضداده. وإضافة إلى البراهين والتجربة، تدل على ذلك أيضاً، دعوة الأنبياء والشرائع الحقة، الناس، للتخلق بالصفات الحميدة، والابتعاد عما يقابلها من الخلق السيئ.

 

ولا بد من معرفة أن علماء الأخلاق أرجعوا كافة الفضائل النفسية، إلى أمور أربعة هي: الحكمة، العفة، الشجاعة، العدالة، واعتبروا الحكمة فضيلة للنفس الناطقة التي تُميّز وتفرّق الإنسان عن غيره. والشجاعة من فضائل النفس الغضبية. والعفّة من فضائل النفس الشهوية والعدالة؛ ترعى الفضائل الثلاثة. كما وأن علماء الأخلاق أرجعوا جميع الفضائل والكمالات النفسية إلى هذه الفضائل الأربعة. ولا يتناسب التفصيل في كل واحدة من هذه الفضائل الأربعة مع هذا الكتاب، ولا مجال لأمثالنا الإسهاب في ذلك. وما يجب فهمه هو أن المستفاد من الحديث الشريف المأثور عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَق» ([115]). إن سبب بعث الأنبياء، والدافع لدعوة خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلم، هو إكمال مكارم الأخلاق. وإن الأخبار الشريفة قد أبدت الاهتمام الكبير، إجمالاً وتفصيلاً بمكارم الأخلاق أكثر من أي شيء آخر بعد الاهتمام بالمعارف الإلهية. ونحن سنذكر بعض تلك الأخبار بعون الله، كما وأن أهمية الفضائل الخلقية أكبر من قدرتنا على شرحها وبسط الحديث فيها، ولكن لابد وأن نقول بأن أساس الحياة الأبدية الأخروية، ورأس مال العيش في تلك النشأة، الخلق الفاضل، والاتصاف بمكارم الأخلاق، وأن الجنة الممنوحة للإنسان من جراء خلقه الكريم المسماة بجنّة الصفات، أفضل بكثير من جنّة الأعمال الجسمانية والتي فيها ما طاب ولذّ، بصورة أفضل وأحسن من النعم المادية الجسمانية، كما أن فيها ظلمات وأهوال نتيجة الأعمال السيئة للإنسان، أسوء من أي عذاب أليم.

 

ويستطيع الإنسان ما دام حياً، أن ينقذ نفسه من هذه الظلمات، ويبلغ بها عالم الأنوار. نعم يستطيع البلوغ إلى ذلك، ولكن لا مع هذه البرودة والخمود والفتور والإهمال الذي أصابنا، حيث نرى جميعاً بأننا منذ أيام الطفولة ننمو على الخلق الذميم والسلوك المنحرف، الذي أقترفناه من جراء هذه الحالات السيئة من العشرة اللامسؤولة، والاختلاط غير اللائق، ونحافظ عليها، بل نضيف في كل يوم على تلك الصفات البشعة، جريرة أخرى، وكأننا لا نعتقد بوجود عالم آخر ونشأة باقية أخرى. نصف بيت شعر:

 

الوَيْل لي إذا كان عقيب هذه الحياة الدنيوية حياة أخرى!

 

كأن دعوة الأنبياء والأولياء عليهم السلام لا تعنينا، وعليه لا نعلم إلى أين نصل مع هذه الأخلاق التي نتصف بها، ومع هذه الأعمال التي نقترفها؟ وفي أي صورة نحشر يوم القيامة؟ وعندما نصحو ونستيقظ، نعرف بأن الفرصة قد فاتتنا، وأن الحسرة والندامة ستكون من نصيبنا، ولا نلومنّ حينئذٍ إلا أنفسنا.

 

إن الأنبياء عليهم السّلام، قد وضعوا بين أيدينا طريق السعادة، ثم قام العلماء والحكماء بتفسير أحاديثهم لنا، وشرح أساليب معالجة الأمراض الباطنية، وبذلوا أقصى الجهد لتفهيمنا إياها، ولكننا امتنعنا عن الاستيعاب، وأعطينا ظهورنا لهذه الإرشادات والكلمات. فلا بد من عود التأنيب إلينا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الشريف الذي نشرحه (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلاَ تَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَكَ).

 

وقد وردت روايات كثيرة لا تحصى تؤكد على مكارم الأخلاق، وتحذّر من الصفات التي تقابلها، ونحن ساهون ولاهون عن مراجعة تلك الأحاديث.

 

فيا أيها العزيز: إن كنت راغباً في دراسة الأخبار والأحاديث، فراجع الكتب الشريفة للأخبار وخاصة كتاب (أصول الكافي) حتى تعرف مدى اهتمام المعصومين عليهم السّلام بالخلق الكريم والمبادئ الفاضلة. وإن كنت من التائقين للبيان العلمي وكلمات العلماء فراجع الكتب الأخلاقية، مثل كتاب (طهارة الأعراق) لابن مُسْكَوَيْه وكتب المرحوم فيض الكاشاني وكتب المجلسي وكتب النراقيين([116]). حتى تستوعب آثار ونتائج مكارم الأخلاق. وإن وجدت نفسك في غنًى عن اقتناء الفضيلة، أو لا تلمس ضرورة في الابتعاد عن الخلق السيئ، فحاول أن تعالج جهلك الذي هو رأس الأمراض.

 

ونحن ننهي الموضوع بعد أن نتبرك بذكر بعض الأخبار الشريفة في هذا المضمار:

 

في كتاب من لا يحضره الفقيه: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ: «إنَّ الله خَصَّ رَسولَهُ صلّى الله عليه وآله وسلم بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ فَامْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنْ كَانَتْ فِيكُمْ فَاحْمَدُوا اللَّهَ وَارْغَبُوا إِلَيْهِ فِي الزَّيَادَةِ مِنْهَا؛ فَذَكَرَهَا عَشْرَةً: اليَقينُ وَالقَنَاعَةُ وَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ وَالحِلْمُ وَحُسْنُ الخُلْقِ وَالسَّخَاء وَالغِيرَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالمُرُوَّةُ» ([117]).

 

ونقل هذا الحديث بعدّة طرق. إلا أنه ذكر في كتاب (معاني الأخبار) «الْرِضا» بدلاً عن الحلم.

 

وروى الفيض الكاشاني في كتاب «الوافي» هذا الحديث عن كتاب «الكافي» مع اختلاف يسير.

 

وعن المجالس بإسناده عن الصادق جعفر بن محمَّد عليه السّلام أنَّهُ قالَ: «عَلَيْكُمْ بِمَكَاِرِم الأَخْلاَقِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّهَا وَإِيَّاكُمْ وَمَذامَّ الأَفْعَالِ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُهَا إِلَى أَنْ قَالَ: وَعلَيْكُمْ بِحُسْنِ الخُلُقِ فَإِنَّهُ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ الحديث» ([118]).

 

الكافي: بإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قالَ: «إنَّ أكْمَلَ المُؤْمِنِينَ إيماناً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً»([119]).

 

وبإسناده عن عليِّ بن الحسين عليهما السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «ما يوضَعُ في ميزانِ امْرئٍ يَوْمَ القِيَامَةِ أَفْضَلُ مِنْ حُسْنِ خُلْقٍ»([120]).

 

وعن أبي عبد الله عليه السّلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم أَكْثَرَ مَا تَلِجُ بِهِ أُمَّتِي الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلقِ([121]).

 

وعن أبي عبد الله عليه السّلام قَالَ الْبِرُّ وحُسْنُ الخُلُقِ يُعَمَّرانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدانِ فِي الأَعْمَارِ([122]). وعن أبي عبد الله عليه السّلام قالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى حُسْنِ الخُلُقِ كَمَا يُعْطِي المُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَغْدُوا عَلَيْهِ وَيَرُوحُ([123]).

 

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة في هذا الموضوع.

 

وكما أن حسن الخلق يوجب كمال الإيمان، وثقل الميزان، والدخول في الجنان، فإن سوء الخلق يكون على العكس من ذلك حيث أنه يفسد الإيمان، ويلقي بصاحبه في العذاب الأليم. كما أشير ذلك في الأحاديث الشريفة:

 

الكافي: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «إِنَّ سوءَ الخُلُقِ لَيُفْسِدُ الإيْمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ»([124]).

 

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «إنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفْسِدَ العَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ»([125]).

 

وعن أبي عبد الله عليه السّلام قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِصَاحِبِ الخُلُقِ السَّيئ بِالْتَوْبَةِ قِيلَ وَكيَفْ َذلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لأَنِّهُ إِذَا تَابَ مِنْ ذَنْبٍ وَقَعَ فِي ذَنْبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ ([126]) :

 

وعن أبي عبد الله عليه السّلام قَالَ مَنْ سَاءَ خُلُقُه عَذَّبَ نَفْسَهُ([127]).

 

ومن المعلوم أن الخلق السيئ يعذب الإنسان دائماً، ويبعث أيضاُ على العذاب والظلمات. كما ذكرنا لدى شرحنا لبعض الأحاديث. والحمدُ لِلَّهِ أَوَّلاً وآخِراً.

 

ـــــــــــــــــــ

 

  ([1]) أصول الكافي، المجلد 1، كتاب فضل العلم، باب النوادر، ح5.

 

 ([2]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 3.

 

 ([3]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 4.

 

 ([4]) وسائل الشيعة، المجلد الثامن، الباب 138، باب تحريم الكذب، أبواب أحكام العشرة، ح 11 و12.

 

 ([5]) وسائل الشيعة، المجلد الثامن، الباب 138، باب تحريم الكذب، أبواب أحكام العشرة، ح 11 و12.

 

 ([6]) وسائل الشيعة، المجلد الثامن، الباب 140، باب تحريم الكذب في الصغير والكبير والجد والهزل عدا ما استثنى.

 

 ([7]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 2.

 

 ([8]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 11.

 

 ([9]) وسائل الشيعة، المجلد الثامن، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة ح 4 ص 577.

 

 ([10]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الصدق وأداء الآثار، ح 10.

 

 ([11]) أمالي الشيخ الصدوق المجلس 76 ص 411 طباعة الأعلى.

 

 ([12]) وسائل الشيعة، المجلد 18، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، ح9 عن أبي عبد الله في حديث قال: وإنما الأمور ثلاثة أمر بين غيّة فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات.

 

 ([13]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان، باب الورع، ح11.

 

 ([14]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان، باب الورع، ح 3.

 

 ([15]) وسائل الشيعة، المجلد 11، باب 21 من أبواب جهاد النفس ح17و11.

 

 ([16]) وسائل الشيعة، المجلد 11، باب 21 من أبواب جهاد النفس ح17و11.

 

 ([17]) سورة الأحزاب، آية: 72.

 

 ([18]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الصدق وأداء الأمانة، ح12.

 

 ([19]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الصدق وأداء الأمانة، ح5.

 

 ([20]) كتاب فروع الكافي، المجلد الخامس، باب أداء الأمانة، ح 3و 4.

 

 ([21]) كتاب فروع الكافي، المجلد الخامس، باب أداء الأمانة، ح 3و 4.

 

 ([22]) وسائل الشيعة، المجلد 13، باب وجوب أداء الأمانة، من كتاب أحكام الوديعة ح 13

 

 ([23]) وسائل الشيعة، المجلد 13، الباب 3 من أبواب أحكام الوديعة ح2.

 

 ([24]) وسائل الشيعة، المجلد 13، الباب 3 من أبواب أحكام الوديعة ح2.

 

 ([25]) وسائل الشيعة، المجلد 13، الباب 3 من أبواب أحكام الوديعة ح5.

 

 ([26]) إتحاف السادة المتقين، المجلد 7، ص 234.

 

 ([27]) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض.

 

 ([28]) وسائل الشيعة المجلد الرابع ص 688.

 

 ([29]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء، ح 2.

 

 ([30]) وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 15، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 1، ص 175.

 

 ([31]) وسائل الشيعة، المجلد 4، ص 588.

 

 ([32]) وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 15، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 10، ص 178.

 

 ([33]) وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 15، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 11، ص 178.

 

 ([34]) وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 15، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 11، ص 178.

 

 ([35]) سورة القدر، آية: 3.

 

 ([36]) سورة البقرة، آية: 261.

 

 ([37]) وسائل الشيعة، المجلد الثالث، الباب 13، من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح5 ص 32.

 

 ([38]) وسائل الشيعة، المجلد الثالث، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ص 41.

 

 ([39]) وسائل الشيعة، المجلد الثالث، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ص 42.

 

 ([40]) وسائل الشيعة، المجلد 7، الباب 7 من أبواب الصوم المندوب، ح 1

 

 ([41]) وسائل الشيعة، المجلد 7، الباب 7 من أبواب الصوم المندوب، ح 8.

 

 ([42]) وسائل الشيعة، المجلد 7، الباب 7 من أبواب الصوم المندوب، ح4.

 

 ([43]) فروع الكافي، المجلد، ص9.

 

 ([44]) فروع الكافي، المجلد 4، ص3.

 

 ([45]) البحار المجلد 96، باب فضل الصدقة وانواعها وآدابها، ح 44، ص 127.

 

 ([46]) فروع الكافي، المجلد 4، ص 2، ح1 وص 10 ح 4.

 

 ([47]) فروع الكافي، المجلد 4، ص 2، ح1 وص 10 ح 4.

 

 ([48]) فروع الكافي، المجلد 4، ص 10 ح 5.

 

 ([49]) البحار، المجلد 96، باب فضل الصدقة وأنواعها، ح 55، ص 130.

 

 ([50]) البحار، المجلد 96، باب فضل الصد قه وأنواعها، ح17ص119.

 

 ([51]) مستدرك وسائل الشيعة، المجلد 7، الباب 18 من أبواب الصدقة، ح 10 ص 196

 

 ([52]) مستدرك وسائل الشيعة، المجلد 7، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح1 ص 160

 

 ([53]) مستدرك وسائل الشيعة، المجلد 7، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح1 ص 170

 

 ([54]) فروع الكافي، المجلد 4 ص 5 ـ 7.

 

 ([55]) فروع الكافي، المجلد 4 ص 5 ـ 7.

 

 ([56]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من أبواب الصدقة، ح1 ص 260.

 

 ([57]) وسائل الشيعة، المجلد 16، الباب 1 من أبواب استحباب أخبار عتق العبد، ح 7 و6ص 4.

 

 ([58]) وسائل الشيعة، المجلد 16، الباب 1 من أبواب استحباب أخبار عتق العبد، ح 7 و6ص 4.

 

 ([59]) سورة آل عمران، آية: 92.

 

 ([60]) مجمع البيان، المجلد الثاني، ص 472، طباعة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

 

 ([61]) مجمع البيان، المجلد الثاني، ص 472، طباعة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

 

 ([62]) تفسير الصافي، المجلد الأول، ص 329 طباعة الأعلمي ـ بيروت.

 

 ([63]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 43 من أبواب الصدقة، ح 1، ص 326.

 

 ([64]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 43 من أبواب الصدقة، ح 1، ص 324.

 

 ([65]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 42 من أبواب الصدقة، ح 3 و1 و4 ص 322.

 

 ([66]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 42 من أبواب الصدقة، ح 3 و1 و4 ص 322.

 

 ([67]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 42 من أبواب الصدقة، ح 3 و1 و4 ص 322.

 

 ([68]) فروع الكافي، المجلد 4، ص8.

 

 ([69]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 13 من أبواب الصدقة، ح11.

 

 ([70]) فروع الكافي، المجلد 4، ص 10.

 

 ([71]) فروع الكافي، المجلد 4، ص 10.

 

 ([72]) وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 20 من أبواب الصدقة، ح 4 ص 286.

 

 ([73]) وسائل الشيعة، ج6 الباب 52 من أبواب الصدقة، ص336 الحديث 1.

 

 ([74]) وسائل الشيعة، ج6 الباب 43 من أبواب الصدقة، ص324 الحديث 1.

 

 ([75]) وسائل الشيعة، ج6 الباب 43 من أبواب الصدقة، ص322 الحديث 3، 1، 4.

 

 ([76]) وسيائل الشيعة، ج6 الباب 42 من أبوب الصدقة، 323 الحديث 4.

 

 ([77]) الحديث 12، ص231، فصل " في فضيلة صلاة الليل ".

 

 ([78]) وسائل الشيعة، ج5 الباب 39 من أبواب بقية الصلاة المندوبة، ص268 الأحاديث 2، 3.

 

 ([79]) وسائل الشيعة، ج5 الباب 39 من أبوب بقية الصلاة المندوبة، ص268 الأحاديث 2، 3.

 

 ([80]) وسائل الشيعة، ج5 الباب 39 من أبواب بقية الصلاة المندوبة، ص276 الأحاديث 34، 35.

 

 ([81]) وسائل الشيعة، ج5 الباب 39 من أبواب بقية الصلاة المندوبة، ص276 الأحاديث 34، 35.

 

 ([82]) سورة البقرة، آية: 238.

 

 ([83]) وسائل الشيعة، المجلد 3، الباب 8 من أبواب أعداد الفرائض وأوقاتها، ح2 ص 21.

 

 ([84]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب فضل القرآن، باب في قراءته ح1، 2.

 

 ([85]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب فضل القرآن، باب في قراءته ح1، 2.

 

 ([86]) سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، آية: 24.

 

 ([87]) بحار الأنوار ـ المجلد 92 ص 211.

 

 ([88]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب فضل القرآن، باب ثواب قراءة القرآن، ح 5.

 

 ([89]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب فضل القرآن، باب فضل حامل القرآن، ح4 ص603.

 

 ([90]) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب فضل القرآن، باب فضل حامل القرآن، ح4 ص603.

 

 ([91]) يضاهي هذا الحديث ما ورد في البحار، المجلد 24، ح 14 ص 303، عن داوود بن كثير قال قُلْتُ أبي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلام، أَنْتُمُ الصَّلاَةُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتُمُ الزَّكَاةُ وَأَنْتُمُ الْحَجُّ؟ فَقَالَ يَا دَاوُوُدُ نَحْنُ الصَّلاَةَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَحْنُ الزّكَاةَ وَنَحْنُ الصِّيَامَ وَ....

 

 ([92]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب فضل القرآن، ح 5.

 

 ([93]) وسائل الشيعة، المجلد 4، الباب 3 من أبواب قراءة القرآن، ح6.

 

 ([94]) أصول الكافي المجلد الثاني كتاب فضل القرآن، باب فضل حامل القرآن، ح4.

 

 ([95]) أصول الكافين المجلد2، ص604، كتاب فضل القرآن باب النادر، ح1، ص627.

 

 ([96]) وسائل الشيعة، المجلد 4، ص 837.

 

 ([97]) وسائل الشيعة، المجلد 4، الباب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام - ح 7 و11 ص 727.

 

 ([98]) أصول الكافي، المجلد الثاني، ص 614.

 

 ([99]) أصول الكافي، المجلد الثاني، باب ترتيل القرآن، ح 4.

 

 ([100]) سورة الكوثر، آية: 2.

 

 ([101]) عن أبي جعفر في قوله[فصل لربك] قال الصلاة[وانحر] قالَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلَ ما يُكَبِّرُ فِي الافْتِتَاحِ. وعن عمر بن يزيد قالَ سَمِعْتُ أَبا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيهِ السّلام يَقُولُ فِي قَولِه[فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ] هُوَ رَفْعُ يَدَيْكَ حِذَاءَ وَجْهِكَ. تفسير الميزان، المجلد 20، ص 374. (المترجم).

 

 ([102]) عن الفضيل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام قال إِنَّما تُرْفَعُ اليَدانِ بِالْتكْبِيرِ لأنَّ رَفْعَ الْيَدين ضَرْبٌ مِنَ الإِبْتِهالِ والْتَبَتُّلَ وَالتّضَرُّع فَأَحَّبَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ أن يَكُونَ الْعَبْدُ فِي وَقُتِ ذِكْرِهِ لَهُ مُتَبَتِّلاً مُتَضَرِّعاً مُبْتَهلاً وَلأَنَّ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِحْضارُ النِّيَةِ وَإِقْبالُ الْقَلْبِ عَلى ما قالَ ((وسائل الشيعة - كتاب الصلاة - الباب التاسع من أبواب تكبيرة الإحرام المجلد -4 - ص 727 ج 11 وص 726 ح7)) (المترجم) وسائل الشيعة، المجلد 4، الباب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 11.

 

 ([103]) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قالَ: قالَ عَلَى الإِمامِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ في الصَّلاةِ لَيْسَ عَلى غَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ في الصَّلاةِ ((وسائل الشيعة - كتاب الصلاة - الباب التاسع من أبواب تكبيرة الإحرام المجلد -4 - ص 727 ج 11 وص 726 ح 7)). (المترجم). وسائل الشيعة، المجلد4، الباب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 11، وسائل الشيعة، المجلد 4، باب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 7.

 

 ([104]) وسائل الشيعة، المجلد 4، الباب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 13 و14.

 

 ([105]) وسائل الشيعة، المجلد 4، الباب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 11.

 

 ([106]) سورة الأنعام، آية: 79.

 

 ([107]) وسائل الشيعة، المجلد 4، الباب 7 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 5.

 

 ([108]) وسائل الشيعة، المجلد 4، الباب 7 من أبواب تكبيرة الإحرام، ح 7.

 

 ([109]) فروع الكافي، المجلد 6، كتاب الزي والتجمّل، باب السواك، ح6.

 

 ([110]) فروع الكافي، المجلد 6، الباب 2 من أبواب السواك من كتاب الزي والتجمّل، ح 8.

 

 ([111]) وسائل الشيعة، المجلد 1، الباب 3 من أبواب السواك، ح 4.

 

 ([112]) وسائل الشيعة، المجلد 1، الباب 6 من أبواب السواك، ح 1.

 

 ([113]) وسائل الشيعة، المجلد 1، الباب 5 من أبواب السواك.

 

 ([114]) وسائل الشيعة، المجلد 1، الباب 1 من أبواب السواك، الأحاديث من ح1 - ج 40.

 

 ([115]) تفسير مجمع البيان، المجلد 10، ص333.

 

 ([116]) الوالد هو المولى مهدي بن أبي ذر الكاشاني النراقي صاحب كتاب "جامع السعادات" المتوفى عام 1209 هـ. والولد هو أحمد بن مهدي صاحب كتاب " معراج السعادة " المتوفى عام 1245 هـ (المترجم).

 

 ([117]) كتاب من لا يحضره الفقيه، المجلد الثالث، رقم الحديث 4901.

 

 ([118]) وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 6 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 8.

 

 ([119]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، ح 2.

 

 ([120]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، ح 6.

 

 ([121]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، ح 6، 8، 12.

 

 ([122]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق ح6، 8، 12.

 

 ([123]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق ح6، 8، 12.

 

 ([124]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب سوء الخلق ح 3 و1 و2 و4.

 

 ([125]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب سوء الخلق ح 3 و1 و2 و4.

 

 ([126]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب سوء الخلق ح 3 و1و 2 و4.

 

 ([127]) أصول الكافي، المجلد 2، كتاب الإيمان والكفر، باب سوء الخلق ح 3 و1و 2 و4.