معالم الحرية في فكر القائد
توقف الإمام الخامنئي عند مصطلح الحرية من خلال رؤيته الكونية، فعالج هذا المصطلح معالجة شمولية، بأسلوب علمي وواضح، ونحن نضع تحت تصرّف عشّاق الحقائق المجرّدة المعالم الرئيسية التي عالج من خلالها الإمام الخامنئي فكرة الحرية.
مفهوم الحرية
إن مسألة الحرية هي من الأمور التي أكد عليها القرآن الكريم وكلام الأئمة، وتكرر التأكيد عليها... وتعبير الحرية ليس المقصود الحرية المطلقة التي لا يؤيدها أحد في الدنيا... والمقصود من كلمة الحرية هي الحرية الاجتماعية أو الحرية التي هي بمثابة حق إنساني في التفكير والقول والاختيار.
قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} الأعراف: 157.
الرسول يرفع الغل والقيود عن أعناق البشر، والأمر يعني الالتزامات المفروضة على البشر من عقائد باطلة وخرافية وكثير من القيود الاجتماعية الخاطئة.
الحرية الاجتماعية مفهوم إسلامي
لاحظوا أن الحرية الاجتماعية بمعناها الذي اصطلح عليه في الثقافة السياسية العالمية الحاضرة لها جذور عميقة في القرآن، ولا داعي لأن تراجع الليبرالية الغربية في أوربا إبان القرن الثامن عشر وتنشر ما قال "كانت" و"جان استيوارت مل"... فالحرية هي مفهوم إسلامي...
هنالك جماعتان تعملان وتتعاونان معاً لمواجهة أسلمة مفهوم الحرية وإعطائها هوية محلية:
1ــ الجماعة الأولى: هم أولئك الذين يأتون في كلماتهم دوماً بشواهد مما قاله فلاسفة القرون الماضية في الغرب... فيساهمون بإيجاد تصور بأن مفهوم الحرية الاجتماعية هو فكر غربي وقد أهدانا إياه الغرب!!
2ــ الجماعة الثانية: فهي تقدم العون للجماعة الأولى دون أن تدري، لأنهم ما إن تطرح كلمة الحرية حتى يدبّ الرعب فيهم ويملأهم الخوف ويصرخون ذهب الدين...
كلا، إن الدين هو أكبر داعية للحرية، فلماذا يذهب الدين، إن الحرية الحقيقية والحرية المعقولة هي أهم هدية يقدمها الدين لشعب، ببركة الحرية تنمو الثقافات وتتفتح الطاقات وتتفجر. الاستبداد هو الذي يعادي الاستعداد... إن الطاقات الإنسانية يجب أن تستخرج كما تستخرج الطاقات الطبيعية، لتتمكن تلك الطاقات من اعمار الدنيا، وهل يمكن ذلك دون الحرية...
والخلاصة إن مفهوم الحرية مفهوم إسلامي، والإسلام يولي هذه الحرية اهتماماً أكثر من المذاهب الفردية.
مفهوم الحرية في الغرب
منذ أن نشأت الحرية في فرنسا، ثم في أوربا، ثم انتشرت في العالم وحتى الثورة الفرنسية، وحروب الاستقلال الأمريكية، والبيان الأمريكي للحرية وحتى يومنا هذا، فإن الليبرالية أظهرت عدة تفاسير وتحاليل للحرية وهم يعانون مشكلة في تقديم فلسفة الحرية، لماذا يجب أن يكون البشر أحراراً، وما هي فلسفة الحرية؟ وقد قيل الكثير: الفائدة، الخير العام، اللذة العامة، اللذة الفردية، والحد الأقصى لكل حق من الحقوق المدنية... وهذه كلها قابلة للطعن... وما كتب حول هذا الموضوع هو كلمات تستهلك الوقت ولا طائل ولا فائدة منها.
والحد الأقصى الذي بلغته تلك البحوث والتفاسير حول منشأ الحرية وفلسفة الحرية هي أنها حق إنساني.
مفهوم الحرية في الإسلام
الإسلام يعتبر الحرية أمراً فطرياً لدى الإنسان. نعم إنه حق، ولكنه أسمى من سائر الحقوق، كحق الحياة وحق العيش، وكما أن حق الحياة لا يمكن أن يعد في مستوى حق المسكن وحق الاختيار وغير ذلك، بل إنه أسمى من كل ذلك وهو الأساس لكل الحقوق، كذلك هي الحرية في الإسلام.
وبناءً على هذا فإن من الخطأ أن تتصوروا أن فكرة الحرية الاجتماعية مهداة لنا من قبل الغرب.
الفرق بين الحرية في منطق الإسلام والحرية في منطق الغرب
في رسالة الغرب الليبرالية تعد حرية الإنسان مجردة عن حقائق اسمها الدين والله، لهذا فهي لا تعتبر أن الحرية عطاء رباني، ولا تعتقد أن الله قد أعطى الإنسان حريته، لذلك هي تبحث عن منشأ وأسس فلسفية للحرية... استناداً لمنطق الإسلام فإن التحرك ضد الحرية يعد تحركاً ضد ظاهرة إلهية، وهو يستدعي بالمقابل وجود تكليف ديني، أما في الغرب فإن هذا الأمر لا وجود له.
في الفكر الإسلامي ليس الأمر هكذا، فالمواجهة من أجل الحرية تكليف، لأنه نضال من أجل أمر إلهي، كذلك إذا رأيت شخصاً تسلب روحه فمن واجبك أن تتوجه لمساعدته، إنه واجب ديني، وإذا لم تؤدِّه تكون قد أذنبت، وهكذا الأمر بالنسبة للحرية، عليك أن تتوجه لمساعدته لأنه واجبك.
وتتشعّب من هذا الفارق فوارق:
الليبرالية الغربية تعتبر أن الحقيقة والقيم الأخلاقية نسبية، ولهذا يعتبرون أن الحرية غير محدودة، لماذا؟ لأنك إذا كنت تعتقد بمجموعة من القيم الأخلاقية وهاجم شخص آخر هذه القيم فليس لك حق في توجيه اللوم له، وعلى هذا فإنه ليس للحرية حد، لماذا؟ لأنهم لا يعتقدون بوجود حقيقة ثابتة...
في حين أن الحرية في الإسلام ليست كذلك، لأن في الإسلام قيماً مسلمة وثابتة والتحرك باتجاه تلك القيم قيمة بحد ذاته وكمال، وعلى هذا فإن الحرية محدودة بهذه القيم...
القيم الأخلاقية لا تشكل في الغرب أي مانع للحرية!!
القيم الأخلاقية لا تشكل هناك أي مانع للحرية، فمثلاً حركة الشذوذ الجنسي في أمريكا هي من الحركات الرائجة، ويفخرون بذلك، ويقيمون التظاهرات في الشوارع، ويفخرون بأن التاجر الفلاني والرجل الفلاني والسياسي الفلاني هم من أعضاء الحركة، ولا يخجل أحد بذلك، ولا ينكره أحد، بل أكثر من ذلك فإن الصحف وسائر المطبوعات تشنّ هجوماً شديداً ضد بعض الأشخاص لمعارضتهم لهذه الحركة، ويستهجنون وجود معارض لحركة الشذوذ الجنسي.
هناك مثال آخر في الدول الأوربية. إن حرية البيان تقف عند حد الترويج للفاشية، لأنه أمر مادي وحكومي!! أما الترويج للعراة فإنه لا يحدّه شيء، فحدود الحرية في الغرب حدود مادية وليست حدوداً أخلاقية.
أما في الإسلام فإن هنالك حدوداً أخلاقية أيضاً، فالحرية في الإسلام لها حدود معنوية مضافة إلى تلك الحدود المادية.
لا حرية للكذب
لا حرية للكذب، لا حرية لبثّ الشائعات، لا حرية للإرجاف. قال تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم}، فقد ذُكر المرجفون إلى جانب المنافقين ومرضى القلوب، وهم بدورهم جماعتين، فالمنافقون جماعة، ومرضى القلوب جماعة أخرى، وجعل المرجفين إلى جانب أولئك...
تنافي الحرية عند الغرب مع التكليف
الفرق الآخر هو أن الحرية تتنافى في الفكر الليبرالي الغربي مع التكليف، فالحرية عندهم تعني التحرر من التكليف.
في حين أن الإسلام يضع الحرية على سكة التكليف، بل أساساً الناس أحرار لأنهم مكلّفون، ولو لم يكونوا مكلّفين لما لزمت الحرية بل كانوا كالملائكة.
فالحرية بهذه القيمة أعطيت للإنسان من أجل التكامل {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
ففي الغرب بلغوا حداً من نفي التكليف جعلهم يرفضون الفكر الديني، بل وحتى الأفكار غير الدينية وكل العقائد التي تقول بالواجب والحرام.
الإسلام يعتبر أن الحرية مصحوبة ومتلازمة مع التكليف الإنساني، ليتمكن الإنسان بهذه الحرية أن يؤدي تكاليفه بشكل صحيح ليقوم بأعمال كبيرة، ليكون اختياره كبيراً ويتمكن من التكامل.
مقولة الحرية هي مقولة إسلامية
إن ما أريد تلخيصه هو أن مقولة الحرية هي مقولة إسلامية، وعلينا أن نتدبّر فيها إسلامياً، وأن نعتقد جميعاً بنتائج ذلك على أساس أنها حركة إسلامية وتكليف شرعي، وأن نقدر ما هو موجود في ساحة المجتمع، وأن نستفيد منه أقصى الاستفادة.
تعليقات الزوار