رَبَّةُ البيت الصغير.. قدوة العالمين سيدة نساء العالمين في كلام الإمام الخامنئي
الحق أن يوم ولادة هذه العظيمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ وهي لؤلؤة صدف النبوة والولاية ـ عيد كبير للشيعة ومحبـي تلك الإنسانة الجليلة وأبنائها المعنويين والجسمانيين.
* فداها أبوها:
حول مقام الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) لا تعيننا ألسنتنا وأقوالنا على البيان. شيء لا يمكن أن يوصف. وصفه أرقى من حدود قوالبنا البيانية العادية. ولكن بلغة الفن، يتسنى تقريب الأذهان إلى حد ما. لذلك، أؤكد دائماً على المدح والشعر والأناشيد الإسلامية. بأجنحة الفن يمكن تقريب الذهن بدرجة معينة، غير أنه من المتعذر بلوغ حقيقة هؤلاء فـي مقام الوصف. طبعاً، الذين يطهرون قلوبهم وأعمالهم، وينزهون أجسامهم وأرواحهم، وينهجون نهج التقوى والورع والطهارة ويربون أنفسهم، وينأون بها بعض الشيء عن الأدران التـي نعانـي منها أنا وأمثالـي، ستستطيع أعينهم أن ترى، إلاّ أنهم لن يتمكنوا أيضاً من الوصف، لكن قلوبهم الطاهرة وأعين أفئدتهم البصيرة تستطيع ضمن حدود معينة أن ترى الأنوار القدسية لأهل البيت ومنهم الصدّيقة الكبرى (عليها السلام)، ويمكنهم أن يدركوا مقامهم. لدينا شواهد على ذلك. من هذه الشواهد: القول المروي عن الرسول الأكرم: «فداها أبوها». ومن الشواهد ما روي من أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) حين كانت تدخل بيت النبـي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو حين كانت تدخل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يجلس، كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم أمامها ويسير إليها «قام إليها». هذه عظمة. أنْ ينظر العالم الإسلامي كله منذ ذلك اليوم وإلى اليوم ـ شيعة وسنّة دون استثناء ـ إلى تلك السيدة الكبيرة بعين العظمة والجلالة، فهذا أيضاً من تلك الشواهد والعلامات. من غير الممكن أن يتفق جميع العقلاء، والعلماء، والمفكرين من شتى النحل والعقائد المختلفة طوال تاريخ أمة أو شعب من الشعوب على مدح وإجلال شخصية معينة. ما هذا إلاّ بسبب عظمةٍ لا توصف تتمتع بها تلك الشخصية، وهذا بحد ذاته مؤشر ودليل. كل هذه العظمة خاصة بسيدة فـي الثامنة عشرة، فتاة شابة! أكبر سن ذُكرت لفاطمة الزهراء (عليها السلام) فـي مختلف التواريخ هو ما بين الثامنة عشرة إلى الثانية والعشرين. التكريم الذي كان يخصها به أميرالمؤمنين(عليه السلام) والتكريم الوارد فـي روايات وأحاديث جميع الأئمة (عليهم السلام) بحق فاطمة الزهراء (عليها السلام)، يوضح للإنسان أية عظمة وانبهار يتموّجان فـي كلمات الأئمة حول فاطمة الزهراء. كل واحد من الأئمة شطّ صخّاب يروي وينمّي مناخات المعرفة والمواهب الإنسانية، وكل هذه الجداول تنبع من تلك العين، عين فاطمة الزهراء الدفّاقة (عليها السلام). روايات الصادِقَين (عليهما السلام) وعظمة الإمامين الرضا وموسى بن جعفر والأئمة التالين، والمقام الشامخ لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) كلها جداول ذلك الكوثر، ذلك الكوثر الخالد، ذلك الينبوع المتدفق. هذه هي بركات فاطمة الزهراء.
نريد أن نقدم هذه السيدة الجليلة كنموذج يعيش بيننا. إمرأة شابة، فتاة شابة كانت حياتها حياةً عادية، وثيابها ثياب الفقراء، وعملها فـي المنزل رعاية الأطفال وإدارة البيت وأن تكون ربة هذا البيت الصغير وتطحن بالرحى، بينما يشمخ فـي داخلها جبل من المعرفة وبحر من العلم عظيم.
* نساء عظيمات:
الأجهزة الدعائية فـي العالم تنصب اليوم النماذج باستمرار أمام أعين الأجيال الإنسانية فـي كل العالم من أجل تضليل البشر. وهي طبعاً نماذج فاشلة وقليلة الجاذبية، إلاّ أنهم لا يقلعون عن ذلك، يطرحون الممثلات، والكاتبات، والشخصيات الصاخبة ذات الظاهر الحسن والفارغة فـي جوهرها. يأتون بأجساد عبثية لا معنى لها ويعرضونها باستمرار حتى يستطيعوا عن هذا الطريق توجيه الناس باتجاهٍ وطريقٍ معين. إنهم ينفقون الأموال لأجل ذلك. والأفلام الهوليودية والأشياء المماثلة التـي ترونها وتسمعونها وتعلمون بها معظمها موجَّه. مع أنهم يقولون إن الفن يجب أن يستقل عن السياسة والاتجاهات السياسية، إلاّ أن سلوكهم معاكس وليس كما يزعمون. يستعمل المستكبرون عالم الفن، والسينما، والأفلام، والشعر، والكتابة، والأدمغة، والبراهين، والفلسفة فـي سبيل مصالحهم الاستكبارية ومشاريع نهبهم. هذا الشيء يعد اليوم مظهر الرأسمالية فـي العالم، وأمريكا هي قوته العسكرية، وقدراته الاقتصادية هي الشركات التـي تقف خلف الحكومة الأمريكية. هؤلاء يوظفون جميع الإمكانيات لنحت النماذج. والشعوب ليس فـي يدها شيء ولا تمتلك النموذج والمثال الذي تستطيع عرضه مقابل ما يعرض أولئك. أما نحن فنمتلك الكثير، لدينا نساء عظيمات لو أردنا الدخول إلى ميدان قضايا المرأة. ثمة نساء عظيمات، فـي تاريخ الإسلام، وقمة كل هذه العظمة وأوجها هي الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام). والسيدة زينب والسيدة سكينة أيضاً قصتهما قصة مذهلة للناس المفكرين الأذكياء والعقلاء والمتدبرين.
* نعمةٌ عجيبة:
لسنا حائرين فـي عظمة فاطمة الزهراء وكيفية إظهار هذه العظمة فنتوسل بالشعر، والنثر، والكلام! كلا، إنما نحن بحاجة إلى تلك العظمة. هذه الشمس المتلألئة الساطعة تعمُّ بفائدتها جميع الموجودات فـي العالم، ويسقط شعاعٌ منها فـي بيوتنا. علينا أن ننظر كيف نستطيع الاستفادة من هذا الشعاع. تلك الشمس أرفع وأعلى بكثير من أنْ نقضي ساعات طوالاً نصف فيها هذه الشمس ـ التـي لا نعلم ما هي تحديداً ولا تنالها أذهاننا كلاماً، وشعراً، وقراءةً، لكننا لا نجلس تحتها لتدفئ أجسامنا وتنمو وتتعزز وتُضمَن حياتنا. هذا ليس بالشيء العقلانـي. شأن هذه العظيمة وهؤلاء العظماء أسمى من هذا بكثير.
رحم الله الذين جاءوا بتيار التشيع إلى بلادنا وعرّفونا هذه الحقائق. لولا ذلك لكان الأمر صعباً جداً. رحمة الله على سيوف الألسنة وسيوف الأقلام وسيوف الساحات المختلفة التـي استطاعت إجلاء هذه الحقائق لنا، وجعلتنا نسير فـي هذا الطريق فنرى ونفهم، وإلاّ، فهذه الأدلة الواضحة قائمة إزاء الكثيرين، لكنهم لا يفهمونها ولا يدركونها، لأن العصبيات لا تسمح لهم. لقد كنا محظوظين وعلينا أن نشكر الله ليل نهار على حسن طالع التعرف إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وهو نعمة عجيبة.
أنظروا إلى جيلكم الشاب اليوم ـ سواء من الفتيات أو الفتيان ـ ومجتمعكم، مِن أي فراغ معرفـي يعانـي ويتضرر، وما هي العناصر الأخلاقية البناءة التـي يعانـي نقصانها؟ شخّصوا هذه العناصر الأخلاقية فـي وجود فاطمة الزهراء (عليها السلام) وفـي فضائل تلك الإنسانة العظيمة وفـي هذه الوجودات المقدسة، وعبّروا عنها بلغة الشعر أي لغة الفن. تدبروا ما هي دروس أهل البيت التـي نحتاجها فـي حياتنا السياسية والاجتماعية، استخرجوها من سير هؤلاء الأجلاّء، وهذه السيدة الجليلة خصوصاً، وعبّروا عنها بلغة الشعر. هذه أمور ضرورية ومهمة، وإلاّ، فإن مجرد المدح لا يكفي، وألفاظ هذا المدح تبدو غامضةً بعض الأحيان بحيث لا يفهم المستمع بدقة ما هي حصيلة هذا المدح، ولا حتى المدّاح يفهم فـي بعض الأحيان! علينا أن نبدي خضوعنا، وإبداء الخضوع هذا هو كمالنا «مادحُ الشمس مادحٌ لنفسه». غير أنّنا يجب أن لا نكتفي بهذا. علينا النظر إلى ماهية الدروس التـي يمكننا استلهامها من هؤلاء العظماء. هذا واجب المبلِّغ، وواجب الفنان، وواجب مخرج الأفلام، وواجب مدراء السينما ، وواجب مدراء التلفزيون، وواجب خطباء المنبر، وواجب المداحين. أريد أن أقول: عليكم باستعادة واجبكم إلى جانب هذه الواجبات الجسيمة التـي على عواتقنا جميعاً. هذه هي وصيتـي لإخوتي الأعزاء التـي أطلبها منهم و أطرحها عليهم باستمرار.
أرجو أن يوفقنا الله تعالى جميعاً لأن نعرف واجباتنا جيداً ونعمل بها. مبارك لكم جميعاً هذا العيد السعيد إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــ
* مقتطف من كلمة ألقاها الإمام الخامنئي (دام ظله) في لقاء مع مداحي أهل البيت (عليهم السلام) بمناسبة ذكرى مولد السيدة الزهراء (عليها السلام) في 7/8/2007.
تعليقات الزوار