قراءة في خطاب الإمام الخامنئي في الذكرى العشرين لرحيل الإمام الخميني

إطلالة:

نقش الإمام الخميني «رضوان الله عليه» في جدار الزمن أعمق الذكريات وأكثرها تأثيرًا، ورغم التباين الشاسع بين المحبين والقالين، إلا أن الحقيقة المسلمة أنه شخصية أثرت في مجرى التاريخ وغيرت سير الأحداث وخلقت تداعيات عالمية كبرى حدت ببعض المتابعين أن يسمى عصره به فيقول «عصر الخميني».

وربما تحول سعة الإمام الخميني الوجودية وتعدد أبعاده دون الخوض في ساحله الممتد، أو تسمق قممه الشامخة أو تتهيب الولوج في عبابه العميق، غير أن النصير الملازم والأخ السند والامتداد الأمين في القول والعمل يسهل الورود للواردين والولوج للقاصدين، فقد دأب السيد الخامنئي الكبير على حمل رسالة الإمام الخميني العظيم والتعريف بها في كل محفل ومناسبة، ببيان فائق، وعزمٍ لا يلين ولا يتوانى، وخطوات عملية حاذقة متسلسلة في تتابع هادف في سبيل الوصول إلى الهدف المرجو.

 الذكرى المؤلمة:

عندما غربت شمس الإمام الخميني بقي اسمه رمزًا وهاجًا للعزة والفخر والوحدة الوطنية والهوية الدينية، ولا يزال هذا الرمز بعد عقدين من الزمن يزداد توهجًا وإشعاعًا ولا تزال أبعاده تزداد سعة وعمقًا.

ورغم الحرقة القاتلة التي أصابت قلوب المحبين لفقده، والفرحة الغامرة التي تجلت في أقول وأفعال الشامتين عند رحيله، إلا أن التاريخ دونه حقيقة خالدة لا تستطيع السنون محوها وتلك سمة العظماء في التاريخ.

رحل بعد أن رسم نهجاً وعبد طريقاً وأصّل فكراً ومثل قدوة تتطلع لها العقول وتهواها القلوب، وتجلبب بجلباب العزة والكرامة والعزيمة والقداسة في مزيجٍ مبدعٍ ومبهر.

وباتت الذكرى السنوية محطة بحث في النهج والغاية، ومعيقات المسير ومكائد الأعداء، ومراجعة الأداء، كما بقيت محطة عقد الولاء وتجديد العهد للمسار والنهج والقائد والغاية.

خطاب الذكرى قراءة موجزة:

كديدنه كل عام وسجيته في كل ذكرى ألقى القائد الخامنئي «دام ظله» كلمة ضافية في الذكرى العشرين للرحيل المفجع للإمام الراحل «قده» في مرقده الشامخ.

وليست كلمات القائد طقساً يعاد فيه القول ويكرر، بل تأصيلٌ عميق من فقيهٍ عارفٍ بزمانه جمع العلم والحكمة والشجاعة وحسن التدبير وطهارة الذات في نسقٍ مبدع.

وردت في هذه الكلمة مفاتيح الرسالة والنهج الذي رسمه السيد المؤسس وسعى لترسيخه وتطبيقه السيد القائد «حفظه الله» بهمة وعزمٍ راسخين، والتي سنفردها بالحديث في عناوين مستقلة.

 - المفتاح الأول: بناء تقدير الذات «العزة الوطنية»

كل فرد ينظر إلى نفسه ومجتمعه بنظرة ما، وفق ركائزه الفكرية وتجاربه الشخصية والظروف الموضوعية المحيطة به.

وتقدير الذات هو الثقة بالنفس والرضا عنها والثقة بقدراتها، واحترام الفرد لإنجازاته واعتزازه بنفسه وبرأيه وتقبله لها واقتناع الفرد بأنه يمتلك من القدرات ما يجعله ندًّا للآخرين ومنافسًا لهم.

فتقدير الذات إذن مجموعة من الاتجاهات والمعتقدات التي يستدعيها الفرد«أو المجتمع»عندما يواجه العالم المحيط به، ومن هنا فإن تقدير الذات يعطي تجهيزًا عقليًا يعد الشخص «أو المجتمع» للاستجابة طبقًا لتوقعات النجاح والقبول والقوة الشخصية، فهو حكمٌ على الذات يؤثر في علاقة الفرد «أو المجتمع» بذاته وبالآخرين.

وربما يكون السر الأكبر في نهضة الإمام الراحل هو بناء المعنوية العالية وتهذيب الذات واعتبار معرفة الذات وإعادة بنائها أول الواجبات والركيزة الداعمة لشتى الفعاليات.

من هنا حرص الإمام الخامنائي «دام ظله» في خطابه هذا، وفي العديد من الخطابات، على التأكيد على عناصر بناء الذات الاجتماعية وترسيخ دعائم العزة الوطنية، والتي أورد منها في هذه المناسبة؛ الاعتماد على الشعب في إدارة البلاد، والاكتفاء الذاتي، والقدرة على الإنتاج والتبادل الاقتصادي، وإنتاج العلم والإسهام في بناء الحضارة، والفخر بالثقافة والتراث الوطني، وممارسة احترام كافة الأفراد عمليًا، واستقلالية الرأي في السياسة الخارجية.

وأردف قائلاً «مسح الإمام الخميني عن الشعب الشعور بالدونية الذي بثته الحكومات التابعة والدكتاتورية والمستنيرون التغريبيون في البلاد، وبث باستمرار روح الثقة بالذات والاعتماد على النفس للشعب الإيراني أننا نستطيع وأننا قادرون».

 - المفتاح الثاني: إحياء الإسلام

انطلق الإمام الخميني (قدس سره) في مشروعه الحضاري من قاعدة إيمانية راسخة بالإسلام ويقين خالص بأن لا خلاص إلا بالعودة للدين الأصيل، والإسلام عنده «قده» هو رسالة التوحيد، ويرى «قدس سره» إن بعث الأنبياء وتنصيب الأوصياء كان بغرض تربية وإنماء الكمالات الفردية والاجتماعية للإنسان.

وسار على نهجه العبد الصالح الإمام الخامنئي «دام ظله» فهو القائل: «كل أنواع العزة والعلاء التي وعد بها المسلمون إنما تكمن في ظل هذا الإيمان والإدراك الواضح والعميق للتوحيد».

ولاشك أن الإسلام تعرض للتحريف على أيدي الأعداء المغرضين والأصدقاء الجهلة، فأبعد عن قيادة الحياة الاجتماعية، وتضاءل دوره المعنوي في هداية الأفراد.

فكان لابد من جهدٍ لإعادة قراءة الإسلام، قراءة تتصف بالأصالة في المرتكزات والمعاصرة في المعالجة والأسلوب، وإخراج الفكر الديني من رفوف المكتبات ليكون برنامجاً يقود الحياة.

وقد حرص السيد القائد «حفظه الله» في خطابه في ذكرى الرحيل المؤلم للقائد المؤسس على التأكيد أن الشعور بالهوية والأصالة لدى المسلمين في العالم اليوم إنما يعود لرفع الإمام الراحل راية إحياء الإسلام، باعتبار الإسلام العنصر الثابت والأصيل في حياة الأمة، ومصدر العزة والقدرة، وعزى «حفظه الله» الانتصارات في لبنان وفلسطين وتنامي روح المقاومة في البلدان الإسلامية لنهضة الإمام الكبرى، والتي تأثر بمدها المبارك رواد الإصلاح والتغيير.

 - المفتاح الثالث: تدعيم نهج العزة والاقتدار

يحدد القائد الخامنئي «دام ظله» الأسس العملية التي ينبغي اعتمادها لتدعيم نهج الاقتدار في النقاط التالية: ضرورة الإحياء الدائم لأفكار الإمام الخميني «قده»، ضرورة الوعي أن كل التضحيات إنما هي لأجل الإسلام، تأكيد أن العدالة الاجتماعية هي أهم أهداف إقامة الحكومة الإسلامية، وأن وحدة الكلمة هي سر ورمز الانتصار، والحفاظ على عزة وكرامة الثورة الإسلامية في المحافل الدولية، والثقة بخيارات الشعب الحر الأبي، والتكامل بين القيادة والناس، وختامًا تطوير البناء وإعمار الأرض، وتلافي التخلف والتبعية.

يقول السيد القائد «حفظه الله» في خطابه في ذكرى الرحيل المؤلم للقائد المؤسس: «الشعب الإيراني الواعي من خلال الاحتفاظ بعزته الوطنية في جميع المجالات يواصل طريقه إلى قمم الرفعة والتقدم، وسيصل باقتدار كامل إلى نقطة لا يتجرأ العدو على تهديده».

هذا وأكد «دام ظله» أن الانفصال عن الشعب والبعد عن القيم الإسلامية ونسيان خط الإمام يشكل خطرًا كبيرًا على البلاد.

- المفتاح الرابع: الاهتمام بالشباب

لقد اجتازت الجمهورية الإسلامية العديد من المحطات الفاصلة، وكان للشباب دوره البارز وتأثيره الفاعل ونشاطه المتوقد في جميع تلك المراحل.

ورغم الأهمية الخاصة للشباب في حياة الأمم، لكن هذه الأهمية تتضاعف عند الظروف الحساسة والزوايا المفصلية.

والمتابع لأدبيات القائد المؤسس والقائد الخامنئي «دام ظله» يجدها حافلة بالاهتمام بالشباب داعية للاهتمام الوافي بهم، وطالما خاطبهم القائد «دام ظله» بكلمات مثل «يا أملي وبشراي» «يا من تمثلون الأمل للمسلمين» «إن الشباب وحدهم هم القادرون على تحقيق ذلك «الآمال»، بفضل معنوياتهم العالية ونشاطهم المتدفق» «إن عليكم – المسؤولون- أن تؤدوا دور المنقذ، فمن الممكن أن يتعرض بعض الشباب للغرق في هذا البحر المتلاطم، ولا مناص من إنقاذهم».

جاء في خطاب القائد «حفظه الله» في ذكرى الرحيل المؤلم للقائد المؤسس: «علينا من خلال المحافظة على الهيكل المتين الذي هو من مواريث الإمام والاتكال على عزم الجماهير لاسيما الشباب مواصلة طريقنا حتى النصر النهائي».

- المفتاح الخامس: الحضور الجماهيري

حققت الثورة الإسلامية منذ انبثاقها حضورًا جماهيريًا ملفتًا كان بحق الرصيد الأكبر في مجابهة التحديات الكبرى، ولطالما كان الحضور الواعي والفطن لعموم أفراد الشعب سببًا في دخول اليأس والإحباط في قلوب الأعداء، لقد حقق الشعب الإيراني ملحمة كبرى في استقبال الإمام الراحل وفي وداعه ولا يزال يحقق الملاحم في حضور يستدعي الفخر والاعتزاز.

لقد كان الشعب الإيراني الحاضن والحصانة التي حمت النظام ولا يزال حضوره في شتى الميادين ضروري ومصيري لاستمرار المسيرة وتكاملها، وقد حرص الإمام الراحل والقائد «دام ظله» على بيان الحقائق والعمل على توعية الشعب وتربيته حتى أنه يمكن للمتابع قراءة تاريخ الثورة ومنعطفاتها الحرجة من خلال قراءة خطابات وبيانات السيدين الجليلين.

وقد صرح السيد القائد«دام ظله» في خطابه في ذكرى الرحيل المؤلم للقائد المؤسس «أن العدو يسعى إلى حرمان النظام – الإسلامي- من رصيده المتمثل بأصوات الشعب عبر الإيحاء باليأس بين المواطنين».

- المفتاح السادس: الحذر من مكائد الأعداء

شكل نجاح الثورة الإسلامية وبقائها مفاجأة لكل من قرأ الأحداث بالحسابات المتداولة، لقد وضع في طريق الثورة الإسلامية عراقيل عدة كان أحدها كفيل بعرقلة المسيرة أو حرفها عن مرتكزاتها ومنطلقاتها، لكن لطف الباري سبحانه ويقظة القيادة وحرصها ووعي الشعب وحضوره كان كفيلاً بتجاوز تلك العراقيل بكل عزة وفخر.

إن السيد القائد «دام ظله» بنظرته المستشرفة للأخطار المستقبلية يرسم لأفراد الشعب ببيانه الأبوي الحاني المزالق التي تعترض طريقه، والتي نفرزها كالتالي مع الحفاظ على نص كلام السيد «دام ظله» في الذكرى العشرين لرحيل الإمام الخميني «رضوان الله عليه»:

 أ‌- الإعلام المضلل «السيطرة الإعلامية».

إن وسائل الإعلام في الإعلام اليوم تقوم بالتأثير على الفكر والثقافة والسلوك، وتؤثر في الحقيقة على الهوية الثقافية للإنسان.

«أعداء الجمهورية الإسلامية يحاولون من خلال إعلامهم المكثف الإيحاء بدونية الشعب الإيراني».

«إن العدو يصف الانتخابات الإيرانية بأنها صورية من جهة ويقول من جهة أخرى بأن المنافسة بين المرشحين هي لعبة مخطط لها مسبقاً في داخل الحكومة وأن الانتخابات ستواكبها عمليات تزوير لا محالة».

«إن أمريكا تتشدق بالديمقراطية واحترامها لأصوات الشعوب ولكنها تجاهلت أصوات الشعب الفلسطيني».

 ب‌- التنوع في الرؤى وإدارة الخلاف.

«وجود مرشحين يمثلون مختلف الانتماءات وأساليب الإدارة المختلفة وكذلك تأييد مختلف الشرائح الشعبية بأنها من المفاخر الأخرى للنظام».

«اختلاف وجهات النظر حول المسائل المتعددة حالة طبيعية، لكن على المرشحين وأنصارهم في الخطابات والاجتماعات المختلفة العمل على إدارة الأمور بأخوة وتعاطف ودون سلبيات».

«على الجميع أن ينتبهوا بأن لا ترتقي هذه المسألة إلى مرحلة الجدال والتشاحن والاضطرابات لأن كل من يصر على هذه المسألة إما هو خائن أو في منتهى الغفلة».

 ت‌- سعي الأعداء لبث روح اليأس وفقدان الأمل:

لا قدرة للعدو على النيل من أصل الجمهورية الإسلامية إلا حين تتخلى أو يضعف التفاف القاعدة الشعبية الحاضنة وتغيب عن الحضور الفاعل.

«يحاول العدو عبر إفشاء اليأس بين الجماهير حرمان النظام الإسلامي من سنده المتين أي صوت الجماهير، وللأسف الشديد يكرر بعض الأفراد في الداخل عن غفلة نفس كلام العدو، ويساعدون عمليًا في تحقيق أهدافه، وهؤلاء ينبغي الأسف لحالهم حقًا».    

المراجع

1- شفيق جرادي: الإمام (قدس سره) ونهج الاقتدار، معهد المعارف الحكمية، بيروت، 2007

2- نعيم قاسم: مجتمع المقاومة، معهد المعارف الحكمية، بيروت، 2008

3- إبراهيم أمين السيد: على ضفاف الفرات، معهد المعارف الحكمية، بيروت، 2008

4- قاسم: محمدي: يكن: عبد الرحمن: آخرون: قيم المقاومة، المؤتمر الدائم للمقاومة، بيروت، 2008

إضافة لبعض المواقع الالكترونية منها:

دار الولاية للثقافة والإعلام، http://www.alwelayah.net/welayah/index.php

موقع الإمام السيد علي الخامنئي، http://www.leader.ir/langs/ar

موقع اليوتيوب «نص خطاب السيد دبلجة قناة العالم» http://www.youtube.com/watch?v=qbEvtjWlFq0