الشهيد المجاهد وائل محمود عناني
التاريخ: 04-08-2007

بسم الله الرحمن الرحيم {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} صدق الله العلي العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} صدق الله العلي العظيم.
بطاقة الهوية
الاسم: وائل محمود عناني
محل وتاريخ الولادة: كونين ــ22/10/1981م
الوضع العائلي: عازب
مكان وتاريخ الاستشهاد: شمع الحردون ــ 26/1/200م
عند هضاب ابتسامته، تتلألأ نجوم السماء وتزهر الكواكب، وفي لمحة عينيه بريقُ ضوء القمر الممزوجِ بمدّ من أسرارٍ البحرِ الممتلىء أصدافاً وحورياتٍ من الجنّة.. وبين كفيه يلمعُ حدُّ حسامٍ يقطرُ دماً يكتبُ على شرايينه.. على مساماته.. في قلبه.. في كل زواياه: علي.. علي..
شقَّ وائل غمارَ الدنيا بسيفه العلوي، وعبرَ إلى الآخرة بقلبٍ مطمئن ونفسٍ سليمة.. وكان رحيله عن الحياة الفانية جميلاً كقدومه إليها..
عند أذان الفجر، صرخ وائل صرخته الأولى، وأخذته أمه بين ذراعيها تناغيه، وتداعبه، ها قد نالت ما تمنت، صبياً دعت الله تعالى أن يرزقها إياه بأجواء روحانية تخففُ من وطيس الحرب والخوف، ويزرع الفرح في أحواض العمرِ الملون بالأحلام..
بين عزام ووائل وآية، صارت أماً مفعمةً بأحاسيس شفافة أعطت للدنيا بعداً آخر من السعادة، رأتهم كيف يكبرون، وآمالها الدفينة تكبر في أعينهم، كل واحد رسمت له مستقبله، وأملت أن يصل إليه.. لكنها فجأة اصطدمت بتمرد صغيرها وائل عليها، تمرد واع جعلها تدرك أنها لن تستطيع أن تفرض عليه رأياً أو حتى مشورة، لأنه مهما حصل فإنه ينفذ ما يريد، وإن أكثر ما يمكن أن يعطيها إياه احترامه الكبير وحبه العميق لها..
مشاغب جداً، وكثير الحركة، بسمته الساحرة لا تفارق وجهه الأسمر الجنوبي، بروحه المرحة يمازح الجميع، ويلعب حتى يغفو من التعب.. كان مقرباً ومحبوباً جداً من كل أفراد العائلة والأقارب، ومنذ سن الرابعة وهو يهوى الجلوس بين الرجال الكبار ليستمع إلى أحاديثهم، وينقل بصره بين واحد وآخر ليسمع تعليقاتهم السياسية والاجتماعية، ويلزمه الصمت عندما تبدأ نشرة الأخبار فينصت إليها كأنه ينتظر أن يسمع ما يهمه.
إبان الحرب، لم تستقر العائلة في لبنان بالشكل المطلوب، بل كانت تنتقل من بلدٍ إلى آخر، فمهنةُ «أبو عزام» والد وائل، والحالة الاجتماعية المرفهة التي يتمتعون بها سمحت لهم بذلك.. وإذا كان هناك أولادٌ يتأثرون كثيراً بأجواء الخارج، وتأخذهم الدنيا بزخارفها، خصوصاً إذا كانت وسائل الراحة والترفيه متوفرة بشكل كبير، فإن وائلاً كان ينظر إلى تلك نظرة ازدراء ولا مبالاة، فلم يكن يهمه أن يرتدي ثياباً فاخرة، أو اقتناء لعبةٍ غالية، أو الخروج مع أصدقائه إلى أماكن اللهو، بل رضيَ بالقليل القليل، وكثيراً ما كان يبدي انزعاجه لاخوته ووالدته عندما يشترون أشياء غالية الثمن، ويستنكر عليهم حياتهم التي تعوّدوا عليها، محاولاً تغيير الكثير من العادات وبث مفاهيم جديدة في أرواحهم.
عندما بلغ وائل سن السابعة بدأ يصلي، وبرزت على مُحياه علاماتٌ من نورٍ لم يفقه أحد تفسيرها. وذات ليلة رأى في منامه السيدة الزهراء (ع) وطلبت إليه أن يبلّغ والدته أنها راضية عنها، ولكن عليها أن تتحجب.. بقي وائل مدهوشاً بما رآه وسمعه، وكأن عقله الصغير لم يستوعب حمل هكذا مسؤولية، فأخبر زوجتَيْ عمَّيه بما رأى ليطلب إلى والدته أن تتحجب، وهكذا كان.. ومنذ تلك الحادثة شعر الجميع أن لوائل كراماتٍ مميزة.
وإذا كان عمر المراهقة مليئاً بالأحاسيس المتناقضة بالنسبة لغيره من أبناء جيله، فقد كان بالنسبة إليه عمراً بمنتهى الوعي والمسؤولية، فقد صار وائل شاباً متزناً، واعياً، مناقشاً فذاً، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مؤمناً تقياً، يقضي معظم وقته في مسجد السيدة الزهراء (ع) زقاق البلاط، وقد عوّد نفسه على الصلاة في زاوية واحدة، حتى صارت تعرف بزاوية الحاج وائل..
اختار وائل طريقاً معاكساً لكل التصورات، وكملاكٍ حارسٍ يتعاطى مع أهله وأقاربه، يشدد كثيراً على ارتداء الحجاب، وأداء الواجبات، ويحتاط بتعاطيه بأدق الأمور والمسائل.. وعلى الرغم من انتقاده الدائم لبعض العادات التي كانت طبيعية في عائلته، إلا أنه لم يكن متعصباً مؤذياً، بل حنوناً رؤوفاً، متسامحاً، يطلبُ باستحياء ومودة، ولم يتحدث لغواً قط، بل حديثه عبارة عن دستورٍ لحياة الأتقياء، كل حركاته وسكناته وكلماته رسائل اختزنتها ذاكرة أهله وأقاربه، رسائل مبهمة لم يستطيعوا قراءة حقيقتها إلا عندما لونها دمه الطاهر النقي..
شديد الذكاء، وسريع البديهة، وصاحب مشروع محدد خطط له منذ صغره؛ الشهادة.. إلا أنه ونزولاً عند رغبة والديه، أكمل دراسته، وأنهى في المهنية العاملية اختصاص «تكييف وتبريد» على الرغم من أنه لا يحب هذه المهنة أبداً، ولكن ذلك كان تأكيداً جديداً منه لأهله على احترامه الشديد لرأيهم من جهة، ومن جهة أخرى اصراره على الاعتماد على نفسه، خصوصاً وأنه كلما أعطته والدته مصروفه وعدها أنه سيعيد لها كل ما تعطيه، ويؤكد ذلك دوماً موضحاً أن رد جميلها عليه لن يكون أبداً مادياً، بل أرقى من ذلك بكثير، شيئاً لن يخطر على بالها أبداً..
التحق وائل بالعديد من الدورات الثقافية والعسكرية، بالرغم من ممانعة والديه الناشئة من خشيتهما افتقاده، لكنه كان يناقشهما، ويحترم كل ما يقولانه، يبتسم لهما، ثم ينفذ ما هو مقتنع به. عندما قرر أن يتفرغ للعمل الجهادي، كان من الصعب بداية الأمر أن يبلغ والديه بقراره، لكنه لم يجد بداً من ذلك، ففعل ذلك ليبقى صريحاً معهما كما ربياه، كان مطمئناً وهو يخبرهما، ويعرف أنه من الصعب جداً تقبُّلهما للموضوع.. لكن قراره كان نهائياً ولم يتراجع عنه، لأنه الهدف الوحيد الذي عاش لأجله..
لم يُعطِ وائل مساحة لنفسه، فكل شيء للعمل، ولم يعتبر أي شيء يقتنيه شيئاً خاصاً به، بل لحزب الله.. كثيراً ما يثير التساؤلات حوله لهمته العالية التي لا تبرد، ومبادرته وتحمله المسؤولية، مثلما أثار عشقه لأمير المؤمنين علي (ع) حفيظة الجميع، فكيفما تلفت وشفاهه تلهج «أنا حبي علي وغرامي علي»، وأينما ذهب يكتب «علي» ويحفر على الجدران وعلى الخشب سيف «علي»، غرفته مليئة بالصور والشعارات لأمير المؤمنين، وإذا أراد أحد من رفاقه أن يستفزه يأخذ شيئاً من هذه المجموعة التي كانت عنده أغلى من كنوز الدنيا، ففي أحد المرات أخذ أحد رفاقه سيفاً كان حفره وائل بنفسه، ويحتفظ ويعتني به بشكل ملفت، فما أن دخل غرفته ولم يجد السيف حتى جنّ جنونه، وذهب في منتصف الليل إلى بيت صديقه ليستعيده وثبته بمسمار على المكتبة حتى لا يفقده مرةً أخرى..
على دفاتر هاتف البيت، ودفاتر هواتف الأقارب كان وائل يكتب اسم «علي» ويرسم السيف، ويذيِّل الصفحة بوصية صغيرة ثم يوقِّع باسم «الشهيد وائل عناني»، وقد أهداه شقيقه عزام نجوماً متوسطة الحجم ولاصقة فوسفورية اللون، فما كان منه إلا أن ثبتها على سقف غرفته وكتب بها «حيدر»، فإذا اطفأ الضوء لينام عكست النجوم عشقه العلوي على وجهه..
غيابه عن البيت أصبح شبه مستمر بعد تفرغه للجهاد لأنه كان يصر على البقاء في المحاور، وينتظر بشغفٍ أن توكل إليه مهمة، وإذا وعد بعمل ما واستثنوه لمصلحة ما منه، يبكي كالأطفال الصغار..
وعند عودته إلى المنزل، تستقبله أمه المشتاقة بلهفة وحنان، وتشمّ من عنقه رائحة التعب والجهاد، فيخفف عنها، ويعوضها عن الأيام التي مرت وهو عنها بعيد، ويجالس أخته الصغرى يلاعبها ويضحك معها، وينسى كل همومه وتعبه عندما تشرق بسمة والدته أمامه وهي تترضى عليه..
في البيت، يلتزم وائل بطقوس البيت وعاداته، وبين رفاقه يصبح على سجيته، يتصرف بفطرته الطاهرة بعيداً عن «بروتوكولاتٍ» كان ملزماً بها، وهذا يعكس مدى احترامه العميق للمكان الذي يتواجد فيه، وتعامله بأخلاق رفيعة وتكيُّفه السريع مع الأجواء المحيطة به حتى لا يشعر أحد أنه متميز عنه..
أحاط وائل نفسه بسرية وغموض كبيرين، فلا أحد يعرف ما يجول في خاطره، فكانوا ينظرون إليه كأنه شيء مبهم، شخصٌ مختلفٌ، وما زاد في غموضه استشهاد الشهيد عبد الرسول (علي زهري) ورفاقه، فضاقت الأرض عليه، وزاد صمته وارتسمت الكآبة على محياه، وقد أخبر أمه يوماً قصة شاب مجاهد بقي يأكل من أوراق الشجر ثلاثة أيام، فاقشعر بدنها لهذا الخبر وهي تتمتم: «الله يعين قلب أمه»..
بعد استشهاد ابنها عرفت أن ذاك الشاب كان ابنها عندما عاد وحيداً من المجموعة التي استشهد فيها عبد الرسول ورفاقه..
عندما ودعها، رأت نوراً غريباً يشرق من وجهه، ظنت بادئ ذي بدء أنها تتخيل ذلك، ولكنها كلما حدقت أكثر ازداد النور وضوحاً، رأته يودع مجموعته الغالية من صور الأمير، من السيف المعلّق على مكتبته.. طلب مسامحتها وذهب..
قبل استشهاده بليلة واحدة رأى أمير المؤمنين (ع) في منامه وهو ينتقي جنوده، وبقي هو جانباً ينظر بحسرة لأنه لم يختره، إلا أن الأمير (ع) نظر إليه وابتسم بوجهه، وأعطاه سيفه..
نهار الأربعاء 26 شباط 2000 قامت مجموعة من المقاومة الإسلامية بعملية على موقع شمع الحردون، وقد أنهتها بنجاح، وعند الانسحاب بدأ العدو الإسرائيلي بتمشيط المنطقة، فأصيب وائل برصاصة في رأسه، وبهدوءٍ تام كبّر ثلاث مرات وسجد ثم أغمض عينيه بمنتهى الهدوء والجمال..
لقد كان وائل عناني عاشقاً صادقاً، وموالياً مخلصاً، فتلقته الملائكة قبل أن يصل إلى الأرض لتزفه عريساً علوياً في السماء، والجنان تصدح: علي.. علي..
احدث الاخبار

عهد ووفاء... باسم الشهداء

الشيخ نعيم قاسم: الخطة الأميركية بشأن غزة التي طرحها ترامب مليئة بالأخطار

السيد الحوثي: دول عربية تضغط على الشعب الفلسطيني لتنفيذ خطة ترامب

قائد الثورة الإسلامية يعزي بوفاة زوجة عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام

العميد أسدي: سنزيد مدى صواريخنا بالقدر الذي نراه ضرورياً

الإمام الخامنئي يعزي آية الله العظمى السيستاني

صاروخ من اليمن: صفارات إنذار وتوقف مطار "بن غوريون"

العميد شكارجي: إنتاج الصواريخ الإيرانية لم يتوقف خلال الحرب ولن يتوقف أبدا

نهجك المقاوم باقٍ يلقف ما يصنعون

قائد الثورة الإسلامية يعزي بوفاة والدة غلام علي حداد عادل
الاكثر قراءة

أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي

ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي

أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)

أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)

مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

مبادئ الإمام الخميني العرفانية

أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور

شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب

تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية