المولد والنشأة

 

ولد أحمد إسماعيل ياسين في قرية تاريخية عريقة تسمى جورة عسقلان في يونيو/ حزيران 1936 وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيوني المتزايد داخل الأراضي الفلسطينية. وكان معظم أهل القرية يعملون في الزراعة وصيد الأسماك.

 

 مات والده وعمره لم يتجاوز خمس سنوات، وأحب منذ الصغر اللعب في ماء البحر الذي لم يكن يبعد عن بيته سوى 200 متر فقط.

 

 وقد أثرت عمليات النقل والتموين والاشتباكات العسكرية التي كانت تحدث بين الجيش المصري والقوات البريطانية عبر منطقة الجورة في وجدان الطفل الصغير الذي اعتاد مراقبة تلك المشاهد عبر تل بجوار البيت. وكانت الأخبار التي ترامت إلى مسامعه حول المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في القرى المجاورة من أهم القصص التي بقيت عالقة في ذاكرته منذ ذلك التاريخ.

 

درس النكبة

 

عايش أحمد ياسين الهزيمة العربية الكبرى المسماة بالنكبة عام 1948 وكان يبلغ من العمر آنذاك 12 عاما وخرج منها بدرس أثر في حياته الفكرية والسياسية فيما بعد، مؤداه أن الاعتماد على سواعد الفلسطينيين أنفسهم عن طريق تسليح الشعب أجدى من الاعتماد على الغير سواء أكان هذا الغير الدول العربية المجاورة أو المجتمع الدولي.

 

ويتحدث الشيخ ياسين عن تلك الحقبة بمرارة فيقول "لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها. ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث".

 

خشونة العيش

 

التحق أحمد ياسين بمدرسة الجورة الابتدائية وواصل الدراسة بها حتى الصف الخامس، لكن النكبة التي ألمت بفلسطين وشردت أهلها عام 1948 لم تستثن هذا الطفل الصغير، فقد أجبرته على الهجرة بصحبة أهله إلى غزة، وهناك تغيرت الأحوال وعانت الأسرة ـ شأنها شأن معظم المهاجرين آنذاك ـ مرارة الفقر والجوع والحرمان.

 

 فكان يذهب إلى معسكرات الجيش المصري مع بعض أقرانه لأخذ ما يزيد عن حاجة الجنود ليطعموا به أهليهم وذويهم، وترك الدراسة لمدة عام (1949-1950) ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد عن طريق العمل في أحد مطاعم الفول في غزة، ثم عاود الدراسة مرة أخرى.

 

ولعل القدر الإلهي أراد من خشونة العيش التي نشأ عليها الطفل أحمد ياسين منذ نعومة أظافره شيئا ما سيظهر بعد أن ينتقل من مرحلة الطفولة والصبا إلى الشباب ثم الكهولة.

 

شلل مفاجئ

 

في السادسة عشرة من عمره تعرض أحمد ياسين لحادثة خطيرة أثرت في حياته كلها منذ ذلك الوقت وحتى الآن، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء لعبه مع بعض أقرانه عام 1952، وبعد 45 يوما من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس اتضح بعدها أنه سيعيش بقية عمره رهين الشلل الذي أصيب به في تلك الفترة.

 

مظاهرات غزة

 

شارك أحمد ياسين وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم.

 

العمل مدرسا

 

أنهى أحمد ياسين دراسته الثانوية في العام الدراسي 57/1958 ونجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية، وكان معظم دخله من مهنة التدريس يذهب لمساعدة أسرته.

 

دراسة جامعية لم تتم

 

رغب أحمد ياسين في إكمال دراسته الجامعية، وجاءه في عام 1964 قبول بالانتساب إلى جامعة عين شمس في مصر، واختار دراسة اللغة الإنجليزية بها، وبالفعل سافر إلى القاهرة واستكمل إجراءات القبول وعاد مرة أخرى إلى غزة. ومع اقتراب العام الدراسي على الانتهاء واستعداده للسفر مرة أخرى إلى القاهرة للامتحان وقع ما لم يكن في الحسبان.

 

الاعتقال

 

كانت مواهب أحمد ياسين الخطابية قد بدأت تظهر بقوة، ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية والتي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.

 

وقد تركت فترة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله "إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم، وأكدت (فترة الاعتقال) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية".

 

هزيمة 1967

 

ضاعف أحمد ياسين نشاطه الدعوي والاجتماعي بعد هزيمة 1967 التي احتلت فيها إسرائيل كل الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة، فراح يلهب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسي الذي كان يخطب فيه لمقاومة المحتل، وفي الوقت نفسه نشط في جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين، ثم عمل بعد ذلك رئيسا للمجمع الإسلامي في غزة.

 

الانتماء الفكري

 

يعتنق الشيخ أحمد ياسين أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر على يد الإمام حسن البنأ عام 1928، والتي تدعو إلى فهم الإسلام فهما صحيحا والشمول في تطبيقه في شتى مناحي الحياة.

 

ملاحقات إسرائيلية

 

أزعج النشاط الدعوي للشيخ أحمد ياسين السلطات الإسرائيلية فأمرت عام 1982 باعتقاله ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة، وأصدرت عليه حكما بالسجن 13 عاما، إلا أنها عادت وأطلقت سراحه عام 1985 في إطار عملية لتبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة.

 

تأسيس حركة حماس

 

اتفق الشيخ أحمد ياسين عام 1987 مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي الذين يعتنقون أفكار الإخوان المسلمين في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الصهاينة بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية" المعروفة اختصارا باسم "حماس"، وكان له دور مهم في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت آنذاك والتي اشتهرت بانتفاضة المساجد، ومنذ ذلك الوقت والشيخ ياسين يعتبر الزعيم الروحي لتلك الحركة.

 

وضعه الصحي

 

يعاني الشيخ أحمد ياسين إضافة إلى الشلل التام من أمراض أخرى عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الإسرائيلية فترة سجنه، وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.

 

عودة الملاحقات الإسرائيلية

 

مع تصاعد أعمال الانتفاضة بدأت السلطات الإسرائيلية التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فقامت في أغسطس/ آب 1988 بمداهمة منزله وتفتيشه وهددته بالنفي إلى لبنان. لكنه لم يستجب لتلك التهديدات ولم يوقف نشاطه، بل ازدادت عمليات قتل الجنود الإسرائيليين واغتيال العملاء الفلسطينيين فقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم 18 مايو/ أيار 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء حركة حماس. وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1991 أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكما بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.

 

محاولات الإفراج عنه

 

حاولت مجموعة فدائية تابعة لكتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحماس- الإفراج عن الشيخ ياسين وبعض المعتقلين المسنين الآخرين، فقامت بخطف جندي إسرائيلي قرب القدس يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول 1992 وعرضت على إسرائيل مبادلته نظير الإفراج عن هؤلاء المعتقلين، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت العرض وقامت بشن هجوم على مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة الإسرائيلية المهاجمة ومقتل قائد مجموعة الفدائيين.

 

وفي عملية تبادل أخرى في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 1997 جرت بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العاصمة عمان وإلقاء السلطات الأمنية الأردنية القبض على اثنين من عملاء الموساد سلمتهما لإسرائيل مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، أفرج عن الشيخ وعادت إليه حريته منذ ذلك التاريخ وحتى الخامس من ديسمبر/ كانون الأول2001.

 

الإقامة الجبرية

 

فرضت السلطة الفلسطينية على الشيخ أحمد ياسين الإقامة الجبرية في أعقاب عمليات استشهادية أسفرت عن مقتل العديد من الإسرائيليين ردا على الاغتيالات الإسرائيلية لقادة الانتفاضة ورموز العمل الوطني في الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي أثار حفيظة الشارع الفلسطيني وتجمهر الآلاف أمام منزله ووقعت اشتباكات بينهم وبين الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تريد أن تثبت لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية أنها لا تزال قادرة على الإمساك بزمام الأمور.

 

الاغتيال

 

حاولت إسرائيل أكثر من مرة اغتيال الشيخ أحمد ياسين كان آخرها في 6 سبتمبر/ أيلول 2003 حين استهدفت مروحيات إسرائيلية شقة في غزة كان يوجد بها الشيخ وكان يرافقه إسماعيل هنية لكنه نجا من الحادث.

 

ثم كررت المحاولة مرة أخرى فجر اليوم 22 مارس/آذار 2004 ونجحت هذه المرة فسقط شهيدا أمام مسجد بجوار بيته كان متوجها لصلاة الفجر فيه بعد أن مزقت جسده صواريخ انطلقت من مروحية كانت تترصده هو وبعض رفاقه.

 

واحب أن أضيف قصيدة في رثاء الشهيد:

 

أجِـدِّي  دموعَ  العينِ فالخطبُ أوغلا        وداري لـهيبَ الـقلبِ بالدمعِ مَنْهلا

 

وواري  سـوادَ الـعينِ بالدمعِ حُرْقَةً        كـما  وارتِ  الأنهارُ في القاعِ أسْمُلا

 

أطـاحَ  بـنو  صهيونَ بالغدرِ كوكباً        تـناءى  عن التخليدِ في الذل واعتلى

 

أطـاحوا  مـن الأفلاكِ خِدنَ نجومها        فـأسبلتِ  الـجوزاءُ مـا كانَ أثقلا

 

أَشَـمُ مـع الإيـمانِ كالطودِ منحنٍ        بـهِ  الـظهرُ لـكنَّ الصمودَ بهِ علا

 

لـنا بـمصابِ الـمجدِ رِزْءٌ وحـرقةٌ        لـواعجُ  لو سارتْ على القفرِ لامتلا

 

نـبا  بـعظيمِ الـهولِ ما كانَ شاغِلٌ        أصـابَ  بكَ الأوغادُ في القلبِ مقتلا

 

أيـاسينُ كـم غارتْ من الحزنِ مقلةٌ        عـليكَ وكم قلب من الضيمِ ما سلا

 

سـتبكيكَ  عـينٌ مـا استقامَ لجفنها        تـلابيبُ جُـهدٍ و اسـتجابَ وأقبلا

 

سـتبكي  جـيوشُ العزِّ بالنصرِ قائداً        ويبكي ترابُ القدسِ في الدَجْنِ مشعلا

 

سـتبكيكَ  ساحاتٌ  من المجدِ أقفرتْ        ويـبكيكَ سـيفٌ ما تردى من البِلى

 

لـصرحِ  عظيمِ الدينِ قد كنتَ رافعاً        وفـي الـهدمِ للأوغادِ قدْ كنتَ معولا

 

أشـارونُ  كم بانتْ عن الطفلِ بسمةٌ        وكـم باتَ مأسوراً على الظلمِ مبتلى

 

رويـدكَ لا تـحفلْ بـما بـاتَ واقعا        (سـتبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلا)

 

تَـوَعَّـدَك الأبـطالُ بـالثأرِ نـقمةً        سـتجني  يـدُ  المأفونِ ما كانَ أشعلا

 

فـما  عـادتْ الأمـجادُ تروى وإنما        أفـاعيلُ مـكلومٍ مـن القدس زلزلا

 

إذا قــامَ بـالأحجار طـفلٌ فـإنما        أبابيلُ  قدْ  هاجتْ على الكفرِ في العُلا

 

يـلفُ  حـزامَ  العزِّ في الصدرِ كلما        تـراءى لـهُ الأوغـادُ بالعزمِ أوغلا

 

يـتمتمُ  آيـاتٍ مـن الـنصر شامخاً        ألا  أيـها  الأوغـادُ ما خابَ من تلا

 

فـيدمي جـبينَ الكفرِ بالنسفِ كلما        أفـاقوا عـلى الإشراقِ فالليلُ أسدلا

 

أمـاتَ  !  بـلى والله ما ماتَ راحلٌ        مـنازلهُ  الـعلياء قـدْ طـابَ منزلا

 

تُـغَمِّدُهُ  الـحوراءُ بـالنحر كـلما        أبـانتْ لـهُ الـمخبوءَ بالشوقِ أقبلا

 

لـعمركَ  مـا ندتْ من الجسمِ قطرةٌ        مـن  الـدمِ إلا فـالذنوبُ لها البِلى

 

أحامي حمى الإسلامِ في القدس لا تخفْ        فـثأركَ فـي الأحشاءِ قد باتَ صائلا

 

حـماسكُ قد باتوا على الكفرِ علقماً        وصـرحكَ يـا يـاسينُ ما زالَ ماثلا

 

سـتكتبكَ الأيـامُ فـي الـمجدِ شامةً        ويُـبْلِغُكَ  الـرحمنُ مـا كنتَ سائلا