لقد تضمن‌ دستور الجمهورية‌ الإسلامية‌ أنواعاً من‌ الحريات‌ الأساسية‌. يمكننا إجمالها بالنقاط‌ التالية‌:

 

1ـ حرية‌ العقيدة‌

 

فقد نصت‌ المادة‌ (23) على‌ أن‌ «العقائد مصونة‌ ولا يجوز التعرض‌ لأحد لمجرّد اعتناقه‌ عقيدة‌ معينة‌»، فقد أعطى‌ الدستور حرية‌ العقيدة‌ كاملة‌ لأتباع‌ الديانات‌ الأخرى‌ في‌ ممارسة‌ طقوسهم‌ وشعائرهم‌، جاء في‌ المادة‌ (13): «الإيرانيون‌ الزرادشت‌ واليهود والمسيحيون‌ هم‌ الأقليات‌ الدينية‌ الوحيدة‌ المعروفة‌، التي‌ تتمتع‌ بالحرية‌ في‌ أداء مراسيمها الدينية‌، والعمل‌ وفق‌ أديانها في‌ مجال‌ الأحوال‌ الشخصية‌ والتعليمات‌ الدينية‌». كما فرضت‌ المادة‌ (14) على‌ الحكومة‌ وعلى‌ المسلمين‌ أن‌ يعاملوا الأشخاص‌ غير المسـلمين‌ بالأخـلاق‌ الحسـنة‌ والقسط‌ والعـدل‌ الإسلامي‌، وأن‌ يراعوا حقوقهم‌ الإنسانيـة‌.

 

 وهذه‌ الفقرة‌ تنسجم‌ مع‌ المادة‌ (18) من‌ الإعلان‌ العالمي‌ لحقوق‌ الإنسان‌ الذي‌ أقرته‌ الجمعية‌ العامة‌ للأمم‌ المتحدة‌ في‌ 1948م‌، فهي‌ تقر لكل‌ شخص‌ حرية‌ الدين‌، ويشمل‌ هذا الحق‌ حريته‌ في‌ إظهار دينه‌ أو معتقده‌ بالتعبد وإقامة‌ الشعائر. وأيضاً نصت‌ على ذلك‌ المادة‌ (18) من‌ العهد الدولي‌ الخاص‌ بالحقوق‌ المدنية‌ والسياسية‌ الصادر بقرار الجمعية‌ العامة‌ للأمم‌ المتحدة‌ في‌ (16) كانون‌ الأول‌ عام‌ 1966م‌. إذ نصت‌ الفقرة‌ (3) من‌ هذه‌ المادة‌ على عدم‌ جواز إخضاع‌ حرية‌ الإنسان‌ في‌ إظهار دينه‌ أو معتقده‌ إلاّ للقيود التي‌ يفرضها القانون‌.

 

 كما تنسجم‌ ـ أيضاً ـ مع‌ الإعلان‌ الذي‌ نشرته‌ الجمعية‌ العامة‌ في‌ 25 تشرين‌ الثاني‌ 1981م‌ الصادر بشأن‌ القضاء على جميع‌ أشكال‌ التعصب‌ والتمييز القائمين‌ على أساس‌ الدين‌ أو المعتقد، جاء في‌ المادة‌ (1) منه‌: «لكل‌ إنسان‌.. حرية‌ الإيمان‌ بدين‌ أو أي‌ معتقد يختاره‌، وحرية‌ إظهار دينه‌ أو معتقده‌ عن‌ طريق‌ العبادة‌ وإقامة‌ الشعائر..». وهكذا نجد أن‌ حرية‌ العقيدة‌ المدوّنة‌ في‌ دستور الجمهورية‌ الإسلامية‌ تتماشى مع‌ الإعلانات‌ الصادرة‌ عن‌ الأمم‌ المتحدة‌، وخاصة‌ إعلان‌ حقوق‌ الإنسان‌ الذي‌ نصَّ على ذلك‌ ـ كما أسلفنا ـ ولكن‌ بتواضع‌ واستحياء، ولم‌ يخصص‌ مادة‌ مستقلة‌، وإنما جاء ضمن‌ المادة‌ (18) التي‌ تنصُّ: «لكل‌ شخص‌ الحق‌ في‌ حرية‌ التفكير، والضمير، والدين‌..»، فتطرقت‌ للدين‌ بصورة‌ ضمنية‌، أما الدستور الإيراني‌ فقد أسهب‌ في‌ موضوع‌ الدين‌ والعـقيدة‌ وأشـار ـ بصورة‌ صريـحة‌ ووافـية‌ ـ إلى حريـة‌ العقيـدة‌ لأتـباع‌ الديانات‌ الأخرى.

 

كما منحت‌ المادة‌ (12) كل‌ المذاهب‌ الإسلامية‌ في‌ إيران‌ حقوقها كاملة‌ مانعة‌ أي‌ّ اعتداء عليها، وجاء فيها: «..هذه‌ المذاهب‌ أحرار في‌ القيام‌ بمراسمهم‌ الدينية‌ وفق‌ مقتضيات‌ فقههم‌، ولهم‌ رسميتهم‌ في‌ التعليم‌ والتربية‌ الدينية‌ والأحوال‌ الشخصية‌..».

 

ولم‌ تكن‌ هذه‌ المواد مجرَّد حبر على‌ ورق‌، بل‌ تجسدت‌ في‌ الواقع‌ الإيراني‌، فمن‌ المعلوم‌ «أن‌ في‌ مجلس‌ الشورى‌ في‌ إيران‌ خمسة‌ نواب‌ يمثلون‌ الأقليات‌ الدينية‌ المعترف‌ بها، وهي‌: المسيحية‌، والزرادشتية‌، واليهود، وأن‌ ممثل‌ اليهود مثلاً: له‌ حق‌ التصويت‌ في‌ المجلس‌ مثل‌ حق‌ النائب‌ الأول‌ عن‌ طهران‌، وله‌ حق‌ الكلام‌ قبل‌ التصويت‌ مثلما للآخرين‌، وبعض‌ هؤلاء يمكن‌ أن‌ يكونوا قد دخلوا المجلس‌ بثلاثة‌ آلاف‌ أو أربعة‌ آلاف‌ صوت‌»   ضمن‌ هذا السياق‌ فإن‌ بعض‌ المسلمين‌ الإيرانيين‌ هم‌ من‌ أتباع‌ المذهب‌ غير الشيعي‌، كما هو الحال‌ في‌ محافظة‌ «زاهدان‌» ولهم‌ الحرية‌ التامة‌ في‌ ممارسة‌ طقوسهم‌ ونشر عقائدهم‌.

 

2ـ حرية‌ الصحافة‌

 

 فقد نصت‌ المادة‌ (24) على‌ أن‌ حرية‌ الصحافة‌ والمطبوعات‌ مكفولة‌ ما لم‌ تخلّ بالقواعد الإسلامية‌ والنظام‌ العام‌.

 

وهذه‌ المادة‌ تتوافق‌ مع‌ الإعلان‌ الذي‌ أصدره‌ المؤتمر العام‌ لمنظمة‌ الأمم‌ المتحدة‌ للتربية‌ والعلم‌ والثقافة‌ في‌ دورته‌ العشرين‌ في‌ (28) تشرين‌ الثاني‌ عام‌ 1978م‌، وقد صدر بشأن‌ المبادئ الأساسية‌ الخاصة‌ بإسهام‌ وسائل‌ الإعلام‌ في‌ دعم‌ السلام‌ والتفاهم‌ الدولي‌ وتعزيز حقوق‌ الإنسان‌، جاء في‌ ضمن‌ المادة‌ (2) الفقرة‌ (1): «إن‌ ممارسة‌ حرية‌ الإعلام‌ المعترف‌ بها كجزء لا يتجزأ من‌ حقوق‌ الإنسان‌ وحرياته‌ الأساسية‌، هي‌ عامل‌ جوهري‌ في‌ دعم‌ السلام‌ والتفاهم‌، ويجب‌ ضمان‌ حصول‌ الجمهور على المعلومات‌ عن‌ طريق‌ تنوّع‌ مصادر ووسائل‌ الإعلام‌ المهيأة‌ له‌، مما يتيح‌ لكل‌ فرد التأكد من‌ صحة‌ الوقائع‌ وتكوين‌ رأيه‌ بصورة‌ موضوعية‌ في‌ الأحداث‌، ولهذا الغرض‌ يجب‌ أن‌ يتمتع‌ الصحفيون‌ بحرية‌ الإعلام‌، وأن‌ تتوفر لديهم‌ أكبر التسهيلات‌ الممكنة‌ للحصول‌ على المعلومات‌».

 

والملاحظ‌ هنا أن‌ حرية‌ الصحافة‌ في‌ دستور الجمهورية‌ الإسلامية‌ مقيَّدة‌ بقواعد الشريعة‌ الإسلامية‌ والنظام‌ العام‌، وهي‌ تختلف‌ ـ بصورة‌ ملحوظة‌ ـ عن‌ الحرية‌ الممنوحة‌ للصحافة‌ في‌ الأنظمة‌ الوضعية‌، وخاصة‌ الغربية‌ منها، تلك‌ التي‌ لم‌ تتقيد بالدين‌ أو القيم‌ السماوية‌.

 

3ـ حرية‌ المراسلات‌ والمخابرات‌

 

 وكفلتها المادة‌ (25) التي‌ تنص‌ على‌ أن‌ «الرَّسائل‌ والمكالمات‌ الهاتفية‌، والمخابرات‌ البرقية‌، لا يجوز فرض‌ الرَّقابة‌ عليها، أو منع‌ إيصالها أو إفشاؤها إلا بقانون‌».

 

 وهذه‌ المادة‌ التي‌ تتعلق‌ بكرامة‌ الإنسان‌ من‌ أجل‌ الحفاظ‌ على أسراره‌ وحيثيته‌، تتفق‌ ـ نوعاً ما ـ مع‌ المادة‌ (11) الفقرة‌ (2) من‌ الاتفاقية‌ الأميركية‌ لحقوق‌ الإنسان‌ الصادرة‌ في‌ 22/11/1969م‌، والتي‌ لا تجيز أن‌ يتعرض‌ أحد لتدخل‌ اعتباطي‌ أو تعسفي‌ في‌ حياته‌ الخاصة‌ أو في‌ شؤون‌ أسرته‌ أو منزله‌ أو مراسلاته‌. وهي‌ مأخوذة‌ من‌ المادة‌ (12) من‌ الإعلان‌ العالمي‌ لحقوق‌ الإنسان‌.

 

4ـ حرية‌ التعبير والخطاب‌

 

 فالملاحظ‌ أن‌ المادة‌ (175) من‌ الدستور تدعو إلى حرية‌ التبليغ‌، وإذاعة‌ المعلومات‌ في‌ وسائل‌ الإعلام‌، ضمن‌ الاُطر والموازين‌ الإسلامية‌. وهي‌ تنسجم‌ مع‌ المادة‌ (19) من‌ الإعلان‌ العالمي‌ لحقوق‌ الإنسان‌، وجاء فيها أن‌ «لكل‌ شخص ‌حق‌ التمتع‌ بحرية‌ الرأي‌ والتعبير، ويشمل‌ هذا الحق‌ حريته‌ في‌ اعتناق‌ الآراء دون‌ مضايقة‌».

 

 ولها كذلك‌ وجه‌ شبه‌ مع‌ المادة‌ (10) الفقرة‌ (1) من‌ الاتفاقية‌ الأوربية‌ لحقوق‌ الإنسان‌ الصادرة‌ في‌ روما في‌ (4) نوفمبر عام‌ 1950م‌ وجاء فيها: «لكل‌ إنسان‌ الحق‌ في‌ حرية‌ التعبير. هذا الحق‌ يشمل‌ حرية‌ اعتناق‌ الآراء وتلقي‌ وتقديم‌ المعلومات‌ والأفكار دون‌ تدخل‌ السلطات‌ العامة‌».

 

 كما أشارت‌ إليها ـ ضمناً ـ المادة‌ (13) الفقرة‌ (1) من‌ الاتفاقية‌ الأميركية‌ لحقوق‌ الإنسان‌ في‌ 22/11/1969م‌ فقد كفلت‌ للفرد حرية‌ البحث‌ عن‌ مختلف‌ أنواع‌ المعلومات‌ والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين‌، والفارق‌ الجوهري‌ هنا أن‌ الدستور الإسلامي‌ يؤطرها ضمن‌ الأطر والموازين‌ الإسلامية‌ بينما الاتفاقات‌ الأوروبية‌ أو الأميركية‌ تطلق‌ لها العنان‌ فتنقلب‌ الحرية‌ هذه‌ ـ أحياناً ـ من‌ نعمة‌ إلى نقمة‌.

 

 والملاحظ‌ أن‌ الدستور الإيراني‌ يتطابق‌ كذلك‌ مع‌ الإعلان‌ الإسلامي‌ لحقوق‌ الإنسان‌، فهذا الأخير أكد في‌ المادة‌ (22) على أن‌: «لكل‌ إنسان‌ الحق‌ في‌ التعبير عن‌ رأيه‌ بشكل‌ لا يتعارض‌ مع‌ المبادئ الشرعية‌».

 

5ـ حرية‌ العمل‌

 

 فقد نصت‌ المادة‌ (43) على‌ مراعاة‌ الحرية‌ في‌ انتخاب‌ العمل‌، والامتناع‌ عن‌ إجبار الأفراد على‌ عمل‌ معين‌. أما المادة‌ (28) فقد أقرت‌ بأن‌ «لكل‌ شخص‌ الحق‌ في‌ اختيار المهنة‌ التي‌ يرغب‌ فيها ما لم‌ يخالف‌ الإسلام‌».

 

6ـ حرية‌ التجمع‌

 

 جاء في‌ المادة‌ (27): «يجوز عقد الاجتماعات‌ والمسيرات‌ بدون‌ حمل‌ السلاح‌، وبشرط‌ أن‌ لا تكون‌ مخلة‌ بالأسس‌ الإسلامية‌». وهذا النوع‌ من‌ الحرية‌ قد ورد في‌ العهد الدولي‌ الخاص‌ بالحقوق‌ المدنية‌ والسياسية‌ الصادر عن‌ الجمعية‌ العامة‌ للأمم‌ المتحدة‌ في‌ (16) كانون‌ الأول‌ عام‌ 1966م‌، جاء في‌ المادة‌ (21) منه‌: « يكون‌ الحق‌ في‌ التجمع‌ السلمي‌ معترفاً به‌. ولا يجوز أن‌ يوضع‌ شيئاً من‌ القيود على ممارسة‌ هذا الحق‌ إلاّ تلك‌ التي‌ تفرض‌ طبقاً للقانون‌».

 

 كما أشارت‌ إليه‌ المادة‌ (11) فقرة‌ (1) من‌ الاتفاقية‌ الأوروبية‌ لحقوق‌ الإنسان‌ الموقعة‌ في‌ روما عام‌ 1950م‌، وجاء فيها: «لكل‌ إنسان‌ الحق‌ في‌ حرية‌ الاجتماعات‌ السلمية‌، وحرية‌ تكوين‌ الجمعيات‌ مع‌ آخرين‌، بما في‌ ذلك‌ حق‌ الاشتراك‌ في‌ الاتحادات‌ التجارية‌ لحماية‌ مصالحه‌». ونصت‌ المادة‌ (16) من‌ الاتفاقية‌ الأمريكية‌ لحقوق‌ الإنسان‌ عام‌ 1969م‌ على أن‌: «لكل‌ شخص‌ حق‌ التجمُّع‌ وتكوين‌ جمعيات‌ مع‌ آخرين‌ بحرية‌.. لا تخضع‌ ممارسة‌ هذا الحق‌ إلاّ لتلك‌ القيود المفروضة‌ قانوناً».

 

 ولحساسية‌ مسألة‌ التجمع‌ وعلاقتها بالنظام‌ العام‌، نجد أن‌ الدساتير والاتفاقيات‌ تقيدها بالقانون‌، بينما الدستور في‌ الجمهورية‌ الإسلامية‌ قد قيدها بالأسس‌ الإسلامية‌، وهو أمر طبيعي‌ لأنه‌ يستمد نصوصه‌ وروحه‌ من‌ الدين‌ الإسلامي‌. فهو دستور يتميز عن‌ غيره‌ بأنه‌ ذو صبغة‌ دينية‌.

 

7ـ الحرية‌ في‌ التمتع‌ بالأمن‌

 

 نصت‌ المادة‌ (36) على‌ أنه‌ لا جريمة‌ ولا عقوبة‌ إلاّ بنص‌ القانون‌، وتختص‌ المحاكم‌ ذات‌ الصلاحية‌ بإصدارها. وهي‌ تتماشى مع‌ المادة‌ (11) الفقرة‌ (1) من‌ الإعلان‌ العالمي‌ لحقوق‌ الإنسان‌، وجاء فيها: «كل‌ شخص‌ متهم‌ بجريمة‌ يعتبر بريئاً إلى أن‌ يثبت‌ ارتكابه‌ لها قانوناً..».

 

8ـ حرية‌ الإقامة‌ والسَّفر

 

 لا تُجوّز المادة‌ (33) إبعاد أي‌ّ شخص‌ عن‌ محل‌ إقامته‌، أو منعه‌ عن‌ الإقامة‌ في‌ مكان‌ يرغب‌ فيه‌، أو إجباره‌ على الإقامة‌ في‌ محل‌ ما، إلاّ في‌ الموارد التي‌ يقرّها القانون‌. وهي‌ تتفق‌ مع‌ المادة‌ 13 الفقرة‌ 1 من‌ الإعلان‌ العالمي‌ لحقوق‌ الإنسان‌، وتقول‌: «لكل‌ فرد حق‌ في‌ حرية‌ التنقل‌ وفي‌ اختيار محل‌ إقامته‌ داخل‌ حدود الدولة‌».

 

 إضافة‌ إلى هذه‌ الأنواع‌ من‌ الحريات‌ فقد اعترف‌ الدستور بحقوق‌ المواطنين‌، ولعل‌ أهمها حق‌  تفاضل‌ لوني‌ أو عنصري‌ أو لساني‌، أو غير ذلك‌. كما أن‌ المادة‌ (20) قد تعهدت‌ بحماية‌ حقوق‌ الجميع‌ من‌ أي‌ّ اعتداء.

 

 وهاتان‌ المادتان‌ تنسجمان‌ ـ تماماً ـ مع‌ الإعلان‌ العالمي‌ لحقوق‌ الإنسان‌، الذي‌ يقر في‌ مادته‌ الأولى بأنه‌: «يولد جميع‌ الناس‌ أحراراً ومتساوين‌ في‌ الكرامة‌ والحقوق‌..»، كما أن‌ مادته‌ الثانية‌ تصرح‌ بأن‌: «لكل‌ إنسان‌ حق‌ التمتع‌ بجميع‌ الحقوق‌ والحريات‌ المذكورة‌ في‌ هذا الإعلان‌، دونما تمييز من‌ أي‌ نوع‌، ولاسيما التمييز بسبب‌ العنصر، أو اللّون‌، أو الجنس‌، أو اللغة‌، أو الدين‌، أو الرأي‌ سياسياً وغير سياسي‌، أو الأصل‌ الوطني‌، أو الاجتماعي‌، أو الثروة‌، أو المولد، أو أي‌ وضع‌ آخر». علماً بأن‌ الأمم‌ المتحدة‌ قد أصدرت‌ إعلاناً في‌ 20 تشرين‌ الثاني‌ عام‌ 1963م‌ من‌ أجل‌ القضاء على أشكال‌ التمييز العنصري‌، أقر من‌ حيث‌ المبدأ، لكل‌ إنسان‌ الحق‌ في‌ المساواة‌ أمام‌ القانون‌، وفي‌ العدالة‌ المتساوية‌ في‌ ظل‌ القانون‌، دون‌ تمييز بسبب‌ العرق‌ أو اللَّون‌ أو الأصل‌. وعليه‌ فالدستور الإيراني‌ في‌ الوقت‌ الذي‌ يستمد مبدأ المساواة‌ من‌ الإسلام‌، يتناغم‌ مع‌ إعلانات‌ الأمم‌ المتحدة‌ والمجتمعات‌ المتقدمة‌ في‌ هذا الجانب‌. وهو لا يُخضع‌ أي‌ فرد في‌ ممارسة‌ حقوقه‌ وحرياته‌ إلاّ للقيود التي‌ يقررها الإسلام‌، مستهدفاً منها، حصراً، ضمان‌ الاعتراف‌ بحقوق‌ وحريات‌ الآخرين‌ واحترامها.

 

 والذي‌ يلفت‌ النظر في‌ هذا الدستور أنه‌ يربط‌ الحرية‌ بالاستقلال‌؛ وذلك‌ لأن‌ كل‌ منهما لا يتم‌ بدون‌ الآخرين‌، وهذه‌ العُلقة‌ العملية‌ بينهما عبرت‌ عنها المادة‌ (9) وكشفت‌ عن‌ العلة‌ الكامنة‌ وراء هذا التلازم‌ بينهما، وجاء فيها: «تعتبر الحرية‌ والاستقلال‌ والوحدة‌ وسلامة‌ الوطن‌ أموراً غير قابلة‌ للتجزئة‌، وتكون‌ المحافظة‌ عليها من‌ مسؤولية‌ الحكومة‌، وجميع‌ أفراد الشعب‌، ولا يحق‌ لأي‌ فرد أو مجموعة‌ أو أي‌ مسؤول‌ أن‌ يلحق‌ أدني‌ ضرر بالاستقلال‌ السياسي‌ أو الثقافي‌ أو الاقتصادي‌ أو العسكري‌ لإيران‌ أو ينال‌ من‌ سلامة‌ الوطن‌ باستغلال‌ الحرية‌ الممنوحة‌، كما أنه‌ لا يحق‌ لأي‌ مسؤول‌ أن‌ يسلب‌ الحريات‌ المشروعة‌ بذريعة‌ المحافظة‌ على‌ الاستقلال‌ ووحدة‌ البلاد، ولو كان‌ ذلك‌ عن‌ طريق‌ وضع‌ القوانين‌ والقرارات‌».

 

 إنها التفاتة‌ رائعة‌ وحكيمة‌ تدافع‌ عن‌ الحرية‌، وفي‌ نفس‌ الوقت‌ تمنع‌ استغلالها لضرب‌ الاستقلال‌ بمفهومه‌ الشامل‌، سياسياً كان‌ أو عسكرياً أو اقتصادياً وما إلى‌ ذلك‌. وأيضاً تقطع‌ أيدي‌ العملاء والمأجورين‌ عن‌ استغلال‌ مبدأ الاستقلال‌ لوأد الحريات‌ ومصادرة‌ الحقوق‌. وأهمّ من‌ ذلك‌ أنها تحدد صلاحيات‌ الحكومة‌ نفسها حين‌ تمنع‌ من‌ إصدار قوانين‌ من‌ شأنها مصادرة‌ الحريات‌، بذريعة‌ حفظ‌ الاستقلال‌ ووحدة‌ الشعب‌ والوطن‌.

 

ـ ضمانات‌ الحريات‌ العامة‌ في‌ الدستور الإيرانيين‌

 

 من‌ المؤكد أن‌ في‌ الإسلام‌ ضمانات‌ لا توفرها الديمقراطية‌ الأوروبية‌ وأهمها: استقلال‌ التشريع‌ عن‌ الدولة‌، وسيادة‌ مبادئ الشريعة‌ التي‌ تحمي‌ حقوق‌ الإنسان‌ وكرامته‌ من‌ طغيان‌ الحكام‌ وأصحاب‌ السلطان‌. وكذلك‌ وجود مبدأ الأمر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر الذي‌ يوجب‌ على‌ الأمة‌ وأهل‌ الحل‌ والعقد فيها المبادرة‌ إلى‌ وقف‌ كل‌ تجاوز على‌ الدستور أو القيم‌.

 

وقد أثار البعض‌ إشكالية‌ مفادها أن‌ النظام‌ الإيراني‌ فيه‌ دكتاتورية‌ طبقة‌ الفقهاء، وقد رد الدكتور توفيق‌ محمد الشاوي‌ على‌ هذه‌ الإشكالية‌ بقوله‌: «نحن‌ لا نصدق‌ الإعلام‌ العالمي‌ الذي‌ يروّج‌ لهذه‌ الاتهامات‌، لكن‌ إن‌ صح‌ شي‌ء منها، فهو لا يُبرر اتهام‌ الإسلام‌؛ لأن‌ هذه‌ التجاوزات‌ ـ إن‌ وجدت‌ ـ فهي‌ دكتاتورية‌ أغلبية‌ برلمانية‌ ديمقراطية‌ منتخبة‌ من‌ قبل‌ الشعب‌، وهي‌ من‌ نتائج‌ مبدأ حكم‌ الأغلبية‌ وسيادة‌ الشعب‌ الذي‌ تمثله‌ هذه‌ الأغلبية‌، وهي‌ مبدأ ديمقراطي‌ معروف‌ في‌ العالم‌ أجمع‌، ولم‌ يبتكره‌ الإيرانيون‌ ولا المسلمون‌.

 

ومن‌ الإنصاف‌ للإمام‌ الخميني‌(قدس‌) أن‌ نذكر أنه‌ أشار في‌ مواضع‌ كثيرة‌ من‌ دروسه‌ أن‌ الإسلام‌ لا يقر دكتاتورية‌ الأغلبية‌ البرلمانية‌ التي‌ يمكن‌ أن‌ تمارسها أحزاب‌ الأغلبية‌ في‌ النظم‌ النيابية‌ أو البرلمانية‌، وأن‌ سيادة‌ الشريعة‌ الإسلامية‌ هي‌ ضمان‌ يحول‌ دون‌ هذه‌ الدكتاتورية‌ البرلمانية‌، لأن‌ البرلمان‌ وجميع‌ سلطات‌ الدولة‌ تلتزم‌ بعدم‌ مخالفة‌ أحكام‌ الشريعة‌، أو تجاوز حدود السلطات‌ التي‌ تقررها.

 

وإذا ما تعمقنا في‌ دراسة‌ مواد الدستور الإيراني‌ فسوف‌ نجد ضمانات‌ عديدة‌ تكفل‌ سلامة‌ الحريات‌ والحقوق‌ السياسية‌ للمواطنين‌، وهي‌ ضمانات‌ تبعث‌ على‌ الأمل‌ والرَّجاء في‌ هذا الوقت‌ الذي‌ يعلو فيه‌ عواء الأعداء لإقصاء أول‌ تجربة‌ إسلامية‌ معاصرة‌ ينص‌ دستورها على الحريات‌ العامة‌ بصورة‌ لا لبس‌ فيها، ويُنشي‌ء مؤسسات‌ سياسية‌ وقانونية‌ من‌ أجل‌ المحافظة‌ عليها.

 

 وسوف‌ نستعرض‌ أدناه‌ أبرز هذه‌ الضمانات‌، ضمن‌ النقاط‌ التالية‌:

 

1ـ مبدأ الفصل‌ بين‌ السلطات‌

 

 وأكدت‌ المادة‌ (57) على‌ هذا المبدأ بصراحة‌، وجاء فيها: «السلطات‌ الحاكمة‌ في‌ جمهورية‌ إيران‌ الإسلامية‌، هي‌: السلطة‌ التشريعية‌، والسلطة‌ التنفيذية‌، والسلطة‌ القضائية‌، وتمارس‌ صلاحياتها تحت‌ إشراف‌ ولي‌ّ الأمر وإمام‌ الأمة‌... وتعمل‌ هذه‌ السلطات‌ مستقلة‌ عن‌ بعضها البعض‌، ويتم‌ التنسيق‌ فيما بينها بواسطة‌ رئيس‌ الجمهورية‌» ويتضح‌ من‌ ذلك‌ أن‌ هذه‌ السلطات‌ مستقلة‌، ولكن‌ لا يعني‌ ذلك‌ أنها متقاطعة‌، بل‌ هناك‌ تنسيق‌ مستمر فيما بينها، وذلك‌ يتفق‌ مع‌ أحدث‌ النظريات‌ السياسية‌ التي ‌ترى‌ أن‌ الاستقلال‌ للسلطات‌ الثلاث‌ ليس‌ معناه‌ عدم‌ الالتقاء، بل‌ أن‌ لا تهيمن‌ إحداها على‌ الأخرى‌ وتطوّعها لإرادتها، أو أن‌ تخضع‌ السلطات‌ لسلطة‌ واحدة‌ تنفرد بالقرار.

 

2ـ مبدأ سيادة‌ القانون‌

 

 فقد منح‌ الدستور السلطة‌ القضائية‌ صلاحيات‌ واسعة‌ من‌ أجل‌ تطبيق‌ العدالة‌ وإحقاق‌ الحق‌، ومن‌ مصاديق‌ ذلك‌ تنص‌ المادة‌ (156) على‌ أن‌ السلطة‌ القضائية‌ هي‌: سلطة‌ مستقلة‌، تدافع‌ عن‌ الحقوق‌ الفردية‌، والاجتماعية‌، وعليها مسؤولية‌ إحقاق‌ العدالة‌.

 

 ضمن‌ هذا الإطار نصت‌ المادة‌ (20) على‌ أن‌ حماية‌ القانون‌ تشمل‌ جميع‌ أفراد الشعب‌ ـ نساءً ورجالاً ـ بصورة‌ متساوية‌، وهم‌ يتمتعون‌ بجميع‌ الحقوق‌ الإنسانية‌ والسياسية‌ والاقتصادية‌ والاجتماعية‌ والثقافية‌ ضمن‌ الموازين‌ الإسلامية‌.

 

3ـ مجلس‌ صيانة‌ الدستور

 

 ويقوم‌ بمهمة‌ إعطاء الرأي‌ النهائي‌ في‌ مدى‌ مطابقة‌ أي‌ قانون‌ يصادق‌ عليه‌ مجلس‌ الشورى‌، فقد أوجبت‌ المادة‌ (94) على‌ مجلس‌ الشورى‌ أن‌ يرسل‌ جميع‌ ما يصادق‌ عليه‌ إلى‌ مجلس‌ صيانة‌ الدستور خلال‌ عشرة‌ أيام‌. أما المادة‌ (98) فقد اعتبرت‌ تفسير الدستور من‌ اختصاص‌ مجلس‌ صيانة‌ الدستور، ويتم‌ التفسير بمصادقة‌ ثلاثة‌ أرباع‌ الأعضاء. وللمجلس‌ المذكور وظيفة‌ ثالثة‌، وهي‌ الإشراف‌ على انتخاب‌ رئيس‌ الجمهورية‌، وانتخابات‌ أعضاء مجلس‌ الشورى‌، وعلى‌ الاستفتاء العام‌، نصت‌ على‌ ذلك‌ المادة‌ (99) من‌ الدستور.

 

وعليه‌ فهو يحظى‌ بمكانة‌ رفيعة‌، لكونه‌ المرجع‌ الوحيد في‌ معرفة‌ مدى‌ دستورية‌ القوانين‌، وفي‌ تفسير مواد الدستور والإشراف‌ على‌ الانتخابات‌ بغية‌ الحيلولة‌ دون‌ أي‌ تجاوزات‌ أو تسلل‌ عناصر غير جديرة‌ بالمناصب‌ الهامة‌، فتكون‌ معاول‌ هدم‌ للنظام‌.

 

4ـ السماح‌ بتشكيل‌ الأحزاب‌ والجمعيات‌ والنقابات‌

 

 نصت‌ على‌ ذلك‌ المادة‌ (26) فقد منحت‌ الحرية‌ لهذه‌ التنظيمات‌ في‌ ممارسة‌ نشاطها السياسي‌ والاجتماعي‌، بشرط‌ أن‌ لا تنقض‌ أسس‌ الاستقلال‌ والحرية‌، والوحدة‌ الوطنية‌.

 

 فمن‌ المعروف‌ «أن‌ الأحزاب‌ هي‌ إحدى‌ السُّبل‌ التي‌ تعبر عن‌ سيادة‌ الشعب‌، فهي‌ عبارة‌ عن‌ تجمع‌ الأفراد في‌ تنظيمات‌ تتولى‌ مهمة‌ اختيار ممثلي‌ الأمة‌. فالأحزاب‌ هي‌ أداة‌ حكم‌ ووسيلة‌ معارضة‌ بالقدر الذي‌ تملك‌ فيه‌ الأكثرية‌ النيابية‌ أو الأقلية‌، فتسهم‌ بذلك‌ بصنع‌ إرادة‌ الأمة‌.. وبما أن‌ الأحزاب‌ وبرامجها لا تعبّر بصدق‌ وأمانة‌ عن‌ جميع‌ ميول‌ الشعب‌ ونزعاته‌ واتجاهاته‌، فكان‌ من‌ الضروري‌ في‌ المجتمعات‌ الحرّة‌ السماح‌ بتكوين‌ التجمعات‌ المتعددة‌ التي‌ تعكس‌ مختلف‌ التيارات‌»، ونظراً للمعطيات‌ الإيجابية‌ لهذه‌ التنظيمات‌، وخاصة‌ الحزبية‌ منها، أضفى‌ الدستور الصفة‌ القانونية‌ على‌ إنشائها، وهي‌ بدورها شكلت‌ دعامة‌ أساسية‌ لضمان‌ الحرية‌.

 

5ـ علماء الدين‌

 

 يتميز المجتمع‌ الإيراني‌ بسعة‌ نفوذ المؤسسة‌ الدينية‌، وقوة‌ تأثيرها على‌ الشعب‌، وقد دعم‌ علماء إيران‌ الحركة‌ الدستورية‌ منذ بداية‌ القرن‌ التاسع‌ عشر «كانوا من‌ دعاة‌ الالتزام‌ بالمبادئ‌ التي‌ طرحها دستور 1906م‌ الذي‌ أيدته‌ الأغلبية‌ الساحقة‌ من‌ فقهاء الشيعة‌ في‌ إيران‌ والعراق‌، ونصت‌ مادته‌ الأولى‌ على‌ أن‌ دين‌ الدولة‌ الرسمي‌ هو الإسلام‌، وأن‌ الجعفرية‌ (الشيعة‌ الأثني‌ عشرية‌) هو مذهبها ومذهب‌ رئيسها. كما نصت‌ مادته‌ الثانية‌ على‌ تشكيل‌ مجموعة‌ من‌ الفقهاء ـ ستة‌ أشخاص‌ ـ لهم‌ الحق‌ في‌ مناقشة‌ أي‌ قانون‌ ورده‌ إذا كان‌ مخالفاً للشريعة‌ الإسلامية‌. وكان‌ الالتزام‌ بالمادة‌ الثانية‌ من‌ الدستور ـ التي‌ لم‌ تنفذ ـ هو أقصي‌ ما تطالب‌ به‌ المؤسسة‌ الدينية‌».

 

 فكانت‌ ثورة‌ الدستور بقيادة‌ الفقهاء قد أرغمت‌ الشاه‌ مظفر الدين‌ شاه‌ علي‌ قبول‌ دستور 1906م‌، غير أنه‌ عطّله‌ بعد الجلسة‌ الأولى‌! وقد وصل‌ (رضا خان‌) إلى‌ السلطة‌ في‌ ظل‌ تعليق‌ الدستور  .

 

 فمنذ بداية‌ الثورة‌ الدستورية‌ وحتى‌ قيام‌ الثورة‌ عام‌ 1979م‌ «كان‌ همّ العلماء الشيعة‌ في‌ إيران‌، هو أن‌ يكون‌ الناس‌ أحراراً في‌ بلادهم‌ وأسياداً عليها، ولم‌ يكونوا يرون‌ للسلطان‌ أي‌ حق‌ في‌ أن‌ يمنح‌ الأجانب‌ امتيازات‌ تمكنهم‌ من‌ مصادرة‌ الحرية‌ والكرامة‌ فضلاً عن‌ الثروات‌. وبما أن‌ الاستبداد كان‌ يمنع‌ من‌ مشاركة‌ الناس‌ ويحول‌ دون‌ ممارسة‌ حق‌ الحرية‌، وبما أن‌ الغرب‌ قد حقق‌ هذه‌ المشاركة‌ التي‌ يؤكد عليها الإسلام‌. فما كان‌ عليهم‌ إلا العمل‌ على‌ إزالة‌ الاستبداد وإقامة‌ نظام‌ دستوري‌ كبديل‌ عن‌ النظام‌ المطلق‌؛ لكي‌ يحقق‌ الآمال‌ المعقودة‌ والأهداف‌ المنشودة‌، ولم‌ يروا في‌ ذلك‌ مخالفة‌ للإسلام‌ باعتبار أن‌ هذه‌ البضاعة‌ ـ أي‌ الدستور ـ ردت‌ إلينا، وعلينا الاستفادة‌ من‌ كل‌ الأطروحات‌ الفكرية‌ والسـياسية‌ التي‌ ساهـمت‌ في‌ تحرير الإنـسان‌ وتطوره‌ أينما كان‌.

 

 وهكذا نجد أن‌ بعض‌ الفقهاء في‌ النجف‌ وقم‌ دعموا الدستور لتأمين‌ الحرية‌ بذكاء بالغ‌، كالإمام‌ النائيني‌ الذي‌ رأى‌: أن‌ الحاكم‌ الظالم‌ الذي‌ لا يُقيد بدستور أو مجلس‌ شعبي‌ (برلمان‌) يغتصب‌ أمرين‌ معاً في‌ آن‌ واحد؛ حق‌ الإمام‌ الغائب‌، وحرية‌ الناس‌. أما الحاكم‌ الذي‌ يقيد بدستور ومجلس‌ شعب‌، فهو يغتصب‌ حق‌ الإمام‌ وحده‌، بينما يؤمن‌ حريات‌ الناس‌، ولهذا فيجب‌ أن‌ يظل‌ حكمه‌ هو المفضل‌ طالما أن‌ غيبة‌ الإمام‌ مستمرة‌».

 

علماً بأن‌ الموقف‌ الأساسي‌ للمراجع‌ في‌ قم‌، ظلّ ملتزماً بحدود الإصلاح‌ الدستوري‌، ويستبعدون‌ فكرة‌ التغيير الكلي‌ للنظام‌ الشاهنشاهي‌، ناهيك‌ عن‌ تولي‌ السلطة‌ ومباشرة‌ الحكم‌، كانوا من‌ دعاة‌ الالتزام‌ بالمبادئ‌ التي‌ فرضها دستور 1906م‌ الذي‌ أيدته‌ الأغلبية‌ الساحقة‌ من‌ فقهاء الشيعة‌، ولكن‌ الإمام‌ الخميني‌(قدس‌)؛ وجد أن‌ الإصلاح‌ لا يكفي‌، وينبغي‌ قلب‌ النظام‌ رأساً على عقب‌، وإقرار دستور جديد يمنح‌ الولاية‌ للفقيه‌ العادل‌ بدلاً من‌ السلطان‌ الجائر، وهو ما حصل‌ بالفعل‌.

 

ومن‌ هنا بمقدورنا أن‌ نقول‌: أن‌ علماء الدين‌ في‌ إيران‌ هم‌ من‌ أهم‌ الضمانات‌ لدعم‌ الدستور وصيانته‌؛ وذلك‌ لأن‌ لديهم‌ القدرة‌ على تحريك‌ الرأي‌ العام‌ في‌ كل‌ مجال‌ يخدم‌ الصالح‌ العام‌، ولا يغرب‌ عن‌ بالنا حادثة‌ تحريم‌ شراء وبيع‌ التبغ‌ الداخلي‌ والخارجي‌ لبريطانيا من‌ خلال‌ تاجر انكليزي‌ يدعى‌ (رجي‌) حيث‌ سلّط‌ الشاه‌ الظالم‌ الكفار على‌ جانب‌ اقتصادي‌ حيوي‌، الأمر الذي‌ دفع‌ الميرزا الشيرازي‌ إلى‌ إصدار فتواه‌ المعروفة‌، القائلة‌: «إن‌ استعمال‌ التبغ‌ ومشتقاته‌ حرام‌ اليوم‌، وإنه‌ يعدّ بمثابة‌ إعلان‌ الحرب‌ ضدّ الإمام‌ المهدي‌(عج)» فاضطر الشاه‌ بفعل‌ ضغط‌ الشارع‌ الإسلامي‌ إلى إلغاء الصفقة‌.

 

وقد حدث‌ في‌ عام‌ 1879م‌ أن‌ منح‌ البارون‌ (جوليوس‌ دي‌ ريتر) مؤسس‌ وكالة‌ الأنباء البريطانية‌ المعروفة‌ (رويتر) حق‌ احتكار كافة‌ مصادر التعدين‌ والاتصالات‌ في‌ إيران‌ لمدة‌ خمسين‌ سنة‌، فقاد الفقهاء حملة‌ واسعة‌ للاحتجاج‌ على‌ تلك‌ الاتفاقية‌ والدعوى‌ إلى‌ إلغائها، وإزاء الضغط‌ الشعبي‌ الكبير تراجع‌ الشاه‌، وألغى‌ الامتياز.

 

 ولما اشترط‌ في‌ معاهدة‌ الكابيتو لاسيون‌ (أي‌ الاشتراط‌) أن‌ لا تُطبق‌ على‌ السكان‌ الأجانب‌ في‌ إيران‌ إلاّ قوانين‌ دولهم‌، حيث‌ يتولى القنصل‌ التابع‌ للدول‌ المذكورة‌ تطبيقها، وكانت‌ نوعاً من‌ الحصانة‌ القضائية‌ للأجانب‌، وتسليطهم‌ على‌ رقاب‌ المسلمين‌، نهض‌ العلماء الأعلام‌ وفي‌ طليعتهم‌ الإمام‌ الخميني‌(قدس‌)؛ واعترضوا على‌ هذه‌ المعاهدة‌ التي‌ عقدها الشاه‌ المقبور عام‌ 1963م‌، فاضطر الشاه‌ إلى‌ إلغائها، وقد أبعد الإمام‌ الخميني‌(قدس‌)؛ على‌ أثرها إلى‌ تركيا. هذه‌ الشواهد تثبت‌ بما لا يدع‌ مجالاً للشك‌ مدى‌ قدرة‌ العلماء على‌ التأثير في‌ مجرى‌ الأمور.

 

6ـ الوعي‌ العام‌

 

 كنا قد تحدثنا سابقاً عن‌ أن‌ الوعي‌ الجماهيري‌ هو من‌ الضمانات‌ المهمة‌ لصيانة‌ الحريات‌. فمن‌ الجدير بالذكر أن‌ حكام‌ الجور يحاولون‌ تسطيح‌ وعي‌ الناس‌ من‌ أجل‌ مصادرة‌ حرياتهم‌ وضمان‌ طاعتهم‌، يقول‌ عبدالرحمن‌ الكواكبي‌: «فالمستبد يود أن‌ تكون‌ رعيته‌ كالغنم‌ ذلاً وطاعة‌، وكالكلاب‌ ذلاً وتملقاً، وعلى‌ الرعية‌ أن‌ تكون‌ كالخيل‌ إن‌ خُدمت‌ خَدمت‌، وإن‌ ضُربت‌ شرست‌، بل‌ عليها أن‌ تعرف‌ مقامها هل‌ خلقت‌ خادمة‌ للمستبد أم‌ جاءت‌ به‌ ليخدمها فاستخدمها...».

 

 وبطبيعة‌ الحال‌ أنّ نظام‌ الحكم‌ العادل‌ على‌ العكس‌ من‌ ذلك‌ يسعى‌ إلى‌ رفع‌ مستوى‌ وعي‌ الجماهير بشتى‌ السُّبل‌ والوسائل‌، ويعمل‌ على‌ دفعهم‌ للمشاركة‌ في‌ خدمة‌ قضايا وطنهم‌. وإيمانا من‌ النظام‌ الإسلامي‌ بأن‌ الجماهير هي‌ صاحبة‌ القرار وعليها الدور الأكبر في‌ عملية‌ النهوض‌ الحضاري‌، فقد ضمن‌ الدستور فقرةً تؤكد على‌ أهمية‌ رفع‌ الوعي‌ العام‌ بعدما مارس‌ حكام‌ إيران‌ السابقون‌ سياسة‌ تجهيل‌ الأمة‌ وخفض‌ وتيرة‌ وعيها بغية‌ تطويع‌ إرادتها وتهميش‌ دورها. جاء في‌ المادة‌ (3) الفقرة‌ (2) من‌ الدستور: «رفع‌ مستوى‌ الوعي‌ العام‌ في‌ جميع‌ المجالات‌، بالاستفادة‌ السليمة‌ من‌ المطبوعات‌، ووسائل‌ الإعلام‌، ونحو ذلك‌»  .

 

من‌ جميع‌ ما تقدم‌ نخرج‌ بمحصلة‌ نهائية‌ هي‌ أن‌ دستور الجمهورية‌ الإسلامية‌ هو دستور سليم‌، قد أشار إلى‌ تقسيم‌ السلطات‌ وتوازنها، وتطرق‌ لأنواع‌ الحريات‌ العامة‌، وحوى‌ على‌ الضمانات‌ الكافية‌ لصيانتها.