مشاكل وعقبات أمام وحدة العالم الإسلامي
كما يتحدث عنها الإمام الخميني الراحل (قدس سره)
العمل على وحدة الكلمة اقترن دوماً بالعمل على نشر كلمة التوحيد في إطار الرسالات السماوية، لأن مظهر الاختلاف والتفرق من مظاهر الابتعاد عن الفطرة الإنسانية، أو بعبارى أخرى عن دين الله، ومن هنا استهدف دعاة كلمة التوحيد فيما استهدفوا إعادة التكوين الموحّد للأمة، باعتبار أن هذه العملية خطوة هامة على طريق استتباب كلمة التوحيد وعودة الأمة إلى دين الله، {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}.
الوحدة الإنسانية، لا تتحقق في الواقع إلا في إطار الرسالة الإلهية، لأن هذه الرسالة، هي القادرة على تربية الفرد الإنسان والمجتمع الإنساني وفق قيم ومعايير تزول معها كل ألوان الصراع المصلحي المادي بين أبناء البشر.
الفترة القصيرة التي مرت بها التجربة الإسلامية، قبل انحراف المجتمع الإسلامي، سجّلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحّد في الأفكار والعواطف والأهداف. فالإسلام انطلق من أرض يسودها ألوان الصراع القبلي والعنصري والطبقي، وما أن انتصرت كلمته، واستقرت دولته حتى خلق مجتمعاً رافضاً لكل تمييز عنصري أو طبقي أو قبلي، وساد الإخاء بين أفراد ذلك المجتمع، وزال الصراع الدامي بين القبائل العربية وانتهى عهد الاستثمار والاستغلال الجاهلي.
خلال القرون الثلاثة الأخيرة انحسر الإسلام لأسباب متعددة عن الساحة العالمية، وأضحت الساحة مسرحاً تصول فيها وتجول ذئاب كاسرة انطلق من أوروبا وهي مجهزة لا بالأنياب، بل بقدرة سلاحية واقتصادية وتكنولوجية من ثروات هائلة، ومهتمة لا بإشباع جوعة بطنها، بل بسلب كل ما عند فريستها من ثروات مادية ومعنوية.
وكان من الطبيعي أمام هذه النكسة الإنسانية، وأمام هذا الانحراف المستفحل عن خط الفكرة الإنسانية، أن تنسب الحروب الدموية الطاحنة، ويستسلم الضعفاء إلى الأقوياء، وتنشأ المعسكرات المتصارعة ، وتسعى المجموعات البشرية إلى التزوّد بالأسلحة الفتاكة من أجل الاستيلاء والتوسع، أو من أجل الدفاع عن النفس على الأقل، وتفاقم العداء بين الأحزاب والدول والمعسكرات، حتى أضحى توازن القوى هو الحائل الوحيد دون نشوب الحروب العالمية الطاحنة.
وكان من الطبيعي أيضاً، أن ترتفع أصوات البشرية المتعبة المرهقة، مطالبة بوقف هذا الصراع الدامي، ووضع حد لهذه المآسي والفجائع على الصعيد العالمي. لكن رسالة السماء لم ترفع صوتها ـ مع الأسف ـ في عصرنا لتلبّي نداء المعذبين المرهقين، لأن الرسالة الوحيدة المخوّلة لتقديم أطروحتها الإنسانية إلى البشرية، هي الرسالة الإسلامية، وساحة الرسالة كانت خالية من القادة المبدئيين أو كادت تخلو، والأمة المؤمنة بهذ الرسالة، فقدت كل مقومات وجودها وتفرّقت وتمزّقت وتخلّت عن دورها باعتبارها الأمة الوسط الشاهدة على جميع البشرية.
ومع بزوغ فجر الثورة الإسلامية في إيران، عاد الأمل يدبّ في القلوب بعودة الأمة الوسط إلى الوجود، وبدت في الأفق بشائر غد جديد تعود فيه البشرية إلى فطرتها، وتتحطم عروش الظلم والطغيان والاستكبار.
هذ النهضة الإسلامية الكبرى، أحيت في قرننا أمل عودة البشرية إلى (كلمة التوحيد)، وبدأ الواعون من أبناء أمتنا الإسلامية ـ بشكل خاص ـ يتطلعون إلى استعادة دورهم القيادي الذي أراده الله لهم على ظهر هذه الأرض، ومن هذا التطلع اتجه الاهتمام إلى (وحدة الكلمة) باعتبارها الخطوة الهامة الأولى على طريق استتباب كلمة التوحيد.
الإمام الخميني قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية أكد مراراً على ضرورة وحدة المسلمين باعتبار أن هذه الوحدة مقدمة ضرورية لوحدة البشرية وسقوط أعداء الإنسانية واندحار طواغيت الأرض.
يقول الإمام (قدس سره):
"رمز الانتصار في تاريخ الإسلام كان يتمثل دوماً بوحدة الكلمة وقوة الإيمان، وهذا العاملان هما اللذان سجّلا النصر لثلاثين مقاتلاً بقيادة خالد بن الوليد على ستين ألف مقاتل رومي، والإسلام هو الذي قادنا إلى النصر.
ولو كانت وحدة الكلمة قائمة بين المسلمين لما بقي مليار إنسان مسلم في العالم تحت سيطرة القوى الاستعمارية..".
من حديث لسماحته أمام وفد من علماء الحجاز / 6 جمادى الثاني 1400هـ
ويقول موضحاً هدف الكيان الإسلامي الوليد في إيران:
"إن ما تتطلع إليه الجمهورية الإسلامية هو تطبيق ما جاء في القرآن الكريم وعلى لسان الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما نريد أن نقوله للشعوب هو: أن الإسلام دين الوحدة والتآخي والمساواة، ولا فضل لفئة على فئة أخرى إلا بالتقوى والعمل بأحكام الإسلام ونصوصه".
من حديث لسماحته لعشائر خوزستان / 18 صفر 1401هـ
وفي مناسبة أخرى يقول الإمام:
"لماذا لا يلتزم المسلمون وحكوماتهم بالأحاديث النبوية الشريفة التي جاء فيها: (المسلمون يد واحدة على من سواهم)؟ لماذا لا يوجد بينهم إلا الخلاف المستمر؟!".
من حديث لسماحته في عيد الأضحى المبارك 1400هـ
"وحدة الكلمة" هدف يدعو إليه إمام الأمة باعتباره داعية "كلمة التوحيد"، ولا تفارق هذه الدعوة لسانه حتى في أحرج اللحظات، فحينما كان راقداً في مستشفى القلب، وقلوب الملايين وجلت على صحة إمامها، وجّه نداء إلى جميع الشعوب المستضعفة بما في ذلك الشعوب الإسلامية، لم يغفل فيه التأكيد على الوحدة حيث قال:
"ها إني من المستشفى الذي أعالج فيه أوجّه تحذيري إلى جميع الشعوب المضطهدة، وأدعوها إلى الوحدة لتحرير أوطانها من سيطرة أمريكا وسائر القوى المتجبرة التي غمست يديها حتى المرفقين بدماء شبابنا وبدماء جميع المظلومين المكافحين في العالم. ونحن بدورنا سنحارب هذ القوى الشريرة بكل ما أوتينا من قوة حتى آخر قطرة دم تسري في عروقنا، لأننا خلقنا لمعارك الكرامة".
من نداء لسماحته بمناسبة الذكرى الأولى لانتصار الثورة الإسلامية ـ 11/2/1980م
ثم يحذّر الإمام المسلمين من التشتت والتفرق فيقول:
"حين تتفرق أمة إلى طائفتين وعشر طوائف ومائة طائفة يعارض بعضها الآخر، وتحكم فيها حكومة ليست منهم فلا تتوقع مثل هذه الأمة النصر... لابد من العودة إلى تعاليم الإسلام التي أكدت على أن المؤمنين أخوة، وأمرت بالاعتصام بحبل الله، وبعدم التفرق وترك التنازع. ولو استجاب المسلمون لهذه الدعوة الإلهية لتخلصوا من القوى الكبرى ومن الحكومات الفاسدة.
لا يمكن أن يكون لنا حول أو قوة إلا إذا فكرنا تفكيراً إسلامياً وعملنا بالقرآن والإسلام وانتهجنا تعاليم صدر الإسلام... أسأل الله أن يوفقنا لأن نذهب معاً إلى القدس حيث نؤدي جميعاً صلاة الوحدة".
من حديث لسماحته إلى المشاركين في مؤتمر القدس / 27 رمضان 1400هـ
والحديث عن وحدة المسلمين يجرّنا عادة إلى البحث في أسباب تفرّق المسلمين، والعقبات التي تقف بوجه استعادة الأمة الإسلامية وجودها الواحد المتماسك الحيّ. غير أن الحديث عن العقبات أهم وأخطر، لأنه يشخص الداء ويصف بشكل غير مباشر الدواء ويدفع المستيقظين من أبناء أمتنا إلى تجاوز هذ العقبات.
وهذه أهم العقبات كما أشار إليها الإمام الخميني الراحل (قدس سره) في أحاديثه المختلفة.
النعرات القومية
التعصب القومي والعنصري ظاهرة تسود كل المجتمعات الجاهلية، فالمجتمع الجاهلي ينتقد القيم الإنسانية، ويفتقد التربية الإنسانية، ولذلك يعيش أفراده في مستوى منحط من التصورات والأفكار والقيم، وتصبح مظاهر اللغة أو اللون أو النسب هي معايير التمييز بين أبناء البشر، وتهبط قيمة كل المعايير الإنسانية الصحيحة.
الإسلام واجه في الجزيرة العربية، مجتمعاً مزّقته العصبيات القبلية، واستفحلت فيه العداءات النسبية والعرقية، من هنا كانت عملية القضاء على هذه النعرات والعصبيات من أصعب مهام الرسول القائد (صلى الله عليه وآله وسلم) على طريق إنشاء المجتمع التوحيدي، وعانى القائد الأول ما عانى على طريق استباب معيار التقوى في المجتمع الإسلامي بدل المعايير الجاهلية الأخرى.
الجاهلية الحديثة أعادت لنا فكرة القومية ولكن لا بشكلها الساذج في الجاهلية الأولى، بل بشكل معقد محاط بنظريات علماء الاجتماع الأوروبيين، ومحمل بالحقد الأوروبي الدفين على الدين.
وقد استطاع مخطط إثارة النعرة القومية في العالم الإسلامي، أن يحقق انتصارات باهرة لعالم المستعمرين.
فقد أوجد الحزازات والحساسيات بين أبناء الأمة الإسلامية، وفي هذا الصدد يقول الإمام الراحل:
"إن القوى الكبرى درست خلال سنوات طويلة كل أوضاع المسلمين، أجرت دراسات على أراضينا وغاباتنا وخرجت بنتيجة هي: أن الإسلام وحده هو الذي يستطيع أن يقف بوجه هذه القوى في جميع المجتمعات... وراحت هذه القوى تخطط لمجابهة الإسلام عن طريق الحكومات الفاسدة، وأوعزت إلى هذه الحكومات أن تثير مسائل العصبيات العنصرية بين المسلمين، فجعلت العرب مقابل الفرس والأتراك، وجعلت الفرس مقابل الأتراك والعرب، وجعلت الأتراك مقابل الآخرين... وهكذا أوقعت بين القوميات المختلفة.
ولقد أكدت مراراً أن هذه النعرات القومية هي أساس مصيبة المسلمين. إن هذه النعرات تجعل الشعب الإيراني مقابل سائر الشعوب المسلمة، وتجعل الشعب العراقي مقابل بقية المسلمين. وهذه المخططات طرحها المستعمرون للتفريق بين المسلمين".
من حديث لسماحته لأعضاء مؤتمر القدس / 27 رمضان 1400هـ
واستطاع هذا المخطط أيضاً أن يخلق في بعض أوساط العالم الإسلامي، روحاً معادية للإسلام، ففي البلدان الإسلامية غير العربية، عمل المخططون على تصوير الإسلام بالثقافة الدخيلة على الثقافة القومية، وتصوير الفتح الإسلامي بأنه الهجوم الذي أباد التراث القومي.
يقول الإمام الخميني (قده) متحدثاً عن الاتجاه القومي المعادي للإسلام في بعض البلدان العربية وفي إيران:
"الحكومة السابقة في العراق ـ وهذه الموجودة ليست بأفضل من سابقتها طبعاً ـ طرحت مسألة إحياء أمجاد بني أمية ليجعلوا منها مسألة مقابل المسألة الإسلامية.
فالإسلام جاء ليذيب الأمجاد في مجد الله، ولكن هؤلاء رفعوا شعار إحياء أمجاد بني أمية، وليس طرح هذه المسألة من تدبير تلك الحكومة، بل من تدبير القوى الكبرى التي تروم التفريق بين المسلمين...
وفي إيران قرع بعض المغرضين والغافلين على طبل القومية، وأرادوا بذلك أن يواجهوا الإسلام... وقبل سنين ـ وأظن في زمن رضا خان ـ تأسس في إيران مجمع أعد الأفلام والقصائد والمقالات التي تندب الأمجاد الإيرانية وتأسف على انتصار العرب على إيران، وتذرف دموع التماسيح على ضياع طاق كسرى..
وهؤلاء القوميون الخبثاء بكوا كثيراً على اندحار السلاطين الفرس على يد الإسلام!
ومثل هذ الروح المعارضة للقرآن، أوجدها المستعمرون في البلاد العربية وغير العربية..".
من حديث لسماحته لأعضاء مؤتمر القدس / 27 رمضان 1400هـ
وبالطبع فإن الانفتاح على الإسلام لا يعني التخلي عن مصالح الوطن، بل على العكس من ذلك يقوّي روح الانشداد وروح الدفاع في إطار الإسلام أكثر من أي إطار آخر. يقول الإمام الراحل:
"... بعض الفئات انتهجت الخط القومي، فجعلت المسلمين مقابل بعضهم، بل وجرّتهم إلى المعاداة أيضاً غافلة أن موضوع حبّ الوطن وأهل الوطن وصيانة حدوده وثغوره لا يقبل الشك والترديد، وهو غير مسألة إثارة النعرات القومية لإثارة العداء بين المسلمين. فهذه المسألة عارضها الإسلام والقرآن الكريم والنبي الأعظم".
من بيان الإمام إلى حجاج بين الله الحرام 2/11/1400هـ
النعرات الطائفية
الاتجاهات الفكرية والاجتهادية المختلفة، ظاهرة شهدها العالم الإسلامي منذ فجر الإسلام، بعضها طبيعي يعود إلى طبيعة المجتمع البشري، وبعضها الآخر مفتعل استحدثه المغرضون لأهدافهم الخاصة.
وخلال عصور تاريخية مختلفة، استغلت هذه الخلافات لأغراض شخصية من قبل أفراد لا يؤمنون بالإسلام أصلاً، ولعبت السياسة في عصور التاريخ الإسلامي دوراً كبيراً في بروز الاتجاهات الفكرية والفقهية أو ضمورها. وهذه المسألة واضحة لكل باحث في التاريخ الإسلامي.
الجانب الكبير في تفشي ظاهرة النعرات الطائفية في التاريخ الإسلامي، يعود إلى جهل المسلمين. فرعاع الناس كانوا دوماً وقود النزاعات الطائفية، وأداة بيد المغرضين، يستغلون تعصّبهم الأعمى إلى هذه الجهة أو تلك، فيثيروا المعارك والاشتباكات.
وقد استغل الغزاة الطامعون المخلفات السلبية في التاريخ الإسلامي، واستثمروها أبشع استثمار، هؤلاء الغزاة عملوا على تأجيج نيران الطائفية عن طريق سفاراتهم ومستشرقيهم وعملائهم وأبواقهم الإعلامية في نفس الوقت الذي عملوا فيه على نشر العلمانية في عالمنا الإسلامي.
ولازلنا نتذكر كيف أن إذاعة لندن كانت تحلّل ماهية الحرب العدوانية على الجمهورية الإسلامية على أنها امتداد للنزاع السني الشيعي، كما لازال العملاء يشككون في أصالة الصورة الإسلامية، زاعمين أنها ثورة شيعية لا إسلامية.
يقول الإمام الراحل مشيراً إلى هذه الأقاويل:
"لقد أعلن بعض هؤلاء المأجورين أن إسلام الإيرانيين هو غير إسلامنا.. نعم.. إسلام إيران غير إسلام الذين يدافعون عن عملاء أمريكيين كالسادات وبيغن، ويمدون يد الصداقة إلى أعداء الإسلام خلافاً لأمر الله تعالى، ويبذلون كل ما بوسعهم من جهد، ويقترفون كل افتراء للتفرقة بين المسلمين!
على جميع المسلمين أن يعرفوا هؤلاء المنافقين، وأن يحبطوا مؤامراتهم الخبيثة".
والحمد لله فإن الشعب الإيراني قد تجاوز بحول الله وقوته عقبة الطاغوت وانتقل من الظلمات إلى النور، وحصّن نفسه بالإسلام، ولم يعد الإعلام المضلل قادراً على إثارة الاختلافات الطائفية في هذا البلد المحمدي، يقول الإمام القائد:
"هناك ما هو أخطر من النعرات القومية وأسوأ منها، وهو خلق الخلافات بين أهل السنة والشيعة، ونشر الأكاذيب المثيرة للفتن والعداء بين الأخوة المسلمين.
في إطار الثورة الإسلامية، لا يوجد ولله الحمد أي اختلاف بين الطائفتين. فالجميع يعيشون معاً متآخين متحابين.
أهل السنة المنتشرون في إيران والقاطنون مع العدد الكبير من علمائهم ومشايخهم في أطراف البلاد وأكنافها، متآخون معنا، ونحن متآخون ومتساوون معهم، وهم يعارضون تلك النغمات المنافقة التي يعزفها بعض الجناة المرتبطون بالصهيونية وأمريكا.
ليعلم الأخوة أهل السنة في جميع البلدان الإسلامية، أن المأجورين المرتبطين بالقوى الشيطانية الكبرى لا يستهدفون خير الإسلام والمسلمين. وعلى المسلمين أن يتبرأوا منهم ويعرضوا عن إشاعاتهم المنافقة.
إنني أمدّ يد الأخوة إلى جميع المسلمين الملتزمين في العالم، وأطلب منهم أن ينظروا إلى الشيعة باعتبارهم أخوة أعزاء لهم، وبذلك نشترك جميعاً في إحباط هذه المخططات المشؤومة".
من بيان الإمام إلى حجاج بيت الله الحرام ـ 2/11/1400هـ
وقد شاهد العالم ظاهرة تجاوز الشيعة للخلافات الطائفية.. شاهدها المسلمون في موسم الحج، بعد أن صدر (حكم) الإمام الخميني الراحل إلى جميع الشيعة المسلمين، في موسم الحج، وهذا نص الحكم:
"على الأخوة الإيرانيين وجميع الشيعة في العالم أن يتجنبوا الأعمال الجاهلة التي تؤدي إلى تفرق صفوف المسلمين، وعليهم أن يشتركوا في جماعات أهل السنة، وأن يتجنبوا عقد صلاة الجماعة في البيوت، ونصب مكبرات الصوت بدون انتظام، وإلقاء النفس على القبور الطاهرة والأعمال المخالفة للشرع...
يجزي ويلزم في الوقوفين العمل وفق أحكام قضاة أهل السنة حتى ولو حدث القطع بخلاف ذلك".
من حكم الإمام إلى ممثليه في موسم الحج / 28 شوال 1399هـ
ظاهرة تجاوز الخلافات الطائفية، ينبغي أن تسود جميع أنحاء العالم الإسلامي باعتبارها مقدمة ضرورية لوحدة المسلمين، وهذا ما لا يتم إلا إذا عاش جميع المسلمين همّهم الرسالي الكبير، وحملوا جميعاً مسؤولية إعادة الدور العالمي المسلوب للأمة الإسلامية، واندفعوا جميعاً وخاصة الطلائع المثقفة منهم إلى فهم الإسلام بمعزل عن سلبيات التاريخ، وبمعزل عن الأهواء والتعصبات والمصالح الشخصية.
لا يمكن لوحدة العالم الإسلامي أن تتحقق على الصعيد الواقعي العملي، إلا إذا لبّى المسلمون دعوة الإمام الخميني... هذه الدعوة التي انطلقت من مفاهيم الرسالة الإسلامية... إذ يقول:
"إن طرح مسألة تقسيم المسلمين إلى سني وشيعي وحنفي وحنبلي وأخباري لا معنى لها أساساً.
المجتمع الذي يريد أفراده جميعاً خدمة الإسلام والعيش تحت ظلال الإسلام لا ينبغي أن يثير مثل هذه المسائل.
كلنا أخوة، وكلنا نعيش قلباً واحداً، غاية الأمر أن الحنفي يعمل بفتاوى علمائه، وهكذا الشافعي، وثمة مجموعة أخرى هي الشيعة تعمل بفتاوى الإمام الصادق، وهذا لا يبرر وجود الاختلاف، لا ينبغي أن نختلف مع بعضنا، أو أن يكون بيننا تناقض.
كلنا أخوة، على الأخوة الشيعة والسنة اجتناب كل اختلاف. فالاختلاف بيننا اليوم هو لصالح الذين لا يؤمنون بالسنة ولا بالشيعة ولا بالمذهب الحنفي ولا بسائر الفرق الإسلامية. وهؤلاء يريدون القضاء على هذا وذاك، فهدفهم بثّ الفرقة بينكم.
عليكم أن تنتبهوا جيداً أننا جميعاً مسلمون وأتباع القرآن وأهل التوحيد، وعلينا أن نسعى من أجل القرآن والتوحيد".
من نداء الإمام في 21 تموز 1980م
الحكومات العميلة والمهزومة
بعد أن فشل الغزاة الأوروبيون في فرض سيطرتهم المباشرة على العالم الإسلامي، وضعوا خطة شاملة للسيطرة غير المباشرة شملت الجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمسلمين.
وينهض الحكام العملاء في عالمنا الإسلامي بدور هام في تثبيت دعائم تبعية البلدان الإسلامية لعالم المستكبرين، فبعد تمزيق العالم الإسلامي، اهتم الغزاة في تربية أفراد من أبناء الأمة ليخلفوهم في تنفيذ مخطط التبعية، ومارس هؤلاء دورهم بكل إخلاص، فقمعوا كل حركة تحررية لأمتهم، وقدموا ثروات أمتهم المادية والمعنوية قرباناً على مذبح الأسياد.
هذه الحكومات ـ مع تصاغرها وتخاذلها وخضوعها أمام المستعمرين ـ تتخذ من شعوبها موقف الطاغية الجبار المتفرعن، وبذلك ينفصل الجهاز الحاكم عن شعبه، ويحرم المجتمع من أحد أهم دعائم وحدته، وحدة الحكام والمحكومين. وهذا الانفصال بين الأمة وحكامها سبب كل ضعف في المسلمين، كما يقول الإمام الراحل (قدس سره):
"كل ضعف في المسلمين، وكل فساد في الدول الإسلامية نابع من الحكومات. إن الحكومات ـ بسبب أنانيتها ـ تقف أمام الأجانب كالعبيد، وأمام شعوبها كالمتسلط. روح العبودية وروح التسلط المذكورتان خلقتا كل المفاسد في الدول الإسلامية..".
من حديث لسماحته لسفير سوريا في 22 رمضان 1399هـ
ودرجات العمالة في الحكام متفاوتة، أقلها "القناعة" بأن التبعية للشرق أو الغرب أمر حتمي لابد منه، أو ضرورة لا يمكن التخلّي عنها من أجل تطوير بلدان ما يسمى بالعالم الثالث.
هذه القناعة الناتجة عن "هزيمة" داخلية في نفوس بعض المسلمين وخاصة الفئة المثقفة منهم، تحقق للمستعمرين في نهاية الأمر نفس الغايات التي تحققها العمالة.
يقول الإمام (قدس سره):
"هؤلاء الذين تخرّجوا من الجامعات، واحتلوا المناصب في الوزارات هم الذين جرّونا إلى شراك الغرب والشرق، وجعلونا تابعين لهما.
نحن إذ نطالب بإصلاح الجامعة والتعليم، لا نرفض وجود الجامعة. بل نريد جامعة تخدم البلد والأمة. إن جامعة تخدم أمريكا أولى لها أن تزول".
من حديث الإمام بمناسبة يوم وحدة الحوزة والجامعة / 10 صفر 1401هـ
العمالة للمستعمرين والانهزام الفكري والروحي أمامهم يؤديان إلى فسح المجال للمخططات الاستعمارية كي تخلق كل المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي.
يقول الإمام (قدس سره):
"إن مشكلة المسلمين لا تنحصر في القدس، إذ هي واحدة من مشاكل المسلمين. أليست أفغانستان من مشاكل المسلمين؟ أليست تركيا من مشاكل المسلمين؟ أليست مصر من مشاكل المسلمين؟ أليس العراق من مشاكل المسلمين؟!
ينبعي أن نفكر في جذور هذه المشاكل التي تعم المسلمين ونجد لها الحلول اللازمة.
لماذا يخضع المسلمون اليوم في العالم لسيطرة القوى الكبرى؟!... وأين يكمن سر قدرتهم في التغلب على هذه المشاكل؟!
إن مشكلة المسلمين الأساسية تكمن في الحكومات المسيطرة على مقدراتهم، والشعوب ليست هي المشكلة، إذ أنها قادرة على حل مشاكلها بفطرتها الذاتية.. لكن الحكومات المسيطرة على العالم الإسلامي هي التي تخلق المشاكل، بخضوعها وعمالتها لقوى الشرق أو الغرب... وليس بمقدور المسلمين أن يتخلصوا من مشاكلهم دون أن يزيلوا من أمامهم هذه العقبة الكؤود".
من حديث الإمام إلى الوفود المشاركة في مؤتمر القدس / 27 رمضان 1400هـ
وحدة الأمة الإسلامية، لا يمكن أن يتحقق على المستوى العملي المطلوب دون التغلب على هذه المشاكل.. المشاكل التي تخلقها الحكومات العميلة والمهزومة، لأن هذه الحكومات تعمل على انفصال الحكام عن المحكومين بسبب تصرفاتها مع أبناء الأمة، كما تعمل على خلق الشقاق والنفاق والصراع في العالم الإسلامي بسبب عدم تبنّي هذه الحكومات للمعايير التوحيدية الموحدة.
يقول الإمام:
"نعلم جميعاً أن ما أصابنا له سببان رئيسيان:
الأول: مشكلة الدول الإسلامية مع بعضها، ومع الأسف لم تستطع هذه الدول أن تجد حلاً لخلافاتها، بينما يعرف الجميع أن كل المشاكل تنبع من هذه الخلافات. نحن منذ عشرين عاماً حتى اليوم نركّز على هذا الموضوع عبر التوصيات والمقالات، ونوجّه الدعوة والنداءات إلى رؤساء الدول الإسلامية بالاتحاد، لكن هذه الوحدة لم تتحقق مع الأسف حتى الآن.
والثاني: هو الانفصال بين الجماهير والحكومات، لأن الحكومات تعاملت مع الجماهير بطريقة تخلّت معها الجماهير عن دعم الحكومات. فمن المفروض أن تحلّ مشاكل الدول بيد شعوبها ولكن انعدام التفاهم بينها أدى إلى تفاقم مشاكل الدول، وجعل شعوبها بعيدة عن تحمّل أعباء هذه المشاكل".
من حديث الإمام إلى الوفد الفلسطيني الذي زاره في مدينة قم ـ 16/9/1979م
ويقول أيضاً مركّزاً على المشكلة الفلسطينية:
"ولتعلم الشعوب العربية، وليعلم الأخوة اللبنانيون والفلسطينيون أن كل المساوئ والمصاعب تخلقها إسرائيل وأمريكا، وأن كل هذه المصائب ناتجة عن اختلافات الحكام في الأقطار الإسلامية. فعليهم أن يتّحدوا وينطلقوا بقوة الإيمان لاجتثاث إسرائيل مصدر الفساد في المنطقة، من جذورها".
من حديث الإمام بمناسبة الهجرة النبوية الشريفة 1400هـ
الإمام يطرح حلولاً أربعة لتجاوز هذه العقبة هي:
أولاً: تحرّر الحكومات من التبعية لعالم المستكبرين عن طريق استثمار إمكانات بلدانها المادية والمعنوية. يقول إمام الأمة شاكياً من عدم نهوض حكومات العالم الإسلامي بهذه المهمة:
"لا أدري ممّ أشكو؟ هل أشكو من المتسلطين والظالمين والناهبين؟ أم من أناس يرون ظلم الظالمين ولا يثورون، بل يلقون أنفسهم في أسر الأجانب؟... أم أشكو من حكومات الدول الإسلامية القادرة، بامتلاكها سلاح النفط وغيرها من الأسلحة، أن ترغم الغرب والشرق على الاستسلام ولا تستفيد من هذه الأسلحة على طريق التحرر الكامل من وطأة الاستعمار الشرقي والغربي".
من كلمة الإمام في مؤتمر حركات التحرر العالمية / 16 صفر 1400هـ
ثانياً: اجتماع حكام المسلمين في يوم عرفة عند بيت الله الحرام، من أجل طرح مشاكل المسلمين، والتوصل إلى الحلول اللازمة لها. يقول الإمام:
"وضع المستعمرون خطة الاختلاف بين المسلمين بعدما واجهوا قوة الإسلام، ففصلوا الحكومات الإسلامية عن بعضها، وألقوا الخلاف بين المسلمين، وجعلوا الحكومات الإسلامية متعادية مع بعضها. يجب حلّ هذه المشكلة في يوم عيد الأضحى أو في يوم عرفة في بيت الله حيث ينبغي أن يجتمع الحكام في مكة المكرمة امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى، ويطرحوا المشاكل المتعلقة بهم ويتغلبوا عليها، وإذا تمّ ذلك فلا تتمكن أية قوة من مواجهة المسلمين".
من حديث الإمام في عيد الأضحى المبارك 1400هـ
ثالثاً: إزالة العوائق والسدود التي تفصل بين الحكام والمحكومين عن طريق تولّي الأمور حكام منبثقون من الأمة، ويعملون من أجل خدمة مصالح الأمة لا مصالح أعداء الأمة، ويحكمون على أساس إرادة أكثرية الأمة الساحقة التي تستهدف تطبيق القرآن دون سواه، وبذلك يصبح الحكام يعيشون آمال الأمة وآلامها، وتصبح الأمة سنداً ودعامة للحكام في مواقفهم الحاسمة.
الإمام الخميني (قدس سره) يتحدث عن العلاقات الإسلامية الإنسانية السائدة في الجمهورية الإسلامية بين الحكام والمحكومين، مطالباً سيادة مثل هذه العلاقات في بلدان العالم الإسلامي:
"إننا عندما نقول بأننا نريد أن نصدر ثورتنا إلى جميع البلدان الإسلامية، بل إلى كافة البلدان التي يسيطر فيها المستكبرون على المستضعفين فإننا نريد إيجاد وضع كهذا.. أي وضع تنتفي فيه الحكومات الظالمة المجرمة، ويزول فيه العداء بين الشعب والحكومة.
إننا نريد أن نصلح بين الحكومات والشعوب. ولو درست الحكومات وضع إيران، وتعرّفت على علاقة الشعب الإيراني بحكومته، فأغلب الظن أنها ستتأثر بذلك".
من حديث الإمام لسفراء البلدان الإسلامية في عيد الفطر 1400هـ
رابعاً: الحكومات الراسفة في أغلال العمالة والعبودية لا ترعوي بالنصح، ولا تستطيع أن تعود إلى أحضان الأمة، لأن العبودية أُشربت في قلوبها، والتبعية أضحت ممزوجة بفكرها ودمها. ومثل هذه الحكومات تشكل حجر عثرة على طريق استعادة الأمة لوجودها ولوحدتها وتماسكها. ولابد أن يثور الشعب بوجهها، ويقتلع جذورها. وهذا ما يطالب به الإمام إذ يقول:
"كل ضعف في المسلمين وكل فساد في الدول الإسلامية نابع من الحكومات.. والحل بيد الشعوب. وعلى الشعوب أن تعامل الحكومات التي تعمل ضد مصالح الإسلام والمسلمين نفس التعامل التي عامل بها الشعب الإيراني الشاه المخلوع".
من حديث الإمام لسفير سوريا في 22 رمضان 1399هـ
وعاظ السلاطين
ظاهرة وعاظ السلاطين في عالمنا الإسلامي، ليست بجديدة، فقد برزت في تاريخنا الإسلامي مع بروز الانحراف عن إسلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنها لا تختص بالإسلام بل ظهرت كلما عصفت الأهواء والأغراض بالرسالات الإلهية.
مهمة هؤلاء الوعاظ تدبيج الفتاوى التي تسند ذوي السلطة والنفوذ، وتضفي صفة الشرعية على انحرافاتهم.
مأساة وعاظ السلاطين في عالمنا الإسلامي بلغت ذروتها في العصر الأخير حيت تولّت زمام أمور المسلمين قيادات معادية للإسلام، ومعادية لكل تحرك إسلامي بنّاء، وهذه القيادات مارست ألوان الضغوط على علماء الدين كي يساعدوها في مسخ الإسلام والقضاء على الروح الإسلامية وحماية المشاريع الاستكبارية في بلاد المسلمين.
استجاب ثلة كبيرة من هؤلاء العلماء المرتبطين معاشياً بالقيادات الحاكمة وأضحوا ـ مع شديد الأسف ـ ألعوبة بيد العملاء وأسيادهم.
راجت سوق وعاظ السلاطين في العالم الإسلامي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حين لجأ الطواغيت الصغار والكبار إلى هؤلاء الوعاظ من أجل إصدار فتاوى التشكيك في أصالة المسيرة الإسلامية في إيران، وإثارة الشبهات حولها، وشهد العالم الإسلامي فجأة معامل لإنتاج الفتاوى في بقاع متعددة من عالمنا الإسلامي، تتجه بأجمعها نحو الطعن في الولادة الإسلامية المباركة بإيران.
يقول الإمام الراحل مشيراً إلى واحدة من تلك المحاولات:
"اليوم ونحن في رحاب تقارب مسلمي العالم وتفاهم كل المذاهب الإسلامية لإنقاذ بلدانهم من براثن القوى الكبرى.. اليوم ونحن في رحاب انقطاع أيدي طغاة الشرق والغرب عن إيران بوحدة الكلمة والاتكال على الله تعالى، والتجمع تحت لواء الإسلام والتوحيد..
الشيطان الأكبر (أمريكا) دعا فراخه لنثر بذور التفرقة بين المسلمين بكل الحيل والوسائل، وجرّ الأمة الإسلامية والأخوة في الإيمان إلى الاختلاف والعداء، ليفتح أمامه السبيل إلى مزيد من النهب والهيمنة.
الشيطان الأكبر، المذعور من صدور الثورة الإسلامية في إيران إلى سائر البلدان الإسلامية وغير الإسلامية وانقطاع يده الخبيثة عن جميع البلدان الخاضعة لسيطرته، لم يكتف بحصاره الاقتصادي وغزوه العسكري بل توسل بحيلة أخرى، لتشويه ثورتنا الإسلامية أمام مسلمي العالم، ولإثارة التناحر بين المسلمين، كي يتسنّى له الاستمرار في ظلم العالم الإسلامي ونهبه.
لقد أمر واحداً من أخبث العملاء الأمريكيين وصديق الشاه المقبور أن يجمع رجال إفتاء أهل السنة وفقهائهم ليفتوا بكفر الإيرانيين الأعزاء، بينما تتصاعد فيه مساعي إيران الدائبة لتوحيد الكلمة، ورصّ الصفوف تحت لواء الإسلام والتوحيد بين جميع مسلمي العالم".
من نداء الإمام إلى حجاج بيت الله الحرام ـ 2/11/1400هـ
هؤلاء الوعاظ يسكتون عن المؤامرات التي تحاك ضد أمتنا الإسلامية، بل يصدرون الفتاوى تأييداً لها كما فعلوا في إضفاء الشرعية على مؤامرة مخيم داود، كما يدسّون رؤوسهم في التراب إزاء المجازر التي ترتكب بحق المسلمين، بل يقفون أحياناً موقف المساند لهذه المجازر كما فعلوا في بقاع متعددة من عالمنا الإسلامي.. لكنهم يقفون بالمرصاد للثورة الإسلامية، يبحثون عن نقطة ضعف فيها، ويتحيّنون الفرص لشهر سيف التكفير بوجهها.
يرد الإمام الخميني على أقاويل وعاظ السلاطين بشأن مسألة المهدي قائلاً:
"إضافة لما نعانيه من أمريكا ومن الاتحاد السوفيتي، فإننا نعاني أيضاً من بعض أدعياء الإسلام، ومنهم كبار رجال الدين في بعض البلدان الإسلامية، هؤلاء يحرّفون كلامنا، ثم يصدرون أحكام التكفير بحقنا.
لو كان الأمر قد اشتبه على هؤلاء فأولى أن يدرسوا المسألة جيداً، وأن يعلموا ماذا يقولون، ولمصلحة من يعملون...
هؤلاء الذين يبثون مثل هذه السموم ويتلبسون ـ مع الأسف ـ بلباس الإفتاء، إنما يعملون ضد الإسلام، ووفقاً لهوى القوى الكبرى ولخدمتها، عامدين أم جاهلين".
ثم يضيف سماحته:
"لماذا لا يقف هؤلاء موقفاً متصلباً لهذا من السادات، وما يقوم به السادات من جرائم؟ ولماذا لم يصدروا أحكام تكفيرهم بحقه؟
ونحن حين نتحدث عن الإمام المهدي باعتباره قوة تنفيذية للإسلام، ونقول: إنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا ما ورد عن النبي بطرقهم أيضاً، ونقول: إن الأنبياء لم يتسنّ لهم تحقيق أهدافهم التي سعوا من أجلها، وسيبعث الله في آخر الزمان رجلاً يحقق أهداف الأنبياء... حين نقول هذا يعمد هؤلاء المساكين خدمة للأجانب أو جهلاً إلى تأويل هذه الأقوال، والنسبة إليّ بأنني قلت إن المهدي سيكمل الشريعة، وهذا ما يؤسفنا جداً.
إننا نعتبر المهدي من أتباع الإسلام، ومن أتباع نبيّ الإسلام، لكنه أيضاً قرة عين الرسول والمنفّذ لما جاء به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
لماذا يعمد هؤلاء في الحجاز والكويت وبعض البلدان الأخرى، إلى تحريف الكلام وإلى العمل ضد بلد إسلامي (إيران) يعمل على جمع شمل الأخوة وتقليم أظافر القوى الكبرى في العالم الإسلامي؟!
هؤلاء يسدون عالمين أم جاهلين، خدمة للقوى الكبرى، ويفرّقون بين المسلمين. ألا يعلم هؤلاء أن إلقاء التفرقة بين المسلمين يعارض نص القرآن؟! أجاهلون هؤلاء أم ـ لا سمح الله ـ للقوى الكبرى عملاء؟!".
من حديث الإمام بمناسبة عيد الفطر المبارك 1400هـ
تحرّك وعاظ السلاطين ضد الثورة الإسلامية كانت له ـ إضافة إلى إثاره التخريبية ـ نتائج إيجابية عادت بالنفع على الإسلام والمسلمين. فقد أتاح هؤلاء الوعاظ الفرصة لأبناء أمتنا كي يميّزوا بين علماء الدين المزيّفين وعلماء الدين الواقعيين، ولكي يندفعوا نحو إسلامهم الواقعي النقي البعيد عن تأثيرات علماء البلاط وخدمة السلاطين القدامى منهم والمعاصرين.
وإذا اغتنم أبناء الأمة هذه الفرصة، واستثمروها استثماراً جيداً، فسيستتب أساس قويم من أسس وحدة أمتنا الإسلامية.
الإسلام الممسوخ
حين أدرك المستكبرون أنهم غير قادرين على اقتلاع جذور الإسلام من البلدان المغلوبة، خططوا لتحريف الإسلام وجعله بشكل يتناسب مع مصالح الغزاة الطامعين.
عملية المسخ هذه اتخذت أبعاداً مختلفة أهمها عزل الدين عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحصره في نطاق الطقوس والعبادات الفردية، وهذا البعد من أبعاد المخطط استوجب إشاعة فكرة انفصال الدين عن السياسة، ونجحوا في هذا البعد إلى حد كبير بحيث أضحى الابتعاد عن السياسة من مستلزمات التقوى والإخلاص!! في الفرد المؤمن والمجموعة المؤمنة:
يقول الإمام الراحل في هذا المجال:
"كان المسجد والمنبر في صدر الإسلام، مركزين للنشاطات السياسية، خططُ الكثير من الحروب الإسلامية وضعت في المساجد.
.. والغزاة الغربيون توصلوا من خلال دراستهم للشرق إلى ضرورة إفراغ المسجد والمحراب والجامعة من المحتوى الحقيقي، أي القضاء على ما يمكن أن يصدر من المسجد والمنبر والجامعة من عطاء... والذي عملوه في كل هذه المجالات، هو أنهم سخّروا إعلامهم ووسائل دعاياتهم إلى إبعاد الدين عن السياسة حتى اشتبه الأمر على بعض علماء الدين الذين اقتنعوا بضرورة الاكتفاء بشرح بعض المسائل الدينية دون التدخل بأي أمر من أمور البلد ومشاكل الأمة".
من حديث للإمام في 23 رجب 1399هـ
والإسلام مازال معزولاً عن المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمالية في معظم بقاع عالمنا الإسلامي، مع فارق هو أن ادعاء التدين وادعاء الانتماء إلى الإسلام ازداد في عصرنا الراهن بين كثير من حكام العالم الإسلامي، خاصة بعد الصحوة الإسلامية الأخيرة، لكن الإسلام الذي يتبجّح به بعض هؤلاء الحكام لا يصدّهم عن ارتكاب أية جريمة بحق الإسلام والمسلمين، بل يجدون في الإسلام بين أيديهم مبررات لكل هذه الجرائم. وفي ضوء هذه المبررات مدّوا يد الصداقة إلى العدو الإسرائيلي، وعقدوا معه المعاهدات السرية والعلنية، ومهدوا للاعتراف الرسمي بوجوده، واستناداً إلى هذه المبررات الدينية الممسوخة تجمعوا لضرب الثورة الإسلامية والقضاء على الصحوة الإسلامية في عالمنا الإسلامي.
يقول الإمام الراحل (قدس سره):
"إن كثيراً من الأمور قد انكشف خلال هذ الحرب (الحرب العدوانية على الجمهورية الإسلامية) ومنها أن صدام حسين أخذ يتظاهر بالإسلام في الفترة الأخيرة، وكما يقال، فإنه أخذ يذهب إلى المسجد للصلاة، هذا نفس الشيء الذي كان يفعله محمد رضا بهلوي، فالشاه المعدوم كان يوجّه الكلمات البذيئة القاسية لعلماء الدين، ويوجّه أسلحته إلى صدورهم حيناً، غير أنه كان يتظاهر بالتدين وإقامة الصلاة وزيارة مرقد الإمام الرضا (عليه السلام) حين يشعر بالضعف".
من نداء الإمام إلى أبناء الامة في 20 ذي القعدة 1400هـ
ويقول أيضاً:
"إسلام صدام مثل إسلام محمد رضا خان، وإسلام السادات مثل إسلام صدام.. إنه إسلام لا يخرج عن إطار اللفظ، يسمح لأتباعه أن يؤسسوا قواعد لمحاربة الدولة الإسلامية في إيران...
يعقدون المعاهدات مع الكافر لقمع المسلمين... وهذا اللون من الإسلام هو الإسلام المستورد من أمريكا ومن الاتحاد السوفيتي... وإذا لم نعد إلى الإسلام... إلى إسلام رسول الله فإن مشكلتنا ستبقى دونما حل".
من حديث الإمام إلى الوفود المشاركة في مؤتمر القدس بطهران / 27 رمضان 1400هـ
ويندد الإمام القائد بتلك المؤتمرات التي تعقد باسم معالجة قضايا المسلمين، لكنها لا تهتم إطلاقاً بما يعانيه من المآسي، ولا يتطرقون إلى قضايا الإسلام المصيرية:
"هؤلاء الذين اجتمعوا في الطائف، مهد الإسلام، يعربون عن ولائهم للإسلام، ولكن ماذا قالوا؟ وماذا فعلوا؟ هل تطرقوا إلى هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يتّموا على يد الصهيونية؟ وهل ذكروا شيئاً عن جنوب لبنان؟ وهل تطرقوا إلى البلدان الإسلامية التي تأنّ تحت وطأة القوى العظمى وحلفائها؟
ألم ير هؤلاء الذين يدعون الإسلام كيف تداس كرامة جميع الدول الإسلامية بأقدام القوى الكبرى؟ ألا يعلمون ماذا يحدث الآن في جنوب لبنان وفلسطين والعراق وسائر البلدان الإسلامية، وما يعاني منه شعوب هذه البلدان؟ وكم طفل شرّد ويتّم؟!..".
من كلمة الإمام أمام أطفال شهداء العراق ولبنان وفلسطين
وجود الإسلام الممسوخ في العالم الإسلامي، يشلّ الطاقات البناءة في مجتمعنا، ويصدها عن الحركة نحو استعادة وجودها، ويبعد الجماهير المسلمة عن قيادتها الواقعية، ويجعلها خاضعة لقيادات زائفة منافقة متفرقة.. كما أنه يفوت فرصة وحدة الفكر والعواطف على الأمة الإسلامية.
من هنا لا يمكن أن تحقق أمتنا الإسلامية وحدتها الحقيقية إلا إذا عادت إلى إسلامها الواقعي ووقفت بوجه عملية مسخ الإسلام وتشويهه.
المهزومون
قد تهزم أمة في حرب، لكنها تستطيع أن تتجاوز الهزيمة بجدّها وعزمها ومثابرتها، أما لو هزمت روحياً فلا تتوقع هذه الأمة النهوض، لأن الهزيمة الداخلية تشلّ الأفراد وتقضي على عزمهم وثقتهم، وتجعلهم مستسلمين عن "قناعة" لأعدائهم.
ظاهرة الهزيمة الداخلية، سادت بين قطاع معين من أمتنا بعد الغزو الاستعماري. هذا القطاع يضم بشكل خاص أولئك الذين تفاعلوا بثقافة الغرب عن طريق الجامعات والمؤسسات العلمية، وأطلقوا على أنفسهم خطأً اسم "المثقفين" و "التقدميين".
هؤلاء المهزومون حرموا أمتهم من طاقاتهم بعد أن انفصلوا عن آمال الأمة وآلامها وعن فكرها وثقافتها وتفرقوا واتجهوا نحو أرباب متفرقين، وتمسكوا بمبادئ فكرة مستوردة لا تخدم إلا مصالح المستكبرين.
يقول الإمام القائد:
"كل التيارات ـ التغرب ـ هي انغماس في الظلمات، وكل أولئك الذين اتخذوا من الغرب والأجانب قبلة لهم قد ضلوا في الظلمات، وأضحى أولياؤهم الطاغوت.
شعوب الشرق اتجهت نحو الغرب بفعل الدعايات التي بثها الطواغيت وعملاؤهم في الداخل، وأضحى الغرب قبلة آمالهم وانهزموا داخلياً، ونسوا أنفسهم ومفاخرهم، وأضحت العادة أن يضعوا على كل شيء اسماً غربياً، وأن يهتموا بالكتب المليئة بالمصطلحات الغربية".
من حديث الإمام في 30 شوال 1400هـ
هؤلاء المهزومون روحياً لا حجة لهم فيما يذهبون ويقولون سوى أنهم يريدون أن يسايروا الزمن، ويتحرروا من الرجعية ومن قيود الماضي!! لكنهم في الواقع حرروا أنفسهم من كل القيم والفضائل الإنسانية، ووقعوا في أغلال شهواتهم الهابطة، وفي عبودية الآلهة المزيفة.
يقول الإمام الراحل في هذا المجال:
"أنتم المثقفون تريدون أن لا تعودوا إلى تربية كانت سائدة قبل 1400م. إنكم تخشون أن يعود شبابنا إلى تربية استطاعت أن تطيح بعروش الامبراطوريات، تريدون أن تجروا شبابنا نحو التربية الغربية.. إنكم يا أدعياء "الثقافة" و "الحرية" تريدون حرية كل شيء بما في ذلك حرية الفحشاء، تريدون أن تدفعوا شبابنا نحو الفساد، ونحن نريد أن نخرج شبابنا من المواخير وندفعهم إلى ساحات الكفاح، نريد أن نحرر شبابنا من الفساد، هذه الحرية التي تطالبون بها أيها السادة هي الحرية التي أملاها عليكم الطواغيت".
من حديث الإمام في عيد الفطر المبارك 1400هـ
الإمام يشير في حديثه إلى أن هؤلاء المهزومين، لا يحرمون الأمة من أنفسهم وطاقاتهم فحسب، بل يسعون إلى إهدار طاقات أبناء الأمة عن طريق إفسادهم وإبعادهم عن ممارسة دورهم الإيجابي البناء.
مأساة المهزومين لا تتوقف عند هذا الحد، بل تبلغ ذروتها حين يضحى هؤلاء عملاء مخلصين للغزاة الطامعين، إذ من الطبيعي أن ينتخب المستعمرون جواسيسهم وأجراءهم من هذه الفئة المهزومة بعد أن يُشرب في قلوبها حب ثقافة المستكبرين.
يقول إمام الأمة:
"هؤلاء الذين تخرجوا من الجامعات واحتلوا المناصب في الوزارات هم الذين جرّونا إلى شراك الشرق والغرب، وجعلونا تابعين لهما.
نحن إذ نطالب بإصلاح الجامعة والتعليم، لا نرفض وجود الجامعة، بل نريد جامعة تخدم البلد والأمة.
إن جامعة تخدم أمريكا أولى لها أن تزول".
من حديث الإمام بمناسبة وحدة الحوزة والجامعة ـ 10 صفر 1401هـ
وهذا الخطر الكبير في الهزيمة الداخلية هو الذي دفع بالإمام لأن يقول:
"نحن لا نخشى المحاصرة الاقتصادية، نحن لا نخشى الغزو العسكري.. خوفنا من التبعية الثقافية. خوفنا من الجامعة الاستعمارية. نحن نخاف من جامعة تربّي شبابنا بشكل تجعلهم في خدمة الغرب.. نحن نخاف من جامعة تربّي شبابنا بشكل تجعلهم في خدمة الشيوعية".
من حديث للإمام في 5 جمادى الثاني 1400هـ
هذا الداء العضال المسمم لوجود الأمة، والمفرّق لصفوفها، والمشتّت لطاقاتها يضع الإمام القائد له العلاج أولاً بتولّي الأمة المسلمة زمام الأمور، وإبعاد المهزومين عن كرسي قيادة الأمة:
"اعتمدوا على الفكر الإسلامي، وحاربوا الغرب والتغرّب، وقفوا على أقدامكم، واحملوا على المثقفين الموالين للغرب والشرق، واستعيدوا هويتكم، واعلموا أن المثقفين الذين باعوا أنفسهم للأجنبي أذاقوا شعبهم ووطنهم الأمرّين... إننا في عصر ينبغي أن تضيء الشعوب الطريق لمثقفيها، وأن تنقذهم من الانهيار والضعف أمام الشرق والغرب. فاليوم يوم حركة الشعوب، وهي التي ينبغي أن توجّه من كان يوجّهها من قبل".
من نداء الإمام إلى حجاج بيت الله الحرام ـ 2/11/1400هـ
علاج ظاهرة الانهزام الروحي تتمثل ثانياً ـ في رأي الإمام ـ بتظافر الطاقات الفكرية والعلمية لإنشاء المؤسسات التعليمية المستقلة المتجهة نحو خدمة الأمة:
"أساتذة الجامعة غرسوا، خلال الأعوام الطويلة، خاصة الأعوام الخمسين الأخيرة في ذهن الشباب فكرة ضرورة التبعية للأجانب بحجة أننا لسنا على شيء، وهذا ما أدى إلى شلّ الأدمغة عن إنتاج شيء. فعلى هؤلاء الأساتذة، وعلى كل المؤمنين بهذا الوطن وهذا الشعب، وكل الأحرار من قيود التبعية أن يجعلوا من الجامعة مركزاً للعلم والتهذيب، كي تتجه التخصصات نحو خدمة الوطن، لا أن تجرّنا إلى أحضان أمريكا وتقصم ظهر بلادنا".
من حديث الإمام بمناسبة يوم وحدة الحوزة والجامعة ـ 10/2/1400هـ
تعليقات الزوار