مواقف حسينية من كلمات الإمام الخميني

من كتاب (رجل من أهل قم)

(استطاع إمامنا العظيم واستلهاماً من شهر محرم وواقعة عاشوراء، أن يوصل نداء الحق المنطلق من قلبه إلى أسماع الأمة ويُغيّرها، وقد شاهدتم كيف أستلهم إمامنا العظيم واستخلص الدروس من محرم، وطرح إلى الوجود مفهوم (انتصار الدم على السيف) وحقق ما أراد، أي أنّ الشعب الإيراني بإتباعه للحسين بن علي (عليه السلام) قد استلهم دروس عاشوراء فانتصر الدم على السيف)[1].

(لقد اختط إمامنا العظيم في نهضته وحركته وحياته المنهج الحسيني, ونجح من خلال ذلك في صيانة الجمهورية الإسلامية, ودفع العدو إلى الإقلاع عن تهديداته وضغوطه, لأنه أفهم العدو عدم جدوى كل ذلك, وأنّ هذا القائد ليس بالشخص الذي يتراجع بسبب هذه الأمور)[2].

إنّ ما نقدمه الآن عبارة عن كلمات قالها رجلٌ عظيم المنزلة, كان المثل الأعلى في التأسّي بسيد الشهداء (عليه السلام)، رجلٌ حمل مشعل الشهادة في ليل الظلم الحالك، ناشراً ألوية الثورة, ومزيلاً وصمة العار والخنوع والذلة عن الجبين الناصع لروّاد التشيع الحسيني الدامي، ومعيداً لأذهان المستضعفين وحياتهم شعاري (إحدى الحسنيين) و(انتصار الدم على السيف) في عصر سادت فيه قوى حكمت الشعوب بالحديد والنار.

(وبالنتيجة وبفضل تظافر الجهود وتلاحم الأيدي التي لم تفارق اللطم على الصدور في مآتم الحسين قروناً من الزمن، وبفضل القلوب التي طفحت بعشق الحسين ونبضت بذكره والضمائر التي احتفظت بذكرى واقعة الطف الدامية والعيون التي ذرفت الدموع، وجيلاً بعد جيل، تم إسقاط يزيد الزمان.

فليحيى ذكره في الضمائر خالداً إلى الأبد, فهو الذي يشهد بحقيقة: (إنّ كل ما لدينا من محرم وعاشوراء)[3].

محرم صرح الشهادة الدامي[4]:

(محرم هو الشهر الذي ثار فيه العدل بوجه الظلم، ونهض الحق ضد الباطل وأثبت أنّ الحق منتصر على الباطل.

محرم هو الشهر الذي أُحيي فيه الإسلام على يد سيد الشهداء والمظلومين(عليه السلام)، وأنقذه من تآمر العناصر الفاسدة وحُكم بني أمية، الذين أوصلوا الإسلام إلى حافة الهاوية.

شهر محرم بالنسبة لمدرسة التشيع هو الشهر الذي تحقق فيه النصر اعتماداً على التضحية والدماء.

إنه الشهر الذي عَلّم كل الأجيال على مدى التاريخ نهج الانتصار على الحراب والأسنة، والشهر الذي شهد هزيمة القوى الكبرى مقابل كلمة الحق).

علل وأسباب نهضة عاشوراء:

(في صدر الإسلام الأول وبعد رحلة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) باني أسس العدالة والحرية، أوشك الإسلام أن ينمحي ويتلاشى؛ بسبب انحرافات بني أمية, وكاد يُسحق تحت أقدام الظالمين ويبتلع من قبل الجبابرة، فَهَبَّ سيد الشهداء(عليه السلام) لتفجير نهضة عاشوراء العظيمة.

لقد أوشكت حكومة يزيد وجلاوزته الجائرة أن تمحو الإسلام, وتُضيّع جهود النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) المضنية وجهود مسلمي صدر الإسلام ودماء الشهداء، وتُلقي بها في زاوية النسيان، وتعمل ما من شأنه أن يُضيّع كل ذلك سُدىً.

إنّ الخطر الذي كان يمثلّه معاوية ويزيد ضد الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبين للخلافة، فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر, وهو أنهما حاولا جعل الإسلام سلطنة وملكية, وأرادا أن يُحَوّلا الأمور المعنوية إلى طاغوت, ومحاولتهما قلب حقيقة الإسلام إلى نظام طاغوتي بالإستفادة من موقعهما بذريعة أنهما خلفاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

لقد كان هذا الأمر خطيراً لدرجة أنّ من سبقوهم لم يضاهوهم في إلحاق الضرر بالإسلام, ولم يبلغوا ما بلغاه.

لقد كان الواحد منهم يزعم أنه خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويشرب الخمر في مجلسه ويلعب القمار! ثم يبقى خليفة لرسول الله ويتوجه إلى الصلاة ويؤم صلاة الجماعة.

إنّ هذا خطر كبير واجه الإسلام مما دفع سيد الشهداء (عليه السلام) للقيام لرفضه.

لقد تحرك سيد الشهداء(عليه السلام) مع عدد قليل من الأنصار وثار بوجه يزيد, الذي كان حاكماً متجبّراً يرأس حكومة غاشمة جائرة، ويتظاهر بالإسلام ويستغل قرابته وصلته العائلية بالإمام(عليه السلام)، وكان يهيمن على مقدرات بلدٍ دون حق.

لذا فإنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ثار بوجهه مع قلة الأنصار؛ لأنه رأى أنّ واجبه وتكليفه يقتضي ذلك، وعليه أن يستنكر ما يحدث, وأن ينهى عن المنكر.

لَما أراد الحسين (عليه السلام) أن يثور خطب في الناس خطبة أوضح فيها أسباب الثورة, فقال: (أيها الناس إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).

والآن لننظر ماذا فعله يزيد ليثور ضده سيد الشهداء(عليه السلام), ويصفه بما وصفه, وسلك ذلك النهج، فالموضوع الذي تكلم به الإمام سيد الشهداء(عليه السلام) يخص الجميع, فهو يقول: (من رأى) يعني كل من رأى وعاصر سلطاناً جائراً يتصف بتلك الصفات وبقي ساكتاً أمامه لا يعارضه بقول ولا فعل فإنّ مصيره ومآله هو نفس مصير ومآل ذلك السلطان الجائر.

لقد كان يزيد بحسب الظاهر امرءاً متشبّثاً بالإسلام, ويعد نفسه خليفة لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويؤدي الصلاة أيضاً ويمارس ما نمارسه نحن، ولكن ماذا ارتكب غير ذلك؟ إنه يقترف المعاصي ويخالف سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يخالف أسلوب رسول الله في معاملة المسلمين وصيانة دمائهم وحفظ أموالهم، فهو يسفك الدماء ويهدر الأموال ويبذرها، وهي الأفعال التي كان يقوم بها أبوه معاوية والتي دعت أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى معارضته، وكل ما في الأمر أن الإمام علياً(عليه السلام) كان يمتلك جيشاً في حين لم يمتلك الحسين(عليه السلام) سوى عددٍ قليل في مقابل حكومة مقتدرة).

أهداف نهضة عاشوراء:

(لقد بعث الأنبياء لإصلاح المجتمع، وكلهم كانوا يؤكدون أنه ينبغي التضحية بالفرد من أجل المجتمع مهما كان الفرد عظيماً، وحتى لو كان الفرد أعظم من في الأرض، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع التضحية بهذا الفرد فعليه أن يضحّي.

وعلى هذا الأساس نهض سيد الشهداء(عليه السلام) وضحى بنفسه وأصحابه وأنصاره، فالفرد يُفدى في سبيل المتجمع، فإذا اقتضت مصلحة المجتمع وتوقف إصلاحه على التضحية وجبت؛ لأنّ العدالة ينبغي أن تحقق بين الناس [لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ][5].

لقد أعلن سيد الشهداء (عليه السلام) بصراحة: أن هدفه من قيامه هو إقامة العدل، فالمعروف لا يُعمل به والمنكر لا يُتناهى عنه، لذا فهو يريد إقامة المعروف ومحو المنكر، فجميع الإنحرافات منشؤها المنكر، وما عدا خط التوحيد المستقيم فكل ما في العالم منكرات ويجب أن تزول.

لقد رأى سيد الشهداء(عليه السلام) أنّ تكليفه يقتضي أن يقاوم تلك السلطة, ويُقتل؛ لكي يُغيّر الأوضاع السائدة آنذاك؛ ولكي يفضح تلك السلطة من خلال تضحيته وتضحيات أنصاره الذين كانوا معه.

لقد رأى أنّ حكومة جائرة قد هيمنت على مقدرات الدولة, وأنّ التكليف الإلهي يقتضي منه أن ينهض ويتحرك ويرفع لواء المعارضة والاستنكار مهما كلفه ذلك، ومع أنه كان يعلم وطبقاً للقواعد المتعارفة بأنّ مثل هذا العدد القليل لا يمكنه مواجهة ذلك الجيش الجرّار, إلا أنّ التكليف كان يقتضي القيام بتلك النهضة.

لقد قُتل سيد الشهداء (عليه السلام)، ولم يكن طامعاً في الثواب فهو لم يُعر هذا الأمر اهتماماً كثيراً، لقد كانت نهضته لإنقاذ الدين ولإحياء الإسلام ودفع عجلته إلى الأمام).

آثار ونتائج نهضة أبي عبد الله(عليه السلام):

(لو لم تكن عاشوراء ولولا تضحيات آل الرسول لتمكن طواغيت ذلك العصر من تضييع آثار النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وجهوده الشاقة.

ولولا عاشوراء لسيطر المنطق الجاهلي لأمثال أبي سفيان ـ الذين أرادوا القضاء على الوحي والكتاب ـ.

فقد هدف يزيد ـ حثالة عصر الوثنية والجاهلية المظلم ـ إلى استئصال جذور الحكومة الإلهية؛ ظناً منه أنه يستطيع بواسطة تعريض أبناء الوحي للقتل والشهادة أن يضرب أساس الإسلام، فقد كان يعلن بصراحة:( لا خبرٌ جاء ولا وحي نزل) ولا ندري لو لم تكن عاشوراء ما الذي كان حصل للقرآن الكريم والإسلام، ولكن إرادة الله تبارك وتعالى شاءت وما تزال، أن يُخلّد الإسلام المنقذ للشعوب والقرآن الهادي لها، وأن تحييه دماء الشهداء من أمثال أبناء الوحي وتصونه من أذى الدهر.

لقد أثمرت شهادة سيد المظلومين وأتباع القرآن وعاشوراء خلود الإسلام, وكتبت الحياة الأبدية للقرآن الكريم.

إنّ الشهادة المأساوية والأسر الذي تعرض له آل الله عرّضت عرش يزيد وسلطته إلى الفناء, وأزاحت آل سفيان عن مسرح التأريخ إلى الأبد.

لقد حفر أتباع يزيد في يوم عاشوراء قبورهم بأيديهم الآثمة, وتسببوا بهلاك أنفسهم, ومحق نظام حكمهم الظالم المتعسف.

لقد فجّر سيد الشهداء (عليه السلام) نهضة عاشوراء العظيمة، فأنقذ من خلال تضحيته بدمه ودماء أعزته إسلام العدالة, وقوض أركان حكم بني أمية.

إنّ سيد الشهداء(عليه السلام) هو الذي صان الإسلام وحفظه حتى وصل إلينا نحن في هذا العصر.

إنّ شهادة سيد الشهداء(عليه السلام) أحيت الدين، لقد استشهد هو وأحيا الإسلام ودفن النظام الطاغوتي لمعاوية وابنه يزيد، فشهادة سيد الشهداء(عليه السلام) لم تكن شيئاً مضراً بالإسلام، وإنما لمصلحة الإسلام فهي التي أحيته.

لقد تعرض الإمام الحسين(عليه السلام) للهزيمة العسكرية, إلا أنّ النصر النهائي كان من نصيبه، فخطه ونهجه لم يُهزما بمقتله، بل إنّ عدوه هو الذي ذاق الهزيمة، وكان نصيبه الفناء، فقد كان معاوية يريد أن يُحّول حكومة الإسلام إلى حكومة إمبراطورية ملكية, ويعيد الأمور إلى ما كانت عليه في عصر الجاهلية, فنهض الإمام سيد الشهداء(عليه السلام) وأفشل مساعيه, ودُفن يزيد وأتباعه وظلت لعائن الناس تلاحقهم إلى الأبد, كما انصبت عليهم اللعنة الإلهية أيضاً.

لولا نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) لما استطعنا تحقيق النصر في ثورتنا هذه.

نهضة عاشوراء قدوة الأحرار

(كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء):

(لقد عَلّم سيد الشهداء(عليه السلام) الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم والحكومات الجائرة, فرغم أنه كان يعلم منذ البداية بأن عليه أن يضحّي في طريقه الذي سلكه بجميع أنصاره وأهل بيته من أجل الإسلام، إلا أنه كان يعرف عاقبة ذلك أيضاً.

علاوة على ذلك, فقد عَلّم الجميع على مرّ التأريخ أنّ هذا هو الطريق الصائب، علمهم أن لا يخشوا قلة العدد.

فالعدد ليس هو الأساس في تحقيق التقدم إلى الأمام، الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم ومقاومتهم؛ فهذا هو الموصل إلى الهدف.

من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيراً إلا أنهم قد يكونون خاوين, أو ليسوا بالمستوى المطلوب.

ومن الممكن أن يكون عددهم قليلاً إلا أنهم أقوياء أشداء وشامخو الهامات.

لقد عَلّمنا إمام المسلمين أنه عندما يحكم المسلمين طاغوت جائر فعلى المسلمين وعلينا أن ننهض بوجهه, حتى لو كانت قوانا لا تتناسب مع القوى التي يملكها، علينا أن نقوم ونستنكر، عَلّمنا أن نضحّي ونسترخص دماءنا إذا رأينا كيان الإسلام عرضة للخطر.

لقد عَلّمنا سيد الشهداء (عليه السلام) بنهضته ما ينبغي لنا عمله في ساحة الحرب وخلفها، وماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح, وما هي واجبات المبلغين خلف جبهات القتال وكيف يؤدون ذلك.

إنّ مقولة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) مقولة عظيمة؛ لكنها تُفهم فهماً مغلوطاً، فالبعض يتصور أنها تعني أننا ينبغي أن نبكي كل يوم، لكن محتواها هو غير هذا.

لو نظرنا ما هو دور كربلاء في يوم عاشوراء، حينذاك ندرك أن على كل أرض أن تكون كذلك, فتمارس دور كربلاء الذي يتلخص في أنها كانت ميداناً خاض فيه سيد الشهداء(عليه السلام) غمار الحرب ومعه ثلة قليلة من الأنصار، فصمدوا وقاوموا ظلم يزيد وتصدوا للحكم الجائر لذلك العصر وضحوا وقتلوا، رفضوا الظلم وهزموا يزيد ودحروه.

هكذا ينبغي أيضاً أن تكون بقية البلدان وينبغي أن يحصل هذا الرفض للظلم في كل يوم, وعلى شعبنا أن يجسد ذلك في كل يوم ويشعر بأنه يوم عاشوراء، وينبغي لنا أن نقف بوجه الظلم ونعتبر أن هذه أيضاً أرض كربلاء, وعلينا أن نعيد فيها دور كربلاء).

فلسفة العزاء والمواكب الحسينية:

(لا يخفى بأنّ تعاليم الأئمة عليهم السلام تؤكد على أهمية وتعظيم هذه الملحمة التاريخية الإسلامية، كما أنّ صبّ اللعن على ظالمي أهل البيت عليهم السلام يمثل توجيهاً لهتافات الشعوب الغاضبة لتُصَبّ على الطواغيت والظلمة على مرّ التاريخ, والى الأبد.

ولا يخفى بأنّ صبّ اللعنات, وإطلاق الصرخات المستنكرة لظلم وجور بني أمية (لعنهم الله) رغم أنهم انقرضوا وانتهوا إلى جهنم، تُعدّ صرخة ضد الظلمة والطواغيت الحاكمين في العالم، وأن إحياء هذه الصيحة الهادرة من شأنه تحطيم الظلم ومحق الظالمين.

لا تظنوا أنّ هدف هذه المآتم والمواكب الحسينية يقف عند حدّ البكاء على سيد الشهداء(عليه السلام)، فلا سيد الشهداء بحاجة إلى هذا البكاء, ولا هذا البكاء ينتج شيئاً في نفسه.

إنما المهم هو أنّ هذه المجالس تجمع الناس وتوجههم إلى وجهة واحدة، ففي أيام محرم وصفر وخصوصاً في أيام عاشوراء نرى كيف يتوجه ملايين الناس باتجاه واحد.

فالقضية ليست قضية بكاء أو تباكي فحسب، إنما هي قضية سياسية، فأئمتنا عليهم السلام يريدون ومن خلال بصيرتهم وعمق رؤيتهم أن يُوحّدوا صفوف الشعب, ويعبئوه بالطرق المختلفة؛ كي يصان من الأذى.

فالمهم إذاً في كل هذه الأمور إنما هو البعد السياسي لهذه المجالس, وهذا التوجّه إلى الله, وتمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة وهدف واحد، وهذا هو الذي يعبئ الشعب باتجاه هدف وغاية إسلامية معينة، فمجلس العزاء لا يهدف إلى إكثار البكاء على سيد الشهداء للحصول على الأجر، بَيْدَ أنّ هذا حاصل وقائم، ولكن الأهم من ذلك هو البعد السياسي للأمر، وهو ما خطط له أئمتنا عليهم السلام في صدر الإسلام؛ كي يدوم حتى النهاية، وهو الاجتماع تحت لواء واحد وبفكر واحد، ولا يمكن لأي شيء آخر أن يحقق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيد الشهداء (عليه السلام).

إنّ أولئك الذين يُلقّنون شبابنا الآن بالقول: (إلى متى البكاء ومجالس العزاء والرثاء؟! تعالوا ننظم التظاهرات والمسيرات) لم يفهموا ما هي التعزية, وكيف أنها ساهمت في إبقاء هذا الأساس وهذا الكيان قائماً حتى الآن، لا يعلمون ولا يمكن إفهامهم بذلك.

إنهم لا يدركون أن مجالس العزاء والمراثي تصنع الإنسان وتبني شخصيته, ولا يعون أنها تبليغ ضد الظالم وضد الطاغوت وما يجب أن يجري فيها هو تبيان ما لَحِقَ بالمظلوم، وأنها ينبغي أن تبقى هكذا حتى النهاية).

المراسم العاشورائية ودورها في إحياء معالم الدين:

(علينا أن نعلم جميعاً بأنّ ما من شأنه إيجاد الوحدة بين المسلمين هي هذه المراسم السياسية، مراسم عزاء الأئمة الأطهار وخصوصاً سيد المظلومين والشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) الذي صان عقيدة المسلمين وخصوصاً شيعة الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم.

علينا أن ندرك سرّ بقاء هذا المذهب, وبقاء البلدان الإسلامية والشيعية؛ وعلينا أن نحافظ عليها.

وأحد هذه الرموز الكبيرة بل هو أكبرها، قضية سيد الشهداء(عليه السلام)، فعلينا أن نحفظ هذا الرمز، ونهتمّ بهذه المجالس التي كانت تقام على مرّ التاريخ وبأمر الأئمة (عليهم السلام).

إنّ المجالس الحسينية وما فيها من خطابة تحفظ مدرسة سيد الشهداء(عليه السلام) ومنهجه, والذين يقولون دعوها، لا يفهمون أصلاً ما هو منهج الحسين (عليه السلام), ولا يدركون أنّ هذه المجالس وهذا البكاء قد حفظ الإسلام منذ ألف وأربعمائة سنة.

نعم, إنّ هذه المنابر ومجالس العزاء ومواكب اللطم هي التي حفظت لنا الإسلام.

إنّ تلك الفئة من الشبّان ـ مع سلامة نيّاتهم ـ يتصورون أنّ علينا بعد الآن التكلّم بلغة العصر.

والحال أنّ حديث سيد الشهداء(عليه السلام) هو عين كلام العصر الجديد, وسيبقى هكذا دائماً.

وأساساً فإنّ سيد الشهداء (عليه السلام) هو الذي عَلّمنا أن نتحدث بلغة العصر, وهذه المجالس والمراثي والبكاء واللطم هي التي حفظت نهج سيد الشهداء وقضيته، ولو أراد شخص الإنفراد في إحدى زوايا غرف منزله والاكتفاء بقراءة زيارة عاشوراء واستخدام المسبحة, لَما بقي شيء.

إنّ كل مذهب بحاجة إلى اهتمام شعبي, واحتضان والتفاف بأمثال هذه المراسم: مراسم اللطم والبكاء هذه لو لم تكن موجودة لَما أمكن أن يُحفظ هذا المذهب ويُصان.

والذين لا يفهمون هذه الحقيقة مخطئون وجُهّال).

دور العزاء الحسيني في حفظ البلاد:

(أحيوا عاشوراء فبإحيائها يُصان بلدكم من كل سوء.

هذه الوحدة ـ وحدة الكلمة ـ هي التي كانت أساس انتصارنا, ومصدرها هو مجالس العزاء هذه ومجالس التبليغ والترويج للإسلام.

لقد أعدّ سيد الشهداء (عليه السلام) لشعبنا وسيلة يجتمع فيها أبناؤه بسهولة ودون عناء.

عليكم أن لا تنخدعوا بمزاعم وحِيَل الشياطين, الذين يريدون أن يجردوكم من هذا السلاح، ليحذر شبابنا من الإنخداع بذلك، فهذه الشعائر الحسينية هي التي حفظتنا وصانت بلدنا.

لا تدعوا التظاهرات والمسيرات تَحُلّ محل مواكب العزاء والمآتم، لا تسمحوا لهم أن يسلبوكم العزاء الحسيني، أقيموا المواكب الحسينية، ثم سيروا في تظاهرات حسينية واعقدوا التجمعات للمآتم.

وعندما تُطرح كلمة التظاهرات فلا تظنوا أننا نرفض المواكب الحسينية.

إننا نستطيع فقط أن نؤدي أعمالنا ونحقق أهدافنا بتطبيق الإسلام وبالأساليب الإسلامية, وبتكريم شهداء الإسلام, وإلا فلا مدافعنا ولا دباباتنا يمكن أن تقاس بدبابات أمريكا ومدافعها).

كيفية الإحتفاء بذكرى عاشوراء:

(ينبغي أن تقام مجالس العزاء لسيد المظلومين والأحرار(عليه السلام), وهي مجالس طابعها غلبة العقل على الجهل, والعدل على الظلم، والأمانة على الخيانة، والحكومة الإسلامية على حكومة الطاغوت، ويجب أن تقام بكل حفاوة وعظمة وروعة، ويجب أن تُنشر بيارق عاشوراء الحمراء؛ للدلالة على حلول يوم انتقام المظلوم من الظالم.

وأن لا تغفلوا عن إقامة مراسم عزاء الأئمة الأطهار عليهم السلام وخصوصاً سيد المظلومين والشهداء الإمام الحسين(عليه السلام).. فهذه المجالس هي شعائرنا الدينية التي يجب أن نحافظ عليها, وهذه المجالس هي شعائر سياسية أيضاً ينبغي المحافظة عليها.

ولا يغرّر بكم هؤلاء المتلاعبون ولا يستغفلكم هؤلاء الأشخاص المنحرفون، فهم يريدون أن يأخذوا منكم كل شيء.

يجب أن تبقى المجالس الحسينية ومواكب العزاء على حالها، وينبغي أن يُحيي الخطباء ذكرى شهادة الحسين(عليه السلام), وليعلم الشعب قيمة هذه الشعائر الإسلامية والإلهية، فبإحياء ذكرى سيد الشهداء يحيا الإسلام.

ينبغي إحياء ذكرى عاشوراء بنفس الأسلوب التقليدي, وبنفس الطريقة السابقة, وليعمل بذلك العلماء والخطباء وعامة الناس؛ بحيث تخرج المواكب الحسينية بشكل منظم وتسير في الشوارع على شكل مظاهرات.

ينبغي أن تعلموا أنكم إذا أردتم أن تبقى نهضتكم محفوظة وثورتكم مصانة فيجب أن تبقى هذه الشعائر مصانة, وأن تلتزموا بها كثيراً.

إنّ مواكب اللطم هذه هي التي تمثل رمز انتصارنا، لتقم المآتم والمجالس الحسينية في أنحاء البلاد, وليلقِ الخطباء مراثيهم, وليبكِ الناس.

عندما تخرج الجموع في يوم عاشوراء فلتكن مراسم العزاء في ذكرى استشهاد الحسين سلام الله عليه بنفس الحرارة والأسلوب الذي كانت تقام به في السابق, وليكن مضمون كل المسيرات والمراسم خاصاً بالإمام الحسين(عليه السلام).

ندعو الله أن يوفق شعبنا لإقامة مراسم العزاء في ذكرى واقعة عاشوراء وفق الأساليب السابقة والسنن التقليدية, ولتكن المواكب بنفس قوتها السابقة، ولتمارس مواكب اللطم والأشعار والشعارات الحسينية كما كانت تمارس في السابق، واعلموا أن حياة هذا الشعب رهينة بهذه المراسم والمراثي والتجمعات والمواكب).

وصايا للخطباء وقراء العزاء وجموع المعزين:

(يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها الظالمون في كل عصر ومصر وإيرادها في القصائد والأشعار التي ينظمها الشعراء في مدح ورثاء أئمة الحق عليهم السلام وبشكل حماسي.

وفي هذا العصر الذي هو عصر مظلومية العالم الإسلامي على يد أمريكا وسائر عملائها ينبغي التذكير بقوة وحزم بهذه المظالم وصبّ اللعنات عليهم.

وليهتمّ خطباء المنابر(أيّدهم الله)، ويسعوا في دفع الناس إلى القضايا الإسلامية, وإعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون السياسية والاجتماعية الإسلامية، وليتمسكوا بالمراثي والخطابة, فنحن أحياء بهذه المراثي.

على الخطباء أن يقرأوا المراثي في نهاية المجلس، ولا يختصروا بكلمتين ويكتفوا بذلك، بل ليتحدثوا كثيراً عن مصائب أهل البيت كما كانوا يفعلون في السابق.

ينبغي أن تعلموا أنكم إذا أردتم الحفاظ على نهضتكم فيجب أن تحافظوا على هذه الشعائر والسنن.

وطبعاً فإنه إذا كانت هناك أعمال وممارسات منحرفة وخاطئة يرتكبها أشخاص غير مطّلعين على المسائل الإسلامية فيجب تصفيتها، لكن المواكب والمآتم ينبغي أن تبقى على قوتها).

شذرات من توجيهات الإمام الخميني(قدس سره) بشأن محرم ونهضة كربلاء:

ـ (أحيوا ذكرى نهضة كربلاء والإسم المبارك للإمام الحسين بن علي (عليه السلام) فبإحياء ذكراه يحيا الإسلام.

ـ إنَّ دماء سيد الشهداء هي التي جعلت الدماء تغلي لدى الشعوب الإسلامية.

ـ محرم هو الشهر الذي شهد نهضة العدالة في مقابل الجور، والحق في مواجهة الباطل، وأثبت أنّ الحق منتصر على الباطل على طول التاريخ.

ـ إنّ الثورة الإسلامية في إيران شعاع من عاشوراء, والثورة الإلهية العظيمة التي وقعت فيها.

ـ شهر محرم بالنسبة لمذهب التشيّع شهر كان فيه النصر مقروناً بالتضحية والدم.

ـ محرم وصفر هما اللذان حفظا الإسلام.

ـ لقد ضحى سيد الشهداء (عليه السلام) بنفسه من أجل الإسلام.

ـ سيد الشهداء (عليه السلام) لم يربح المعركة في كربلاء من الناحية العسكرية، لكنه لم يُمْنَ بالهزيمة والفشل بل أحيا العالم كله.

ـ إنّ سيد الشهداء (عليه السلام) لبى صرخة الإسلام, واستجاب لإستغاثته وأنقذه.

ـ تضحية سيد الشهداء هي التي حفظت لنا الإسلام).

 

------------------------------

 

[1] عاشوراء في فكر الإمام الخامنئي، ص66.

[2] عاشوراء في فكر الإمام الخامنئي، ص82.

[3] هذا النص مأخوذ من مقدمة كتاب نهضة عاشوراء للإمام الخميني(قدس سره).

[4] هذا الشاهد وما يليه من كتاب نهضة عاشوراء للإمام الخميني(قدس سره).

[5] سورة الحديد/ الآية:25.