وفاة السيدة خديجة بنت خويلد

2007-08-23

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

"كمل من الرجال كثير، ومن النساء أربع، آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص)"

بطاقتها:

هي: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد.

أبوها: خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وهو الذي نازع تبعا الاخر حين أراد أن يحمل الحجر الأسود الى اليمن، وتصدى له ولم ترهبه قوته وكثرة أنصاره, وهو من سادة قريش وأثرياء مكة.

أمها: فاطمة بنت زائدة بن الاصم الذي ينتهي نسبها الى لؤي بن فهر بن غالب.

أخوها: عوام، والد زيد بن عوام، صهر عبد المطلب جد النبي (ص).

أختها: هالة بنت خويلد.

زوجها الاول: أبو هالة، النباش بن زرارة, وبقي معها الى أن توفي.

زوجها الثاني: عتيق بن عابد المخزومي، بقي معها الى ان توفي أيضاً.

زوجها الثالث: وقيل الوحيد محمد بن عبدالله (ص).

فضل خديجة (ع):

عن الصادق (ع) قال: لما توفيت خديجة رضي الله عنها, جعلت فاطمة (ع) تلوذ برسول الله (ص) وتدور حوله وتقول: أبه أين أمي؟

قال: فنزل جبرئيل (ع) فقال له: ربك يأمرك أن تقرء فاطمة السلام وتقول لها إن امك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده من ياقوت أحمر، بين آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران.

فقالت فاطمة (ع): إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام.

وعن ابن عباس قال: أول من آمن برسول الله (ص) من الرجال علي بن أبي طالب (ع) ومن النساء خديجة (ع).

وقال أمير المؤمنين (ع) لليهودي الذي سأل عن خصال الأوصياء: كنت أول من أسلم فمكثنا بذلك ثلاث حجج, وما على وجه الارض خلق يصلي ويشهد لرسول الله (ص) بما أتاه غيري, وغير ابنة خويلد رحمها الله.

وعن أبي عبد الله (ع) قال: دخل رسول الله (ص) منزله, فإذا عائشة مقبلة على فاطمة تصايحها وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلا أن لأمك علينا فضلا وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلا كبعضنا..

فسمع مقالتها لفاطمة فلما رأت فاطمة رسول الله (ص) بكت، فقال رسول الله (ص): ما يبكيك يا بنت محمد؟

قالت: ذكرت أمي فتنقصتها فبكيت.

فغضب رسول الله (ص) ثم قال: مه يا حميراء, فإن الله تبارك وتعالى بارك في الودود الولود, وإن خديجة رحمها الله ولدت طاهرا, وهو عبدالله وهو المطهر, وولدت مني القاسم وفاطمة ورقية وأم كلثوم وزينب, وأنت ممن أعقم الله رحمها فلم تلدي شيئا.

وعن عبدالله بن أبي أوفى قال: بشر رسول الله (ص) خديجة ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا غضب.

وروي أن جبرائيل (ع) أتى النبي (ص) فسأل عن خديجة فلم يجدها فقال: إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرئها السلام.

وروى أبو هريرة قال: أتى جبرائيل النبي (ص) فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطى فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فأقرئ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

وعن أمير المؤمنين (ع) قال: ذكر النبي (ص) خديجة يوما وهو عند نسائه فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟

فقال: صدقتني إذ كذبتم وآمنت بي إذ كفرتم وولدت لي إذ عقمتم.

قالت عائشة: فما زلت أتقرب الى رسول الله (ص) بذكرها.

وعن ابن شهاب قال: أنزل الله على رسوله القرآن والهدى وعنده خديجة بنت خويلد.

وعن محمد بن اسحاق قال: كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله, وصدقت بما جاء من الله وآزرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسوله وكان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له ويحزنه بذلك إلا فرج الله ذلك عن رسول الله (ص) بها, إذا رجع اليها تثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله.

وعن إبن إسحاق قال: أن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابع على رسول الله (ص) هلاك خديجة وأبي طالب, وكانت خديجة وزيرة صدق على الاسلام، وكان رسول الله (ص) يسكن اليها.

وقال ابن هشام: أن جبرائيل أتى النبي (ص) فقال: أقرئي خديجة من ربها السلام.

فقال رسول الله (ص): يا خديجة هذا جبرائيل يقرئك من ربك السلام.

فقالت خديجة: الله السلام, ومنه السلام وعلى جبرائيل السلام.

وعن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) إذا ذكر خديجة لم يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله عن كبيرة السن.

قالت: فرأيت رسول الله (ص) قد غضب غضبا شديدا، فسقطت في يدي، فقلت: اللهم إنك إن أذهبت بغضب رسولك (ص)لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.

فلما رأى الرسول ما لقيت قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر الناس, وآوتني إذ رفضني الناس, وصدقتني إذ كذبني الناس, ورزقت من حيث حرمتوه.

وقال رسول الله (ص): قام الاسلام بسيف علي ومال خديجة.

وكان (ص) يردد دائما عندما يعاتبه أحد على ذكرها بعد أن عوضه الله خيرا منها: والله ما بدلني الله خيرا منها, آمنت بي إذ كذبني الناس, وواستني بمالها إذ حرمني الناس.

وجاء في رواية أخرى: والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء.

وكان (ص) إذا ذبح شاة يقول: أرسلوا الى أصدقاء خديجة، فيوزع عليهم منها،فإذا عاتبه بعض نسائه يقول: والله إني لأحب من كان يحبها.

سيرتها:

ولدت السيدة خديجة بنت خويلد قبل هجوم ابرهة الحبشي على مكة بخمسة عشر عاما لأبوين قرشيين من أعرق الاسر في الجزيرة العربية، وقد اجتمع لها بالإضافة الى هذا النسب الرفيع الذكر الطيب والخلق الكريم والصفات الفاضلة فكانت من أفضل نساء القرشيين والمكيين في خلقها وجميع مواهبا وكانت تعرف بالطاهرة وهي أثرى أثرياء قريش وأوسعهم جاها.

وهي من التجار الذين يستوردون ويصدرون من والى الشام كل ما يدخل الحجاز من إنتاج اليمن والأحباش وغيرهما من البلاد المتاخمة للحجاز، وكانت تستعين في تجارتها بذوي الخبرة فترسلهم مع تجارتها بقسم من الارباح أو بأجر تحدده لهم، وكانت من المعروفات بالتدين والتربية الفاضلة فجمعت الى جانب ثروتها المادية الشرف والصون والعفة والكرم حتى أصبحت تعد السيدة الاولى في مكة وسميت سيدة نساء قريش.

وكما هو المشهور فقد تزوجت من أبي هالة النباش بن زرارة أحد زعماء بني تميم حسب، وكانت تعيش معه حياة زوجية سعيدة رزقها الله منه ولدا أسمته هندا، فلما توفى الله زوجها تقدم لها عتيق بن عابد المخزومي أحد مشاهير وكرماء العرب، فتزوجت منه وعاشت ردحا من الزمن رزقها الله منه بنتا اسمتها هندا أيضا، ثم توفي فانشغلت بتربية ابنتها وتجارتها ورفضت كل من تقدم اليها من الرجال خصوصا وانها كانت تشعر أن معظم من تقدموا اليها كانوا يطمعون في ثروتها، هذا فضلا عن إنها لم تجد الرجل الكفؤ الذي تنتظره.

زواجها من محمد (ص):

بعد ان عرفت خديجة ما كان يتمتع به محمد بن عبدالله (ص) من الصفات التي رفعته على السادة من أشراف قريش من صدقه وعفته وخدماته التي كان يقدمها لذوي الحاجات وكانت خديجة ترسل في تجارتها الى الشام جماعة بأجر معين دعت محمدا بعد أن اشتهر أمره وطلبت منه أن يذهب في تجارتها الى الشام لقاء ضعفي ما تعطي الآخرين من أجر فوافق رسول الله (ص) بعد أن استشار عمه أبو طالب.

ذهب محمد (ص) بتجارة خديجة الى الشام وأرسلت معه غلامها ميسرة لخدمة القافلة ورعايتها وكانت الرحلة موفقة وناجحة لدرجة فاقت كل الرحلات التي قبلها مما حدى بميسرة للإسراع الى مكة قبل دخول القافلة ليخبر خديجة بما جرى من تفاصيل تلك الرحلة التي لم يجد لها نظيرا من قبل.

أحست خديجة بشيء غريب في نفسها تجاه محمد, فباتت تفكر فيه لا في غيره من الرجال، ذلك أن محمدا ليس كغيره من الرجال فقد وجدت فيه - حسب المعلومات التي توفرت لديها - ضربا اخر من الرجال لا تستهويه أمتعة الدنيا فطلبته لنفسها وتمنت لو يأتي ليخطبها.

طال انتظار خديجة دون فائدة فأرسلت اليه من يشجعه على خطبتها من عمها وهذا ليس بغريب على امرأة فاضلة كخديجة تطلب زوجا كمحمد بن عبدالله (ص) الذي فاق شرفا ومكانة سادة مكة وأشرافها حيث كان في القمة في صفاته التي لم يعرف لها العرب مثيلا في ماضيهم وحاضرهم..

فهو مثال العقل والحكمة والأمانة والخلق الكريم وهو قد جمع مع ذلك صباحة الوجه وجمال التركيب مالم يتوفر في أحد سواه.

لذلك أرسلت خديجة من يخطبه اليها قيل انها نفيسة بنت منبة وقيل أنها أختها هالة بنت خويلد.

أما نفيسة فإنها قصدته وهو يخلو بنفسه فابتدأت حديثها تسأله عن أسباب عزوفه عن الزواج وقد تجاوز العشرين من العمر وأصبح في أمس الحاجة الى امرأة يسكن اليها وتملأ دنياه بهجة وسرورا فأمسك عن جوابها وتراكمت في نفسه صور عما هو فيه ويتمه وفقره واستمر في صمته حتى أعادت عليه الحديث لتسمع جوابه وأحرجته في اسلوبها وإلحاحها فابتسم وقال: والله ما بيدي شئ من المال لكي أتزوج به.

فوجدت نفيسة المدخل الذي تريده فقالت: إذا دعيت الى الجمال والشرف والمال والكفاية ألا تجيب؟

قال: من؟

قالت: خديجة التي لا يساويها أحد من القرشيات والملكيات.

فرحب بتلك البادرة وعرضها على عمه أبي طالب فأشرق لها وجهه وغلبته ابتسامته حين اطمئن على مصير ابن أخيه.

 فتم الزواج بينهما وعاشا حياة سعيدة مليئة بنور المحبة ودفء السعادة التي لم تكن مثلها سعادة.

إسلام خديجة:

كان محمد (ص) - كعادته كل عام - يخرج الى غار حراء ويعتكف فيه طوال شهر رمضان وفي السنة التي نزل عليه الوحي وفي الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته عاد الى بيته فجلس الى جانب خديجة فقالت له: يا أبا القاسم أين كنت؟ فو الله لقد بعثت برسلي في طلبك حتى بلغوا أعلى مكة ورجعوا؟؟..

فحدثها بالذي رأى.

فقالت: أبشر يابن العم وأثبت فوالذي نفس خديجة بيده اني ارجوا أن تكون نبي هذه الامة.

ثم قالت له: أبشر فإن الله لا يخزيك أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الامانة، وتحمل الكل، وتقري الضعيف، وتعين على نوائب الحق.

لقد كان من الطبيعي أن تسارع الى الايمان برسالته حيث أحصت عليه حياته كلها فما وجدت غير الامانة والصدق وعلو النفس وحب الخير لجميع الناس، وكان طبيعي أن تكون أول من تصدقه وتؤمن بدعوته, وأول من تضحي في سبيل هذه الدعوة بكل ما تملك، وكيف تتردد في تصديقه وقد عاشت معه أكثر من خمسة عشر عاما لم تعثر له خلالها على زلة قدم، وقد جاءها اليوم يدعوها الى عبادة الله وحده وايتاء كل ذي حق حقه والبر باليتامى والمساكين وأبناء السبيل وترك الفحشاء والمنكر والبغي, لقد دعاها الى هذه الخصال التي أحبتها قبل أن تكون زوجته, فكيف تترد اليوم في قبولها وقد أنزلها الله عليه ليفرضها على الناس أجمعين.

وقد قيل في الروايات أن أول ما افترض الله الصلاة حيث جاء جبرائيل فأراه الوضوء فتوضأ رسول الله (ص) كما توضأ جبرائيل ثم صلى ليريه كيف يصلي رسول الله (ص)ثم جاء رسول الله (ص) الى خديجة بنت خويلد فأخبرها بما فرضه الله عليه فتوضأت وصلت.

وفاة خديجة:

بعد حصار استمر ثلاثة أعوام في الشعب خرج رسول الله (ص) ومن معه وقد أشرفوا على الموت جوعا, خرج لكي يواصل المسيرة من جديد ويستمر في دعوته وكله أمل في أن تيأس قريش من تنازله عن الدعوة بعد أن لاقى ما لاقى من التعب دون فائدة، وتفهم أن التهديد والحصار والتجويع لثائر كمحمد (ص) لا يجدي نفعا، خاصة وأنه لا يعدم اليد التي تسنده وتشد أزره وتحميه من الأعداء، يد عمه أبي طالب, حيث رآه في أحرج الظروف يفديه بأولاده فيأمرهم أن يناموا على فراشه ويأخذ بيده الى فراشهم خوفا من أن يغتاله أحد وإذا حاول أحد من المشركين أن يقوم بعمل من هذا النوع فنفسه طيبة بأن يكون أعز أولاده عليه فداء لابن أخيه.

ولذلك كانت تخف الآمة ويطمئن على مسيرة الرسالة، خاصة وأنه إذا رجع الى بيته وجد فيه خديجة زوجته الوفية الصادقة في إيمانها ووفائها تستقبله بقلبها وبشاشتها لتهون عليه الشدائد ويرى فيها الزوجة التي شاركته المصائب والآلام فلم تتزعزع ولو لحظة واحدة بل بذلت له ثرائها الواسع وكل ما تملك من جاه ومال لإنجاح دعوته.

وفي العام العاشر من مبعثه الشريف في شهر رمضان المبارك اشتد بأبي طالب المرض وكان قد تخطى الثمانين وأخذ يفتك به حتى شعر بدنو أجله فقال لقريش عندما اجتمعوا حوله لعيادته: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد واتبعتم أمره, فأطيعوه تنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم.

اشتد بأبي طالب المرض وبينما رسول الله (ص) قد انصرف في حاجة له وإذا بالناعي قد أقبل إليه يخبره بوفاة عمه, فمضى مسرعا الى البيت الذي هو فيه, فمسح جبينه الأيمن والأيسر كما كان هو يمسح جبينه ثم قال: رحمك الله يا عم, ربيت صغيرا وكفلت يتيما ونصرت كبيرا, فجزاك الله عني وعن الاسلام خير جزاء العاملين المجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم وكل ما يملكون, ثم بكى وأبكى من كان معه حول أبي طالب.

وكان يتذكره دائما وخاصة عندما تشتد عليه قريش, فيبكي ويقول: والله ما نالت قريش مني شيئا أكرهه إلا بعد موت أبي طالب.

وكان كلما بكى أبكى من حوله، وقبل أن تجف دموعه على عمه أبي طالب, فجع مرة أخرى في عزيز عليه وأي عزيز فجع في من صدقه حين كذبه الناس، وآمن به حين كفر الناس، وواساه بالمال حين حرمه الناس, فجع في اليد التي كانت تمسح عن جبينه التعب، وعن خديه الدمعة وتشد أزره كلما اشتد عليه عدوان قريش..

فجع في التي كانت تمسح دموعه وتشاطره الآلام والأحزان, فجع في خديجة, حبيبة قلبه وأقرب نساءه اليه، فجع عندما وجدها في البيت ترتعد تحت وطأة المرض ولم يكن يستطيع أن يعمل لها شيئا حتى توفيت أمامه وبين يديه.

فجلس رسول الله (ص) يبكي على عمه الذي رباه ونصره وضرب المثل الأعلى في التضحية والنصرة والرعاية خلال أربعين عاما أو تزيد، وزوجته التي بذلت له مالها وواسته في جميع الخطوب والنكبات وكانت تود أن تتحمل عنه كل شيء ليسلم لرسالته, فشعر كأن المسرات تتخلى عنه, وان بهاء الحياة يعود الى السواد والظلمة, فسمى ذلك العام بعام الحزن, وبكى كما لم يبكِ في حياته, فأبكى عشيرته وأصحابه.

فرحم الله أبا طالب ورحم الله خديجة, فقد مضت راضية مرضية وبقت ذكراها عطرة تملأ بيت الرسول (ص) لا ينساها ولا يمل من ذكرها، وبقى يحن الى كل شيء يذكره بخديجة وعظيم خدمتها للإسلام, حتى لقد قال في حقها: قام الاسلام بسيف علي ومال خديجة.

وجاء عن الامام الصادق (ع) أنه قال: لما توفيت خديجة رضي الله عنها, جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (ص) وتدور حوله وتقول: أبه أين أمي؟

قال: فنزل جبرائيل وقال له: ربك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها أن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب وعمده من ياقوت أحمر بين آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران.

فسلام عليك أيتها الصديقة الكاملة, يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعثين..

لماذا خديجة؟!

كانت ملكة الحجاز في ثرائها العريض, وتجارتها الواسعة, وحسن أخلاقها, ورجاحة عقلها، وحينما تزوجت من النبي (ص) كانت الزوجة المثالية في إدارة الحياة داخل البيت وخارجه, وفي تربية السلالة الطيبة.

وحينما بعث النبي (ص) بالرسالة, استجابت له وآمنت بدعوته قبل غيرها، ورضت بالرسالة وتعاليمها وطبقتها على نفسها وأبدت نشاطا واسعا في تبلغيها ونشرها..

كما جعلت ثروتها في خدمة النبي (ص) ينفقها كيف يشاء, ولأن الاسلام في بادئ الامر كان مرفوضا من الاغنياء الذين وجدوا فيه تهديدا لمصالحهم, كان الفقراء يتسابقون اليه بفطرتهم وصفاء نفوسهم وبعدهم عن الحسابات المادية، ولان هذا يكلفهم معاشهم الذي يؤمنه لهم الاغنياء, فكان رسول الله (ص) يصرف أموال خديجة في إعاشتهم وتحريرهم من الاستعباد..

لقد حدى هذا العطاء اللامحدود من خديجة للإسلام بالنبي (ص) - الذي لا ينطق عن الهوى - الى أن يبين الحقيقة التي أصبحت وساما على جبين التاريخ الرسالي حيث قال (ص): قام الدين بسيف علي ومال خديجة.. لأن ثروة خديجة (ع) كانت بمثابة الحجر الاساس لبناء الامة اقتصاديا، وكان التكامل النفسي لخديجة (ع) وتفاعلها الفكري مع الرسالة الاسلامية, في كل بنودها النازلة - حتى ذلك الوقت - على رسول الله (ص) مما حدى به (ص) الى أن يجعل خديجة في مصاف النساء الأرفع مكانة في تاريخ البشرية جمعاء, حيث قال (ص): كمل من الرجال كثير، ومن النساء أربع، آسية بنت مزاحم، ومريم ينت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص).