بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرات علماء الدين في جميع أنحاء البلاد ومراجع الإسلام العظام، المدرسين الكرام، وطلاب الحوزات العلمية الأعزاء، وأئمة الجمعة والجماعات المحترمين دامت بركاتهم. صلوات الله ورسوله وسلامه على الأرواح الطيبة للشهداء وخصوصاً شهداء الحوزات والعلماء. تحية لحملة امانة الوحي والرسالة الحراس الشهداء الذين قامت أركان عظمة وفخر الثورة الإسلامية على عواتقهم الحمراء القانية. سلام على صانعي الملاحم الخالدة من العلماء الذين كتبوا رسالتهم العلمية والعملية بدم الشهادة وحبر الدم، وصنعوا من شمعة حياتهم جوهرة ليل مضيئة من على منبر الهداية والوعظ والخطابة الأصيلة. فخراً وطوبى لشهداء الحوزة والعلماء الذين قطعوا سبل تعلّقهم بالدرس والبحث والمدرسة، وخلّصوا حقيقة العلم من عقال الآمال الدنيوية، ونهضوا خفافاً إلى ضيافة اللاهوتيين وأنشدوا شعر عالم الحضور في مجمع الملكوتيين. السلام على أولئك الذين نفروا حتى بلغوا حقيقة التفقه وأصبحوا منذرين صادقين لقومهم وشعبهم، الذين شهدت قطرات دمائهم وأشلاؤهم الممزقة على صدق فقرات حديثهم! والحق أنه لم يكن لينتظر غير مثل هذا من علماء الإسلام والتشيع الواقعيين الذين تقدموا طريق الدعوة للحق والنضال الدامي للشعوب ليكونوا هم أول من قدم القرابين وختام صحيفة حياتهم الشهادة. أولئك الذين أدركوا حلقات ذكر العرفاء وأدعية سحر المناجين في الحوزات وبين العلماء، ولم ينشدوا في حضورهم من أمل سوى الشهادة، أولئك الذين لم يسألوا الحق تعالى وهم في ضيافة الخلوص والتقرب إلاّ الشهادة. ولم يصل جميع المشتاقين والطالبين إلى نيل الشهادة بطبيعة الحال، فمثلي شخص قضى عمره في ظلام الحجب والأغلال، وفي دار الحياة والعمل لم يحض إلاّ بصفحات كتاب الذاتية والأنانية، وآخر طعن صدر تطلعات الهوى السوداء من أول الليلة الأطول من عمره، ومع بزوغ فجر سحر العشق أمضى مع الوصال والشهادة عقده، والآن كيف لي أن أصف قافلة سادة الوجود وقادته وأنا الذي غفلت عن بقائي وعدم خروجي من ظلمات محض العدم؟ أنا وأمثالي لا نسمع من هذه القافلة الا أصوات صدى أجراس ليس إلاّ، فلأدع وأمضي. ليس ثمة شك في أن الحوزات العلمية والعلماء الملتزمين كانوا على مدى تاريخ الإسلام والتشيع أهم الحصون الراسخة للإسلام في قبال الهجمات والانحرافات والتحريفات.
* الفقهاء مجاهدون في سبيل الله
لولا الفقهاء الأعزاء لما عُلم أي العلوم كانوا سيحملونها الناس اليوم باسم علوم القرآن والإسلام وأهل البيت عليهم السلام. لقد سعى علماء الإسلام العظماء طوال حياتهم لترويج الأحكام الإلهية من حلال وحرام دون تحريف وتصريف. ان جمع وحفظ علوم القرآن وآثار وأحاديث النبي الأعظم(ص) وسنّة وسيرة المعصومين عليهم السلام وتدوينها وتصنيفها وتنقيحها ـ في ظروف شحة الإمكانيات، وما كان يبذله سلاطين الجور والظلمة من طاقات في سبيل محو آثار ـ الرسالة لم يكن بالعمل الهيّن، ونحن اليوم وبحمد الله نرى نتيجة تلك الجهود في الآثار والكتب المباركة مثل "الكتب الأربعة" وكتب أخرى للمتقدمين والمتأخرين في "الفقه والفلسفة، والرياضيات والنجوم، والأصول والكلام، والحديث والرجال، والتفسير والأدب، والعرفان واللغة، وشتى مجالات العلوم المتنوعة"، إذا لم نطلق على هذه الجهود والمعاناة جهاد في سبيل الله، فماذا عسانا أن نسميها ؟!
ان الحديث ليطول في البعد العلمي لخدمات الحوزة العلمية مما لا يسعه هذا المختصر، وبحمد الله فان الحوزات غنية ومتجددة بلحاظ منابع وطرق البحث العلمي والاجتهاد، ولا أتصور وجود طريقة أنسب للتحقيق المعمق في جوانب العلوم الإسلامية غير تلك التي كان عليها السلف من العلماء.
ويشهد تاريخ ألف سنة من تحقيق وتتبع العلماء الواقعيين للإسلام على ادعائنا في نماء بذرة الإسلام المقدسة وغدوّها شجرة مثمرة.
* علماء الدين ملاذ المحرومين
منذ مئات السنين كان علماء الدين ملاذاً للمحرومين، وطالما ارتوى المستضعفون من زلال كوثر معرفة الفقهاء العظام. ولو غضضنا النظر عن مجاهداتهم العلمية والثقافية التي تعتبر بحق أفضل من دماء الشهداء من بعض الجهات، فإلى جانب تحملهم الأسر والتهجير، والسجون والأذى والألم، والتجريح، فقد تحملوا في كل عصر من الاعصار في سبيل الدفاع عن مقدسات دينهم وأوطانهم الأمرّين، وقدموا إلى ساحة قدس الحق تعالى شهداء غوالي، ولا ينحصر الشهداء من العلماء بشهداء النضال والحرب في إيران، ويقيناً فان رقم الشهداء المجهولين من الحوزات العلمية من الذين قضوا في مسيرة نشر المعارف والأحكام الإلهية غرباءً بأيدي العملاء والجبناء رقم كبير. وفي كل حركة وثورة إلهية وشعبية كان السبق لعلماء الإسلام الذين سطّر الدم والشهادة على جباههم ومفرق رأسهم نقشه.
* شهداء الحوزة
في أي الثورات الشعبية الإسلامية لم تكن الحوزة والعلماء سابقين إلى الشهادة؟! ولم يرفعوا فيها على المشانق ولم تصمد أجسادهم الطاهرة أمام وعثاء طريق الحوادث الدامي حتى الشهادة؟
في الخامس عشر من خرداد وفي أحداث ما قبل وبعد الانتصار من أي فئة كان أوائل الشهداء؟ أحمد الله على أن دماء شهداء الحوزة والعلماء قد صبغت سماء الفقاهة بلونها القاني، فمن جدران الفيضية حتى زنزانات نظام الشاه الانفرادية المرعبة، ومن الزقاق والطريق إلى المسجد ومحراب إمام الجمعة والجماعة، ومن مكاتب العمل ومراكز الخدمات حتى خطوط مقدمة الجبهة وميادين الألغام. ومع النهاية المشرقة للحرب المفروضة نجد أن رقم الشهداء والمفقودين من الحوزات بالنسبة إلى الشرائح الأخرى أكبر، "أكثر من ألفين وخمسمئة فرد من طلاب العلوم الدينية من شتى بقاع إيران استشهدوا في الحرب المفروضة" ويبين هذا الرقم إلى أي حد كان العلماء على استعداد للدفاع عن الإسلام وإيران الإسلامية. واليوم وكما في الماضي فإن العلماء الشجعان الجسورين المخالفين للشرق والغرب والمتمسكين بأصول الإسلام المحمدي الأصيل سوف يكونون هدفاً لأيادي الاستعمار الإرهابية في جميع أنحاء العالم من مصر وباكستان وأفغانستان ولبنان والعراق والحجاز وإيران والأراضي المحتلة، ومن الآن فصاعداً سوف يشهد العالم الإسلامي بين فترة وأخرى تصاعد حنق الطغاة على أحد العلماء المتفانين.
* العلماء الملتزمون والرأسماليون مصاصو الدماء
إن علماء الإسلام الأصيلين لم يتبعوا الرأسماليين وعبدة المال والإقطاعيين ابداً، وبقوا محتفظين بهذا الشرف دائماً، وانه لظلم عظيم أن يقول احد أن يد العلماء الأصيلين أتباع الإسلام المحمدي الأصيل في يد الرأسماليين، وأن الله لا يغفر لهؤلاء الذين ينشرون أو يفكرون بالقضية على هذه الكيفية.
أن العلماء الملتزمين متعطشون لدماء الرأسماليين ومصاصي الدماء ولم يدخلوا معهم في صلح أبداً لن يفعلوا، لقد نقلوا العلم ونشأوا على الزهد والتقوى ورياضة النفس، ثم بلغوا مقاماتهم العلمية والمعنوية على ذلك النحو من الزهد، وقضوا حياتهم بالفقر واليد الخالية معرضين عن زينة الدنيا، وأبوا الذلة ومنّة الآخرين.
إن نظرة دقيقة في حياة علماء السلف تحكي لنا كيف كان الفقر وروحية السخاء والمروءة تبعث على كسب المعارف، وكيف كانوا يدرسون على نور القمر وضوء الشموع، وكيف عاشوا في قناعة وعظمة! لقد كانت أهليتهم وصدقهم وإخلاصهم علةً لانتخاب الناس لهم، ولم يكن الأمر رهين قوة ولا مال.
* مخالفة العلماء لمظاهر التمدن
إن مخالفة العلماء فيما مضى لبعض مظاهر التمدن لم يكن إلاّ خوفاً من نفوذ الأجانب؛ فقد ألزمهم خوفهم وإحساسهم بخطر توسع الثقافة الأجنبية، وبخاصة الثقافة الغربية المبتذلة، بأن يتعاملوا مع الاختراعات والاكتشافات بحذر واحتياط، ولما لمسوه من كذب وحيلة المستكبرين لم يكونوا ليطمئنوا إلى شيء، لذا كانوا يحكمون أحياناً بمنع استعمال أجهزة من قبيل الراديو والتلفاز إذ كانوا يرونها مقدمة لدخول الاستعمار.
ألم تكن أجهزة مثل الراديو والتلفزيون في بلاد مثل إيران وسيلة لنشر الثقافة الغربية وعرضها كتحفة؟ ألم يستعمل النظام السابق الراديو والتلفزيون في تسقيط العقائد الدينية والأعراض عن التقاليد والاعراف الوطنية؟
على أي حال فإن خصوصيات عظيمة كان يتمتع بها العلماء من قبيل القناعة والشجاعة والصبر والزهد وطلب العلم وعدم الارتباط بالسلطات، والأهمّ من كل ذلك الإحساس بالمسؤولية تجاه الأمة والناس، أحيت وجود العلماء وثبتتهم وحببتهم في المجتمع، وأي عزة أعظم من أن يتمكن العلماء مع شحة إمكانياتهم من أن يجعلوا من الفكر الإسلامي الخالص تياراً في ساحة الفكر والثقافة الإسلامية ! وبهذا أزدهرت بذرة الفقاهة ؟ المقدسة في روضة الحياة المعنوية لآلاف العلماء المحققين.
وحقاً أليس من السذاجة ان يظّن أحد ان الاستعمار لم ولن يلاحق العلماء مع هذه العظمة والمجد والقدرة التي يتمتعون بها؟
* كتاب الآيات الشيطانية
إن مسألة كتاب "الآيات الشيطانية" عمل منظم ومخطط له ليضرب أساس الدين والتدين وعلى رأس ذلك الإسلام والعطاء، وباليقين أقطع لو تمكن الاستكبار لأحرق أسم وأساس العلماء، ولكن الله لا يزال حامي وحافظ هذا المشعل المقدس وسيبقى كذلك ان شاء الله، وشرط ذلك أن نعرف مكر وخداع المستكبرين.
* العلماء الخونة والمتظاهرون بالصلاح
ولا يعني هذا أننا ندافع عن جميع العلماء، فالعلماء الخونة والمتظاهرون بالصلاح والمتنسكون ليسوا قلة ولم يكونوا قلة، وفي الحوزات العلمية هناك من ينشط ضد الثورة وضد الإسلام المحمدي الأصيل.
إن معاول الهدم التي يضربها بعض المتظاهرين بالصلاح في أساس الدين والثورة والنظام تظهر كأن القوم لا عمل لهم في هذه الأيام سوى هذا. إن خطر المتحجرين فكرياً والمتظاهرين بالصلاح الحمقى في الحوزات العلمية ليس بالهيّن، وعلى الطلاب الأعزاء أن لا يغفلوا عن أفكار هذه الأفاعي الرقطاء لينة الملمس، إنهم دعاة الإسلام الأمريكي وأعداء رسول الله. ألا ينبغي أن يحفظ الطلبة وحدتهم أمام هذه الأفاعي!
عندما يئس الاستكبار من القضاء التام على العلماء والحوزات عمد إلى طريقين يوجه من خلالهما ضرباته: الأول طريق القوة والعنف، والثاني طريق الحيلة والخدعة والنفوذ. وفي عصرنا هذا عندما ضعفت فعالية الإرهاب والعنف سعى إلى تقوية طرق النفوذ بين العلماء وإلى الحوزات.
* فصل الدين عن السياسة
وكان طرح شعار فصل الدين عن السياسة أول وأهم خطواتهم، ومع الأسف فإن هذه الطعنة التي نفذت في الحوزة والعلماء كانت من القوة بحيث أصبح التدخل في السياسة أمراً دون شأن الفقيه وكان الدخول في معترك العمل السياسي يصحبه تهمة الارتباط بالأجانب!
والمتيقن أن العلماء المجاهدين تحملوا الزخم الأكبر من جراحات هذا النفوذ، ولا يظنّن أحد ان تهمة العمالة وفرية اللادينية التي كانت تلصق بالعلماء كان عمل الاغيار! كلا. لقد كانت ولا تزال ضربات العلماء غير الواعين والعامدين العملاء أشد وأكثر سطوة بمراتب عن ضربات الاغيار.
في بداية النضال الإسلامي لم يكن بإمكانك ان تقول عن الشاه خائن، إذ كان الرد المباشر يأتيك بأن الشاه شيعي. لقد كان بعض المتظاهرين بالصلاح وبعض الرجعيين يحرّمون كل شيء، ولم يكن بإمكان أحد ان يقف في وجههم. ان المرارة التي تجرّعها أبوكم الشيخ من أمثال هؤلاء المتحجرين لم يتلقَها من الضغوط والصعاب التي جاءت من غيرهم.
وعندما استحكم شعار فصل الدين عن السياسة وغدا الفقه في منطق الغافلين يعني الغرق في عالم الاحكام الفردية والعبادية ولم يكن بوسع الفقيه أن يتجاوز هذا الحصار ويخرج عن هذه الدائرة حتى يتدخل في السياسة والحكومة، عند ذلك أصبحت حماقة عالم الدين في تعامله مع الناس فضيلة. وعلى زعم بعض الأفراد ان الاحترام والتكريم كان لائقاً بالعلماء عندما تقطر الحماقة منهم، وإلاّ فالعالم السياسي والذكي كان يعني ان هناك ما يخفيه خلف الستار! وكان هذا من الأمور الرائجة في الحوزات، بحيث كان كل من يمشي مطأطئ الرأس يعدّ متديناً! تعلم اللغات الاجنبية كفر، الفلسفة والعرفان كانا يعدّا ذنباً وشركاً، في مدرسة الفيضية تناول ابني الصغير المرحوم مصطفى وعاءً وشرب منه الماء فقام أحدهم وطهر الوعاء لأنني كنت أدرّس الفلسفة!
لو كتب لهذه الطريقة الاستمرار فلا شك ان وضع العلماء والحوزات العلمية كان سيصل إلى وضع كنائس القرون الوسطى، ولكن الله تفضل على المسلمين والعلماء ومنّ عليهم وحفظ كيان الحوزة ومجدها الواقعي.
لقد نشأ العلماء المؤمنون في مثل هذه الحوزات وفصلوا صفوفهم عن الآخرين، ومن هذه البارقة انطلق الإسلاميون في ثورتهم الكبرى.
وبالطبع فان الحوزات العلمية اعتادت ولا تزال على هاتين المدرستين الفكريتين، وينبغي الحذر من تسرب فكرة فصل الدين عن السياسة من مطاوى بطانة أهل الجمود إلى الطلاب الشبان؛ وهذه احدى القضايا التي ينبغي ان توضح للطلاب الشبان وانه كيف تصدى البعض لنجاة الإسلام والحوزة والعلماء ونهضوا بالأمر وبذلوا في سبيله أرواحهم وكرامتهم وذلك في عهد تنفّذ المقدسين الجهلة والبسطاء غير المتعلمين.
* الشعارات المضللة
لم يكن الوضع مثل ما هو عليه اليوم، فمن لم يكن على حدّ الكمال من الرسوخ والثبات في عقيدته الثورية كان يتراجع وينسحب من الميدان تحت ضغوط المتظاهرين بالصلاح وتهديداتهم.
إن ترويج أفكار من قبيل "الشاه ظلّ الله في أرضه" أو "لا يمكن مواجهة الدبابة والمدفع باللحم والعظم" و"نحن لسنا مكلفين بالجهاد والنضال" أو "من الذي سيتحمل تبعات دماء القتلى؟" والشعار الأكثر إضلالاً وألماً "الحكومة قبل ظهور إمام الزمان(ع) باطلة" وآلاف الإشكالات الأخرى والمنهكة التي لا ينفع معها النصح والإرشاد والمقاومة السلبية. كان الحل منحصراً في النضال والإيثار والدم وقد هيأ الله أسبابه.
لقد تلقّى العلماء الملتزمون بصدورهم السهام المسمومة الموجهة إلى الإسلام العزيز، وتقدموا إلى مذبح العشق.
* تأثير الأجانب على ثقافة الحوزات
في عاشوراء الخامس عشر من خرداد سجل أول وأهم فصول النضال الدامي، ولم يكن الأمر في خرداد 1342 مواجهة بين رصاص بنادق ورشاشات الشاه، إذ لو كان الأمر مجرد ذلك لهانت المواجهة وسهلت، ولكنها فضلاً عن هذا كانت في الجبهة الداخلية رصاصات المكر والتدين المتحجر؛ لقد كان ألم رصاصات اللسان الجارح والنفاق والمجاملة يحرق ويمزق الكبد والروح آلاف المرّات أكثر من تلك.
وفي ذلك الزمن لم يكن ليخلو يوم من حادثة ما، لقد لجأ عملاء الشاه والأمريكان السريون منهم العلنيون إلى حرب الشائعات والاتهامات، حتى اتهم المتصدّون لإدارة النضال بترك الصلاة والشيوعية والعمالة للانجليز!
حقّاً لقد عاش العلماء الاصيلون في غربة ووحدة! لقد كانوا يبكون دماً، إذ كيف تعمل أمريكا وخادمها بهلوى لاستئصال الدين والإسلام وبعض العلماء المتظاهرين بالصلاح جهلة أو مخدوعين وبعض العملاء الذين انكشفت وجوههم الحقيقية بعد انتصار الثورة يماشون مسيرة هذه الخيانة العظمى!
إن حجم الضربة التي تلقاها الإسلام من هؤلاء المقدسين المتظاهرين بصورة أهل العلم لم يتلقَها من أي فئة أخرى؛ والنموذج البارز لهذا الأمر تلك الظلامة والغربة الجليّة في التاريخ التي عاشها أمير المؤمنين عليه السلام. فلأدع وأمضي، ولا أعكر صفوكم أكثر من هذا. ولكن على الطلبة الشبان ان يعلموا ان صفحة فكر هذا الحزب لم تطو بعد، وأساليب التدين المتحجر والاتجار بالدين قد تغيرت؛ فقد انقلب منهزمو الأمس إلى رجال سياسة اليوم!
وأولئك الذين لم يسمحوا لأنفسهم بالتدخل في الأمور السياسية أصبحوا الدعامة للذين مضوا بالأمر حتى حدود إسقاط النظام والانقلاب العسكري! واضطرابات قم وتبريز بالتنسيق بين اليساريين والملكيين والانفصاليين في كردستان مجرد نموذج مما يمكن ذكره، ومع أن الفشل كان نصيبهم في تلك الحادثة إلا أنهم لم يتراجعوا وعمدوا إلى انقلاب العسكري في "نوجه" ولكن الله فضحهم من جديد.
والبعض الآخر من المتظاهرين بالروحانية من الذين كانوا يرون فصل الدين عن السياسة ويتزلفون القربى على أعتاب البلاط الملكي انقلبوا فجأة وأصبحوا متدينين وأخذوا يكيلون تهم الوهابية والأسوأ من الوهابية إلى العلماء الأعزاء والشرفاء الذين تحملوا في سبيل الإسلام كل هذه الصعاب والتشرد والسجن والتهجير!
بالأمس كان المتظاهرون بالصلاح عديمي الشعور يقولون: الدين منفصل عن السياسة والنضال ضد الشاه حرام. واليوم يقولون: إن مسؤولي النظام أصبحوا شيوعيين!
حتى الأمس كان بيع الخمور والفسق والفساد والفحشاء وحكومة الظالمين أمور مفيدة في تعجيل ظهور إمام العصر أرواحنا فداه ويرون فيها الحل! واليوم وعلى اثر مخالفة للشرع تتم في خفاء أحدى الزوايا رغماً عن المسؤولين يعلو نداء وا اسلاماه منهم!
بالأمس كانت جماعة "الحجتية" تحرم النضال، وفي قمة الصراع سعت بكل جهدها في سبيل إفشال الإضراب عن إضاءة المصابيح في النصف من شعبان لصالح الشاه، واليوم أصبحوا أكثر ثورية من الثوريين!
"ولائيو" الأمس الذين أراقوا بتحجرهم ماء وجه الإسلام والمسلمين وفي مقام العمل قصموا ظهر رسول الله وأهل بيت العصمة والطهارة ولم تكن الولاية تعني لهم شيئاً إلا التكسب والتعيش، واليوم يرون أنفسهم ورثة الولاية ويتحسرون على الولاية في عهد الشاه!
حقاً، ممن صدرت تهمة الأمريكية والروسية والالتقاطية؟ وتهمة تحليل المحرمات وتحريم المحللات، تهمة قتل النساء الحاملات وتحليل القمار والموسيقى؟ من الأشخاص غير المتدينين، أم من المتظاهرين بالصلاح والمتحجرين عديمي الاحساس؟!
عملُ مَن كان نداء تحريم قتال أعداء الله والاستهزاء بثقافة الشهادة والشهداء والطعن والسخرية بمشروعية النظام؟ من العوام أم من الخواص؟! خواص من أي فئة؟ من المعممين بالظاهر أم من غيرهم؟!
لأترك فإن الكلام ليطول!
* صعوبة المشكلة
كل هذه الأمور هي نتيجة لنفوذ الغرباء في مقر الحوزة وثقافتها، والمواجهة الواقعية لهذا الخطر من أشكل الأمور وأعقدها؛ فمن جهة نحن موظفون بتبيين الحقائق والواقعيات وإحقاق الحق والعدالة قدر المستطاع، ومن جهة أخرى الحذر من وقوع شيء ما يغتنمه العدو، انه لأمر ليس بالسهل.
ومع إننا في بلدنا لا نفرق في تطبيق العدالة بين العالم الديني وغيره، ولكن عندما نتعامل بشكل شرعي وقانوني وجدّي مع أحد العلماء الذين ارتكبوا مخالفة ما سواء كان حسن أو سيء السابقة سرعان ما يعلو صراخ الأجنحة: إن الجمهورية الإسلامية تريد أن تهين العلماء! وإذا كان البعض مستحقاً للعفو ثم يعفى عنه فإنهم يروجون أن النظام يحابي العلماء.
على شعب إيران العزيز أن لا يسمح للأعداء باستغلال قاطعية النظام في تعامله مع المخالفين المتظاهرين بزي العلماء بتشويش الأذهان تجاه العلماء، وعليهم أن يعتبروا هذا الأمر دليل عدالة النظام الذي لا يفضل أحداً على أحد. ويشهد الله انني شخصياً لا أرى لنفسي أي صيانة وامتياز، وإذا ما صدرت منّي أي مخالفة فأنا على استعداد للمحاسبة.
* ماذا ينبغي أن نعمل؟
والبحث المطروح الآن هو ماذا علينا أن نعمل لمنع تكرار هذه الحوادث المريرة، والاطمئنان إلى قطع نفوذ الأجانب في الحوازات؟ ومع أن الأمر صعب ولكن ما العمل؟ علينا أن نجد مخرجاً.
أول الوظائف الشرعية الإلهية هي حفظ وحدة واتحاد الطلاب والعلماء الثوريين، وإلاّ "فإن في الأفق ليلاً حالكاً وأمواجاً مهولة ودوامات عمياء".
لا يوجد اليوم أي دليل شرعي أو عقلي يجعل اختلاف الأذواق والاستنباطات وحتى ضعف الإدارة مبيحاً لتعكير صفو الألفة والوحدة بين الطلاب والعلماء الملتزمين؛ من الممكن أن يحمل شخص في ذهنه وفكره انتقادات للمسؤولين ولغيرهم حول الأعمال وأساليب الإدارة وأنماطها وحول أذواق الآخرين، ولكن الصيغة التي يعبر فيها عن رأيه ينبغي أن لا تنحرف بأفكار المجتمع والأجيال القادمة عن معرفة الأعداء الواقعيين والقوى العظمى التي تنبع منها كل المشاكل والتقصيرات، تنحرف بها إلى مسائل هامشية وفرعية وتحمّل المسؤولين وإداراتهم جميع المشاكل ونقاط الضعف ليفسّر الأمر باستبدادهم. وهذا بعيد كل البعد عن الإنصاف، ويُسقط مسؤولي النظام عن الاعتبار ويخلق أرضية لتسلل السلبيين الى ساحة الثورة.
* انجازات الثورة
إنني أعتقد اليوم أنه لو أن أكثر الأفراد كفاءة واقتدار تصدى لكل هذه المؤامرات والحروب التي يصبها العالم على الثورة الإسلامية لما تمكنوا من تحقيق شيء أكثر من الذي حققه من بيدهم الأمور فعلاً.
إن نظرة منصفة تحلل أحداث الثورة خصوصاً أحداث السنين العشر التي أعقبت انتصار الثورة، تحكم أن الثورة الإسلامية في إيران كانت موفقة في أكثر الأهداف وعلى مختلف الأصعدة، وبحمد الله لم نهزم في أي مجال ولم نخسر، وحتى في الحرب كان النصر حليفنا ولم يحصل أعداؤنا على شيء مقابل تلك الخسائر الجسيمة التي لحقت بهم.
نعم، لو أن جميع العلل والأسباب اكتملت وتمكنا منها لبلغنا في الحرب اهدافاً أكبر وأكثر كنا نتطلع إليها، ولكن يعني هذا ان العدو هزمنا واننا لم نحقق هدفنا الاساسي المتمثل في رد هجوم العدو واثبات صلابة الاسلام.
* بركات الحرب
في كل يوم من أيام الحرب كانت لدينا بركة نستثمرها في مختلف المجالات.
ان ثورتنا قد صدّرت إلى العالم اثناء الحرب.
لقد أثبتنا ظلم العدو وأثبتنا مظلوميتنا في الحرب.
استطعنا من خلال الحرب ان نزيج عن وجه المستكبرين قناع التزوير.
إننا من خلال الحرب عرفنا الاصدقاء من الاعداء.
إننا من خلال الحرب توصلنا إلى حتمية الاعتماد على النفس.
إننا من خلال الحرب حطمنا هيبة الشرق والغرب العظمى.
إننا من خلال الحرب عمقنا أواصر الاخوة وحب الوطن في وجدان أفراد شعبنا.
إننا من خلال الحرب أثبتنا لشعوب العالم وخصوصاً شعوب المنطقة إمكانية محاربة القوى العظمى والصمود في هذه الحرب لسنين متمادية.
ان المساعدة في فتح افغانستان إحدى ثمار حربنا.
حربنا سوف يعقبها فتح فلسطين.
لقد أحس جميع قادة الانظمة الفاسدة بالذلة مقابل الإسلام نتيجة لحربنا.
لقد تسببت حربنا في صحوة الهند وباكستان.
انها الحرب التي جعلت صناعاتنا الحربية تنمو بهذا الشكل.
والاهم من كل ذلك استمرار روحية الإسلام الثوري كان في ظلال الحرب.
كل هذه الانجازات هي من بركة دماء الشهداء الطاهرة التي أراقتها ثماني سنين من الحرب.
إنها ثمرة جهود الامهات والآباء وشعب ايران العزيز في عشر سنين من النضال ضد أمريكا والغرب وروسيا والشرق.
حربنا حرب الحق والباطل وهي لا نهائية.
لقد كانت حربنا حرب الغنى والفقر.
لقد كانت حربنا حرب الإيمان والرذيلة، وهذه الحرب كانت منذ آدم وستبقى حتى خاتمة الحياة.
كم هم قصيرو نظر أولئك الذين يتصورون ان عدم وصولنا غايتنا النهائية في الحرب يعني أن الاستشهاد والايثار والفتوة والتضحية والصمود عديمة الجدوى! والحال ان نداء افريقيا المطالب بالاسلام نتيجة لحرب الثماني سنين.
ان رغبة شعوب امريكا وأوربا وآسيا وأفريقيا، أي كل مكان، في التعرف على الإسلام هي رهينة حرب ثماني سنين.
انني من هذا المكان أعلن وبشكل رسمي اعتذاري لجميع أمّهات وآباء وأخوات وإخوان وزوجات وأبناء الشهداء ومعوقي الحرب عن التحليلات الخاطئة التي تطرح هذه الأيام، وأسأل الله ان يقبلني في صف شهداء الحرب المفروضة.
* أداء التكليف وليس النتيجة
نحن غير نادمين ولا متأسفين للحظة واحدة عن أدائنا في الحرب.
أونسينا حقّاً اننا حاربنا من اجل العمل بالتكليف؟ والنتيجة هي فرع عنه! ان شعبنا بقي، إلى اليوم الذي كان يشعر فيه بالقدرة التكليف بالحرب، عاملاً بالوظيفة ـ وطوبى لأولئك الذين لم يترددوا حتى اللحظة الأخيرة ـ تلك اللحظة التي اقتضت فيها مصلحة الثورة قبل القرار، فخضعوا للوظيفة الشرعية وعملوا بها. وهل العمل بالتكليف يبعث على القلق؟!
لا ينبغي في ابداء وجهات النظر واظهار العقائد ان نتصرف بطريقة خاطئة من أجل ارضاء بعض الليبراليين العملاء بحيث يشعر حزب الله العزيز ان الجمهورية الإسلامية أخذت تحيد عن مبادئها.
ماذا ينتج عن تحليل الأمر على صورة ان الجمهورية الإسلامية لم تجن شيئاً أو أنها لم توفق، غير انهاك النظام والتشكيك في المسؤلين؟! ان تأخر بلوغنا جميع الاهداف لا يعني اننا تخلينا عن مبادئنا، نحن جميعاً موظفون بأداء التكليف وليس بتحقيق النتيجة.
لو كان جميع الأنبياء والمعصومين عليهم السلام مكلفين بتحقيق النتائج في عصرهم، لما كان ينبغي لهم ان ينطلقوا إلى ابعاد خارج نطاق قدرتهم العملية ابداً، ولا أن يذكروا ذلك، ولا أن يطرحوا الاهداف الكلية بعيدة المدى التي تتحقق في حياتهم أبداً! والحال ان شعبنا تمكن بلطف الله من تحقيق شعارات الثورة التي نادى بها في أكثر الميادين.
* لقد كنا موفقين
لقد شهدنا تحقق شعار سقوط الشاه عملياً.
لقد كلّلنا مناداتنا بالحرية والاستقلال وزيّناها بالعمل.
لقد شاهدنا كيف تجسد شعار الموت لأميكا في عمل شبابنا المتحمسين الأبطال المسلمين الذين احتلوا وكر الجاسوسية الأمريكية.
لقد اختبرنا جميع شعاراتنا في محل العمل.
وبطبيعة الحال نحن نعترف اننا اضطررنا لتغيير الاساليب والتكتيكات على اثر الصعوبات الكثيرة التي اعترضت مسيرة عملنا.
لماذا نستصغر أنفسنا وشعبنا ومسؤولي بلدنا ونرى كل العقل والتدبير في تفكير الآخرين؟!
إنني أحذر الطلاب الاعزاء ـ إلى جانب وجوب حذرهم دسائس المتظاهرين بالعلم والصلاح ـ ان يعتبروا من التجربة المريرة لتصدي المتظاهرين بالثورية و"عقلاء القوم" الذين لم ينسجموا مع خط العلماء وفكرهم قط، حتى لا ننسى خطهم الفكري وسابق خيانتهم. ولا تصبح الرحمة التي في غير محلها والسذاجة سبباً لعودتهم إلى المراكز المصيرية والحساسة.
* الليبراليون لم يكونوا مع الثورة
اليوم وبعد عشر سنين من انتصار الثورة الاسلامية أعترف كما في السابق، ان بعض القرارات التي اتخذت في بداية انتصار الثورة بشأن تخويل المناصب وأمور البلد الهامة لجماعة لم تكن تؤمن بالاسلام المحمدي الأصيل إيماناً واقعياً ومخلصاً، كانت قرارات خاطئة، ولن تزول آثارها المريرة بسهولة، ومع انني شخصياً لم أكن راغباً في ان يتصدى أولئك للأمور، ولكنني قبلت بتشخيص وتأييد الاصحاب.
وانني الآن أعتقد وبصلابة انهم لن يكتفوا بشي أقل من الانحراف بالثورة عن جميع مبادئها وأصولها والمضي تجاه امريكا المستكبرة، وما سوى ذلك لا يجيدون فنّاً إلاّ الثرثرة والتبجّح.
ونحن اليوم لا نشعر بأي أسف على عدم وجودهم في صفنا، فهم لم يكونوا معنا من قبل.
ان الثورة ليست مدينة لأي حزب ونحن لا زلنا نتلقى صفعات تبعات ثقتنا بالاحزاب والليبراليين. ان صدر الثورة والبلاد رحب دائما لاستقبال كل من يرغب في الخدمة ويجذبه حنين العودة، ولكن ليس بقيمة محاسبتهم لنا على شعاراتنا وأصول ثورتنا من قبيل: لماذا قلتم الموت لأمريكا؟ لماذا حاربتم؟ لماذا طبقتم حكم الله على المنافقين وأعداء الثورة؟ لماذا رفعتم شعار لاشرقية لا غربية؟ لماذا احتللتم وكر الجاسوسية؟ ومئات الأسئلة الأخرى.
* مادمت موجودا فلن أدع …
والنقطة الهامة في هذا الموضوع هي اننا ينبغي ان لا تطغي علينا عاطفة الرحمة ولا أن نعملها في غير محلها مع أعداء الله والمخالفين والمتخلفين عن النظام، وان لا ننشر الامر بكيفية تستتبع التكشيك في أحكام الله وحدوده.
وأنا لا أخاف بعض هذه الموارد التي ليست في مصلحة البلاد فحسب، بل أرى ان العدو يستفيد منها.
انني أعلنها صريحة لأولئك الذين تنفذ أيديهم إلى الاذاعة والتلفزيون، وان كان ما يبثونه ليس من كلامهم:
مادمت أنا موجوداً فلن أدع الحكومة تؤول إلى الليبراليين.
مادمت أنا موجوداً فلن أدع المنافقين ليقضوا على اسلام هذا الشعب المستضعف.
مادمت أنا موجوداً فلن أحيد عن مبدأ لا شرقية ولا غربية.
مادمت أنا موجوداً فسوف أقطع أيادي الأمريكان والروس في جميع المجالات.
وأنا على اطمئنان كامل من أن جميع الناس يدعمون ويؤيدون النظام والثورة الاسلامية في الاصول كما كانوا فيما مضى، إذ فضلاً عن عشرات ومئات مناسبات اعلان تواجدهم واستعدادهم فهم في الثاني والعشرين من بهمن أظهروا للعالم استعدادهم الكامل، والحق انهم بهروا أعداء الثورة الذين أذهلهم كم هو معطاء ومضحٍ هذا العشب.
انني في هذا المكان لأخجل وأرى نفسي أقل من أن أصف هؤلاء وأقدّر جهودهم بلساني العاجز، والجزاء العظيم لكل هذا الاخلاص والرشد في العبودية على الله، ولكني أقول لأولئك الذين يتهمون شعبنا الشريف العزيز بالإعراض عن مبادئ الثورة والعلماء وأنصحهم واوصيهم ان يدققوا في أحاديثهم ومقالاتهم وكتاباتهم، ولا يحمّلوا الثورة والناس تحليلاتهم وآراءهم الخاطئة.
* لمصلحة من ينقسم العلماء الثوريون؟
المسألة الأخرى هي أنه من هو المستفيد من انقسام العلماء الثوريين؟ لقد اعد الاعداء عدتهم منذ القديم لبثّ الاختلاف بين العلماء، والغفلة عن ذلك تذهب بكل شيء أدراج الرياح. والامر لكل الاختلافات سواء كانت على شكل سوء الظن الشديد بكبار المسؤلين أم تصنيف الفقه إلى تقليدي ومتحرك، وأمثال ذلك.
إذا لم ينسق طلاب الحوزة مع مدرسيها فيما بينهم لا يمكن التنبؤ من سيكون المستفيد! وعلى فرض المحال إذا غدا فكر العلماء المزيفين والمتحجرين هو المهيمن، فماذا عسى العلماء الثوريون ان يجيبوا الله والناس؟!
* جامعة المدرسين
أسأل الله ان لا يكون ثمة اختلاف بين "جامعة المدرسين" والطلاب الثوريين، وإذا كان فما هي أسبابه؟ هل الخلاف في الاساسيات أو في الاذواق ووجهات النظر؟ أو هل تراجع "المدرسون" المحترمون الذين كانوا عمود الثورة في الحوزات العلمية عن الإسلام والثورة والناس أعرضوا عنهم والعياذ بالله؟! أوَلم يكن هؤلاء هم الذين أصدروا حكم عدم مشروعية السلطة في أوج النضال؟ أولم يكن هؤلاء هم الذين عرفوا للناس ذلك العالم الذي كان حسب الظاهر في مقام المرجعية عندما ابتعد عن الإسلام والثورة؟ ألم يدعم "المدرسون" الاعزاء الجبهة والمقاتلين؟ إذا سقط هؤلاء ـ لا قدّر الله ـ فمن يا ترى سوف يشغل مكانهم؟
ألن يحكّم عملاء الاستعمار العملاء المزيفين الذين دعموهم حتى بلوغ المرجعية أو شخصاً آخر في الحوزات؟
أم هل يمكن لأولئك الذين قضوا طوفان خمس عشرة سنة من النضال قبل انتصار الثورة وعشر سنين من الحوادث القاصمة للظهر بعد الثورة دون ان يتجرعوا قهر النضال ولا غمّ الحرب وإدارة الدولة ولم يفقدوا أعزة ليتأثروا عليهم، وبمنتهى الهدوء وراحة البال قضوا وقتهم في الدراسة والمباحثة، هل يمكنهم ان يكونوا في المستقبل دعامة الثورة الإسلامية؟!
حقّاً ان سقوط أي من الطلبة والعلماء الثوريين و"العلماء والمجاهدين" و"جامعة المدرسين" سوف يحقق النصر لأي الأجنحة والخطوط؟ ان من سينتصر بالتأكيد ليس جناح العلماء، وإذا ما اضطر ذلك الجناح إلى اللجوء والصاق نفسه بالعلماء فصوب أي اجنحة وخطوط العلماء سيُيمّمون؟
* النزاع مهلك في جميع صوره
والخلاصة ان الاختلاف بأي شكل كان فهو أمر مهلك وإذا تصنف وتكتل الافراد المؤمنون بالثورة، ولو تحت عناوين "الفقه التقليدي" و"الفقه المتحرك"، فهذا يعني فتح الابواب لاستفادة الاعداء.
ان التكتل سوف ينتهي إلى المواجهة، إذ سوف يلجأ كل جناح إلى انتخاب كلمة وشعار يسقط بها الجناح الآخر ويبعده عن الساحة، فيتهم أحدهما بتأييد الرأسمالية ويتهم الآخر بالالتقاطية، وأنا في سبيل حفظ الاعتدال بينهما ابدي ملاحظاتي المرة والحلوة دائماً لأنني أنظر إليهم جميعاً كأبنائي وأعزائي.
وبطبيعة الحال لم أكن لأخالف النقاشات العلمية الحادة بين الطلبة في أصول وفروع الفقه، ولكني قلق من التعارض والمواجهة بين الأجنحة المؤمنة بالثورة، عسى ان لا تنتهي بتقوية جناح المترفين المرفهين الخناسين!
والنتيجة، ان العلماء من انصار الثورة والإسلام الأصيل إذا لم يسارعوا بالحركة والنهوض فإن القوى الكبرى وخدّامهم سوف ينهون القضية لصالحهم.
على "جامعة المدرسين" ان يروا الطلاب الثوريين الاعزاء الكادحين الذين لاقوا التعذيب وشاركوا في الجبهة منهم وفيهم، ويتحتم ان يجتمعوا معهم ويستمعوا إلى خططهم وآرائهم ويتقبلوها، وعلى الطلبة الثوريين ان يحترموا "المدرسين" الاعزاء انصار الثورة وينظروا إليهم نظرة احترام، وأن يكونوا يداً واحدة مقابل شرذمة الاستغلاليين الساقطين الخناسين، وليعدوا أنفسهم للمزيد من الشهادة والايثار في طريق هداية الناس، سواء كان الناس والمجتمع يرغبون في الحق ـ كما هم في زماننا الذي ظهر وسيظهر منهم الوفاء والاخلاص للعلماء أكثر مما كان متوقعاً ـ أم لم يرغبوا في الحق كما في زمان الأئمة عليهم السلام.
* هدف الاعداء هو القضاء على علماء الثورة
على شعب إيران الشريف الانتباه إلى ان المقصود من الدعايات الموجهة ضد العلماء هو القضاء على علماء الثورة، ان الايادي الشيطانية تستغل المصاعب والضيق الذي يعيشه الناس ليوهموهم ان العلماء هم العلة في المشاكل والتقصيرات. وأي العلماء يقصدون؟ أيقصدون العلماء الذين لا يعانون ولا يشعرون بالمسؤولية؟ كلا! بل يقصدون العلماء الذين تعرضوا للخطر وتقدموا الجميع في سائر الحوادث.
ان أحداً لا يدعي ان مشاكل عامة الناس والحفاة قد رفعت وان جميع الامكانيات وضعت تحت تصرفهم، فمن الطبيعي ان تظهر تبعات عشر سنين من الثورة والحرب والحصار في كل مكان وتبرز الحاجات والنقائص. ولكني أشهد قاطعاً بأنه لو كان المتصدون لحركة الثورة وقيادتها من غير العلماء لما جنينا اليوم سوى الذلة والعار امام أمريكا والمستكبرين، ولما خلّفوا لنا شيئاً سوى العدول عن جميع عقائدنا الإسلامية والثورية.
وأرى ضرورة التنبيه على أن ذكرى بعض وقائع وأحداث الثورة والعلماء لا يعني انني أرغب في أن يبادر الطلبة والعلماء الاعزاء فور سماعهم حديثي إلى حركات ثورية وحادة، بل كنت اهدف من ذلك احاطتهم علماً وتوعيتهم بالاخطار والكمائن والمعابر وبالمسير الذي عليهم ان ينتخبوه، وأن يتحركوا على بصيرة من أمرهم.
* الفقه التقليدي واجتها الجواهري
أما بخصوص أسلوب الدراسة والتحقيق في الحوزات فانني أتبنى "الفقه التقليدي واجتهاد الجواهري" وأرى حرمة التخلف عن ذلك، ان الاجتهاد على ذلك النحو هو الاجتهاد الصحيح، ولك
تعليقات الزوار