انسه بالقرآن الكريم ويوليه أهمية خاصة رغم كثرة المشاغل

على الرغم من كثرة مشاغله، كان الإمام يولي أهمية خاصة لأداء المستحبات، خاصة تلاوة القرآن والدعاء وإقامة الصلاة في أول وقتها، كان يتلو ما تيسر من القرآن ثلاث إلى خمس مرات في اليوم ويختمه في شهر رمضان المبارك ثلاث ختمات[1].

 

ازدياد اهتمامه بالتلاوة في شهر رمضان

كان الإمام شديد الإقبال على تلاوة القرآن في شهر رمضان المبارك خاصة، ولا أتذكر أنني دخلت عليه مرة في هذا الشهرـ خاصة في شهر رمضان الاخير من حياته المباركة ـ ولم أره يتلو كتاب الله، كنت أراه مقبلاً على تلاوته كلما دخلت عليه لأمر ما[2].

 

عشر ختمات في شهر ربيع القرآن

كان الإمام يقرأ ـ في شهر رمضان ـ عشرة أجزاء من القرآن يومياً فكان يختمه بالكامل كل ثلاثة أيام مرة.

 

كان بعض الإخوة يفرحون لإكمالهم ختم القرآن مرتين في هذا الشهر المبارك، ثم عرفوا لاحقاً إن الإمام يختمه عشر مرات أو إحدى عشرة ختمه في هذا الشهر المبارك[3].

 

يأمر بختم القرآن للآخرين

 

كان الإمام يأمر ـ قبل أيام من حلول شهر رمضان ـ بتلاوة عدة ختمات من القرآن وإهداء ثوابها إلى أشخاص معينين[4].

 

يشارك في المواكب الحسينية

 

عندما كان الإمام في إيران كان يقيم ـ ولثلاثة أيام ـ مجلساً للعزاء في "أيام الفاطمية الثانية" أي من اليوم الاول إلى اليوم الثالث من شهر جمادى الثاني، وقد أضاف اليها في النجف ليالي الإحياء الثلاث من شهر رمضان المبارك، وكان يشارك أيضاً في مواكب العزاء الحسيني للاطمين على الصدور في كربلاء، كما كانت مواكب العزاء في النجف تزوره فكان يشكر المشاركين فيها على مشاعرهم الإيمانية[5].

 

يصلي قبل الإفطار رغم شدة الحر

 

لم يكن الإمام يتناول إفطاره في شهر رمضان في النجف الاشرف إلاّ بعد إن يتم إقامة صلاتي المغرب والعشاء مع نوافلهما رغم إن الجو كان حاراً للغاية في النجف حيث كانت درجة الحرارة تقارب الخمسين درجة، ورغم إن الصوم كان يستمر فيها " 18" ساعة وهو أمر شاق على من كان في عمر الإمام، ولكنه ورغم ضعفه الجسدي الناشيء من هذا الصوم الطويل لم يكن يفطر قبل الصلاة أبداً[6].

 

الاجتهاد في التعبد لله

 

كان سبب التزام الإمام بإلغاء لقاءاته في شهر رمضان هو ميله للتفرغ اكثر للدعاء وتلاوة القرآن والاجتهاد في العمل عموماً وإصلاح النفس، وكان يقول:" إن شهر رمضان بحدّ ذاته هو عملُ"[7].!

 

تكثيف العبادات في الشهور الخاصة

 

كانت للإمام ـ طبق ما ينقله المقربون منه ـ برامج خاصة للعمل في الشهور المتميزة مثل شهر رمضان، فمثلاً كان يمتنع في هذا الشهر عن قراءة الشعر ونظمه والإستماع له، كان يوجد في طريقة حياته تغييراً شاملاً بما يتناسب مع خصوصيات شهر رمضان فكان يقضي أوقاته فيه بتلاوة القرآن والدعاء والأعمال المستحبة الخاصة بهذا الشهر[8].

 

يجتهد في العبادات الشاقة

 

عندما كان الإمام يأتي إلى مدرسة المرحوم آية الله البروجردي في النجف لإقامة صلاتي الظهر والعصر جماعة في شهر رمضان المبارك، كان يصلي أولاً ـ وهو صائم ورغم شدة الحر في تلك الأيام في النجف ـ ثمان ركعات نافلة الظهر، ثم يقيم فريضة الظهر مع تلاوة الأذان والإقامة وبصورة طويلة نسبياً. ثم يصلي بعد أداء تعقيبات صلاة الظهر ـ ثمان ركعات هن نافلة العصر، ثم يصلي فريضة العصر مع الأذان والإقامة مثل صلاة الظهر، ثم يؤدي تعقيباتها، ثم يخرج من المدرسة.

 

ولم يكن الالتزام بهذا البرنامج أمراً يسيراً لمن في عمره وخاصة في حال الصيام وفي الجو الحار للنجف، فحتى الشباب لم يكن يتيسر لهم التوفيق للقيام بذلك، ورغم ذلك كان الإمام يقوم بهذه العبادات بجد واجتهاد وإقبال قلبي كامل[9].

 

إقامة نوافل المغرب والعشاء قبل الإفطار

 

كنت أصلي صلاتي الظهر والعصر في شهر رمضان المبارك ـ كسائر الشهور الأخرى ـ جماعة خلف الإمام في مسجد الشيخ الطوسي في سوق النجف، لكنني كنت أصلي صلاتي المغرب والعشاء خلف آية الله السيد عبد الأعلى السبزواري لأن الإمام كان ملتزماً بأداء النوافل صلاتي المغرب والعشاء حتى في شهر رمضان ورغم كبر سنه وضعفه ورغم أن شهر رمضان كان يصادف أيام الحر الشديد الطويلة في الصيف، في حين كنا نحن الشباب الذين نتمتع بقدرة اكبر على المقاومة نرغب في أداء صلاتي المغرب والعشاء بأسرع ما يمكن وبدون نوافلهما لكي نتناول إفطارنا[10].

 

ويتهجد لله في الظلمة

 

روى أحد العلماء قائلاً: كنت نائماً في إحدى ليالي شهر رمضان على سطح المنزل في النجف، وكان منزل الإمام صغيراً لا تتجاوز مساحته (45)متراً مربعاً، فانتبهت لأسمع صوت زمزمة ثم عرفت أن السيد كان يقيم نافلة الليل في الظلمة وقد رفع طرفه إلى السماء وهو يبكي بتضرع، وكان برنامجه العبادي إحياء ليالي شهر رمضان المبارك إلى الصباح بالصلاة والدعاء.[11]

 

عمق تضرعه لله في الأسحار

 

اضطررت بعد منتصف إحدى ليالي شهر رمضان إلى المرور ـ لأمر معين ـ من أمام غرفة الإمام فأنتبهت إلى أنه يتهجد ويناجي الله ويتضرع إليه ويبكي بحرقة فأثر فيّ بشدة وعمق ما رأيته من خضوع وتضرعه لله عز وجل[12].

 

تهجده وتجليات شدة حبه لله

 

أتذكر جيداً أنني عندما كنت أحظى أحياناً بتوفيق الصلاة خلف الإمام في آخر شهر رمضان المبارك، قبل وفاته كنت ألاحظ فور دخولي غرفته التغير متجلياً على طلعته الكريمة وهو يجهش بالبكاء والدموع تنهمر من عينيه بغزارة بحيث أن المنديل لم يكن يكفي لتجفيفها ولذلك فقد كان يضع منشفة إلى جانبه، كان الإمام يعيش هذه الحالة في الأسحار، وهي تعبر حقاً عن تجليات حبه لله تعالى[13].

 

يحب الدعاء والصلاة وتلاوة القرآن ويصبر عليها

 

كان الإمام يسافر في أيام الصيف ـ بعد عام 1321هـ.ش، (1942م) ـ إلى مدينة مشهد المقدسة، وكان يرافقه يومذاك واحداً أو اثنان من كبار طلبة مدرستنا ويرتبون ـ بهذه المناسبة ـ مجلساً لتبادل الزيارات، فكان يأتي لزيارته ـ في محل صغير خاص بالتدريس في مدرستنا ـ عددٌ من مجموعة خاصة من العلماء قد لا يتجاوز عددهم ما بين (10ـ15)وكانوا يعرفون شخصيته، ثم أخذت الزيارات تزداد، وكان متولي المدرسة من العلماء الكبار وكانت تربطه بالإمام علاقة وطيدة.

 

وفي إحدى السنين صادف شهر رمضان أيام الصيف، وكان مسجد (كوهرشاد) يغص بالزائرين في الليالي إلى السحر، فلم يكن الناس ينامون في الليالي بل ينتفعون بإحيائها وينامون في النهار بدلاً من الليل، كنت أذهب إلى هذا المسجد حيث كان يخطب عدد من كبار الخطباء بينهم والدي، وكان يجلس داخل المسجد وفي صحنه أشخاص لتلاوة الدعاء، وقد رأيت بنفسي الإمام وقد فرش عباءته وسط الناس، ولم يكن يومها يعرفه منهم سوى عدة خاصة.

 

كنت أمر على المسجد في الساعة التاسعة مساءً لكي أدخل الحرم الرضوي، فكنت أرى الإمام جالساً يدعو، فأدخل الحرم وأصلي ثم أعمد إلى المباحثة العلمية مع الطلبة في إحدى زوايا المسجد وأخرج من الحرم بعد ثلاث ساعات، وأمر على المسجد ثانية فأرى الإمام لا زال هنا يدعو ويصلي ويتلو القرآن. كنت أتعجب من شدة صبره ومن شدة اهتمامه بالدعاء والعبادة[14]!!

 

يرفض التصدي لإمامة الجماعة في أحد المساجد المهمة

 

أقام الإمام في شهر رمضان من سنة 1325هـ.ش في مدينة محلات في منزل أعد لسماحته في أطرافها، فكان يقيم ـ قبل الإفطارـ صلاتي المغرب والعشاء جماعة في مسجد صغير بالقرب من منزله ولم يعرف ذلك إلاّ نفرٌ قليل جداً، كان المسجد صغيرا جداً لا تتجاوز مساحته (20)متراً مربعاً فلم يكن مناسباً لأن تقام فيه صلاة الجماعة بإمامة الإمام الذي رفض عروضاً ملحة بإمامة الجماعة في أحد مساجد المدينة الرئيسية، ورجح عليها إقامة صلاة الجماعة في هذا المسجد الصغير!!

 

وعلى أي حال فعندما عرف عددٌ من الخواص بأمر إقامته صلاة الجماعة في هذا المسجد الثاني أقبلوا على المجيء من أماكن بعيدة إليه للمشاركة في صلاة الجماعة خلفه بمقدار ما يتسع له هذا المسجد[15]!

 

يقيم الجماعة في مسجدٍ طيني صغير

 

في أحد أسفاره إلى مدينة محلات والذي صادف شهر رمضان المبارك عمد الإمام إلى إقامة صلاة الجماعة في مسجد بعيد ومهجورٌ وصغير جداً إذا لم يكن سوى غرفة طينية واحدة! في حينٍ كان قد ألحّ عليه عدد من علماء المدينة أن يتفضل بتولي مهمة إمامة صلاة الجماعة في المسجد الجامع لهذه المدينة لكنه رفض وقال: (يوجد من يقيم صلاة الجماعة في المسجد الجامع، ولكن لا يوجد من يقيمها في هذا المسجد، لذا يجب إحياء هذا المسجد[16].

 

التعليم الحوزوي والمرجعية: إحضروا دروس الشيخ الشاه آبادي

 روى السيد النصيري السرابي ـ وهو من تلامذة الإمام ـ قال: زرت الإمام قبل شهر رمضان المبارك من إحدى السنين وسألته: نرغب في حضور دروس أحد السادة في هذا الشهر المبارك للإستفادة منها، فأيهم أنسب في رأيكم ؟ أجاب: (أحضروا دورس الشيخ الشاه آبادي).

 وقد حضرنا دروس الشيخ الشاه آبادي طوال الشهر في أحد مساجد طهران واستفدنا منها. وقد سألت الإمام يوماً: لقد سمعت من هنا وهناك يا سيدي، أن السيد الحجة[17]كان يعارض تدريسكم الفلسفة، فهل أن ما سمعته صحيح ؟ فقال: (كلا، هذا الأمر لا أساس له من الصحة، أن أجهزة وعملاء رضا خان هم الذين كانوا يعارضون ذلك).

 

وكان جلاوزة رضا خان أيام حكومته يؤذون العلماء كثيراً، ولذلك كان الإمام وطلبته يذهبون للدراسة إلى البساتين المحيطة بمدنية قم[18].

 

يجب حفظ منـزلتكم الاجتماعية

 قضى الإمام شهر رمضان في سنة 1325هـ. ش، (1946م)، في مدينة محلات، وقد اقترح عليه علماء المدينة المخلصون له أن يضعوا تحت تصرفه مسجداً في المدينة (يقيم فيه الصلاة الجماعة) لكي يستفيد الأهالي من بركة وجوده فرفض وقال: (دعوني وشأني، وقوموا أنتم بأعمالكم).

 

وبعد عدة أيام قال بعضهم له: لقد رفضتم إمامة الصلاة الجماعة فوافقوا على إلقاء محاضرة يومية على الاقل، وافق الإمام على هذا الاقتراح في نهاية الامر، وبدأ بإلقاء محاضرة يومية في الساعة الخامسة عصراً في مسجد في وسط المدينة، وقد حضر محاضرته علماء المدينة، وبعد انتهاء المحاضرة قال لهم:(إذا أردتم الاستمرار في حضور هذه المحاضرة فإنني سأمتنع عن إلقائها، يجب حفظ منزلتكم الاجتماعية)[19].

 

مواعظ دروس

 المظهر المهم لتقوى الإمام، استقلاله وتحرره الفكري، أنه لم يكن يفرح لإقبال الطلبة عليه كما لم يكن يحزن لإدبارهم عنه؛ وكان الطلبة يحبونه بعمق، عندما كان يعظنا في نهاية السنة الدراسية أو عند حلول شهر رمضان أو أيام محرم الحرام أو العطلة الصيفية، كنا ـ نحن الطلبة ـ نرى في هذه المواعظ درساً نسجله كما نسجل دروسه الأصلية[20].

 

يجب إحياء هذا المسجد

 في إحدى أسفاره، لمدينة محلات التي صادفت شهر رمضان المبارك اختار الإمام لإقامة صلاة الجماعة مسجداً متروكاً وصغيراً لا تتجاوز مساحته مساحة غرفةٍ واحدة وكان مبنياً من الطين، ورفض طلبات من علماء المدينة بأن يتولى إمامة الجماعة في مسجدها الجامع وعلل رفضه بالقول: "يوجد في المسجد الجامع مَن يقيمُ صلاة الجماعة، ولكن لا يوجد مَن يُقيمها في هذا المسجد، لذا يجب إحياؤه"[21].

 

تعلمتم كلّ شيء من أمير المؤمنين "ع"

 سمعتُ يوماً أن الإمام يقتصر في إفطاره في شهر رمضان على تناول بيضة واحدة وفنجان واحد أو فنجاني شاي، فقلت له: يقولون ـ يا سيدي ـ إنكم لا تأكلون هنا [ في النجف] شيئاً في إفطار شهر رمضان سوى بيضة واحدةً فلماذا؟!؛ وأجزت لنفسي ـ بحكم أنني كنت كأحد أولاده ـ أن أقول له أيضاً: عندما كنتم في إيران تعلمتم كل شيء من أمير المؤمنين عليه السلام باستثناء ما يرتبط بأمر الطعام، وعندما جئتم إلى هنا [النجف] تعلمتم منه أن لا تأكلوا شيئا!! فأجابني: "وما الحيلة، إن مزاجي لا يتحمل"، فقلتُ له: يا سيدي إن هؤلاء الأخوة قلقون عليك بسبب قلة طعامك. فقال: "هذا هو حال مزاجي... لا أستطيع... "[22]

 

ليعتزل سماحة الشيخ في طعامه إن رغب في ذلك

 يقول المشهدي حسين الذي كان يخدمُ في بيت الإمام في النجف: أقام عددٌ من الأشخاص في قسم الإستقبال من بيت الإمام [أي البراني] في شهر رمضان، ولكن مقدار الطعام لم يزدد شيئاً عن السابق. فقال لي الشيخ الحاج عبد العلي القرهي: إن مقدار اللحم الذي تشتريه قليلٌ جداً، فهؤلاء المقيمون في البراني يحتاجون إلى طعام، للسحور والإفطار. إشتر مقداراً أكثر من اللحم. فاشتريتُ مقداراً أكثر من اللحم في ذلك اليوم. وكان عليّ أن أقدم كل مساء قائمة بالمصروفات للإمام، وعندما رأى الإمام القائمة في تلك الليلة تعجب وسألني عن سبب شراء الزيادة في اللحم، فأخبرته أن الشيخ القرهي أمرني بذلك. وكان الإمام يحترم الشيخ لكنه رغم ذلك قال: "إشتر المقدار الذي كنت تشتريه سابقاً، أما سماحة الشيخ فليعتزل في طعامِهِ إن رغب في ذلك" [23]!

 

لا ترفعوا أصواتكم بالصلوات من أجلي

 كان الإمام يقضي صيف بعض السنين في مدينة محلات، وقد طلب منه علماؤها ـ الذين كانوا يكنون له الإحترام ـ عندما وصلها في صيف سنة "1325" [هـ. ش. 1946 م] أن يتصدى لإمامة صلاة الجماعة في مسجدٍ يخصصونه له لكي يستفيد الأهالي من بركة وجوده، فلم يقبل وقال: "دعوني وشأني، وواصلوا أنتم مهامكم. وبعد أيام من دخول شهر رمضان جاؤوه مرة أخرى وقالوا: لقد رفضتم إمامة صلاة الجماعة، فلا ترفضوا طلبنا بأن تلقوا درساً يستفيد منه الطلاب. وبعد إلحاح وافق الإمام على الطلب الثاني فكان يلقي في الساعة الخامسة بعد الظهر درساً في مسجدٍ في وسط المدينة، حيث كان يجلس على الأرض عند أحد أعمدته ويلتف المستمعون حوله.

 

وقد رأيتُ في هذا الدرس عبرتين لا أنساهما ما حييتُ. الأولى أن جمعاً من علماء المدينة حضروا الدرس في اليوم الأول فقال لهم الإمام بعد إنتهائه: "إذا أردتم حضور هذا المجلس العام فإني سأعطلُهُ! ينبغي حفظ مكانتكم عند الناس". أما الثانية فهي أنه كان من المتعارف أن ينادي أحدٌ بأن يرفع الناس أصواتهم بالصلوات على النبي وآله ـ إذا دخل عالم المسجد وذلك كتعبير عن الإحترام لعلماء الدين، وهذا ما فعله أحدهم عند دخول الإمام المسجد في اليوم الأول، فاستدعاه الإمام وقال له: "إذا كنتم ترفعون أصواتكم بهذه الصلوات من أجل النبي الأكرم، فارفعوها في غير وقت دخولي المسجد، وإن كنتم ترفعونها من أجل دخولي المسجد فإنني لست راضٍ بذلك".

 وأتذكر موعظةً للإمام في هذا الدرس حيث قال بلغةٍ واضحة للغاية: "أيها الأخوة المسلمون الأعزاء، إذا وجدتم نفوسكم تتغير ويصيبها التفاخر والتعالي عند ارتداء السروال والمعطف الجديد المعد من الصوف، ففكروا في مصدر تهيئة قماش هذه الملابس الصوفية الفاخرة، أليست معدة من الصوف الذي كان يغطي بدن الخروف دون أن يوجد فيه تفاخراً أو غروراً، فكيف يصيبكم بذلك إذا حيك وصبغ وخيط وتحول إلى سروال، ومعطف؟! فأي ذلة أو شقاء أشد من أن نفرح بمثل هذه الأشياء التافهة" [24].

 

لا أرضى بتسبيب المزاحمة ولو لشخصٍ واحد

 عندما جاء الإمام إلى النجف الأشرف طلب منه طلبة الحوزة أن يقيم صلاة الجماعة في مدرسة آية الله البروجردي، وقد بعث قدومه فيهم حالة عجيبة من الحماس والسرور حتى أنهم أخرجوا من مكتبة المدرسة نسخة نفيسة من القران كان بلاط الشاه قد أهداها للمدرسة، وأعادوها إلى القنصلية الإيرانية في كربلاء، ولكن بعض أهل الحل والعقد قالوا له إن إقامة صلاة الجماعة في المدرسة تسبب بعض المزاحمات للطلبة الدارسين فيها، فامتنع الإمام فوراً عن إقامتها وكأنه كان ينتظر مثل هذا الكلام. فتصور الطلاب أن سبب إمتناعه هو حلول شهر رمضان وصعوبة إقامة الصلاة جماعة عليه في هذا الشهر، ولكن الشهر المبارك انقضى ولم يحضر لصلاة الجماعة فحققوا في الأمر ولما عرفوا السبب الحقيقي جاؤوا للإمام وتعهدوا له بأن يختاروا للصلاة مكاناً لا يقابل غرفة أي من الطلبة لكي لا تزاحم تردد أي منهم على غرفته أثناء الصلاة، فقال لهم: "إنني لم اعتد على الذهاب إلى مكانٍ لإقامة صلاة الجماعة فيه حتى عندما كنت في قم كنت أقيمها في منزلي، لا أرضى بأن يسبب حضوري مزاحمة ولو لشخصٍ واحد" [25].

 

في إحدى ليالي شهر رمضان...

 في منتصف إحدى ليالي شهر رمضان المبارك، شاهدت أحد الأخوة الحرس يتجه نحونا راكضاً وهو يقول: هلموا لقد جاء الإمام للحسينية، فسارعنا إليها ـ وكنا حدود "20" شخصاً ـ فرأينا الإمام بلباسه المنزلي المتواضع فلما رآنا تبسم وأحاطنا برأفته ومودته [26].

 

سكينته الروحية في ظل القصف

 في أوائل شهر خرداد سنة 1364هـ. ش, حزيران 1985م, الذي اقترن بشهر رمضان المبارك, كثف النظام العراقي من غاراته الجوية على مدينة طهران في أوقات متفرقة من الليل والنهار, وكانت ترافق أصوات القصف أصوات طلقات المدافع المضادة للجو, وتدوي هذه الأصوات المزعجة خاصة في سفوح جبال شمال طهران سالبة أهلها النوم والراحة, الأمر الذي أدى إلى اختلال في أعمالهم اليومية بسبب الإضطراب البدني الناتج من قلة النوم, فكانوا يذهبون إلى أعمالهم كسالى متأخرين باستثناء الإمام الذي كان يحضر في محل عمله بنشاط في الساعة الثامنة صباحاً كما كان حاله في الأوقات العادية رغم أن الجميع كانوا يرغبون أن يخلدوا في ساعات الصبح الأولى للنوم والاستراحة تعويضا عن قدرتهم على النوم في الليل لكنه لم يكن ملزماً بالارتباط بأحد, وقد سأله الدكتور عارفي ـ وكان مسؤولاً عن مراقبة سلامته ـ يوماً وبعد أن فحصه: ألم يتغير وضع نومكم في شهر رمضان؟ ألم يقل نومكم هذه الأيام التي تكثفت فيها الغارات الجوية, فأجاب الإمام بالنفي, فاستغرب الدكتور جوابه وأعاد السؤال: فأعاد الإمام بالنفي.[27]

 

شدة التزامه بالدرس

 السيدة مصطفوي: أماه سمعت أن زواجك كان في شهر رمضان, وكان ذلك خلاف المتعارف بين الناس, فما هو سر ذلك؟

 زوجة الإمام: السر هو أن الدروس كانت تتوقف في شهر رمضان!

 السيدة مصطفوي: هل أن هذا يعني أن الإمام كان ملتزما بالدراسة إلى درجة لم يكن معها مستعدا لتعطيلها حتى من أجل زواجه؟![28]

 زوجة الإمام: أجل, كان السيد شديد الإلتزام بالدراسة, فقال أن شهر رمضان مناسب لإقامة مراسم الزواج لتوقف الدراسة فيه!![29]

  ـــــــــــــــــــــــ

 [1] حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد رضا التوسلي.

 [2] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.

 [3] حجة الإسلام والمسلمين الناصري، كتاب "حوادث خاصة من حياة الإمام "، ج4.

 [4] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.

 [5] حجة الإسلام والمسلمين عبد العلي القرهي، كتاب" حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني "، ج6.

 [6] حجة الإسلام والمسلمين السيد حميد الروحاني، مجلة" باسدار اسلام"، العدد الاول.

 [7] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي، مجلة"حوزة"، العدد:45.

 [8] حجة الإسلام والمسلمين الآشتياني، مجلة" باسدار إسلام"، العدد:93.

 [9] آية الله القديري، ملحق صحيفة جمهوري إسلامي الخاص بالذكرى السنوية الثانية لوفاة الإمام.

 [10] حجة الإسلام والمسلمين السيد مجتبى الرودباري، مجلة( 15خرداد)، العدد: 7.

 [11] حجة الإسلام والمسلمين الناصري، مجلة(بيام انقلاب)، العدد:54.

 [12] أحد حرس بيت الإمام، كتاب(في رثاء النور)، ص 62.

 [13] السيدة فاطمة الطباطبائي.

 [14] حجة الإسلام والمسلمين واعظ زاده الخراساني، كتاب(خطوات في أثر الشمس)، ج4، ص301.

 [15] حجة الإسلام والمسلمين سروش المحلاتي، محلق صحيفة جمهوري إسلامي بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الإمام.

 [16] حجة الإسلام والمسلمين التوسلي، مجلة(حوزة)، العدد:45.

 [17] آية الله السيد محمد الحجة ـ رضوان الله عليه ـ أحد العلماء الكبار الثلاثة الذين تولوا إدارة الحوزة العلمية في قم بعد وفاة مؤسسها آية الله الحائري واستمروا في إدارتها إلى حين مجيء آية الله السيد البروجردي حيث توحدت له زعامة الحوزة القمية والمرجعية الدينية المترجم.

 [18] آية الله الشيخ صادق الخلخالي، كتاب ( خطوات في أثر الشمس)، ج:3، ص:54.

 [19] حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد سروش المحلاتي، ملحق صحيفة جمهوري إسلامي الخاص بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الإمام الخميني.

 [20] آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي، كتاب ( حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني )ج:4، ص:11.

 [21] آية الله التوسلي، مجلة حوزة، العدد: 45.

 [22] حجة الإسلام والمسلمين الشيخ المسعودي الخميني، كتاب "خطوات في أثر الشمس" ج 4، ص 158.

 [23] آية الله السيد خاتم اليزدي، كتاب "حوادث خاصة من حياة الإمام الخميني"، ج 2.

 [24] حجة الإسلام والمسلمين الشيخ سروش المحلاتي، صحيفة جمهوري إسلامي، العدد الخاص بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الإمام.

 [25] آية الله الشيخ القديري، صحيفة جمهوري إسلامي، الملحق الخاص بالذكرى السنوية الثانية لوفاة الإمام الخميني.

 [26] السيد تيموري، أحد حرس بيت الإمام، كتاب "في رثاء النور".

 [27] حجة الإسلام والمسلمين رحيميان.

 [28] مجلة " ندا " الفصلية, العدد : 12.

 [29] حجة الإسلام والمسلمين الدعائي, صحيفة اطلاعات, 3/8/1359 هـ. ش. ويقول المرحوم جلال آل حمد " الكاتب الإيراني المحقق " في حديث له عن لقائه بالإمام : " أثار تعجبي الشديد إنني شاهدت عنده كتاب " التغريب " الذي كان خرج حديثاً من المطبعة, وكان يطالعه فقلت لسماحته ما شأنكم بمثل هذه الكتابات التافهة".