بسم الله الرحمن الرحيم

خط الإمام الخميني رضوان الله عليه كما يعرفه سماحة الإمام القائد دام ظله الوارف هو: فهمه الأصيل للإسلام كرسالة إلهية، ومنهجه العملي في التعاطي مع قضايا الإسلام والأمة.

وهذا يعني أن لخط الإمام بعدين:

البعد الأول: فهم الإمام النظري للإسلام بما هو عقيدة وفكر وشريعة وقيم وأخلاق وخط سير وسلوك على الله.

والبعد الثاني: المنهج العملي للإمام في التعاطي مع قضايا الأمة المعاصرة وأحوالها وأوضاعها وشجونها وآمالها وآلامها، وطريقته وأسلوبه العملي في مواجهة التحديات والأخطار والمحن والفتن التي يواجهها الإسلام والأمة من قِبَل الاستكبار العالمي وغيره.

إن أهم أركان هذا الخطر وميزاته وخصوصياته حسبما يشير سماحة الإمام القائد دام ظله الوارف هي:

أولاً: الربانية والارتباط بالله سبحانه وتعالى ارتباطاً وثيقاً قائماً على أساس العبودية الحقيقية لله تعالى، والإخلاص له، والتوكل عليه في كل الحالات، وهذا هو قوام الخط وأساسه الأول.

ثانياً: التقيد الكامل بالتكاليف والمسؤوليات الإلهية والعمل على امتثالها وتطبيقها مهما كانت النتائج.

ثالثاً: الإصرار على الالتزام بالإسلام المحمدي الأصيل وتحطيم حاجزي التحجر والالتقاط في الفهم والعمل الإسلامي.

رابعاً: التأكيد على ارتباط الحاكمية والقيادة بالولي الفقيه في عصر غيبة الإمام عجَّل الله تعالى فرجه الشريف ووجوب التفاف الناس حول قيادته والتقيد بأوامره والمسؤوليات والتكاليف التي يحددها للأمة.

خامساً: الصمود في مواجهة نفوذ القوى الأجنبية المستكبرة وعدم مساومتها، والثبات السياسي على المواقف المبدئية تجاه كل القضايا السياسية.

سادساً: الاهتمام بالجانب الروحي والمعنوي، والعمل على بناء الذات على التقوى، والصمود في مواجهة وساوس النفس الإنسانية أو (سلطة شيطان النفس) على حد تعبير الإمام القائد.

يقول الإمام القائد دام ظله الوارف عن الخصوصيتين الأخيرتين:

"هذان الأمران المهمان وهذان الميدانان للصراع ـ أي الصراع مع قوى الاستكبار والصراع مع النفس ـ لم يكن الإمام يفصلهما عن بعض، كان يقف في الساحة الاجتماعية والسياسية في مقابل الشيطان الأكبر وشياطين القوى المستكبرة، وكان يجاهد في ساحة النفس الإنسانية نفسه ويصرّ على العمل العبادي وبناء الذات وتزكية النفس وتهذيبها".

سابعاً: التبني المستمر لقضايا المستضعفين في العالم الإسلامي، بشكل جاد، والدفاع عن مواقعهم وقضاياهم بكل الوسائل الممكنة، والعمل على إنقاذهم ورفع الحرمان عنهم وتأمين العدالة الاجتماعية.

ثامناً: الإصرار على وحدة المسلمين ومحاربة محاولات بث الفرقة بين الشعوب الإسلامية.

تاسعاً: التوجه الخاص للصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل للقدس، فإن قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي كانت تحتل مكاناً في منطق وطريقة وتخطيط الإمام قدس سره.

يقول الإمام القائد دام ظله الوارف: "ففي نظر الإمام تعتبر قضية الصراع مع الصهاينة من الأصول والثوابت التي لا يجوز غض النظر عنها من قِبَل الشعوب الإسلامية بأي وجه من الوجوه، وذلك لأن الإمام قد شخَّص بدقة الدور الإرهابي والمخرّب والهدَّام لهذا الكيان الغاصب قبل سنوات من الثورة".

عاشراً: إعطاء الأهمية لقدرات الشعوب واعتبارها عنصراً أساسياً في أية حركة تغييرية. "فقد كان الإمام يخاطب الشعوب ويتكلم معها، وكان يعتقد أن تحولات العالم الكبيرة إذا حدثت بأيدي الشعوب فلن تقبل الهزيمة والانكسار، وتستطيع الشعوب أن توجد تحولاً في الدنيا وتغير المحيط الذي تعيش فيه".

الحادي عشر: إيجاد علاقات صحيحة مع الدول على مستوى العالم باستثناء الدول المستكبرة كأمريكا مثلاً "فالعلاقة مع أمريكا مرفوضة لأنها دولة مستكبرة ومعتدية وظالمة، وهي في حالة حرب وصراع مع الإسلام" على حدّ تعبير الإمام القائد دام ظله الوارف.

لقد تميز خط الإمام من خلال هذه الخصوصيات عن سائر الخطوط السياسية المعاصرة، وبرز كخط إيماني سياسي جهادي واضح المعالم والاتجاه، واستقطب هذا الخط دون سائر الخطوط جماهير الأمة.

ونحن بحاجة دائماً إلى شرح وبيان معالم هذا الخط وأركانه وخصوصياته من أجل أن نحاكم أعمالنا وسلوكنا وأداءنا على أساسه، لأنه عندما يكون الخط واضحاً لدينا نستطيع أن نحصّن المسيرة الإسلامية إيمانياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً وفي الالتزام والأداء.

وإن هذا الكتاب (خط الإمام) هو بحث كان قد قدمه العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي للمؤتمر التاسع للقدر الإسلامي الذي انعقد في طهران بين 23 ـ 26 رجب 1412هـ وقد نشره المؤتمر آنذاك على نطاق محدود، ورأينا في مركز الإمام الخميني الثقافي إعادة نشره تعميماً لفائدته، كونه يكشف عن بعض جوانب خط الإمام وتاريخ هذا الخط ومعالمه وأركانه وقيمته ومصادره وإنجازاته، ويشرح بشكل موجز تلك الخصوصيات التي أشار إليها الإمام القائد دام ظله الوارف في كلماته المتقدمة عن خط الإمام، سائلين المولى عزَّ وجلّ أن ينفع به المجاهدين السائرين على هذا الخط المستقيم إنه نعم المولى ونعم النصير.

 

الدرس الأول: خط الإمام

من أهم مكاسب الثورة الإسلامية ظهور خط سياسي إسلامي، يعبر عن مواقفنا الإستراتيجية السياسية والجهادية، ويرتبط بمواقعنا وأصولنا الفكرية والإيمانية، وذلك هو خط الإمام الخميني رضوان الله عليه، قائد الثورة الإسلامية الكبرى في عصرنا ومؤسس الجمهورية الإسلامية.

ولا شك أن ظهور خط الإمام حدث سياسي هام، يستحق دراسات واسعة وتحقيقية، فلأول مرة في العصر الحاضر يكون لجهادنا السياسي، خط سياسي محدد المعالم، واضح الاتجاه.

وقد ظهر مصطلح "خط الإمام" لأول مرة عند احتلال السفارة الأمريكية، من قبل الطلبة المسلمين، الذين سموا أنفسهم بـ "الطلبة السائرين على خط الإمام" ومنذ هذا التاريخ دخل هذا المصطلح في قاموس الثورة، إلاّ أن مضمون خط الإمام، والمحتوى السياسي والفكري، لهذا المصطلح كان موجوداً في عمق الثورة، قبل ذلك بزمان بعيد.

لقد جمعت الثورة في مسيرتها كل الغاضبين والناقمين

على النظام الشاهنشاهي في بداية السير من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وكان للنظام الملكي أعداء ومناوؤن سياسيون كثيرون، جمعتهم الثورة الشعبية العارمة. وكل يمنيّ نفسه أن يحتوي الثورة، بعد أن تحقق هدفها، وسقط النظام الملكي العتيد.

ورغم أن قيادة الثورة كانت خلال المسيرة للإمام الخميني رضوان الله عليه بلا منازع، فقد كانت الثورة تستوعب كل الأطراف السياسية المعارضة للشاه، على أمل أن تحقق الثورة سقوط النظام لتبدأ الجولة الثانية من الصراع السياسي الحاد، لاستيعاب واحتواء الثورة.

فلما حققت الثورة هدفها وسقط النظام الملكي تحت أقدام الشعب الثائر وسحبت تماثيل الملك، من الساحات والميادين بدأ صراع جديد، حول القيادة الجديدة، التي تخلف النظام الملكي، ودخل الحزب الشيوعي، والأحزاب اليسارية الماركسية، والأحزاب الوطنية، والجماعات الإسلامية ـ الماركسية، والأحزاب القومية في المعترك السياسي، لاحتواء الثورة، أو تقسيم الميراث، وأخذ الصراع شكلاً حقيقياً، ولولا هيمنة الشارع الإسلامي على الثورة وقوة نفوذ قيادة الإمام، لكان الصراع يأخذ شكلاً مخيفاً.

وفي هذه المرحلة تمايزت الخطوط السياسية، وتميَّز من بين هذه الخطوط "خط الإمام"، كخط سياسي واضح المعالم والاتجاه، واجتذب هذا الخط، دون سائر الخطوط، جماهير الأمة، وعزل سائر الخطوط عن الساحة السياسية.

ولسوف نتناول، في هذه المقدمة، تاريخ، وخصائص ومكاسب وضريبة وقيمة، ومعالم، ومصادر، خط الإمام بشكل موجز إن شاء الله تعالى.