«المولد السعيد»
ولد الشهيد السعيد أبو جاسم الإسلامي الشيخ محمد نور الشواف في مدينة الاحساء بالمنطقة الشرقية ، وترعرع في أحضان الإيمان وتغذى بلبن الحنان والولاء لآل بيت النبوة فنشأ على حب آل محمد الذين أمرنا الله بحبهم وجعل اجر الرسالة في مودتهم ، تربى شهيدنا العزيز على يدي والديه وفي عائلته المكونة من والده ووالدته وإخوانه المؤمنين ولقد عاش الشهيد الشيخ محمد (رحمه الله) في أوساط بلدة عرفت بولائها لآل محمد (ص) مما كان له الدور الأكبر في تجلي خصال العزة والإباء والشجاعة والإقدام والتمسك بالأخلاق الإسلامية والسنن المحمدية لدى شهيدنا رحمه الله.
التحق شهيدنا ومن حين إكماله السادسة من عمره بالمدارس الحكومية فأتم الابتدائية ثم المتوسطة والثانوية ومن بعدها التحق بالجامعة ودرس فيها لمدة سنتين فكان مدة دراسته مثالاً طيباً للطالب المجد المجتهد في دراسته الحائز على الدرجة الجيدة في الدراسة والسيرة والسلوك.
«بيت الإيمان»
من سعادة المرء أن يعيش في أسرة فضيلة وحنان ومحبة وإيمان هذه الأسرة هي التي تعطي ثمارها سليمة طيبة هكذا كانت أسرة الإيمان أسرة شهيدنا البطل فلقد كان والده يعني عناية تامة بأولاده ويربيهم تربية صالحة على تعاليم أهل البيت وخط آل محمد وعلي .. خط الشهادة والدم القاني والأخلاق، كما كانت والدته هي الأخرى التي غذت أبناءها حب الله ورسوله وحب علي وأولاده وأشبعتهم حناناً وشفقة وكما قال الشاعر:
لا عـذب الله أمي إنها شـربـت حب الوصي وغذتنـيه بالـلـبـن
وكـان لــي والــد يـهـوى ابـا حسن فصرت من ذي وذا اهوى اباحسن
فكان شهيدنا والحمد لله خير ثمرة لتلك الشجرة الطيبة والأسرة المسلمة .
«في طريق الجهاد »
لقد سجل الشهيد الشيخ محمد نور (رحمه الله) صفحات من حياته المشرقة بالعطاء فقد كان يدرس في الجامعة - قسم التاريخ - حين انتصار الثورة الإسلامية المباركة واخذ يتابع وبدقة وجد ونشاط مسيرة الثورة فكان يحضر المسجد والندوات الدينية ويفهم الشباب ويدعو لخط الامام القائد ويحرض الشباب على مواصلة درب الجهاد وتحمل المسؤولية وفهم واقعهم المعاصر والتحرز من قيود الدنيا وتوافهها الزائلة الفانية شارحاً لهم خطر الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر أمريكا والعدو الأحمق وبعد أن أحس شهيدنا رحمه الله بضرورة تحمل المسؤولية أكثر ومن اجل أن يؤدي دوراً اكبر قرر سنة 1402هــ مغادرة البلاد موجهاً وجهه نحو إيران الإسلام من اجل طلب العلم والتزود بزاد التقوى والثقافة الإسلامية البناءة، التي يجب أن يتربى المجتمع كله عليها .«في مدرسة أهل البيت (ع)»
التحق شهيدنا (رحمه الله) ومن حين وصوله عاصمة الاسلام طهران الشهباء التحق بمدرسة (منظمة الثورة الاسلامية) وبقي فيها ما يقارب السنتين وبعد ان عرف خط ولاية الفقيه التي هي الممثل الشرعي الوحيد لمسيرتنا يتمثل في الحوزة العلمية في قم قرر ترك الدراسة في طهران وتوجه تلقاء مدينة قم المقدسة حيث مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فالتحق بالحوزة وبدأ دراسته من جديد وواصل الدراسة حتي كتاب اللمعة الدمشقية في الفقه والمعالم في الاصول وكان يحضر دروس التفسير وكذلك وكان معروفاً بيننا بالجد والمثابرة والمباحثة وكان اذا حضر الدرس اخذ يشرحه عن ظهر قلب.
كما كان كثير الحرص علي وقته حتي انه لم يضيع من وقته ولا ساعة واحدة ويذكر لنا أحد إخوانه انه ذهب له في شغل فقال له لك خمس دقائق فقط، وكان (رحمه الله) قليل النوم ساهراً على دروسه حتى قال له احد زملاءه يا أخي ان السهر نوع من التعذيب الذي يمارس في سجون الظالمين ولكنه اخذ يواصل دربه مجداً صابراً.
وقد كتب على باب غرفته بيتاً من الشعر هذا نصه:
أنفاس نفسك أثمان الجنان فلا تشتري بها لهباً في الحشر يشتعل بل كان كثير السؤال والمناقشة في المسائل العلمية يقول أحد المؤمنين من زملاءه ذهبت معه الى طهران فى إحدى المرات وفي وسط الشارع وزحام السيارات والناس اخذ يطرح عليّ مسألة صرفية ويناقش فيها.
ومن شدة حرصه على الوقت كان يسمع الأخيار في وقت تناول الطعام فكان يؤقت أكله مع وقت الأخبار حتى اذا كان صائماً يؤخر إفطاره حتى وقت نشرة الاخبار فيسمع الاخبار ثم يفطر.
«الوعي الرسالي»
كان شهيدنا (رحمه الله) يعيش ألم الأمة الإسلامية بأجمعها متحسساً آلامها فيرى ما حل بها حل به وما أصابها أصابه فرحها فرحه وحزنها حزنه هكذا يجب ان نكون لان المسلمين كالجسد الواحد وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من سمع منادياً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» بل كانت أكثر جلسات شهيدنا (رحمه الله) معمورة بذكر أحوال المسلمين في جميع جوانبها وكان يهتم بأحوال إخوانه طلاب العلوم الدينية كثيراً.
كما كان يسعى دائماً وفي أثناء العطلة الصيفية إلى القرى والأرياف من اجل نشر الوعي والدعوة لله وتبليغ تعاليم السماء والدين الحنيف.
أضف إلى هذا حرصه الشديد على لمّ الشمل وتوطيد الطاقات ورص الصفوف تحت راية ولاية الفقيه المتمثله في الإمام القائد الخميني العظيم بل كان يعامل إخوانه على السواء حتى في الابتسامة الحسنة وكان همه بل كل همه هو السعي الى تأليف القلوب وطرح كل خلاف وغرس أواصر المحبة والأخلاق.
«في المشتاقين»
كان شهيدنا (رحمه الله) على مستوى عالٍ من الورع والزهد والعبادة يقوم ليله ويصوم نهاره. فكان (رحمه الله) لا يترك صلاة الليل منذ أن عرف فضلها بل كان حتى في الليالي التي يكون فيها متعب الجسد لا يتركها فيؤديها قبل نومه وإذا أراد أن يؤدي صلاة الليل يذهب في مكان بعيد عن الأنظار.
نقل لنا أحد الإخوة يقول كنت مع الشهيد (رحمه الله) في رحلة من دمشق إلى طهران وكانت الرحلة في الليل فلما وصلنا المطار وانتهينا من التفتيش ذهبت لاستيجار سيارة توصلنا إلى قم وكانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وفي ذلك الوقت رأيت الشهيد انزوى عنا في جانب من الساحة التى حول المطار وأخذ يؤدي صلاة الليل.
يقول أحد المؤمنين قمت أنا بزيارة الشهيد الشيخ محمد إلى قبر السيد عبد العظيم الحسني مدينة ري وهي ناحية من نواحي طهران وكان معنا شيخ يقال له الشيخ مصطفى الأحمدي ولما وصلنا ذهبنا إلى الفندق وبعد مضي فترة من الليل نام الشيخ مصطفى وبقيت أنا مع الشهيد وكنا نتحدث حول مسألة التبليغ وأساليبه فخرجت من الغرفة فلما عدت بعد قليل وجدت الشهيد قائما يصلي صلاة الليل فالتفت إليه وقلت له لماذا تصلي فنحن في سفر فقال إن هذا الحكم (ترك صلاة الليل في السفر ليس لنا إنما هو لعوام الناس).
أما نهاره فقد كان يقضي أكثر أيامه صائماً طوال أيام السنة وكان سحوره بما تيسر في المنزل. أما إفطاره فكان يفطر بعد الصلاة عندما يصلي مع الشيخ نوري محمدي فيذهب إلى بائع السندويش ويأكل ثم يعود بسرعة إلى درس الشيخ نوري محمدي الذي يلقيه بعد الصلاة مباشرة وكان إفطاره على سندويشة واحدة.
أما الأدعية (والدعاء مخ العبادة) فقد كان (رحمه الله) ملازماً لقراءة الأدعية المأثورة كدعاء كميل بن زياد ودعاء الصباح وكان يذهب في كل ليلة جمعة إلى مسجد جمكران القريب من مدينة قم من أجل الدعاء والذكر.
كما كان مواظباً على الوضوء بعد الانتباه من النوم وإحياء الليالي بالعبادة والذكر وهكذا دائماً رجال الله الذين امتحن الله قلوبهم بالإيمان فصدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يبدلوا تبديلا .
«الى كربلاء الحسين "ع"»
في شهر شعبان لعام 1406 توجه الشهيد (رحمه الله) إلى مدينة دمشق من أجل التبليغ في قرى مدينة حمص ومن حين وصوله إلى احدى القرى هناك وبعد أيام قلائل وبالضبط في اليوم الخامس من شهر رمضان عاد الشيخ من القرية إلى مدينة دمشق فالتقيت به فقال لي أني أريد الرجوع إلى إيران وبعد ذلك سمعت انه قد توجه إلى المعسكر فى الأهواز من أجل التدريب وبعد عودتي من سوريا التقيت بالشهيد في حرم المعصومة (سلام الله عليها) فقال لي: إني سوف ارجع إلى المعسكر إن شاء الله وكان ذلك في شهر ذي الحجة من نفس السنة ولما رجع إلى المعسكر بالأهواز تم نقلهم إلى الشمال إلى منطقة حاج عمران وبعد وصوله تلك المنطقة بيومين تقريباً شارك في عمليات كربلاء الثانية وأبلى فيها بلاءاً حسنا وكان شهيدنا ضمن فوج الشهيد أية الله دستغيب واختير أثناء الهجوم للصولة وفي أثناء الهجوم أصيب شهيدنا كما نقل لنا بلغم مما أدى إلى انفجار رأسه وعندها وقع شهيداً في حجور الحور العين ومن ثم نقل جثمانه الشريف إلى طهران وتم تشييعه هناك تشييعاً مهيباً شارك فيه مئات الآلاف من أمة حزب الله وبعد ذلك نقل الى مدينة قم المقدسة.
وشُيع مع إخوانه كذلك إلى حيث مثواه الأخير في مقبرة الشهداء مقبرة علي بن جعفر (عليهما السلام) وذلك في يوم 5 محرم عام 1407هــ.
أسأل الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جنته إنه سميع مجيب وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
«وصية الشهيد»
الشيخ محمد نور الشواف هذه الوصية كتبها الشهيد وهو في ساحات الوغى قبل العمليات التي استشهد فيها سلمت لنا بعد شهادته هذا نصها: -
بسم الله الرحمن الرحيم
إني العبد المذنب محمد نور حسن الشواف وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) قادته وسادته.. أما بعد: -
أحمدُ الله على نعمته وهدايته إيانا للإسلام والتشيع وخط الإمام الخميني العظيم وأحمدُه تعالى ان وفقني للجهاد الأصغر وهو مقاتلة أعداء الإسلام.
وما تحقق ذلك إلا بعد معاناة وذهاب وإياب حتى قبلني مسؤلو الجبهة فأحمد الله وأشكرهم لان هذه نعمة كبرى يقف العاقل عاجزاً إزاء شكرها.
ولقد رأيت شباب إيران يتهافتون على مدرسة الجبهة وسمعت ملاحمهم وقصصهم وحينئذ صممت على الالتحاق بالركب الحسيني بقيادة الإمام الخميني روحي لتراب مقدمه الفداء وكان في مقاصدي المهمة أن أهيئ لنفسي أجواء تربيتها بوجودها في جبهة الحق وأكون في جنب القريبين إليه.
أمي وأبي: أرجوا أن تسامحاني على ما أخطأته في حقكم فأسأل الله تعالى في حقكما ما سأله الإمام زين العابدين في دعائه لأبويه (عليهم السلام): «اللهم وما مسهما مني من أذى أو خلص إليهما عني من مكروه أو ضاع قلبي لهما من حق فاجعله حطة لذنوبهما وعلواً في درجاتهما وزيادة في حسناتهما يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات».
والديَّ وصيكم ان لا تغفلوا عن خدمة الإسلام بقيادة الإمام الخميني (حفظه الله) وان لا يمنعكما شيء حتى الموت عن نشر الإسلام والذود عن بيضته ولتكن لكما عبرة بالأئمة الميامين لا تهابوا طواغيت عصركم فالموت يرتقبكم في كل غمضة عين وفتحها فموتوا على طريق الشهادة ليتربى مجتمعنا على هذا الطريق، شهادتي ما هي إلا سعادة وسعادتي يعني سعادتكما. فلا تبكوا علي إذا جاء الناس ليعزونكم فانهروهم وقولوا لهم باركوا لنا شهادة ابننا فإنه قد ترك قدوةً ليحيى بها مجتمعنا وصار سفيرنا عند الأئمة الأطهار. إخوتي وأخواتي أرجو أن تصفحوا عما أخطأته في حقكم أوصيكم أن تكونوا كشباب إيران في نهضتهم فهم ينادون نحن لسنا من أهل الكوفة نترك الإمام لوحده. وقفوا أمام الاستكبار العالمى المتمثل في امريكا وروسيا فهما أعداء الإسلام وأذيالهم اليوم حكام الخليج ومن ينهج نهجهم
{قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} أن الواجب الجهادي أصبح فرضاً عليكم لان هؤلاء سجنوا أبناءكم وذبحوا أطفاكم وشبابكم أوصيكم جميعاً يا اخواني واخواتي واصدقائي وأبناء مجتمعي ان تزودوا ثقافتكم الإسلامية وان تنشروا الوعي الإسلامي وان تتمسكوا بالأخلاق الإسلامية لتكون سلاحاً تربوياً اجتماعياً ونفسياً وأوصيكم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد}.
أوصيكم ان تتمسكوا بعلماء الإسلام فهم الامتداد للخط الإلهي لا تهابوا أعداء الله فان الخوف في السنوات الأخيرة هو الذي أوصل مجتمعنا إلى ما هو عليه الآن. والانفكاك النسبي في الخوف هو الذي ارجع مجتمعنا نسبياً إلى رسالة الحق. تذكروا لقاء الله والخلد في جناته والعيش مع أهل البيت (عليهم السلام) فكل قيود الدنيا تنفكون منها بعد ذلك إخوتي في الله: اجعلوا الإمام الخميني دام ظله الوارف أسوة لكم فحاولوا قدر المستطاع أن تقتدوا بسلوكه فإنه كعلي بن أبي طالب في عصرنا... ابتعدوا عن زينة الحياة الدنيا وخذوا منها ما تسدوا به رمق حياتكم.
وأخيرا {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم} احذروا محبتهم التي يصل الإنسان إلى حد الاعتراض على قدر الله وقضاءه فأسأله ان لا يجعلني لكم كذلك «اللهم اجعلني من جندك فإن جندك هم الغالبون واجعلني من حزبك فإن حزبك هم المفلحون واجعلني من أوليائك فإن أوليائك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
دفني في مدينة قم المقدسة وإن لم تستطيعوا ففي أي مكان. إذا لم تجدوا جثتي أو اخُبر عني اسيراً أو جريحاً او ما شابه فلا تكثروا الذهاب والإياب على مسؤولي الجمهورية الإسلامية. كي لا ينشغلوا أو يتأذوا. أرجو من طلبة وعلماء بلدنا والبلدان الإسلامية كافة أن يتحدوا تحت إطار ولاية الفقيه ويكرسوا جهودهم لمجابهة العدو كي لا تذهب دماء شهدائنا هباءاً منثوراً ونهدم ما بنوه.
أوصي طلبتنا خاصة بذلك ونسألكم الدعاء أسأل الله ان ينصر الاسلام وأهله ويعجل ظهور صاحب الزمان (عليه السلام) وان ينزع من قلوبنا حب الدنيا ويجعلها معلقة بعز قدسه.
الوصية بتاريخ: 19/ 12/ 1406هــ
محمد نور الشواف
تعليقات الزوار