الإمام الخميني

لم يكن الموت شبحا مخيفا في حياة الانسان المسلم

الاعتقاد بما وراء الطبيعة بالصورة التي ينقلها القرآن الكريم له آثاره المتميزة في حياة الانسان، ومن أبرز هذه الآثار طريقة النظر الى (الموت) فالموت في الفكر المادي وحتى عند العديد من الفلاسفة الغيبييّن قيمة سلبية فهو تعبير عن العدم المحض واشارة الى تأصيل الشر في هذا الوجود.!!

والموت بهذا المقياس الفكري الخاطئ يتحول الى شبح يطارد صاحبه ويرعبه ويفزعه ولعل من الاسباب التي تدفع بالانسان المادي الى الانسياق مع اللذات والانغماس في الشهوات محاولة الهروب من ذكر الموت وتصوره فهو لا يرتاح لمثل هذه الكلمة ونظيراتها لانها تنتقل به الى الاحساس بالاشيء تماما.

أما الموت في الاسلام فهو قيمة ايجابية، وايجابيتها لا تتأتى من حيث كونه ـ أي الموت ـ صورة وجودية من نوع آخر، بل من حيث كونه دافعاً واقعياً نحو الخير والبذل والعطاء.

فالانسان في هذه الدنيا انما وجد للامتحان والاختبار والبلاء، والدنيا دار عبور للجزاء على ما ادى وعمل وانتج في دنياه وحياته *فَمَنْ يَعملْ مِثقالَ ذَرّة خيراً يَرَه، ومَنْ يَعمَلْ مِثقالَ ذَرّة شَرّاً يَرَه.

ولهذا كان تصور ما بعد الموت عاملا رئيسيا في صياغة الانسان المسلم وكان من ابرز الاسباب التي تحدوه لأن يكون خيراً ايجابياً معطاءً, ونظرا لهذه الايجابية التي يضفيها الاسلام على الموت، لم يكن الموت شبحاً مخفياً في حياة الانسان المسلم، واذا كان هناك خوف فليس من باب التصورات العدمية، وانما من باب التقصير في حق الله والناس، وبهذا يأخذ الخوف من الموت صورتين متناقضتين تبعاً لتباين الخلفية العقائدية، فالالحاد يؤطر الموت برؤية النهاية التي تنعدم فيها الذات الى الابد والايمان يؤطر الموت برؤية المسؤولية ضمن حياة جديدة. وقد جسد اصحاب الحسين عليه السلام هذا التصور العقيدي للموت نظرياً وعملياً فقد جاء في الروايات أن علي بن الحسين الاكبر سمع والده عليه السلام يردد وهو في طريق كربلاء (انا لله واِنا اِليهِ راجعون)  فسأله: أولسنا على الحق؟ فأجاب سيد الشهداء بلى يا ولدي! فقال اذن لا نخشى أوقعنا الموت أم وقع الموت علينا.

وفي هذا يقول قائد الثورة الاسلامية العالمية (فصاحب الحق المؤمن بوجود مدبر للعالم وهو الله لا يخشى الموت، فعالَمُ الطبيعة هو ادنى العوالم كما جاء في القرآن، ومادام الملأ الاعلى هو مكان الشهيد فلا خوف عليه، انما يجب ان يخاف ريكَان وامثاله الذين لا يؤمنون بمثل هذه المسائل، فالخوف هو من نصيب هؤلاء الذين كل همهم ان يصلوا الى القدرةِ أو يقوموا بجريمة لأيامٍ معدودة، اما شبابنا الذين يؤمنون بما وراء الطبيعة ويعتبرون الشهادةَ فوزاً عظيماً فلا يخشون شيئا...).

والشهادة حصيلة هذا الإيمان الرائع بالقيمة الايجابية للموت فان الإقبال على الموت بطمأنينة قلب ورحابة صدر... إنما يُلَخصُ تصديقاً بعالَمِ ما وراء الطبيعة ويكشف عن رغبة عارمة في لقائه تعالى ويشير إلى تحريرٍ كاملٍ من الخوف بمعناه السلبي.

يقول الإمام (... من يطلب الشهادة لا يخاف من شيء ولا يخاف من أن يقوم ريكَان بارسال قواته ليحقق لهم هذه الشهادة ولذلك فنحن لا نعبأ بمثل هذه الأمور...)

لقد أصبحت الشهادة عند شبابنا المسلم في الجمهورية الإسلامية رغبةً وطريقاً وأمنِيّةً وتلكم من آثار الإيمان العميق بالله، فما على الشباب المؤمن إلا أن يَجِدَّ ويسعى لتعميق إيمانه بالحق حتى يرتفع إلى هذا المستوى الرائع الرفيع.

 

عمار حسن