إنّ الثورة الإسلاميّة المجيدة، التي تمثل ثمرة جهاد الملايين من الشرفاء والآلاف من الشهداء الخالدين والمعوقين الأعزاء ـ الشهداء الأحياء ـ والأمل لملايين المسلمين والمستضعفين في العالم، تقف على درجة من الأهمية تفوق قدرة القلم والبيان.

وإني روح الله الموسوي الخميني، الآمل ـ رغم كل خطاياي ـ بكرم الله العظيم تعالى، والمتزود للطريق المحفوفة بالمخاطر بذلك الأمل بكرم الكريم المطلق لي، وأثق الرجاء ـ بصفتي أحد طلبة العلوم الدينية البسطاء ـ وكسائر أخواني في الإيمان بهذه الثورة ودوام منجزاتها وتحقق المزيد من أهدافها، أعرض بعض الأمور كوصية للجيل الحاضر والأجيال القادمة العزيزة ـ وإن كانت مكرّرة ـ سائلاً الله الرحمن أن يمنّ عليّ بإخلاص النية في ذلك.

1ـ كلنا يعلم أن هذه الثورة المجيدة، إنما تمكنت من قطع أيادي المستغلين والظالمين الدوليين عن إيران العزيزة وتحقيق الانتصار بالتأييد الإلهي الغيبي، فلولا قدرة الله القادرة لما أمكن لستة وثلاثين مليوناً أن ينهضوا ومن أدنى البلاد إلى أقصاها صفاً واحداً وبنهج واحد وبنداء "الله أكبر" ليقدموا تلك التضحيات الإعجازية المحيرة، ويزيحوا كابوس جميع القوى الداخلية والخارجية، ويتسلموا هم مقاليد الأمور في بلادهم. فالإعلام المعادي للإسلام وعملائه ـ وخاصة في القرن الأخير ـ وما لا يحصى من أساليب التفرقة التي مارسها الكتاب والخطباء من خلال الصحف والمجالس الخطابية والمحافل المضادة للإسلام وللوطنية ـ رغم لبوسها الوطني ـ وذلك السيل من الأدب المبتذل وما أعد من مراكز اللهو والفحشاء والقمار والمسكرات والمخدرات بهدف جر الشبان الذي يمثلون الساعد الفاعل للمجتمع نحو الفساد وتحييدهم أمام الممارسات الخيانة للملك الفاسد وأبيه الأهوج والحكومات والمجالس البرلمانية المسيّرة المفروضة على الشعب من قبل سفارات الدول الكبرى، بدلاً من تسخير جهودهم لتحقيق الرقي والتقدم لوطنهم العزيز. وأسوأ من ذلك كله حال الجامعات والمدارس الثانوية والمراكز التعليمية الأخرى المستأمنة على مقدرات البلاد، فهي مليئة بالمعلمين والأساتذة العملاء الفكريين للغرب أو الشرق والمعارضين تماماً للإسلام والثقافة الإسلامية ـ بل حتى الثقافة القومية الصحيحة وذلك باسم القومية والميول القومية ـ وإن كان بينهم بعض الملتزمين المخلصين إلا أنهم لم يكونوا ذوي تأثير يذكر نتيجة قلة عددهم وتراكم الضغوط عليهم مما حد من إمكانية قيامهم بأي عمل إيجابي، مضافاً إلى ما كان يجري من العمل على ازواء الروحانيين وعزلهم، ودفع العديد منهم نحو الانحراف الفكري نتيجة الإعلام. كلها مع عشرات الأمور الأخرى كانت تحول دون تحقيق الثورة للنصر المؤزر هذا.

لذا وجب أن لا يشك أبداً في أن الثورة الإسلامية في إيران تختلف عن جميع الثورات الأخرى من حيث النشأة، ومن حيث أسلوب المواجهة، ومن حيث الدوافع التي فجرت الثورة والنهضة، ولا ريب أبداً في أنها هدية إلهية غيبية تلطف بها المنان على هذا الشعب المنكوب المظلوم.

 

الحكومة الإسلامية وسعادة الدارين

2ـ إن (الإسلام والحكومة الإسلامية) ظاهرة إلهية يؤدي العمل بها إلى تحقيق السعادة للمسلمين في الدنيا والآخرة وعلى الوجه الأكمل، كما أن العمل بها سيؤدي إلى إلغاء كافة أنواع الظلم والنهب والفساد والتعدي وإيصال الإنسان إلى الكمال المطلوب له.

و(الإسلام) عقيدة تشتمل ـ وخلافاً للعقائد الإلحادية الأخرى ـ على جميع ما يصلح الشؤون الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، كما إنها تلعب دور الإشراف على جميع ذلك، فهي لا تغفل في أية قضية ـ مهماً صغرت ـ مما له صلة في تربية الإنسان والمجتمع وتحقيق التقدم المادي والمعنوي لهما، كذا فإنها تشخص العوائق والمشكلات التي تعترض طريق التكامل الاجتماعي والفردي وتعمل على رفعها.

والآن، وحيث أقيمت الجمهورية بتوفيق الله وتأييده وبقدرة الشعب المتدين، ولما كان ما تطرحه هذه الحكومة الإسلامية هو الإسلام وأحكامه السامية، فإن على الشعب الإيراني المجيد أن يسعى لتحقيق محتوى الإسلام وعلى جميع الصعد والعمل على حفظه وحراسته، فإن حفظ الإسلام يتصدر جميع الواجبات، وجميع الأنبياء العظام ـ من آدم (ع) حتى خاتم النبيين (ص) ـ قد قدموا في هذا السبيل أجلّ المساعي وأسمى التضحيات، ولم يصرفهم عن أداء هذه الفريضة الجليلة أن مانع. وهكذا كان الحال مع أصحابهم الملتزمين وأئمة الإسلام (عليهم السلام) بعدهم، فقد بذل أولئك جهوداً مضنية بلغت حد التضحية بالأنفس من أجل حفظ الإسلام.

واليوم وبالإعلان رسمياً عن قيام الجمهورية الإسلامية واستقرار هذه الأمانة الإلهية في إيران وتحقق النتائج العظيمة خلال مدة قصيرة، فإن من الواجب على الشعب الإيراني خصوصاً، والمسلمين عموماً، استفراغ الجهد في حفظها والسعي لإيجاد عوامل بقائها وإزالة الموانع والعوائق من طريقها. والمؤمل أن يسطع سنا نورها على جميع الدول الإسلامية ويتحقق الانسجام بين جميع الدول والشعوب على هذا الأمر المصيري فيكفّوا ـ وإلى الأبد ـ أيدي القوى الكبرى والمستغلين ومجرمي التاريخ عن المظلومين والمضطهدين..

 

سر النصر يكمن في الدافع الإلهي ووحدة الكلمة

* لا شك أن السر واحد في بقاء الثورة الإسلامية وانتصارها، والشعب يدرك والأجيال القادمة ستقرأ في التاريخ، أن سر النصر يعتمد على ركنين أساسيين، هما: الدافع الإلهي والهدف السامي في إقامة الحكومة الإسلامية من جهة، واتحاد كلمة الجماهير في جميع أنحاء البلاد من أجل ذلك الدافع والهدف من جهة أخرى.

لذا فإني أوصي جميع الأجيال الحاضرة منها والآتية أن يحرصوا ـ إذا رغبوا في إقامة الإسلام وحكومة الله، وقطع أيدي المستعمرين والمستغلي المحليين منهم والأجانب عن بلدهم ـ على عدم التفريط بهذا الدافع الإلهي الذي أوصى به الله في القرآن الكريم. وليعلموا ان ما يقابل هذا الدافع ـ الذي يمثل سر النصر والبقاء ـ هو نسيان الهدف والوقوع في التفرق والاختلاف، فليس عبثاً تركيز الأبواق العالمية في جميع أنحاء العالم وأتباعهم المحليين كل جهدهم على نشر الشائعات والأكاذيب بهدف زرع الشقاق، وإنفاقها مليارات الدولارات في سبيل ذلك، وليس عبثاً أيضاً تلك الحركة الدؤوبة لأعداء الجمهورية الإسلامية في المنطقة ومشاركة بعض القادة والمسؤولين في حكومات بعض الدول الإسلامية ـ وهو الأمر المؤسف ـ ممن لا يفكرون إلا بمنافعكم الشخصية وممن استسلموا لأمريكا بالكامل، مع العديد من المتلبسين بلباس علماء الدين في تلك التحركات.

عليه فإن الأمر المهم الآن وفي المستقبل والذي ينبغي للشعب الإيراني وسائر المسلمين في العالم إدراكه هو السعي لإفشال المخططات الإعلامية الهدّامة المفرّقة. لذا فإني أوصي المسلمين عموماً والإيرانيين خصوصاً لاسيما في عصرنا الحاضر بالتصدي لهذه المؤامرات وتقوية حالة الإنسجام والوحدة لديهم بكل الطرق الممكنة، ليزرعوا بذلك اليأس في قلوب الكفار والمنافقين.

 

جانب من الوصية الإلهية السياسية للإمام الخميني (قده)