على الرغم من أنّ نوفل لوشاتو قرية صغيرة وهادئة، إلا أنهّا تعتبر في تاريخ إيران رمزا لثورة عظيمة. إنّ هذه القرية التي تقع على بعد 35 كيلومترا جنوب غربي العاصمة باريس، كانت آخر مقر للإمام الخميني قبل عودته المنتصرة إلى إيران في الثاني عشر من بهمن عام 1357 شمسي، أي الأول من شباط عام 1979.

إستمرّ روح الله في التواصل مع المعارضة داخل إيران -التي كانت تواجه قمعًا شديدا حينئذ- عبر أشرطة تسجيل بها خطابات يدعو الناس فيها إلى الثبات والاستقامة ومواصلة النضال والثورة، وأكسبته كاريزمته وصدق سريرته في معارضة الشاه ثقلاً أكبر، فتكتّل خلفه الشباب الملتزمون-وهم كُثر- وأصبح صوتهم.

يحتفل الشعب الإيراني كل عام بذكرى عودة الإمام الخميني (قدس) بعد 14 عاما قضاها في المنفى بتركيا والعراق وفرنسا، وبدء أيام عشرة الفجر التي إنتهت بالإعلان عن إنهيار النظام الملكي البائد في 11 شباط/فبراير 1979.

وسميت هذه الأيام ب"عشرة الفجر" حيث شكّلت صفحة جديدة في تاريخ إيران، مرتبطة بدايتها بعودة الإمام روح الله الخميني قائد الثورة الإسلامية ومفجرها الكبير من منفاه إلى أرض الوطن، وانتهت بانتصار الثورة والإعلان الرسمي عن انهيار النظام الملكي البائد.

  وفي الأول من شباط/ فبراير 1979 عاد الإمام الخميني (رض) إلى طهران من فرنسا، بعد فرار شاه إيران محمد رضا بهلوي.

واحتفالا بعودته الظافرة توجّه نحو خمسة ملايين إيراني من سكان العاصمة طهران والمدن الإيرانية الأخرى إلى مطار مهرآباد الدولي في غرب طهران، لاستقبال الإمام الخميني (رض) الذي عدّ بأنه الأضخم في التاريخ.

  ورافق الإمام الخميني (رض)، على متن الطائرة التابعة للخطوط الجوية الفرنسية من طراز بوينغ 747، بعض أنصاره بالإضافة إلى عدد كبير من الصحفيين، ورغم إغلاق السلطات التابعة للنظام  الملكي الذي كان ما يزال قائما مدرج المطار، ما أدى إلى تأجيل الرحلة لعدة مرات وإطلاق التهديدات بإسقاطها، ونصيحة المقربين بتأجيل عودته حتى إزالة المخاطر الاحتمالية، إلاّ أنّ الإمام أصرّ على العودة، مؤكدا ضرورة الإسراع في انضمامه إلى صفوف الشعب حتى إسقاط النظام، وهكذا تمّ له ما أراد، وعاد بسلام وفشلت المؤامرة.

وفي الطائرة، ورغم القلق الذي كان يشعر به الكثير من ركابها من احتمال استهدافها من قبل قوات النظام الملكي، إلاّ أنّ الإمام الخميني (رض)، بدت عليه علامات الاطمئنان والسكينة حيث كان مبتسما وهادئا طيلة الرحلة ونهض لأداء الصلاة في الطائرة.

وبعد وصوله إلى أرض المطار، كانت لجنة الاستقبال التي شكّلها أنصاره قد أعدت مراسم حافلة بدأت بكلمة ترحيبية، ثم قرأ مجموعة من الشبان نشيدا يشيد بشخصية الإمام الفريدة وقيادته الحازمة للثورة في مواجهة النظام الملكي، فيما كانت صالة المطار مكتظة بالمستقبلين، ومن ثم خرج الإمام الخميني من طهران لتحية الجماهير المليونية التي كانت بانتظاره، إذ احتشدت منذ أيام في الشوارع والطرقات المؤدية إلى أرض المطار. توجّه الإمام الخميني إلى مقبرة جنة الزهراء، وألقى كلمة تاريخية ما تزال أصداؤها حاضرة في ذاكرة الشعب، وأصبحت الكثير من عباراتها تجري مجرى الأمثال على ألسنة الناس، ومن أبرز ما قاله أنه سيوجه الصفعة الأخيرة للحكومة غير الشرعية، وأنه سيشكّل حكومة ثورية بتأييد وتفويض من الشعب، داعيا إلى مواصلة الانتفاضة والثورة حتى القضاء النهائي على النظام الملكي العميل للغرب، وتشكيل حكومة تعتمد الإسلام سلوكا ومنهجا واضحا.