الشيخ موسى خشّاب

إنّ إعداد القوة شرط أساس من شروط الجهاد في سبيل الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: 60).

وينبغي أن تشمل عمليّة الإعداد كلّ عناصر القوّة على مستوى التدريب والسلاح والمعلومات والتجهيزات والدعم الماديّ والإعلاميّ والاحتضان الشعبيّ وغير ذلك ممّا أمرنا الله تعالى بالاهتمام به كونه يساهم في تحقيق النصر. والسؤال الأساس: ما هو الجانب الذي يجب أن يحظى بالاهتمام الأكبر على مستوى الإعداد؟ هل هو السلاح المتطوّر، أم التخطيط الدقيق، أم القوّة البدنيّة، أم القاعدة الشعبيّة التي تؤمّن التأييد والاحتضان والدعم؟

 

* الروح أساس البناء

يمكن أن نأخذ الجواب من كلام الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، والذي قاله بعد انتصار عام 2000م:

"إنّ الإمكانات أصل، البرامج أصل، التكتيك أصل، صياغة الأهداف أصل... لكنّ الأصل الرئيس هو الروحيّة والروح. الجانب الذي يقاتل ويجاهد فينا، هي الروحيّة، فالروح [المرتبطة بذات الباري سبحانه وتعالى] هي التي تقاتل".

على هذا الأساس يجب أن ينال الارتباط بالله تعالى الحظّ الأوفر في عمليّة إعداد النفس. فمن أراد أن يبني روحيّته بشكل صحيح، عليه أن يبني الإيمان في نفسه. وهذا هو الفرق الجوهريّ بين روحيّة المقاتل المؤمن وغير المؤمن. وينعكس هذا الفرق على مستويين:

 

* الأول: السلوك المنضبط

فالمقاتل المؤمن يظهر ارتباطه بالله تعالى في جميع حركاته وسكناته؛ لأنّه يتصرّف على أساس عبوديّته لله تعالى، في حين يتصرّف الآخرون كجبابرة في الأرض. والمقاتل المؤمن ينسجم ويتكامل مع حركة الأنبياء التي تهدف إلى الإصلاح، في حين تتّسم حركة الآخرين بالعلوّ والفساد. قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: 83). ويمكن الحديث عن أربعة عناوين يتميّز بها المقاتلون المرتبطون بالله تعالى عن غيرهم، وهي:

1- احترام الأوامر الإلهيّة والتزامها: فلا يرتكبون المحرّمات التي يُبتلى بها المقاتلون عادة؛ كالتعدّي على الآخرين وممتلكاتهم، وما يصدر عنهم في حالة الغضب كالتمثيل بالجثث وأذيّة الأسرى، أو في حالة الفرح، كإطلاق النار ابتهاجاً. عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "إنّما المؤمن الذي إذا غضب، لم يخرجه غضبه من حقّ، وإذا رضي، لم يدخله رضاه في باطل"(1).

2- احترام الآخرين: من المشاكل التي تعاني منها المجتمعات والأسر، أنّ المقاتل ينقل قسوته وشدّته من المعركة إلى المجتمع وإلى البيت، فيعتدي على جيرانه وحقوقهم وعلى زوجته وأولاده بالضرب أو الصراخ و... في حين يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10)، ويصفهم في ساحة القتال بأنّهم: ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (الحجرات: 4)، ويصف شعارهم في التعامل ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29).

3- احترام الذات: ومنها المروءة، كما ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "المروءة اجتناب الرجل ما يشينه، واختياره ما يزينه"(2). فالمؤمن مثلاً يتّصف بالعفّة، فلا يحطّ من قدر نفسه طلباً لشهوة مال أو طعام "من كرمت عليه نفسه، هانت عليه شهواته"(3)، ويتّصف بالحياء، فلا يتكلم بكلام لا يليق بقدره؛ "إنَّ اللَّه حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ فَحَّاشٍ بَذِيءٍ قَلِيلِ الْحَيَاءِ، لَا يُبَالِي مَا قَالَ ولَا مَا قِيلَ لَه"(4).

4- احترام البيئة: بحيث لا يقطع الشجر، ولا يهدم الدُور، ولا يعتدي على الممتلكات والمزروعات وغير ذلك.

 

* الثاني: القدرة المضاعفة

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (الأنفال: 65). فكلّما كان ارتباط المقاتلين المجاهدين بالله تعالى أشدّ وأقوى، تتضاعف قوّتهم، والعكس صحيح.

فالمؤمنون، بحسب الآية الكريمة، يتميّزون بأمور عدّة، منها: الصبر، بمعنى أنّ قدرتهم على تحمّل المصاعب والضغوطات التي تواجه المقاتل عادةً أكبر. ففي حين تؤدّي هذه الضغوطات إلى حدوث حالات فرار كثيرة أو إلى رفض العمل العسكريّ، كما يحدث في جيش العدوّ الصهيونيّ(5)، إلّا أنّنا نجد المجاهد المؤمن يتحمّل تلك الضغوطات كلّها، ويصبر عليها؛ بسبب قوّته المضاعفة الناتجة عن الإيمان.

 

* كيف تكون القوّة مضاعفة؟

يمكن تقريب الفكرة بالتالي: إنّ غير المؤمن قد يمتلك سهماً رابحاً، في حين يمتلك المؤمن أسهماً رابحة عدّة.

فالأول: يؤمن بالقوانين الماديّة ويستفيد منها.

والثاني: يستفيد من القوانين الماديّة والغيبيّة معاً.

مثلاً: إنّ المقاتلين لديهم أحاسيس ومشاعر ورغبات ومخاوف، ويقعون تحت ضغوطات من قبيل:

1- الشوق: فالمقاتل يشتاق إلى الوطن والأهل والأولاد وإلى الراحة والرفاهية و...

2- الخوف: كالخوف من شدّة المعارك والتعرّض إلى الإصابة أو الأسر أو الموت.

ولكنّ الفرق بين المؤمن وغيره هو أنّ المؤمن يدفع الشوق والخوف بشوقٍ وخوفٍ أكبر منهما. ولهذا، فهو يتحمّل الضغوطات ويستسيغ خشونة العيش. فهو يشتاق إلى وطنه وأهله وأولاده، ولكنّ شوقه إلى رضى الله أكبر. وهو يحذَر نيران العدو وسطوته، ولكنه ثابت في الميدان؛ لأنّ حذره من نار الآخرة والبُعد عن الله أعظم.

وفي الوقت الذي يخاف فيه مقاتلو العدوّ من الموت، فإنّ المؤمن يشتاق إلى لقاء الله، ولا يبالي أَوَقع على الموت أم وقع الموت عليه.

 

* كيف ننمّي الشوق والخوف؟

إنّ القرآن الكريم من جهة، والرسول وآل بيته عليهم السلام من جهة أخرى، هما النبعان اللّذان يغذّيان الإيمان. وإليكم هذين المثالين:

1- القرآن الكريم: يشوّق ويُخوّف

إن من آثار العلاقة بالقرآن الكريم أنّها تنمي في القلب الشوق للجنّة والخوف من النار؛ وبذلك يكون المقاتل أقدر على دفع الشوق والخوف الدنيويين بشوقٍ وخوفٍ إلهيّين. وهذه الآثار تحصل في القلب عند قراءة القرآن قراءةً واعيةً وهادفةً ومخلصةً، فقد قال الإمام عليّ عليه السلام في وصف المتقين: "فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ"(6).

2- سيرة أهل البيت عليهم السلام في التعامل مع الموت

إنّ سيرة أهل البيت عليهم السلام ومواقفهم ورواياتهم تؤثر تأثيراً عميقاً في النفس، وتُشعل في القلب جذوة العشق والحبّ لهم. ومن آثار الحبّ الصادق الاتّباع؛ حتّى يصبح المحبّ شبيهاً بحبيبه. فمن يعشق عليّاً عليه السلام ويدرك أنّه أشدّ استئناساً بالموت من الطفل بثدي أمّه، وأنّ ألف ضربة بالسيف أحبُّ إليه من ميتة على الفراش، وأنّ الدنيا بنظره جيفة، فلن يكون منكبّاً على الدنيا ولن يخاف الموت. وهذا في حدّ ذاته سرّ من أسرار القوّة التي يتمتّع بها أتباع أهل البيت عليهم السلام الحقيقيّون.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام. ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوّة والولاية إلى ذراريهم وأتباع منهاجهم"(7).

ــــــــــــــ

1- الوافي، الفيض الكاشاني، ج4، ص161.

2- موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، النجفي، ج10 ص218.

3- نهج البلاغة، قصار الحكم، ج4، ص104.

4- الوافي، (م.س)، الفيض الكاشاني، ج5، ص935.

5- مما دفعه إلى معالجة هذه الحالات من خلال عقوبة السجن في حين تلجأ بعض الجيوش والحركات المتطرّفة إلى قتل الفارّين من أرض المعركة منعاً لفرار الباقين.

6- نهج البلاغة، خطبة المتقين، ج2، ص162.

7- صحيفة الإمام، ج15، ص154.

 

المصدر: مجلة بقية الله