سؤال: هل بالإمكان تطبيق الديمقراطية الغربية في المجتمع الإسلامي؟

جوابه: بدءاً لنرَ ماذا تعني الديمقراطية وكيف ظهرت إلى الوجود في الغرب؟

الديمقراطية تعني حاكمية الشعب أو سيادة الشعب، وقد تبلورت الديمقراطية الحديثة في الغرب حينما وجد المتدينون هناك أن ما في حوزتهم من دين ـ وهو المسيحية ـ عاجزٌ عن القيام بدوره على صعيد الحياة الإنسانية بجميع أبعادها لاسيما الاجتماعية، أو مباشرة أمر التقنين، من هنا فقد قاموا بمعالجة المشكلة بنحو، تنحصر فيه مهمة الدين والتعاليم الإلهية بحدود الحياة الشخصية للإنسان.

لقد رفضوا أحكام الدين في القضايا الاجتماعية والسياسية، وبتعبير أدق: إن الدين وفقاً لرؤيتهم يختص بالدعوة للصلاة والدعاء والتنسك، أما تشخيص نوع الحكم والسياسة والقضاء أو تحديد الأسس التي يقوم عليها النظام القيميُّ في المجتمع؛ فهذا مما لا شأن للدين به، ومن شأن الله تعالى عدم التدخل في هذه الشؤون البشرية المهمة!!

وبهذا فقد أعلن العالم الغربي موقفه من المسيحية «المحرّفة» بوضوح وـ حسم ـ أمره مع الله في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولمّا جرّدوا الحكم عن الله سبحانه؛ برزت أمامهم هذه القضية وهي: إلى مَنْ يسلِّمون هذا الأمر؟ وقد توصَّل مفكرو الغرب إلى سبيلين للحل:

أولهما: تسليم الحكم بيد شخص ما، وهو بدوره يتعامل مع الشعب كيفما شاء؛ وقد أطلقوا على هذا النهج: الدكتاتورية.

والثاني: إيكال أمر الحكم لأبناء الشعب، فهم راشدون، وبوسعهم تشخيص المصلحة من المفسدة وممارسة عملية التقنين في ضوء آرائهم، أو إقرار ما يروق لهم أو تغييره.

واستناداً إلى هذه النظرية فإن معيار الحسن والقبح هي إرادة الشعب، والحسن والقبح وما يضاهيهما ما هي إلا مفاهيم اعتبارية تابعة لأذواق الناس، وإننا في واقع الأمر نعيش في عالم، لا وجود للحسن والقبح فيه؛ فإذا ما أعلن الناس يوماً حُسن شيء؛ فإنه يكون كذلك، ولكن ليس للأبد، بل متى ما يشاؤون، فإن رأوا انه قبيح بعد يوم فإنه يتحول إلى قبيح، ولكن ليس للأبد أيضاً. وعليه ليس لدينا حسن وقبح حقيقيان وعينيان، وما هذه إلا مفاهيم اعتبارية من صنع وإبداع الناس أنفسهم، وقد أطلق الغربيون على هذا النهج المستند إلى رأي الشعب اسم «الديمقراطية».

وحينما وجدوا أن معالجة قضية الحكم تنحصر في هاتين السبيلين توصلوا إلى هذه الحصيلة، وهي ترجيح الحكم الديمقراطي الحر على الدكتاتوري الفاشي، فتوحدت قلوبهم وتظافرت هتافاتهم وتعالت صيحاتهم بالحياة للحرية والديمقراطية؛ وهكذا شاعت الديمقراطية في بلاد الغرب، وأخذت تتنامى يوماً بعد يوم حتى غدت حالياً تحفة الغرب التي تُصدَّر إلى سائر البلدان، وقد اتُّخذت شعاراً لبعض المثقفين العصريين في بلادنا أيضاً غافلين عن أن ديمقراطية الغرب وليدة فصل الدين عن السياسة، ومن غير الممكن بأي حال أن تنسجم مع الإسلام، لأن الغربيين ـ وكما تقدم ـ افترضوا عدم تدخل الدين في قضايا الحكم والسياسة، وهكذا اضطروا لتسليم الحكم بيد الشعب لئلا يبتلوا بالدكتاتورية.

 

الدليل على تناقض ديمقراطية الغرب مع الإسلام

ولكن هل أن المسلمين مضطرون للجوء إلى مثل ذلك؟ وهل حُرِّف الإسلام كالمسيحية بحيث يعجز عن ابداء وجهة نظره بشأن القضايا الاجتماعية والحكومية والدولية، أو ممارسة عملية الحكم؟ لو كان الإسلام كالمسيحية فإننا نضع الديمقراطية في عيوننا، ونوافق الغربيين ونماشيهم قلباً وقالباً؛ لكن ذلك مستحيل، فالإسلام ليس كالمسيحية، فلا شك في أن الإسلام يولي اهتمامه لنواحي الحياة البشرية كافة وأن النصوص القرآنية وسيرة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)والأئمة الأطهار(عليهم السلام)زاخرة بالتعاليم التي تخص المجتمع والحكم؛ أَوَ يسمح لنا مثل هذا الدين أن نكون عبيداً لله في الشؤون الشخصية، فيما نكون عبيداً للناس في القضايا الاجتماعية؟! هل يسمح لنا الإسلام أن نتوجه إلى الله في قضايا الصلاة والصوم والزكاة وما شابه ذلك، فيما نتخذ من رأي الناس معياراً لشرعية القوانين في مجال الحكم والسياسة؟!

من الأفضل لمثقفي مجتمعنا أن يعرفوا الإسلام معرفة صحيحة، ومن ثم يتأملون ما إذا كان بالإمكان الجمع بين الإسلام وديمقراطية الغرب، وحينها ليطلقوا شعاراتهم ويهتفوا بأننا مسلمون، وفي الوقت نفسه نطالب بديمقراطية الغرب!!!