الشيخ حسن فؤاد حمادة / المصدر: مجلة بقية الله
في البداية أشير إلى مجموعة عناوين ونقاط يتضح من خلالها الدور المميز الذي تضطلع به ولاية الفقيه في التمهيد لدولة العدل الشامل على يدي الإمام محمد بن الحسن (عجل الله فرجه الشريف). وحدة الهدف: من المؤكد أن الهدف العظيم لصاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) هو إقامة الحكومة الإسلامية العادلة على مساحة العالم كله، وإزالة الفساد والجور وكل ما هو باطل، وتحقيق حلم الأنبياء (عليهم السلام) جميعاً، والذي سعوا جاهدين لتحقيقه، غير أنهم لم يوفقوا إلى ذلك. ولقد أعدَّ اللَّهُ تعالى الإمام محمداً بن الحسن المهدي (عليه السلام) إعداداً خاصاً لهذا الغرض الإلهي المقدس، ووعد في كتابه الكريم بأن يظهر دينه الحق على الدين كله ولو كره المشركون، والإمام (عليه السلام) في طول غيبته وإلى زمننا هذا ووصولاً إلى يوم ظهوره الأغرّ لا هم لديه ولا هدف عنده أكبر من التحضير وانتظار اليوم الذي يؤذن له فيه بالظهور لانجاز هذا التكليف العظيم، ولو أنه (عليه السلام) رحل عن هذه الدنيا إلى جوار ربه فلم يكن أحد غيره يقدر على القيام بهذا العمل الفريد. وولاية الفقيه تقوم في ركنها الأساس على قاعدة أن الإسلام لا تنفصل فيه السياسة وإدارة المجتمع عن جوهر الدين والإيمان والعمل للآخرة ولذا اقتضى أن يكون على رأس الدولة الإسلامية أو الحركة العاملة لذلك فقيه عادل مدبر، يضمن وجوده تحقيق الأهداف المنشودة. غير أنه من بديهيات ومرتكزات ولاية الفقيه أيضاً أن الهدف النهائي للدولة الإسلامية وهو إقامة الحكومة الإسلامية العالمية لا يمكن له أن يتحقق تحت إدارة الفقيه بل لا بد لذلك من حضور الإمام الغائب (عليه السلام) وممارسته لولايته الخاصة به والتي لا يبعد أن تشتمل على الولاية الإعجازية أو التكوينية، وأورد في هذا المجال كلاماً سمعته للإمام الخميني (قدس سره) أنقله بالمضمون وهو أننا: "لن نستطيع وحدنا القضاء على جميع المستكبرين في العالم وبالتالي تأسيس دولة العدل الشامل ولو كنا نقدر على ذلك لفعلنا. غير أن هذا الأمر يحتاج إلى الوجود المبارك لصاحب الزمان (عليه السلام)، غير أن علينا أن نسعى ما أمكننا القيام به في هذا السبيل". الولي الفقيه نائب الإمام الحجة (عليه السلام): بالنظر إلى نظام الحكم في الإسلام من وجهة نظر المسلمين الشيعة وهو نظام الإمامة المعصومة والمنصوص عليها بالاسم من قبل الوحي، فإن آخر هذه السلسلة الذهبية كانت ولاية الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) وعجل اللَّه فرجه والذي اضطر إلى الغيبة بأمر اللَّه تعالى، حفظاً لبرنامج إقامة دولة العدل الشامل، واستكمالاً للخطة الإلهية في هذا الصدد بعد أن تعرض هذا البرنامج لنكسة خطيرة بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بسبب تبني بعض المسلمين لما عرف بنظام الخلافة وإعراضهم عن نظام الإمامة المنصوص عليه من قبل الوحي، لذا فإن نظرية ولاية الفقيه قد ولدت كنظام بديل أو إضطراري ألجأت إليه الظروف ودعت إليه الضرورة الحاصلة بغيبة الإمام المعصوم (عليه السلام) منعاً من حصول الفراغ واستمراراً للعمل بالبرنامج الإلهي بصورته المعدلة "والطوارئية"، وبعبارة ثانية فإن ولاية الفقيه تستمد كامل شرعيتها بل ووجودها من كونها نظاماً بديلاً يعمل في طول نظام العصمة والإمامة وليس في عرضه، ولذا عُدَّ الولي الفقيه نائباً للإمام المعصوم في زمن الغيبة ليس إلا. الحكومة الإسلامية في إيران ثمرة ولاية الفقيه: لا يمكن البتة عند الحديث عن دور ولاية الفقيه في التمهيد للظهور المبارك إغفال الآثار والنتائج الكثيرة لجهود العديد من الفقهاء العدول الذين بذلوا عبر مراحل تاريخية متعددة ومختلفة الظروف جهوداً مهمة في إعمال الولاية المناطة بهم، وبعضهم لم يوفق إلى ذلك والبعض الآخر وفق بشكل جزئي ومحدود، ولكل من تلك الجهود أثره في التمهيد والإعداد، غير أن الدور العظيم الذي يسجل بقوة في هذا الميدان هو النتاج الأخير لإعمال ولاية الفقيه في هذا العصر عبر انتصار الثورة الإسلامية وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران على يد الإمام الخميني، والأهم تطور هذه الدولة والنظام الفتي ونموهما وحفظهما على يد الإمام المؤسس ومن بعده الإمام الخامنئي (دام ظله) ، بحيث يمكن الادعاء بقوة بأن ما قدمته الثورة الإسلامية في طريق التمهيد لدولة العدل الشامل يفوق كل تصور، وذلك إلى الحد الذي دفع المراقب للاعتقاد بأنّ هذه الثورة قد آذنت بالعد العكسي للظهور المرتقب، فالتأثير السياسي والثقافي الضخم للثورة في العالم الإسلامي بل وفي العالم ووقوفها بثبات وشجاعة ورغم اختلال موازين القوى في وجه المشاريع الخطيرة لناهبي البشرية، والمساندة المستمرة لمسلمي ومستضعفي العالم، وتحولها السريع والجدي إلى محور للخير في العالم الذي يطفح بالشر وجنون العظمة وطلب التفرد بمصير وإدارة العالم، كل ذلك تم كفعل المعجزة والأسطورة ما عزز الاعتقاد بأن المسافة إلى اعلان الثورة العظمى لم تعد طويلة وأن كل الأجواء والظروف باتت معدة للاستحقاق المنتظر، ففي وقت كان مجرد حلم بعيد إقامة حكومة إسلامية، ولو في قطر إسلامي معزول عن التأثير في محيطه فضلاً عن العالم بأسره، وذلك بسبب مئات الأسباب الثقافية والتاريخية المعروفة ومثلها من الظروف الدولية والاقليمية والمحلية، فما بالك بأن تتحقق فجأة المعجزة بانتصار الثورة الإسلامية وإقامة دولة تجهد لإقامة العدل الإلهي في بلادها وهي دولة مقتدرة اقتصادياً وفي نقطة حساسة من العالم بل وفي مقطع زمني لا يقل حساسية وهو زمن نهاية الحرب الباردة بسقوط أحد الجبارين وتحول الآخر للسيطرة بنهم المنتصر على باقي العالم غير معترف بوجود منافس في السياسة أو الفكر أو العقيدة يمكنه مجاراته. كل هذه الظروف والنتائج وغيرها، وتجاوز الثورة والدولة لعشرات المنعطفات الخطيرة وتنامي قدراتها، يشعر بقوّة أنها باتت تمهد الخطوات النهائية لبداية الظهور المبارك، وهذا ما عبر عنه الإمام الخميني (قدس سره) بقوله: "إن ثورة الشعب الإيراني هي نقطة البداية لثورة عالم الإسلام الكبرى تحت لواء الإمام الحجة أرواحنا فداه. رايات الولاية هي رايات الهدى الموطئة: وفي الختام ومن باب التبرك والاستئناس أشير إلى وجود العديد من الروايات عن أهل بيت العصمة والطهارة تلمح بوضوح إلى الثورة الإسلامية وقيامها في الشرق (إيران وقم) قبل قيام القائم (عليه السلام) مثل قوله (صلى الله عليه وآله): "يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه" ومثل وصفه عليه الصلاة والسلام للرايات السود المشرقية بأنها رايات هدى فأتوها ولو حبواً على الثلج، ومثل رواية الإمام الكاظم (عليه السلام) عن "رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق" في إشارة واضحة إلى الإمام الخميني (قدس سره). لكن تبقى الرواية الواردة في كتاب البحار عن الصادق (عليه السلام) "وبنظري القاصر" كالدليل الروائي القطعي على تمهيد الثورة الإسلامية في إيران المباشر والقريب للحجة (عجل الله فرجه الشريف) وذلك بقطع النظر عن سند الرواية أو صحته وعدمه، فإن المعروف أن انطباق المتن على الواقع وإصابته للواقع فيما يعني الحديث عن المغيبات يغني عن تتبع الأسناد وأحوالها والرواية هي: "ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدنيا حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل اللَّه قم وأهله قائمين مقام الحجة ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب فيتم حجة اللَّه على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغه الدين والعلم، ثم يظهر القائم (عليه السلام)...". ورغم وضوح الدلالة والمضمون في فقرات الرواية إلا أن ما يلفت النظر أمور منها الإخبار عن هجرة العلم عن مدينة النجف الأشرف (كوفة) وهذا الأمر يتحقق في هذا العصر للمرة الأولى في تاريخ الحوزة منذ أكثر من ألف سنة، ومنها ظهور العلم في مدينة يقال لها قم حيث لم تكن قم حاضرة معروفة في زمن الإمام الصادق (عليه السلام) كما أن الحوزة جديدة التأسيس لا يتجاوز عمرها مائة سنة بل من المؤكد أن ازدهار الحوزة في قم على المستوى العالمي إنما ظهر بعد الثورة الإسلامية وبشكل أوسع بعد ضمور حوزة النجف وانتقال علمائها وطلابها إلى حوزة قم المقدسة. ومنها أخيراً الإشارة إلى حكومة ولاية الفقيه في إيران وذلك عبر الإشارة إلى النيابة عن الإمام الحجة بقوله (عليه السلام) "فيجعل اللَّه قم وأهله قائمين مقام الحجة"، ومنها الحديث عن اتمام الحجة على العالم بفضل قم وعلمها ومواقفها وهذا أمر تحقق إلى حد الطفرة بعد الثورة وإلى اليوم وعلى جميع المستويات الثقافية والسياسية وغيرها ومنها وهو الأهم قوله أخيراً ثم "يظهر القائم (عليه السلام)"، بحيث يستفاد بأن الظهور المبارك هو مباشر بعد حصول هذه السلسلة من الأمور ببركة الثورة الإسلامية والتي تعبر قم وحوزتها عن جوهرها ومبادئها وثقافتها وأهدافها. **************
تعليقات الزوار