«دروس في الحكومة الإسلامية»؛ الدرس السابع: الاستدلال لولاية النبي والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين[في الأخبار] (6)

 

وأما الأخبار الواردة في ولايتهم عليهم السلام

 

بمعناها المطلوب

 

آية الله الشيخ محمد مؤمن

  

فهي متعددة متكثرة وعلى طوائف مختلفة:

 

فالطائفة الأولى

 

أخبار تدل على أن الولاية مما بني عليه الإسلام، وهي علي قسمين:

القسم الأول ما يتضمن كونها كذلك بلا تفسير لها، والقسم الثاني ما يفسرها بما هو المطلوب عندنا هنا منها:

 

فأما القسم الأول فأخبار متعددة:

 

1ـ منها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي وشيخ الطائفة في التهذيب كلاهما في الباب الأول من كتاب الصيام بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم (... والصوم والحج ـ التهذيب) والولاية، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصوم جُنَّة من النار[1].

 

ولا يبعد أن تكون هذه الرواية هي ما أرسلها الصدوق في الباب الثاني من كتاب الصيام من كتاب من لا يحضره الفقيه فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصوم جُنَّة من النار[2].

 

2. ومنها ما رواه الكافي بسند معتبر عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع، وتركوا هذه ـ يعني الولاية ـ[3].

 

3. ومنها ما رواه في الكافي بسند معتبر على الظاهر، عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج[4].

 

4. ومنها ما رواه أيضاً بسند فيه معلّى بن محمد الزيادي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم (والصيام ـ خ ل) والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية[5].

 

ومعلّى بن محمد الزيادي لم يذكر في كتب الرجال، ومعلّى بن محمد البصري عده النجاشي مضطرب الحديث والمذهب وإن كانت كتبه قريبة. وعن ابن الغضائري: (المعلّى بن محمد البصري أبو محمد نعرف حديثه وننكره، يروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً). فإن كان اضطراب حديثه لأنه كان يروي عن الضعفاء فقد روى هذه الرواية عن الحسن بن علي الوشاء الثقة، والمهم أنه لا حاجة لنا هنا إلى خصوص روايته.

 

5. ومنها ما رواه أيضاً بسند فيه معلّى بن محمد عن إسماعيل الجعفي ـ الذي هو إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي ـ قال: دخل رجل على أبي جعفر عليه السلام ومعه صحيفة، فقال له أبو جعفر عليه السلام: هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يُقبل فيه العمل، فقال: رحمك الله هذا الذي أريد، فقال أبو جعفر عليه السلام: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، وتقر بما جاء من عند الله، والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا، والورع والتواضع، وانتظار قائمنا فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها[6].

 

وحيث إن الظاهر قبول رواية الجعفي فسند هذا الحديث مثل سابقه. والظاهر أن المراد فيه من الولاية هو المعنى المطلوب لنا كما ربما يشهد له قوله عليه السلام في آخر الحديث: (وانتظار قائمنا فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها) فإن ظاهره أنه إشارة إلى فعلية هذه الولاية بقائمهم إذا شاء الله.

 

6. ومنها ما رواه الصدوق بسند يبعد اعتباره ـ لوجود القاسم بن الحسن بن علي بن يقطين فيه ـ عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والولاية لنا أهل البيت، فجعل في أربع منها رخصة، ولم يجعل في الولاية رخصة؛ من لم يكن له مال لم يكن عليه الزكاة، ومن لم يكن عنده مال فليس عليه حج، ومن كان مريضاً صلى قاعداً وأفطر شهر رمضان، والولاية صحيحاً كان أو مريضاً أو ذا مال أو لا مال له فهي لازمة (واجبة)[7].

 

7. ومنها ما رواه الصدوق في كتاب الصلاة من لا يحضره الفقيه بسند صحيح فقال: وقال سليمان بن خالد للصادق عليه السلام: جعلت فداك أخبرني عن الفرائض التي فرض الله عز وجل على العباد ما هي؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله، وإقام الصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، والولاية، فمن أقامهن وسدد وقارب واجتنب كل منكر (مسكر ـ خ ل) دخل الجنة[8].

 

وعن النهاية لابن الأثير: في الحديث: (قاربوا وسددوا): أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الأمر والعدل فيه.

 

8. ومنها ما رواه الصدوق في الأمالي بسند معتبر إلى محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: بني الإسلام على خمس دعائم: على الصلاة والزكاة والصوم والحج وولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام[9].

 

9. ومنها ما رواه في أصول الكافي عن العرزمي عن أبيه عن الصادق عليه السلام قال: قال: أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية، لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها[10].

 

قالوا: (الأثافي جمع الأثفية ـ بالضم والكسر ـ وهي الأحجار التي يوضع عليها القدر وأقلها ثلاثة) فتكون الأثافي هي الدعائم.

 

والعرزمي في السند هو عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله وهو ثقة كما عن النجاشي إلا أن أباه محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي الكوفي قد ذكر من أصحاب الصادق عليه السلام إلا أنه لم يذكر له توثيق.

 

10. ومنها ما رواه الكافي عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له: جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترض الله عز وجل على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو؟ فقال: أعد علي، فأعاد عليه، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان ثم سكت قليلاً، ثم قال: والولاية ـ مرتين ـ ثم قال: هذا الذي فرض الله على العباد، ولا يسأل الرب العباد يوم القيامة فيقول: ألا زدتني على ما افترضت عليك؟! ولكن من زاد زاده الله، إن رسول الله صلى الله عليه وآله سنَّ سنناً حسنة جميلة ينبغي للناس الأخذ بها[11].

 

وفي السند علاوة عن ابن أبي حمزة البطائني صالح بن السندي الذي لم يوثق.

 

11. ومنها ما رواه في أصول الكافي بسند صحيح عن عجلان بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أوقفني على حدود الإيمان، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وصلاة (والصلوات ـ ظ) الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعدواة عدونا، والدخول مع الصادقين[12].

 

وعجلان أبو صالح وإن نقل الكشي عن علي بن الحسن بن علي بن فضال أنه ثقة إلا أن المسمى به متعدد لم يوثق كلهم فلا محالة في اعتبار سند هذا الحديث كلام، وعده من روايات هذا القسم مبني على أن يراد من عبارة (ولاية ولينا) الولاية التي يعتقد بها أولياؤهم للأئمة المعصومين عليهم السلام كما ربما يشهد له عدّها من حدود الإيمان، وإلا فلو أريد بها ولاية أوليائهم ومحبتهم لما كان الحديث من أخبار الباب أصلاً.

 

هذه الجملة من الروايات التي عدت ولايتهم عليهم السلام من دعائم الإسلام وما إليه، ولعل المتتبع يظفر بأخبار أكثر ونحن نقتصر عليها، وهي كما ترى أخبار مستفيضة مضافاً إلى أن فيها عدة روايات معتبرة السند كما أشرنا إليه.

 

وأما القسم الثاني ـ أعني الأخبار التي فسرت هذه الولاية التي من دعائم الدين بالمعنى المطلوب لنا فهي أخبار متعددة:

 

1. فمنها ما رواه الكافي بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن، قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ ـ فأجاب عليه السلام بأنه ثم الصلاة وثم الزكاة وثم الحج وثم الصوم ـ ثم قال: وذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمان الطاعة للإمام بعد معرفته، إن الله عز وجل يقول: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان، ثم قال: أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته[13].

 

فقوله عليه السلام في أول الصحيحة: (الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن) شاهد على إرادة الولاية بالمعنى المطلوب لنا هذا منها، فإن لفظة (الوالي) ظاهرة في هذا المعنى، وكون الوالي دليلاً على الواجبات الأربع الأخر أيضاً يناسب إرادة هذا المعنى، فإن الوالي بولايته لأمور المسلمين وكونه رقيباً عليهم في أعمالهم وامتثالهم لأحكام الله تعالى لا محالة يكون دليلاً للناس على بيان هذه الواجبات الدعائم وغيرها.

 

كما أن قوله عليه السلام في ذيلها: (ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إن عز وجل يقول: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ أيضاً دليل على إرادة هذا المعنى المطلوب لما مر ذيل آية إيجاب الإطاعة أن وجوب إطاعة الرسول أو أحد آخر إذا كانت الإطاعة مطلقة كما مر في الآية وكما هنا دليل على أن له الأمر بكل ما أراد الأمر به ولا محالة له أن يأمر بكل ما كان له دخل بأمور المسلمين في أي مورد شاء وأراد فإطلاقها يقتضي أن له أن يتصدى لأمور الأمة وبلادها ويأمر في كل مورد بما يراه أصلح وهو الولاية المطلوبة. والإمام عليه السلام كما ترى قد جعل الولاية من الدعائم الخمسة التي بني عليها الإسلام وجعل طاعة الإمام رضا الرحمن وذكر آية أمر الله تعالى بإطاعة الرسول، وهذه كلها أدلة على أن ولاية الأئمة عليهم السلام من الواجبات التي جعلها الله تعالى وأوجبها، وهو المطلوب كما عرفت.

 

2. ومنها ما رواه الكافي بسندين صحيحين عن عيسى بن السري أبي اليسع الثقة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها، الذي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد دينه ولم يقبل (الله) منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق (لم يضرّ ـ خ ل) به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان بأن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الأموال الزكاة، والولاية التي أمر الله عز وجل بها: ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله. قال: فقلت له: هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال: نعم، قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من مات ولا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وكان علياً عليه السلام، وقال الآخرون: كان معاوية، ثم كان الحسن عليه السلام، ثم كان الحسين عليه السلام، وقال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن علي، ولا سواء. ولا سواء. قال: ثم سكت، ثم قال: أزيدك؟ فقال له حكم الأعور: نعم، جعلت فداك، قال: ثم كان علي بن الحسين عليهما السلام، ثم كان محمد بن علي أبا جعفر عليه السلام، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر عليه السلام ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس، وهكذا يكون الأمر، والأرض لا تكون إلا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهلية، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذ بلغت نفسك هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقة ـ وانقطعت عنك الدنيا، تقول: لقد كنت على أمر حسن[14].

 

ولقد نقلها بسند آخر صحيح أيضاً باختصار مّا لا يضر بدلالتها على المطلوب أصلاً، فراجع[15].

 

ووجه دلالتها على إرادة معنى تصدي أمور الناس والقيمومة عليهم وعلى بلادهم ومملكتهم من الولاية التي عدها من دعائم الإسلام أنه عليه السلام ذكر في بيان فضل الولاية قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ فصرح بتطبيق أولي الأمر المذكور في الآية على آل محمد عليهم السلام وتدل الآية المباركة على وجوب إطاعة الرسول وأولي الأمر، وإطلاقها ـ كما مر مراراً ـ يقتضي ثبوت حق تصدي أمور المؤمنين لهم عليهم السلام. فهذه الصحيحة أيضاً تدل على ثبوت حق هذا التصدي لهم عليهم السلام وأن هذا مما أمر الله تعالى بلزوم الاعتقاد به وفرضه على المسلمين.

 

والصحيحة واضحة الدلالة على أن ما هو من دعائم الإسلام هو ولاية آل محمد عليهم السلام ولا محالة يكون ذكر خمسة منهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله من باب الأنموذج وإلا فهو عام لجميع الأئمة عليهم السلام وهكذا يكون الأمر.

 

3. ومنها ما رواه فيه أيضاً عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير[16].

 

فقد عد الولاية من دعائم الإسلام وفسرها بأن المراد بها هي التي نودي بها يوم الغدير، وحيث إن من الواضح أن ما نودي بها في ذلك اليوم هو المعنى المطلوب لنا الآن منها، فدلالة الرواية على المطلوب تامة إلا أن في سندها صالح ابن السندي الذي قد مر أنه لم يوثق.

 

فالمتحصل من هذه الطائفة من الأخبار بقسميها: أن ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) وآله المعصومين عليهم السلام من دعائم الإسلام وقد فسرتها الأخبار الثلاثة في القسم الثاني أن المراد بها تصدي أمور الناس وقيمومتها وهو المعنى المطلوب لنا المبحوث عنه هنا.

 

فدلالة هذه الطائفة على إثبات المطلوب تامة، وقد عرفت أن في بينها روايات كثيرة معتبرة الأسانيد، والحمد لله.

 

ثم إنه يوجد في أخبارنا روايات متعددة تدل على ثبوت ولايتهم عليهم السلام وإن الاعتقاد بها من دين الله تعالى لا بأس بذكر بعض منها:

 

1. ففي صحيحة عمرو بن حريث المروية في الكافي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد فقلت: ما حوّلك إلى هذا المنزل؟ قال: طلب النزهة، فقلت: جعلت فداك ألا أقص عليك ديني؟ فقال بلى، قلت: أدين الله بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، والولاية لعلي أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، والولاية للحسن والحسين عليهما السلام، والولاية لعلي بن الحسين عليهما السلام، والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده صلوات الله عليهم أجمعين، وأنكم أئمتي عليه أحيا وعليه أموت وأدين الله به، فقال: يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي، الذي أدين الله به في السر والعلانية... الحديث[17].

 

فدلالة الصحيحة على أن ولايتهم عليهم السلام والاعتقاد بها من دين الله ودين الأئمة والنبي صلوات الله عليهم تامة واضحة. ومن المعلوم أن ذكر الأئمة عليهم السلام إلى الإمام الصادق عليه السلام إنما كان لعدم مجيء ما بعده من الأئمة وإلا فهم في ذلك شرع سواء.

 

2. وفي رواية عبد العظيم الحسني العابد الورع المروية في أمالي الصدوق أنه دخل على علي بن محمد الهادي عليه السلام فقال له: يا بن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عز وجل، فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إني أقول: إن الله تعالى واحد... وأقول: إن الخليفة وولي الأمر بعده (أي الرسول صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي عليهم السلام، ثم أنت يا مولاي، فقال علي عليه السلام: ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده. قال: قلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. قال: فقلت: أقررت... فقال علي بن محمد عليهما السلام: يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة[18].

 

فالرواية كما ترى تضمنت اعتراف الراوي بالاعتقاد بولاية أمير المؤمنين وتسعة من الأئمة المعصومين عليهم السلام ذكر بعده، والإمام عليه السلام ذكر الاثنين الباقيين منهم عليهم السلام، كما تضمنت بذيلها قول الإمام عليه السلام: (هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده) فتدل بوضوح على أن كونهم عليهم السلام أئمة وخلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وأولياء الأمر بعده من دين الله الذي يرتضيه لعباده، وعنوان ولي الأمر كاف في الظهور والدلالة على أن المراد فيها بالولاية هو قيمومة الأمور وترقب كل ما يرتبط بالمسلمين وبلادهم ومملكتهم ولفظة (الخليفة) و (الإمام) مؤيدتان لهذا المعنى، فدلالة الرواية على المطلوب تامة واضحة.

 

وأما سندها فقد وقع فيه محمد بن هارون الصوفي وأبو تراب عبيد الله بن موسى الروياني وكلاهما مجهولان.

 

3. وفي رواية رواها الصدوق أيضاً بإسناده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في حديث: وخليفتي على الحوض يومئذ (يعني يوم القيامة) خليفتي في الدنيا، فقيل: ومن ذاك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: إمام المسلمين أمير المؤمنين ومولاهم بعدي علي بن أبي طالب، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الإبل عن الماء... الحديث[19].

 

فالرواية تضمنت أن أمير المؤمنين خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا وأنه عليه السلام أمير المؤمنين ومولى المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وكونه عليه السلام أميرهم لا يتحقق إلا بأن يكون له حق الأمر عليهم كلما أراد وفي كل ما شاء وهو لا يكون إلا بأن يكون هو عليه السلام قيم أمورهم ولفظ (المولى) و (الخليفة) أيضاً مؤيدان لهذا المعنى، فدلالة الرواية على المطلوب تامة إلا أن في سندها أيضاً رجالاً لم يثبت ثقتهم.

 

4. وفي رواية أخرى رواها الصدوق في أماليه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أنت صاحب حوضي وصاحب لوائي... وأنت يعسوب المؤمنين، وأنت مولى من أنا مولاه، وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة، لا يحبك إلا طاهر الولادة، ولا يبغضك إلا خبيث الولادة، وما عرج بي ربي عز وجل إلى السماء قط وكلمني ربي إلا قال: يا محمد اقرأ علياً مني السلام وعرفه أنه إمام أوليائي ونور أهل طاعتي، فهنيئاً لك يا علي هذه الكرامة[20].

 

دلت الرواية على أنه عليه السلام مولى كل مؤمن ومؤمنة وأنه إمام أولياء الله، إلا أن سندها غير تام.

 

 

 

الطائفة الثانية من الأخبار

 

هي روايات كثيرة تدل على وجوب إطاعتهم عليهم السلام، وقد مر ذيل البحث عن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ أن إيجاب طاعتهم على الإطلاق دليل على أن لهم الأمر بما أرادوا والنهي عما شاؤوا من الأمور وعلى المؤمنين أن يطيعوهم فيه، وهذا لا يكون إلا ثبوت الولاية بالمعنى المطلوب لهم عليهم السلام.

وقد ذكرنا عدة من هذه الأخبار ما كان ناظراً إلى توضيح الآية وشرحها ذيل تلك الآية، والآن بصدد ذكر الروايات الدالة على وجوب طاعتهم من دون أن يكون في مقام شرح تلك الآية.

 

والأولى تقسيم هذه الطائفة من الأخبار إلى قسمين أيضاً: قسم يعم فرض طاعة جميع المعصومين عليهم السلام، وقسم يختص دلالته بفرض طاعة بعض منهم.

 

أما القسم الأول فأخبار متعددة:

 

1. منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾[21].

 

فهذه الصحيحة قد رواها الكافي بهذا المقدار في باب فرض طاعة الأئمة وملاحظتها مع ما مر في القسم الثاني من أخبار أن الولاية من دعائم الدين تعطي أنها تقطيع من تلك الرواية الطويلة، وكيف كان فهي تدل على فرض طاعة الإمام وأن طاعته مثل طاعة الرسول صلى الله عليه وآله ولذا ذكر في الذيل آية إطاعة الرسول.

 

2. ومنها معتبرة أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا، لنا الأنفال ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾[22].

 

وروها الشيخ أيضاً بسند آخر معتبر في باب الأنفال من التهذيب[23].

 

فذكر ضمير المتكلم تعميم للأحكام المذكورة التي منها فرض الطاعة إلى جميعهم عليهم السلام كما هو المطلوب.

 

3.ومنها صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ قال: جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة، فكيف يقرّون في آل إبراهيم على نبينا وآله وعليه السلام وينكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله؟! قال: قلت: ﴿وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ قال: المُلك العظيم أن جعل فيهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، فهو المُلك العظيم[24].

 

فهذه الصحيحة أيضاً كما ترى قد أثبتت أولاً إمامة آل محمد صلى الله عليه وآله كما كانت لآل إبراهيم ثم فسّرت المُلك العظيم بنفس أن جعل فيهم أئمة وحكم للأئمة بأن من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله وقال: فهو المُلك العظيم، ومن الواضح أن كون عصيانهم عصيان الله تعالى عبارة أخرى عن فرض طاعتهم، فالصحيحة أيضاً تامة الدلالة على المطلوب.

 

4. ومنها ما رواه الكيني عن بشير العطار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن قوم فرض الله طاعتنا، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته[25].

 

ودلالتها واضحة، إلا أن بشير العطار لم يوثق، مضافاً إلى أن في السند معلى بن محمد.

 

5. ومنها ما رواه الكليني بسند معتبر عن محمد بن زيد الطبري قال: كنت قائماً على رأس الرضا عليه السلام بخراسان وعنده عدة من بني هاشم فيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي فقال: يا إسحاق بلغني أن الناس يقولون: إنا نزعم أن الناس عبيد لنا، لا وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله ما قلت قط ولا سمعته من آبائي، قال: ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله، ولكني أقول: الناس عبيدٌ لنا في الطاعة، موالٍ لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب[26].

 

ودلالة الحديث على المطلوب واضحة، لأن كون الناس عبيداً لهم في الطاعة مع وضوح فرض طاعة المولى على العبيد عبارة أخرى عما نحن بصدده، إلا أن محمد بن زيد الطبري لم يوثق.

 

6. ومنها ما رواه أيضاً بإسناده عن أبي سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلا معرفتنا، ولا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا  كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء[27].

 

ودلالتها كما ترى على فرض طاعتهم عليهم السلام واضحة، إلا أن في السند صالح ابن السندي الذي لم يوثق، وأبو سلمة أيضاً مشترك بين عدة لم يوثق أحدهم.

 

7. ومنها ما رواه أيضاً عن محمد بن الفضيل قال: ٍسألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عز وجل، قال: أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، قال أبو جعفر عليه السلام: حبّنا إيمان وبغضنا كفر[28].

 

والحديث ـ كما ترى ـ رواه عن محمد بن الفضيل وهو بهذا العنوان وإن عدّ من أصحاب الرضا عليه السلام وضعّف إلا أنه نقل عن مرآة العقول أنه قال في هذا الحديث: (الظاهر أنه محمد بن القاسم بن الفضيل). ومحمد بن القاسم بن الفضيل ابن اليسار النهدي قال فيه النجاشي: (ثقة هو وأبوه وعمه العلاء وجده الفضيل روى عن الرضا عليه السلام) وقد استظهر صاحب جامع الرواة في ذيل ترجمته أن محمد بن الفضيل الذي روى عنه كثيراً في كتب الأخبار هو محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة، انتهى) وعليه فلا يبعد اعتبار سند الحديث من هذه الجهة، إلا أنه كما ترى مضمر، اللهم إلا أن يستظهر أيضاً أن المراد بالضمير هو الرضا عليه السلام بقرية أنه من أصحابه، والله أعلم.

 

وبعد ذلك كله فالحديث وإن لم ينص على كون إطاعة أولى الأمر الذين لا ريب في إرادة الأئمة عليهم السلام منهم فرضاً إلا أن نفس عدّها من أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله تعالى كافية في رجحان العمل بها ولعله كاف في المطلوب، فتأمل.

 

8. ومنها ما رواه الكليني أيضاً بسند معتبر عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: السمع والطاعة أبواب الخير، السامع المطيع لا حجة عليه، والسامع العاصي لا حجة له، وإمام المسلمين تمّت حجّته واحتجاجه يوم يلقى الله عز وجل، ثم قال: يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾[29].

 

والظاهر أن المراد من السمع والطاعة هو سمع ما يأمر به إمام السملمين والطاعة له، وقد صرّح بأن السامع المطيع لا حجة عليه وأن السامع العاصي لا حجة له، وهو لا يكون إلا إذا كان طاعة الإمام واجبة حتى يكون من أطاعه لا حجة عليه ومن عصاه لا حجة له، فدلالة الرواية على المطلوب تامة، إلا أن عبد الأعلى لم تثبت وثاقته.

 

9. ومنها ما رواه في الكافي بسنده الصحيح عن منصور بن حازم الثقة العين الصدوق قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون بالله، قال: صدقت، قلت: إن من عرف أن له رباً فقد ينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضاً وسخطاً، وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فينبغي له أن يطلب الرسل، فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة وأن لهم الطاعة المفترضة، فقلت للناس: أليس تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت: فحين مضى من كان الحجة؟ قالوا القرآن، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجيّ والقدريّ والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، فما قال فيه من شيء كان حقاً، فقلت: كله؟ قالوا: لا، فلم أجد أحداً يقال: إنه كان يعلم القرآن كله إلا عليّاً صلوات الله عليه، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا أنا أدري، فأشهد أن علياً عليه السلام كان قيّم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان حجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن ما قال في القرآن فهو حق، فقال عليه السلام: رحمك الله.

 

فقلت: إن علياً عليه السلام لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن الحجة بعد علي عليه السلام الحسن بن علي عليهما السلام، وأشهد على الحسن عليه السلام أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده، كما ترك أبوه وجده، وأن الحجة بعد الحسن الحسين عليهما السلام، وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله، فقبّلت رأسه، وقلت: وأشهد على علي بن الحسين عليهما السلام أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده محمد بن علي أبا جعفر عليهما السلام وكانت طاعته مفترضة، فقال: رحمك الله، قلت: أعطني رأسك حتى أقبّله، فضحك، قلت: أصلحك الله قد علمت أن أباك لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه، وأشهد بالله أنك أنت الحجة وأن طاعتك مفترضة، فقال عليه السلام: كفّ رحمك الله، قلت: أعطني رأسك أقبّله فقبّلت رأسه فضحك وقال عليه السلام: سلني عما شئت فلا أنكرك بعد اليوم أبداً[30].

 

فهذه الصحيحة رواها الكليني تامة في فصل فرض طاعة الأئمة عليهم السلام، ورواها مرة أخرى إلى آخر ما كان فيها لأمير المؤمنين عليه السلام في باب الاضطرار إلى الحجة أيضاً، وكيف كان فالراوي كان معتقداً لفرض طاعة كل واحد من الأئمة والحجج المعصومين عليهم السلام وإن ذكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ستة منهم، والإمام عليه السلام قد صحّح وأيّد اعتقاده مكرّراً بقوله عليه السلام: رحمك الله ففرض طاعتهم عليهم السلام مصحّح مقبول عنده عليه السلام أيضاً، والمذكور في الصحيحة وإن كان هؤلاء الستة أو السبعة إلا أن من الواضح أن حكم افتراض الطاعة إنما ثبت لهم بما أنهم الحجة فلا محالة يعم جميع الأئمة الاثني عشر المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

 

10. ومنها معتبرة إسماعيل بن جابر المروية في الكافي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أعرض عليك ديني الذي أدين الله عز وجل به. قال: فقال: هات، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وأنا علياً عليه السلام كان إماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده الحسن عليه السلام إماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده الحسين عليه السلام إماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده علي بن الحسين عليهما السلام إماماً فرض الله طاعته، حتى انتهى الأمر إليه، ثم قلت: أنت يرحمك الله. قال: فقال: هذا دين الله ودين ملائكته[31].

 

فالراوي وإن ذكر أربعة من الأئمة عليهم السلام بالصراحة، وصرح فيهم عليهم السلام بأن طاعتهم مفترضة وصحح الإمام عليه السلام وأيد مقالته بقوله عليه السلام: (هذا دين الله ودين ملائكته) إلا أنه لا شبهة إلا أنه إنما كان يعترف فيهم بهذا الاعتقاد أنهم عليهم السلام كانوا أئمة ولذلك لا شبهة في أنه يفهم منه ثبوت فرض الطاعة للإمام الباقر عليه السلام ولغيره ممن بقي من الأئمة عليهم السلام. فهذه المعتبرة أيضاً تامة الدلالة على افتراض طاعة جميع الأئمة عليهم السلام.

 

11. ومنها ما في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث: إنه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله[32].

 

والظاهر أن قوله عليه السلام: (وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ وقد عرفت أن الآية الشريفة تدل على وجوب إطاعة ولاة الأمر الذين فسروا بالأئمة المعصومين عليهم السلام، وقوله عليه السلام في هذه الرواية: (فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله) عبارة أخرى عن هذا الجواب.

 

وبالجملة: فدلالة الحديث على وجوب طاعتهم عليهم السلام تامة، إلا أن سنده غير تام بالإرسال وجهالة الراوي.

 

12. ومنها ما رواه الكافي بإسناده عن يونس بن يعقوب عمّن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾ قال: يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده عليهم السلام وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً، يقول: لأشربنا قلوبهم الإيمان، والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء عليهم السلام[33].

 

فالحديث كما ترى قد جعل الاستقامة على ولاية المعصومين عليهم السلام وقبول طاعتهم في أمرهم ونهيهم الإيمان، ودلالته على رجحان طاعتهم صريحة وجعلها إيماناً عبارة أكيدة عن وجوبها كما لا يخفى، إلا أن سنده ضعيف.

 

13. ومنها ما رواه الكافي بإسناده عن موسى بن بكر بن داب عمن حدثه عن أبي جعفر عليه السلام أن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام دخل على أبي جعفر محمد بن علي ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج، فقال له أبو جعفر عليه السلام: هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟ فقال: بل ابتداء من القوم، لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله ولما يجدون في كتاب الله عز وجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء فقال له أبو جعفر عليه السلام: إن الطاعة مفروضة من الله عز وجل وسنة أمضاها في الأولين وكذلك يجريها في الآخرين، والطاعة لواحد منا والمودة للجميع... قال: فغضب زيد عند ذلك ثم قال: ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبّط عن الجهاد، ولكن الإمام منا من منع حوزته وجاهد في سبيل الله حق جهاده ودفع عن رعيته وذبّ عن حريمه... الحديث[34].

 

فالحديث كما ترى قد تضمن قول زيد بأن الله تعالى في كتابه فرض طاعتهم، وأن الإمام الباقر عليه السلام قد سلم واعترف في جوابه بذلك لكنه أن الطاعة مفروضة لواحد منهم وقد فهم منه زيد أن هذا الواحد هو الإمام ولذلك أبدى في حضوره قوله: (ليس الإمام منا من جلس في بيته... الخ) وهو فهم واضح صحيح فقد دل كلامه عليه السلام على أن الله تعالى فرض طاعة الإمام منهم عليهم السلام وهو المطلوب، فدلالة هذا الحديث أيضاً تام إلا أن سنده ضعيف بالإرسال وجهالة الحسين بن الجارود، بل إن موسى بن بكر أيضاً لم ينص على توثيقه، فتأمل.

 

14. ومنها ما في نهج البلاغة في عداد قصار الحكم أنه عليه السلام قال: فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك... والطاعة تعظيماً للإمامة[35]. فقد نص عليه السلام على أن الطاعة للإمام مفروضة من الله تعالى نهاية تعظيم الإمامة، وواضح أن وجوبها لا يختص بإمام خاص بل هو من لوازم الإمامة.

 

فهذه الروايات الأربع عشر التي فيها المعتبرات المتعددة قد دلت على افتراض طاعة جميع الأئمة المعصومين ورسول رب العالمين صلوات الله عليهم أجمعين.

 

وأما القسم الثاني: فإنه توجد أيضاً روايات متعددة تدل على فرض طاعة بعض الأئمة عليهم السلام بلا ثبوت المفهوم المخالف فيها:

 

1. فمنها ما رواه الكليني بإسناده عن أبي الصباح قال: أشهد أني سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أشهد أن علياً عليه السلام إمام فرض الله طاعته، وأن الحسن عليه السلام إمام فرض الله طاعته، وأن الحسين عليه السلام إمام فرض الله طاعته، وأن علي بن الحسين عليهما السلام إمام فرض الله طاعته، وأن محمد بن علي عليهما السلام إمام فرض الله طاعته[36].

 

ودلالة الرواية على فرض طاعة هؤلاء الخمسة من الأئمة عليهم السلام من الله تعالى واضحة، ولا مفهوم لها لكي يدل على نفي وجوب طاعة غيرهم من الأئمة بل ربما كان في تعليق حكم فرض الطاعة على عنوان الإمام دلالة على فرض طاعة كل من كان إماماً بحق من الله تعالى كما ستأتي إن شاء الله دلالة أخبار متعددة على استواء جميعهم في فرض الطاعة وغيره.

 

فدلالة الحديث على هذا المقدار الذي ذكرناه واضحة إلا أن في سنده معلى بن محمد.

 

2. ومنها ما رواه الكليني بسند صحيح عن معمر بن خلاد الثقة قال: سأل رجل فارسي أبا الحسن عليه السلام فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال عليه السلام: نعم، قال: مثل طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال عليه السلام: نعم[37].

 

وهي في الدلالة على وجوب طاعة خصوص أمير المؤمنين وأبي الحسن الرضا عليهما السلام مثل سابقتها.

 

3. ومنها ما رواه الكليني بسند معتبر عن يزيد الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام... فقلت: جعلت فداك أكان علي عليه السلام حجة من الله ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال عليه السلام: نعم يوم أقامه للناس ونصبه عَلَماً ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته، قلت: وكانت طاعة علي عليه السلام واجبة على الناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد وفاته؟ فقال عليه السلام: نعم، ولكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله على أمته وعلى علي عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت الطاعة من الله ومن رسوله على الناس كلهم لعلي عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وكان علي عليه السلام حكيماً عالماً[38].

 

ودلالة الرواية على وجوب طاعة الرسول وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما على الأمة من الله تعالى واضحة، ولا دلالة لها مفهوماً على نفي وجوبها بالنسبة لسائر الأئمة عليهم السلام بل تعليقه على عنوان الحجة والعلم والولي ربما كان فيه دلالة على ثبوته في سائر الأئمة عليهم السلام أيضاً.

 

وسند الحديث إلى يزيد الكناسي ـ كما أشرنا ـ معتبر ويزيد أبو خالد الكناسي لم يذكر بتوثيق، إلا أنه لو كان الصحيح بريد وأريد منه بريد بن معاوية العجلي الذي من أصحاب الإجماع لكان صحيحاً جداً.

 

فهذه الأخبار الثلاثة وإن وردت في فرض طاعة بعض الأئمة عليهم السلام إلا أنها كما عرفت لا تنفي وجوب طاعة جميعهم كما كان مقتضى القسم الأول من الأخبار.

 

وقد وردت أخبار متعددة بأن جميع الأئمة عليهم السلام في حكم الطاعة سواء.

 

فقد روى الكليني (قدس سره) بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الأئمة هل يجرون في الأمر والطاعة مجرىً واحداً؟ قال عليه السلام: نعم[39].

 

وروى الشيخ المفيد في الاختصاص بسند صحيح عن البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كلنا نجري في الطاعة والأمر مجرىً واحد، وبعضنا أعلم من بعض[40].

 

وروى الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد كلنا نجري في الطاعة والأمر مجرىً واحد، وبعضنا أعلم من بعض[41].

 

فهذه الأخبار تدل على استوائهم عليهم السلام في حكم الطاعة، فلا محالة يكون جميعهم مفروض الطاعة. وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر أخبار كثيرة تدل على أن جميعهم عليهم السلام في جميع المناصب والمزايا الإلهية سواء، فارتقب حتى حين.

 

[1] الكافي: ج4 ص62 الحديث1، التهذيب: ج4 ص151 الحديث1.

 

[2] الفقيه: ج1 ص74 الحديث1 و 2.

 

[3] الكافي: ج2 ص18 و 21 الحديث3 و 7 و 1.

 

[4] نفس المصدر.

 

[5] نفس المصدر.

 

[6] أصول الكافي: ج2 ص22 الحديث13.

 

[7] الخصال: من باب الدعائم ص277 الحديث21.

 

[8] الفقيه: باب فرض الصلاة ج1 ص204 الحديث13.

 

[9] الأمالي: المجلس45 ص161 الحديث14.

 

[10] الكافي: باب دعائم الإسلام ج2 ص18 الحديث4.

 

[11] الكافي: باب دعائم الإسلام ج2 ص22 و 18 الحديث11 و 2.

 

[12] نفس المصدر.

 

[13] الكافي: باب دعائم الإسلام ج2 ص18 ـ 19 الحديث5.

 

[14] الكافي: باب دعائم الإسلام ج2 ص19 ـ 21 الحديث6 و 9.

 

[15] نفس المصدر.

 

[16] الكافي: باب دعائم الإسلام ج2 ص21 الحديث8.

 

[17] الكافي: باب دعائم الإسلام، ج2 ص23 الحديث14.

 

[18] أمالي الصدوق: المجلس54 ص204 الحديث21.

 

[19] أمالي الصدوق: المجلس49 و 50 ص179 و 184 الحديث12 و 14.

 

[20] نفس المصدر.

 

[21] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص185 و 186 الحديث1 و 6.

 

[22] نفس المصدر.

 

[23] التهذيب: ج4 ص132 الحديث1.

 

[24] الكافي: باب أن الأئمة ولاة الأمر... ج1 ص206 الحديث5.

 

[25] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص186 الحديث3.

 

[26] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص 187 الحديث 10 و 11 و 12.

 

[27] نفس المصدر.

 

[28] نفس المصدر.

 

[29] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص189 الحديث17.

 

[30] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص158 الحديث15، وباب الاضطرار إلى الحجة ص168 الحديث2.

 

[31] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص188 الحديث13.

 

[32] الكافي: باب معرفة الإمام والرد إليه ج1 ص181 ـ 182 الحديث6.

 

[33] الكافي: باب أن الطريقة... ولاية علي عليه السلام ج1 ص220 الحديث1.

 

[34] الكافي: باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة ج1 ص356 الحديث16.

 

[35] نهج البلاغة: الحكمة 252، تمام نهج البلاغة: الخطبة41 ص410.

 

[36] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة ج1 ص186 الحديث2.

 

[37] المصدر السابق: ص187 الحديث8.

 

[38] الكافي: باب حالات الأئمة عليهم السلام في السن ج1 ص382 الحديث1.

 

[39] الكافي: باب فرض طاعة الأئمة عليهم السلام ج1 ص187 الحديث9.

 

[40] الأختصاص: ص33.

 

[41] البصائر: الباب7 من ج10 ص479 الحديث1.