بشارة الشهادة (*)
إنّ عباد الله الصالحين يعرفون قدر عوائل الشهداء، وآبائهم، وأمّهاتهم، وزوجاتهم، وأبنائهم، وإخوتهم، وأخواتهم، والمفجوعين بهم؛ والسبب هو أنَّ الله تعالى صلَّى وسلَّم عليهم: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾" (البقرة: 157). وأن يُصلّي الله ويُسلِّم على أحد، لهي مرتبة سامية ومهمّة جدّاً؛ ذلك لأنّهم صبروا، ولأنّهم حوّلوا مُصاب فقد الابن -الذي يُعدُّ مأتماً بالنسبة إلى غالبيّة الناس- إلى يوم عيد وتهنئة. ولقد واسوا أنفسهم بأنّ الله تعالى قد جعل أبناءهم الشباب في جواره: ﴿أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران: 169). إنّ لصبر عوائل الشهداء مثل هذه القيمة.
•رسالة الشهداء
إنَّ رسالة الشهداء رسالة بِشارة حقّاً، وعلينا نحن أن نصلح آذاننا لنسمعها جيّداً، خصوصاً أنّ بعض الناس لا ينصتون إليها. لكنَّ القرآن الكريم يقول: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران: 170)؛ فرسالة الشهداء هي رسالة نفي الخوف والحزن. وطبعاً، المصداق الأتمّ لنفي الخوف والحزن هذا يتعلّق بالشهداء أنفسهم. في تلك النشأة المحفوفة بالخوف والحزن حيث ينشغل جميع الناس بأنفسهم [عن باقي الخلق]. أمّا الذين استشهدوا في سبيل الله، فرسالتهم رسالة بشارة لأنفسهم، وكذلك لمخاطبيهم ومستمعيهم.
•الإيمان بالشهادة
لقد قال الإمام الخمينيّ الجليل قدس سره يوماً: "الشعب الذي يعرف الشهادة، لا يعرف الأسر". عندما تنظرون إلى التضحية في سبيل الله على أنهّا فوزٌ عظيم، وتخوضون المخاطر من أجل الشهادة، ولا تخافون شيئاً، فلن تستطيع أيّ قوة في العالم الوقوف أمامكم.
إنّ الغلبة والقدرة هي من نصيب الشعب والأمّة التي تؤمن أنّها إذا ما تعرَّضت في هذا الطريق لخطر وأذى واستشهاد ومفارقة الدنيا، فإنّها ستكون الفائزة، وليست الخاسرة. والشعب الذي يتمتّع بهذه الروحيّة وهذه العقيدة، لن يُهزم ولن يعرف الانكسار، وسيتقدّم إلى الأمام.
•النماء الثوريّ معجزة
يبكي الشابّ ويتمنّى أن يُستشهد في سبيل الله. يتوسّل إلى أبيه وأمّه ويقول لهما: "لقد ذهبتُ وشاركتُ في العمليّات ولم أستشهد؛ لأنّكما لم تكونا راضيَين"! فيتوسّل إليهما بأن يرضيا لكي ينال هو الشهادة. العالم الماديّ لا يفهم معنى هذا الكلام ولا يُدركه، لكنّه موجود. وهذه الروح ذات العقيدة هي التي تثبِّت شبابنا المؤمنين الثوريّين، وتبقيهم كالجبل الراسخ في مقابل الأحداث.
فالشابّ الذي يغضُّ الطرف عن عائلته، وعن زوجته الحبيبة، وعن طفله، ويذهب ليجاهد في سبيل الله ويعرّض نفسه للخطر، هو وأمثاله مَن حفظوا البلد، وقوّة الثورة تتبدّى بوجود مثل هؤلاء الأشخاص ومثل هذا الإيمان، لكن العدوّ لا يفهم هذه الحقيقة.
لقد قلنا مراراً إنَّ بعض العناصر الثوريّة تراجعوا عن الطريق، وشهدت الثورة بعض حالات السقوط، وحليت الدنيا في بعض الأعين. وكذا كان الحال في صدر الإسلام؛ إذ كان بعضهم ثوريّين في بداية المطاف، ثمّ انقلبوا فصاروا من أهل الدنيا وطلّابها في أواسط الطريق وأواخر العمر. نعم، هذا واقع قائم، ولكن، إلى جانب حالات السقوط هذه، لدينا حالات من النماء الثوريّ أضعافاً مضاعفة. وهذه هي معجزة الثورة الإسلاميّة. فبعد أربعين عاماً، ترون الشباب المؤمن المسلم، الذين لم يروا الإمام الخمينيّ قدس سره، ولم يعايشوا الثورة، ولا مرحلة الدفاع المقدّس، ولم يشهدوا تلك الملاحم عن قرب، ينزلون اليوم بروحهم الثوريّة إلى الميدان كالشباب في بداية الثورة، ويقفون في وجه العدوّ بكامل الرغبة والإحساس بالمسؤوليّة وبمنتهى الشجاعة.
•لنَكُن يقظين
وصيّتي لكلّ شبابنا، ولكلّ مؤسّساتنا وجمعيّاتنا المختلفة، ولكلّ الهيئات والتيّارات السياسيّة، هي أن يحذروا ولا يقدّموا المعونة للأعداء، أو يُهيّئوا ويوطّئوا الساحة لهم، وليكونوا يقظين واعين. إذا ما غفلنا وغلبنا النوم، فإنَّ ذلك العدوّ الضعيف نفسه، سوف ينفث سمومه.
لذلك، يجب مضاعفة الجهود والمساعي، للحذر من الانخداع بألاعيب العدوّ الخبيث الكلاميّة، وريائه، ولئلّا يدخل من النافذة بعد أن طُرد من الباب.
رحمة الله وصلواته وسلامه على الشهداء وعوائل الشهداء! وأبدي مرّة أخرى احترامي ومحبّتي لآباء الشهداء، وأمّهاتهم، وزوجاتهم، وأبنائهم، وإخوتهم، وأخواتهم.
(*) من خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله لدى لقائه جمعاً من عوائل شهداء الدفاع المقدّس والدفاع عن المقدّسات بتاريخ 12/12/2018م.
المصدر: مجلة بقية الله
تعليقات الزوار