هو الإمام المعصوم الرابع، علي بن الإمام الحسين عليه السلام، والمعروف بين المحدثين بابن الخيرتين فأبوه: الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وأمه من بنات ملوك الفرس، واسمها شهر بانو.
وُلد في المدينة المنورة يوم الخامس من شعبان عام 38 للهجرة.
ألقابه: زين العابدين، السجاد، ذو الثفنات، البكّاء، منار القانتين، أبو الخيرتين والعابد، ومن أشهرها زين العابدين.
أما عن تسميته بالبكاء يروى الرواة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: "بكى علي بن الحسين على أبيه عشرين سنة ما وضع خلالها بين يديه طعام إلا بكى".
للإمام زين العابدين عليه السلام سبعة عشر ولداً أكبرهم الإمام محمد الباقر عليه السلام، والذي كان له من العمر سنتان يوم واقعة كربلاء، وأشهر زوجاته فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام والدة الإمام الباقر عليه السلام.
وكان زيد بن عليّ بن الحسين، أفضل أولاده بعد أبي جعفر الباقر عليه السلام وكان عابداً، ورعاً، سخيّاً، شجاعاً، ظهر بالسيف ثائراً على ظلم بني أميّة وجورهم، يطلب بثارات جدّه الإمام الحسين عليه السلام، فقتل وصلب أربع سنين في كناسة بالكوفة.
عاش الإمام زين العابدين عليه السلام بعد أبيه الإمام الحسين عليه السلام أربعة وثلاثين سنة، وهي مدّة إمامته عليه السلام.
الأئمة الذين عاصرهم عليه السلام:
عاصر الإمام عليّ عليه السلام وله من العمر سنتان، والإمام الحسن عليه السلام عشر سنين، ومع أبيه الإمام الحُسين عليه السلام ثلاثة وعشرين سنة.
نبذة عن حياته عليه السلام:
رغم أن الإمام علي بن الحسين عليه السلام كان ابن ثلاثة وعشرين سنة عندما حصلت واقعة كربلاء إلاّ أنه نجا من القتل بعناية الله تعالى، حيث كان مريضاً طريح الفراش لا يقوى على حمل السلاح، فاستلم زمام الإمامة ليكمل مسيرة أبيه الحسين عليه السلام في مواجهة الطغاة ونشر تعاليم الإسلام الحنيف.
حلمه وإحسانه عليه السلام:
كان الإمام السجاد عليه السلام إذا أتاه سائل قال: "مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة، وعـن الإمام البـاقر عليه السلام: "كـان علـيّ بن الحسـين عليهما السلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم حتّى يأتي باباً باباً فيقرعه ثمّ يناول من يخرج إليه متخفّياً، فلمّا استشهد عليه السلام فقدوا ذلك، فعلموا أنّه كان علي بن الحسين عليه السلام".
الصحيفة السجادية
هي مجموعة من الأدعية التي كان يرددها الإمام عليه السلام، يناجي بها الله ويوجهها بشكل غير مباشر إلى الأمة التي فقدت كثيراً من إمكانيات التواصل الصريح مع القائد، بعد الأوضاع السياسية التي أعقبت حادثة كربلاء، واشتداد الظلم الأموي إلى حد بات يصعب معه التمييز بين الحق والباطل بوضوح.
وهي تشتمل على 54 دعاء تحت مسميات وظروف مختلفة بالإضافة إلى 15 مناجاةً معَ اللهِ سبحانه وتعالى وأدعية أيام الأسبوع كملحقات لهذه الصحيفة.
وفيما يلي بعض الأفكار التي تناولها الإمام في أدعيته:
- افتتاح الصحيفة بالتحميد والثناء:
كان من دعائه عليه السلام إذ ابتدأ بالدعاء بالتحميد لله عز وجلّ والثناء عليه فقال: "أَلْحَمْدُ للهِ الأولِ بِلا أَوَّلَ كَانَ قَبْلَهُ، وَالآخرَ بِلاَ آخِرَ يَكُونُ بَعْدَهُ.الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَعَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ اَلْوَاصِفِينَ. ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ اَبتِدَاعَاً، وَاخْتَرَعَهُمْ عَلَى مَشِيَّتِهِ اخترَاعاً، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِه".
- معرفة الله وتوحيده:
يقول الإمام السجاد عليه السلام: "وَعَجَزَتِ العقولُ عن إدراكِ كِنْهِ جمالِكَ، وانحسَرتِ الأبصارُ دونَ النظرِ إلى وجهِكَ ولم تجعلْ للخلقِ طريقاً إلى معرفتِكَ إلا بالعَجْزِ عنْ معرفتِك".
- حب الله تعالى:
مناجاة المحبين يصف الإمام علي بن الحسين عليه السلام محبته لله تعالى وإخلاصه له فيقول: "الهي من ذا الذي ذاقَ حلاوةَ محبتِكَ، فرامَ منكَ بدلاً، ومن ذا الذي أنسَ بقربِكَ، فابتغى عنْكَ حِوَلاً..يا مُنَى قلوبِ المشتاقينَ... ويا غايةَ آمالِ المحبينَ...أسألُكَ حُبَّكَ، وحبَّ من يُحبّك، وحبَّ كلِّ عملٍ يُوصلُنِي إلى قُربِك.. وأن تجعلَ حبِّي إياكَ قائداً إلى رضوانِكَ، وشوقي إليكَ ذائداً عنْ عصيانِك... يا أرحمَ الراحمين".
- العدل الإلهي:
يشير الإمام السجاد عليه السلام إلى منهج العدل من خلال الدعاء بعبارات مختصرة ولكنها تحتوي على رؤية عميقة لمسألة العدل. فيقول عليه السلام: "..وقد علمتُ أنهُ ليسَ في حكمِكَ ظلمٌ ولا في نقمتِكَ عجلةٌ وإنما يعجلُ منْ يخافُ الفوتَ، وإنما يحتاجُ إلى الظلمِ الضعيفُ وقد تعاليَتَ يا إلهي عن ذلكَ علواً كبيراً".
مما جاء في وصية الإمام الخميني قدس سره افتخاره الكبير بزبور آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال فيها: "نحن فخورون بأن الأدعية التي تهب الحياة والتي تسمى بالقرآن الصاعد هي من أئمتنا المعصومين عليهم السلام. نحن نفخر بأن منا مناجاة الأئمة (عليهم السلام الشعبانية) ودعاء عرفات للحسين بن علي عليه السلام والصحيفة السجادية زبور آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم".
رسالة الحقوق:
من المؤلفات القيّمة التي خلّفها الإمام زين العابدين عليه السلام رسالة الحقوق، وقبل أن يدلي الإمام عليه السلام ببيان هذه الحقوق قدم عرضاً موجزاً لها قال: (اعلم رحمكَ اللهُ، إنَّ لله عليك حقوقاً محيطةً بك، في كلِّ حركةٍ تحركتها أو سكنةٍ سكنتَها، أو منزلةٍ نزلتَها، أو جارحةٍ قلَّبْتَها، وآلةِ تصرفْتَ بها، بعضُها أكبرُ منْ بعضٍ.وأكبرُ حقوقِ اللهِ عليكَ، ما أوجبَهُ لنفسِهِ تباركَ وتعالى من حقِّه الذي هوَ أصلُ الحقوقِ، ومنهُ تفرع، ثم أوجبَهُ عليكَ لنفسِكَ من قرنِكَ إلى قدمِكَ،.. ثم جعلَ عزَّ وجلَّ لأفعالِكَ عليكَ حقوقاً،.. ثم تخرجُ الحقوقُ منْكَ، إلى غيرِ ذلك من ذويْ الحقوقِ الواجِبةِ عليك،...وتصرُّفِ الأسبابِ فطوبى لمن أعانَهُ الله على قضاءِ مَا أوجَبَ عليهِ منْ حقوقِهِ، ووفَّقَهُ وسدَّدَه...).
ونذكر بعضاً من هذه الحقوق:
أ- حق الفقراء:
وأما حقَّ السائل فإعطاؤهُ إذا تهيأت صدقةٌ، وقدرتَ على سدِّ حاجتِه، والدعاءِ لهُ في ما نزلَ به، والمعاونةِ لهُ على طَلبَتهِ،....
ب- حق الجار:
وأما حقَّ الجارِ فحفظُهُ غَائباً، وكرامتُهُ شاهداً، ونصرتُهُ ومعونتُهُ في الحالينِ جميعاً، لا تتبعْ لهُ عورةً، ولا تبحثْ لهُ عنْ سوءَةٍ لِتعرفَهَا،... ولا تستمعْ عليهِ من حيثُ لا يعلَمْ لا تسلمْهُ عند شديدةٍ، ولا تحسدْهُ عندَ نعمةٍ، تقيلَ عثرتَهُ، وتغفرُ زلتَهُ، ولا تدخِّرْ حلمَكَ عنه إذا جهلَ عليكَ، ولا تخرج أنْ تكونَ سلماً له، تردُّ عنه الشتيمةَ، وتبطلُ فيه كيدَ حاملِ النصيحةِ، وتعاشرُهُ معاشرةً كريمةٌ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله....
ج- حق إمام الجماعة:
وأما حقُّ إمامِكَ في صلاتِكَ فأنْ تعلمَ أنَّهُ قد تقلَّدَ السفارةَ في ما بينَكَ وبينَ اللهِ، والوفادَة إلى ربِّك، وتكلَّمَ عنْكَ، ولم تتكلَّمْ عنهُ، ودعا لك، ولم تدعُ له، وطلبَ فيك، ولم تطلبْ فيهِ، وكفاك همَّ المقامَ بينَ يدي اللهِ، والمسألةِ لهُ فيك، ولم تكفْهِ ذلكَ، فإنْ كان في شيءٍ من ذلك تقصيرٌ كانَ بِهِ دونَك،.... فتشكرُ له على ذلك، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله....
د- حق الأب:
وأما حقُّ أبيك فتعلمُ أنَّهُ أصلُكَ، وأنَّكَ فرعُهُ، وأنَّكَ لولاهُ لم تكُنْ، فمهما رأيتَ في نفسِكَ ما يعجبُكَ فاعلمْ أن أباك أصلُ النعمةِ عليكَ فيهِ، وأحمدِ اللهَ وأشكرْهُ على قدرِ ذلك، ولا قوةَ إلا بالله....
هـ- حق السمع:
وأما حقُّ السمعِ فتنزيهُهُ عنْ أنْ تجعلَهُ طريقاً إلى قلبِكَ إلا لفوهةٍ كريمةٍ تحدثُ في قلبِكَ خيراً، أو تكسبُ خلقاً كريماً، فإنَّه بابُ الكلامِ إلى القلبِ، يؤدِّي إليهِ ضروَب المعاني على ما فيها من خيرٍ أو شرٍّ، ولا قوةَ إلا بالله...
شهادته
شهدت فترة حكم عبد الملك بن مروان نوعاً من الراحة القليلة لأهل البيت عليهم السلام، لأن عبد الملك حاول تجنّب دماء بني عبد المطلب، كما يشير كتابه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي إلَّا أنه سرعان ما تبرَّم من وجود الإمام في المدينة بسبب تنامي خط المعارضة في الأمة، فأرسل إلى واليه على المدينة أمراً باعتقال الإمام زين العابدين عليه السلام وإرساله مثقلًا بالحديد إلى دمشق لإرغامه على التخلي عن مهمته الرسالية ولكن قوة الإمام ونفوذه حالت دون تنفيذ خطَّة عبد الملك فعاد الإمام عليه السلام إلى حرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
توفي عبد الملك واستلم الخلافة ابنه الوليد بن عبد الملك وتوّج أعماله بتدبير خطَّة قتل الإمام عليه السلام من خلال سمّ دسَّه إليه وذلك في 25 محرّم سنة 95 للهجرة.
وبذلك أُسدِل الستار على عصر ذلك الإمام العظيم، وانتقل الإمام السجَّاد عليه السلام إلى جوار ربه شهيداً مظلوماً.
من حكمه ومواعظه:
* "الرضا بمكروه القضاء أرفعُ درجاتِ اليقين".
* "كفى بنصرِ اللهِ لَكَ أنْ ترى عدوَّكَ يعملُ بمعاصي اللهِ فيك".
تعليقات الزوار