سمي يوم القدس العالمي الذي يوافق الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك في 16 من شهر مرداد 1358 الهجري الشمسي الموافق لـ7 أغسطس 1979، بمبادرة من الإمام الخميني (قدس سره) ودعماً للقضية الفلسطينية، لبدء مرحلة جديدة من التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ومن هنا فإن يوم القدس هو تجسيد فريد لوحدة المسلمين، وجميع دعاة الحرية في العالم بإعلانهم دعم فلسطين وتعبيرهم عن انزعاجهم وتنفرهم من الصهاينة المغتصبين، وإدانتهم جرائم هذا الكيان واحتلاله واستنكار الممارسات العنصرية واللاإنسانية للصهاينة، كما يعتبر هذا اليوم رمزاً للمقاومة.
مما لا شك فيه أن تأسيس الوجود غير الشرعي والمزيف للكيان الصهيوني منذ عام 1948 حتى الآن أصبح أهم سبب لعدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة غرب آسيا. لقد انتفض الشعب الفلسطيني المظلوم والصامد، بدعم من المسلمين وأحرار العالم، ضد هذا الاضطهاد الكبير، وقد أربك هذا الكيان المزيف وزرع بذور اليأس عنده، بسلسلة من الانتفاضات الفلسطينية. خلال هذه السنوات، أدى وجود ثلاثة عوامل رئيسية على الأقل إلى جعل فلسطين القضية الأكثر أهمية في العالم الإسلامي. أولاً: طبيعة أرض فلسطين وقدسيتها ومكانتها بين المسلمین. ثانياً: طبيعة العدو الصهيوني ومزاعمه الدينية والتاريخية ونزعته التوسعية والاحتلالية. ثالثاً؛ طبيعة التحالف الغربي الصهيوني، الذي يسعى إلى إحداث انقسامات بين الأمة الإسلامية وإضعافها، على أمل أن تظل الدول الإسلامية معتمدة على القوى العظمى. إن الكيان الصهيوني ينتهك الحقوق الأساسية، بما في ذلك حق تقرير المصير للفلسطينيين، كما يعتبر هذا الكيان السبب الرئيس لانعدام الأمن الدائم في المنطقة، عبر خرقه لقواعد ومبادئ الحقوق الدولية وحقوق الإنسان والقيام بالممارسات الجنونية مثل، العقاب الجماعي والحصار على غزة وإكمال جدار الفصل والترحيل والتهجير القسري لأكثر من 5 ملايين وسبعمئة ألف فلسطيني، واغتيال قادة ومجاهدي فلسطين ودول عربية أخرى، وتدمير الأراضي الزراعية والقيام بمحاولات لتنفيذ خطة تهويد القدس واستمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة وتدمير منازل الفلسطينيين ومنع تنقل المواطنين الفلسطينيين المقيمين في القدس وسحب بطاقات الهوية الخاصة بهم وإلغاء تصاريح الإقامة الدائمة للفلسطينيين، الذين يعيشون في القدس (وذلك خلافاً للقوانين والاتفاقيات الدولية، ولاسيما المادة 43 من اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة)، واعتماد هذا الكيان «قانون الدولة القومية لليهود» في الكنيست الصهيوني في عام 2018، وتعزيز الاستيطان، وفصل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.
في حين أن المنطق الإجرامي والمحتل للكيان الصهيوني القاتل للأطفال في العقود السبعة الماضية، لم ينتج عنه سوى استمرار الاحتلال والقتل والعنصرية والنفاق في المنطقة، فإننا للأسف نرى أن عدداً من الدول الإسلامية بتجاهلهم لجرائم هذا الكيان المستمرة، سقطوا في فخ المحور الغربي الصهيوني، وارتكبوا خطأً تاريخياً – يمكن التراجع عنه وإصلاحه – بقبولهم خطة التسوية والاستسلام. للأسف، فإن تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والإسلامية مع كيان الاحتلال، جعل الصهاينة أكثر وقاحة للزيادة في همجيتهم وبطشهم. ويعتبر تدنيس الصهاينة مؤخراً للمسجد الأقصى من دلالات ذلك. لا شك في أن الخطة الصهيو- غربية الشريرة لإحداث الانقسامات والخلافات بين الدول الإسلامية تستهدف وحدة العالم الإسلامي في تضامنه مع فلسطين. يعتبر الكيان الصهيوني أهم مصدر لانعدام الأمن وتهديد السلم والأمن الإقليميين والدوليين، وهو أكبر منتهك لحقوق الإنسان في العالم. إن كيان الاحتلال هو النظام الوحيد في المنطقة الذي يمتلك عشرات الرؤوس النووية، وامتنع عن الانضمام للوكالة الدولية للطاقة الذرية والالتزام باتفاقات الضمانات ذات الصلة. على عكس هذه الحقيقة، استمر على مرّ السنين، المتشدقون بحقوق الإنسان الغربيون بدعمهم السياسي والعسكري للكيان الصهيوني بأشكاله كافة ودون أي قيود. على سبيل المثال، نرى كيف أن الأمريكيين، وبمعاييرهم المزدوجة، يستخدمون حق النقض ضد القرارات المناهضة لهذا الكيان في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان واليونسكو وما إلى ذلك. لقد استخدمت واشنطن حق النقض أكثر من 40 مرة لمصلحة الكيان الصهيوني، وهذا يظهر التوجه المنحاز للدول الغربية في دعم الكيان الصهيوني وتجاهل الحقوق الأساسية للفلسطينيين. وعلى المجتمع الدولي أن يؤدي دوراً كبيراً في هذا الصدد، وأن ينهي هذا الصمت المطبق له، وأن يضمن إنهاء الاحتلال وممارسة حق تقرير المصير ومراعاة حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.
وجهت عملية سيف القدس لدعم المسجد الأقصى ضربة قوية للكيان الإسرائيلي المزيف، خاصة أنه شكلت هذه المرحلة بداية جديدة للتضامن الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 والمخيمات الفلسطينية وجميع الفلسطينيين في شتى أنحاء العالم. يجب على المحتلين الصهاينة وداعميهم الدوليين أن يعلموا أن إرادة المقاومة لن تتزعزع أبداً، وأن المقاومة الإسلامية والوطنية ستستمر بأشكالها كافة لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم. ولا شك أن المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال والزيف الصهيوني في الأراضي المحتلة ولبنان وسوريا ودول إسلامية أخرى، ستوفر بداية نهاية لهذا الانحراف والغدة الخبيثة. كما أظهرت معركة سيف القدس تزايد قدرات المقاومة الفلسطينية يوماً بعد يوم.
وهنا ينبغي علينا أن نستحضر ذكرى الشهداء من قادة المقاومة ومنهم القائد العظيم للمقاومة وحرية القدس الشريف الحاج قاسم سليماني، الذي قام بجهاده المستمر وعمله الذكي بتدعيم أسس المقاومة وترسيخها، حيث نرى اليوم أن تيار المقاومة أصبح المحور الرئيس لأي عمل فاعل ضد الصهيونية وأي إجراء للدفاع عن المظلوم.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم ولن تألو جهداً في دعم الحقوق المشروعة والمغتصبة للشعب الفلسطيني. ووفقاً للخطة السياسية والديمقراطية للجمهورية الإسلامية الإيرانية المسجلة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، فإن حل القضية الفلسطينية يكمن في إنهاء الاحتلال، وإجراء استفتاء بمشاركة السكان الرئيسيين للأرض الفلسطينية وجميع النازحين لتقرير مصيرهم. إن عودة النازحين الفلسطينيين إلى وطنهم وإجراء استفتاء شعبي بين أصحاب هذه الأرض من أجل تقرير مصيرهم وتحديد نوع النظام السياسي هي الطريقة الأكثر فاعلية لحل هذه الأزمة.
وفقاً لهذه الخطة، سيتمكن المسلمون واليهود والمسيحيون من أصل فلسطيني من اختيار نوع النظام القانوني الذي يحكم مصيرهم والتمتع بحقوق ذلك بحرية ومساواة. هذه الخطة، التي تقوم على مبادئ الديمقراطية والقانون الدولي ومقبولة من قبل جميع الحكومات والشعوب، يمكن بالتأكيد أن تكون بديلاً جيداً للخطط الفاشلة السابقة.
في الختام؛ إنني أدعو جميع أبناء إيران الإسلامية ومسلمي العالم ودعاة الحرية وأصحاب الضمائر الحية في شتى أنحاء العالم للتعبير عن دعمهم وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني المظلوم بمشاركتهم الواسعة في مراسم ومسيرات يوم القدس العالمي.
د. حسين أمير عبداللهيان
وزير الشؤون الخارجية الإيرانية
تعليقات الزوار