أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يفوتني بدءاً أن أشكر للجميع، أشكر للعلماء في جميع البلاد سواء في العراق أم في ايران أم في سائر البلدان الذين أعربوا عن مشاعرهم النبيلة، كما أشكر لمراجع الإسلام- دامت بركاتهم- والعلماء الأعلام في ايران وهنا وفي سائر الأماكن دامت عزتهم، والخطباء العظام والمثقفين الجامعيين وغير الجامعيين، والذين عبّروا عن حبّهم من خارج البلاد كالطلبة الدارسين في أميركا وأوروبا والهند وسائر البلدان.
كما أشكر لكافة السادة، وأسأل الله- تعالى- التوفيق والسلامة للجميع. ولما كنت غير قادر على المشاركة في جميع الجلسات التأبينية التي تفضّل السادة بعقدها، وغير قادر- وأنا بهذه السن- على زيارة جميع السادة، فإنّني أشكر للجميع، وأعتذر إليهم، وآمل أن يقبل السادة عذري.
إن هذه الأحداث ليست مهمّة جداً، فهي تحصل لكافة الناس، والله- تبارك وتعالى- لديه ألطاف ظاهرة وألطاف خفية، وألطاف الله- تبارك وتعالى- لا نعلم بها، لأننا غير مطلّعين عليها، ولاننا ناقصون من حيث العلم، ومن حيث العمل، ناقصون من كل النواحي، ومن هنا نجزع ونفزع في مثل هذه المواقف حين حصولها، ولا نصبر عليها، وهذا لنقصان معرفتنا بمقام الباري- تعالى- ولو كان لدينا اطّلاع على الألطاف الخفية لله- تبارك وتعالى- بعباده وانه (لطيف بعباده) لو كان لدينا اطلاع على تلك الأمور، لما جزعنا بهذا الشكل عند وقوع مثل هذه الأحداث المعتادة وغير المهمة، ولفهمنا أن هناك مصالح في الأمر، هناك تربية في الأمر.
هذه الدنيا مرحلة يجب أن نعبرها، وهي ليست بالعالم الذي ينبغي أن يخلد فيه، هذه طريق، هذا صراط إذا تمكنّا أن نجتازه بشكل مستقيم كما اجتازه أولياء الله (جُزْنا وهيَ خامدة)، إذا تمكنّا أن نعبر هذا الصراط بسلامة، فنحن سعداء.
أما إذا انحرفنا هنا عن هذا الصراط- لا سمح الله- فان هذا الانحراف يظهر هناك ايضاً، ويؤدِّي هناك إلى مزالق أيضاً، ويؤدِّي إلى مصاعب، أسأل الله- تبارك وتعالى- أن يوقظنا، وأن يطلعنا على تلك الألطاف الخفية التي لم نطّلع عليها، حتى يوفقنا الله بمشيئته، ونصل إلى مرتبة أولئك الذين يعرفون مقام الربوبية، ولديهم معرفة بمدارج الإنسانية، ومن لا يعتبرون الدنيا أقصى طموحهم، ولا يعطونها استقلالًا، ولا يرون مآربهم في الدنيا مستقلة، ويعتبرون الدنيا ممراً لأماكن أخرى وسعادات كبيرة أخرى.
وإذا وفّقنا الله لمثل هذه المنزلة- إن شاء الله- تلك التي لا نتمكن من إدراكها في هذا العالم الذي نحن فيه، لا ندرك ما هي المدارج، وما هي العوالم؟ وما كُنْهُ هذه الدنيا؟ فكل ما أدركناه هو هذا العالم الذي تصفه الروايات بأنه (ما نظر الله اليه منذ خلقه) عالم الاجسام هذا الذي لم ينظر اليه الله- تبارك وتعالى- نظرة لطف منذ خلقه.
مع أن ما أدركناه واكتشفناه عن عالم الأجسام هذا، وعالم الطبيعة محير للعقول، فعقولنا لا تصل جوهر هذا العالم إلّا هذا القدر الذي فهمه الإنسان حتى الآن، وما عداه موجود إلى ما شاء الله حيث لا يبلغ نوره أحد.
هناك كواكب تبعد عنا بلايين السنين الضوئية، ويصل ضوؤها إلى الارض في ستة بلايين من السنين، هذا الرقم لا نتمكّن من فهمه. وقد ذكر في بعض الكتابات أن بعض الكواكب لو فتح جوفها لاستوعب خمسمائة مليون شمس. ومن الكواكب ما لو وُضع في مركز الشمس لوصل إلى الأرض، هذه السعة لا تدركها العقول، لا يستطيع أحد إدراكها.
وهذه كلها في عالم (الدنيا) وهو عالم حقير. كان من أهل المعرفة من يقولون: تسمية هذا العالم بالدنيا هو بسبب الخجل من ذكر حقيقتها. وبهذا التشابك والتعقيد هو عالم (دنيا) هذه السماوات- مع كل ما اكتشف منها حتى الآن- فهي كما جاء على لسان القرآن (زيَّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب). « سورة الصافات، الآية 6.»
السماء (السفلى) هي مع كل ما اكتشف فيها حتى الآن، سماء (سفلى) في لغة القرآن، والسماوات العليا لم يكتشف ما فيها، وفي الوقت نفسه تعبّر الرواية عن هذا العالم بأنّه (ما نظر إليه نظر لطف منذ خلقه). ويعبّر القرآن عن الدنيا بأنّها (متاع)، وعن الآخرة بأنّها الحياة. هنا في الدنيا لا حياة، هنا موت، وحياة الآخرة هي الحياة: (إنّ الدار الآخرة لهي الحيوان) « سورة العنكبوت، الآية 64.» ونحن غير مطلعين على ذلك.
التكليف الإلهي لطفُ الله بالعباد
في الوقت الذي نحن هنا لدينا مهمّات من قبل الله- تعالى- هي تكاليف لله- تبارك وتعالى- يجب أن نؤدّيها، ولا نغفل عن التكاليف الألهية، فجميع التكاليف الإلهية هي ألطاف إلهية، ونحن نتصوّرها تكاليف. كلها ألطاف سواء التكاليف الفردية الرامية إلى تربية كل إنسان على حدَّة، من أجل اكماله، ولا طريق للتكامل والرقي غير هذا الطريق، وهناك درجات لا يمكن الوصول إليها بسلوك هذا الطريق. وكذلك التكاليف الاجتماعية التي تجب تأديتها لتنظيم المجتمع، وقد بين لنا الأنبياء الأمور التي تتعلّق بالروح، والتي تتعلق بالمقامات العقلية، والتي تتعلق بالغيب.
وبيَّن القرآن ذلك أيضاً، وأهله يعلمون، وقد بينت السنة والكتاب تلك الامور التي هي من الوظائف الخاصة الداخلة في رقي الإنسان وتكامله، وبينت الامور المتعلقة بالمجتمع والامور السياسية والامور الاجتماعية وما يتعلق بتنظيم وتربية المجتمع. ونحن وجميع البشر مكلفون بالاهتمام بكل هذه المراتب، وكل هذه المقامات، وأن لا يحصروها في جانب واحد.
واجب العلماء في حفظ الإسلام
إنني أعرب عن حبي لجميع التيارات الموجودة التي تخدم الإسلام، سواء التيارات الدينية- التي خدمت منذ البدء حتى الآن- أو التيارات الأخرى من السياسيين والمثقفين الذين يخدمون الإسلام، غير أني عاتب عليهم جميعاً. أما الحب، فيجب على كل مسلم أن يحبّ كلّ امرئً وكلّ فئة تخدم الإسلام، سواء عن طريق القلم او بذل الجهد.
فكل مسلم يرى سعي هؤلاء من أجل الإنسانية- السعي من أجل الإسلام هو سعي من أجل الإنسانية- فالإسلام عقيدة لبناء الإنسان حينما يرى هذه الفئات ساعية في خدمة الإنسان وخدمة الاسلام الذي يبني الإنسان، فلابد له أن يحبهم لذلك، ولا إشكال في حبّ الإنسان للإنسان.
من جهة أخرى لي عتب على جميعِ الفئات أيضاً، وهو عتب المحب، فتلك الفئات المثقفة والجامعية والدارسون الجدد- أيّدهم الله- خدام الاسلام هؤلاء أراهم افرطوا في كتاباتهم على الفقهاء والفقه، وعلماء الاسلام، والفقه الاسلامي، وقالوا ما لا ينبغي قوله، وليسوا مغترضين، وأنا أعلم أن أغلبهم يريدون أن يخدموا الإسلام. وليسوا مغترضين، وهم يتكلمون بلا سوء نية.
هؤلاء معلوماتهم قليلة، واطلاعي على التاريخ قليل، لكنني أبلغ الثمانين، وعشت حوالي الستين عاماً في المجتمعات العلمية، وحوالي ثلاثين عاماً في مجريات الأمور. ولدي مشاهدات واطّلاع على أحداث مائة ونيف من السنين المنصرمة القريبة منا، وبرغم قلّة الاطلاع، غير ان هذا المقدار الذي لدينا منه عن الماضي وعن الزمان الأوّل وعصور الإسلام الأولى حتى الآن، وإن كان إجمالياً، جعلنا نرى هذا الإسلام بجميع أبعاده، وإنما حُفِظَ بكلّ أبعاده بجهود العلماء، أي: أنَّ معارفه حفظها العلماء، وفلسفته حفظها العلماء أيضاً، وكذلك اخلاقه حفظها العلماء، وفقهه حفظه العلماء أيضاً، وأحكامه السياسية حفظها العلماء. كل هذه حُفِظتْ بالجهود الشاقّة للعلماء.
الآن ترون غنى فقه الشيعة، ففقه الشيعة أغنى فقه في العالم، فالقانون الذي وضّح وفرّع بجهود علماء الشيعة هو أغنى فقه، أغنى قوانين العالم. ليس في العالم قانون بهذا الغنى، القوانين الأخرى- السماوية طبعاً- كانت غنية، غير أنّها لم تصل إلينا، وهذه القوانين التي وضعها أهل الارض هي بمقدار هذه الإدراكات الضعيفة، فعقل الإنسان- كما في الرواية- (يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه).
وأولئك الذين تعمل عقولهم الصحيح، والذين لا تعمل عقولهم ذلك، ولا اطّلاع لديهم هم الذين وضعوا هذه القوانين ناقصة في كلّ مكان، وكانت لداع خاص، لتمشية أمور بلد ما مثلًا، للسياسة بين بلد وبلد آخر، وغير ذلك ليس له قوانين.
إن الذي لديه قوانين لكل شيء هو الإسلام، وأغنى فقه فيه هو فقه الشيعة، وما في العالم مثل هذا الفقه، لا بين المسلمين- على كثرتهم- ولا بين غير المسلمين.
كل هذا جاء بالجهود الشاقّة لعلماء الشيعة، فمنذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وعهد الأئمة بعدَه كان علماء الشيعة يجتمعون الى الأئمة- عليهم السلام- ويأخذون منهم الأحكام الإسلامية، ويكتبونها في الأُصول، فكانت اربعمائة كتاب دونت فيما بعد في كتب أخرى وهي كتبنا الأربعة وسائر الكتب، وكل هذا تم بجهود علماء الشيعة وفقهائهم.
فجميع ما في الإسلام والقرآن من أبعاد، وجميع ذلك المقدار الذي تمكّن البشر من فهمه، قامت هذه الجماعة من ذوي العمائم واللحى- على قول هؤلاء السادة- بتدوينه ومنهجته، فهؤلاء هم الذين أوصلوا الإسلام إلينا، والكتب التي كتبها هؤلاء في كل فرع من الفروع التي ترونها، هي التي أوصلت الإسلام الينا، فقد انبرى هؤلاء لكتابة الكتب وبذل الجهود، حتى أوصلوا الإسلام إلى هذه الاجيال، وكل ذلك على مستوى العلم، العلم الإسلامي.
أما على صعيد الأمور السياسية، فالمقدار الذي أذكره من التاريخ- وأنا لا أعلم التاريخ- واذا كنت قد قرأتُ شيئاً منه، فإنّي أنساه، لكنّ التاريخ الحديث لمائة سنة مرّت موجود بين أيدينا، ولو رجعنا قليلًا الى الوراء لرأينا طائفة من العلماء ضحّوا بمواقعهم الاجتماعية، واتّصلوا بالسلاطين، برغم علمهم أن الناس يعارضون ذلك، ودفعوا هؤلاء السلاطين- شاءوا أم أبوا- لإشاعة المذهب الحق، مذهب الديانة، مذهب التشيّع، هؤلاء لم يكونوا وعّاظ سلاطين. وهذا خطأ يرتكبه عدد من كتّابنا.
كان السلاطين يحيطون بالعلماء، وغرفة الشاه السلطان حسين موجودة الآن في جهارباغ إصفهان في مدرسة باغ إصفهان، غرفته موجودة إلى الآن، انهم سحبوه إلى تلك الغرفة، ولم يتمكّن هو من جرّهم وراءه.
كان لدى هؤلاء أغراض سياسية، وأغراض دينية. لا يتصورنّ أحد حين يسمع أن المجلسي (رضوان الله عليه) والمحقّق الثاني (رضوان الله عليه) والشيخ البهائي (رضوان الله عليه) كانت لديهم علاقات مع هؤلاء، وكانوا يذهبون إليهم ويرافقونهم من أجلها، ولا يتخيّلنّ أن هؤلاء فعلوا ذلك من أجل الجاه والسمعة والحاجة إلى أن يهتمّ بهم الشاه السلطان حسين والشاه عباس.
هذا كلام غير وارد، إنهم ضحوا، قاموا بتضحية ومجاهدة نفسانية لنشر هذا المذهب بتسخير أولئك وبأيديهم في زمان كان ناس يستأذنون الشاه أن أجزنا أن نسُبَّ عليّاً ستة أشهر اخرى، فحينما أرادوا منع الناس من سب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)- سمعت أنهم طلبوا في أحدى المدن الإيرانية أن يسبُّوهُ ستة أشهر أخرى.
هؤلاء عاشوا في هذا المحيط الذي كان سبّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) متعارفاً وشائعاً بهذا الشكل، ولم يكن للمذهب الشيعي ذكر ولا أثر وجاهدوا أنفسهم، وقد عارضهم الناس في ذلك العصر لعدم الفهم. ولو أن أحداً الآن حمل عليهم أيضاً، فهو لا يعلم أصل المسألة، وليس بمغترض، وكذلك كان الأمر حتى في عهد الائمة (عليهم السلام) أيضاً، فقد كان علي بن يقطين من الوزراء. ولماذا لا نذكر الامام أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فقد كان (عليه السلام) يذهب في صلاتهم عشرين عاماً ونيّفاً حفاظاً على المصالح العليا للاسلام، وكان يتبعهم لوجود مصلحة فوق هذه المسائل. وسائر الأئمة- عليهم السلام- كانوا يسالمون أحياناً، فحينما لا يمكنهم فعل شيء، ماذا يفعلون في ذلك الوقت؟
لابد أن يسالموا، فمصالح الإسلام فوق هذه المسائل التي نتصوّرها، فوق هذه المواضيع التي نتصوّرها. هذه الفئة من العلماء ضغطت على نفسها، ورتّبت نفسها بالشكل الذي يثير لديكم بعض الإشكالات الآن لعدم اطلاعكم على الواقع لا لسوء نية، فما تعلمون الحقيقة، ولو كنت أتمكن أن أجلب إلى الطريق سلطاناً جائراً لذهبت، وأصبحت من أهل البلاط.
وتكليفكم أنتم أيضاً هو أنكم إذا استطعتم أن تجعلوا من سلطان جائر إنساناً، فاذهبوا واعملوا في البلاط. فهذا ليس عملًا في البلاط، هذا هو بناء للانسان، هؤلاء لم يصبحوا من أهل البلاط، هؤلاء يريدون أن يصنعوا إنساناً. هذا عتبي عليكم.
العلماء قادة الثورات والنهضات
هذا في ما يتعلق بفقههم، وما يتعلق بجوانبه هذه، وبالمقدار الذي أمتلكه من الاطلاع حالياً، وكذلك فيما يتعلق بتحركهم السياسي، وكما ذكرت، فأنا مطلع على هذا المقدار، وتأريخهم قريب منّا.
النهضات التي وقعت فى المائة ونيف من السنين المنصرمة كانت لمواجهة الأمور المخالفة لمصالح الإسلام، فمثلًا قضية التنباك التي تعرفونها جميعاً، حدثت بأمر الميرزا الشيرازي الكبير- رضوان الله عليه- وتبعه علماء ايران- رضوان الله عليهم- الذين كان على رأسهم الميرزا الآشتياتي انطلقوا بالمعارضة في طهران، وأعادوا الحياة إلى الحكومة الايرانية المتهاوية آنذاك، لقد سقطت الحكومة من أجل مقدار قليل من المال، أرادوا أن يستديموا ترفَهم وبذخهم، فباعوا ايران من الأجانب، فأصدر الميرزا الشيرازي- رضوان الله عليه- أمره، وضغط سائر علماء ايران على أنفسهم، وتحمّلوا العناء والمشقّة، وثاروا، ودفعوا الناس إلى القيام، حتى أُلغيت الاتفاقية، فكانت الثورة على الاستبداد.
الانتفاضة الدستورية- هي هذه النهضة التي بدأت من النجف على يد العلماء، وفي ايران على يد العلماء أيضاً، فذلك المستبد الذي كان يفعل ما يشتهي، ويقتل من يشاء، ... جاءوا بهؤلاء الجنود المساكين من الضواحي، ولم يعطوهم خبزاً، وبينما كانت عربة الشاه تتحرك في جانب حضرة عبدالعظيم، اجتمعوا لتقديم شكواهم، فرمى احدهم حصاة أصابت عربة الشاه، فجُمع هؤلاء على الفور، وجيء بهم بعد أن أمر الشاه بخنقهم جميعاً وخُنق العديدُ منهم فعلًا، حتى تحرّكَ مستوفي الممالك وذهب للتشفع لهم. كان السلاطين من أمثال هؤلاء الناس المستبدين. كل يعرف محمد علي ميرزا أيّ نوع من البشر هو، أي حيوان هو، وغيره هكذا أيضاً.
والعلماء ثاروا على هذا الاستبداد، وقادوا النهضة على أولئك، وكانوا في الصف الأول، وأرادوا أن تحصل النتائج الايجابية، فلم تحصل. ولو تحققت بعض النتائج، لكان جيداً، ولكنّهم لم يتمكّنوا. حسناً فما يعملون عند العجز؟ لقد تمكنوا من تغيير الوضع قليلًا، فذلك الذي كان يفعل ما يُريد وهو (لا يُسئل عما يفعل) حُدّت حركته، وإن لم يتحقق ما كانوا يريدونه.
حسناً فإن صيغة متمم الدستور قد جاءت نتيجة جهود العلماء، لكنّ الشاه لم يعمل بمتمم الدستور، وهذه الحكومة الايرانية الحالية ليست رسمية، وليست قانونية، نواب ايران ليسوا قانونيين الآن، هؤلاء ليسوا رسميين، وحسب الدستور، فإنّ المجلس الايراني الحالي ليس رسمياً،
مجلس ايران حسب الدستور يجب أن يشرف عليه خمسة من الفقهاء، فهل هناك فقيه واحد منهم الآن؟ هل هناك أساساً إشراف؟ هل هناك نيابة أساساً، أو أنّه تعيين؟ إنّه تعيين، أرادوا أن يحصل تغيير، لكن لم يحصل، وبرغم ذلك نهض العلماء بهمّة، وتبعهم الآخرون. وطبعاً كان للآخرين حصّة أيضاً، لكن العلماء كانوا في الصف الأول.
وفي قضية العراق لولا مجاهدة علماء العراق .. لَقُتِلَ نجل السيد محمد كاظم في الحرب. لقد حمل العلماء في تلك المواجهة البنادق على الأكتاف، ونزلوا إلى الميدان، وسجن المرحوم السيد الخوانساري، السيد محمد تقي الخوانساري- رضوان الله عليه- بعد أن أسروه مع عدد آخر، ونقلوه الى الخارج، وكان يقول: (إنهم كانوا يعدّوننا: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، ثم يقدّموننا إلى احد الاشخاص ويقولون: إنّ هؤلاء من أكلة لحوم البشر، إننا نَعُدُّهم لأنهم يأكلون لحم الإنسان، انهم من الرعاع الذين يأكلون لحم الإنسان، وهم معتادون في بلدانهم أكل لحوم البشر، ونحن نعدّهم لئلا يأكلونك.)
الميرزا الشيرازي الثاني، هذا الرجل العظيم، هذا العالم الكبير، صاحب المقام الرفيع في العلم والعمل، أنقذ العراق فقد حكم بالجهاد، فأرسل هؤلاء إلى الحرب، وكانت العشائر تقتدي بالعلماء، فالوضع يختلف عما هو عليه الآن، إذ كانت العشائر تستجيب للعلماء. جاءتْه العشائر، فحكم بالجهاد، وجاهدوا يعني: أعطوا قتلى، واقتلوا. وفعلوا ما فعلوا حتّى حققوا للعراق استقلاله، ولو لم يكن أولئك العلماء، لكنّا الآن أسرى، لكنّا جزءاً من مستعمرة إنجليزية.
حصل ذلك الاستقلال بإخلاص العلماء، وقد نفي علماء العراق إلى إيران لِمعارضتهم للأنظمة، ومنهم السيد أبو الحسن والمرحوم النائيني والمرحوم الشهرستاني، والمرحوم الخالصي وهؤلاء الذين نُفوا من العراق الى ايران، لأنّهم كانوا يصدّون هؤلاء، ويرفضون تلك الأنظمة، فنُفوا وأرسلوهم الى ايران.
كفاح العلماء في زمن رضا خان
ونحن شاهدنا ذلك في زمان هذا الرجل الظالم رضا خان المتجبّر غير النجيب قامت انتفاضة العلماء في إصفهان وكنت حاضراً الواقعة، جاء علماء إصفهان إلى قم، واجتمع العلماء من مختلف أنحاء البلاد في قم أيضاً، ونهضوا على هؤلاء، وأخفقت الانتفاضة لعدم امتلاكهم القوّة الكافية، ولا يهمُنا كيف أخفقت؟ بالخدعة أو بطريقة أخرى المهم أنّهم نهضوا.
وكذلك نهضة علماء خراسان، اعتقلوا المرحوم آقازاده والمرحوم السيد يونس وسائر العلماء آنذاك، وسجنوهم في طهران، وقد رأيت المرحوم الميرزا آقازاده- رضوان الله عليه- وكان جالساً في أحد الأماكن بلا عمامة، ومع أنّه كان تحت المراقبة، كان جالساً بلا عمامة، ولم يكن من حق أحد أن يصل إليه، وكانوا يأخذونه إلى المحكمة منزوع العمامة في الشارع.
ولم تكن هذه الأحزاب آنذاك، وما كان لها دور في تلك الحركات، كانت، لكنها كانت ميتة. وهكذا النهضة التي حصلت في أذربيجان، فقد قام المرحوم الميرزا صادق آقا والمرحوم الانكجي بنهضة، فاعتقلوهما أيضاً، ونفوهما، فبقيا في النفي، وعندما اطلقوا سراحه لم يذهب المرحوم الميرزا صادق إلى اذربيجان، في وقت كانت تكرّمه غاية التكريم. لم يذهب إليها قطّ، بل جاء إلى قم، وظلّ فيها حتى آخر عمره وكنّا نذهب اليه.
وقوف المدرِّس في وجه ظلم رضا خان
رأيت المرحوم المدرّس- رحمه الله- وكان من الذين وقفوا بوجه الظلم، وقف بوجه ذلك الرجل الظالم رضا خان المتجبّر، وكان نائباً في المجلس ... أرسلوه إلى طهران بوصفه من علماء الطراز الأول، وجاء إلى طهران بعربة، وعلى ما نقل عن ثقة اشترى السيّد عربة هناك، وكان يسوق حصانها بنفسه أحياناً، حتى جاء إلى طهران، وهناك استأجر بيتاً صغيراً، وقد ذهبت إلى منزله- رضوان الله عليه- عدّة مرات، وجاء بوصفه من علماء الطراز الأول، لكنّه لم يعبأ بذلك، ثم أصبح نائباً وفي أيّ وقت كان يريد أن يصبح نائباً، كان النائب الأول في طهران. وقف المدرّس وحيداً يتحدّى الظلم، وكان يتحدّث، فيتبعه الآخرون من أمثال: ملك الشعراء وآخرون، إلا أنه كان يقف ويستنكر الظلم، ويحمل على تعدّيات ذلك الشخص.
في ذلك الوقت ارسلت الحكومة الروسية تحذيراً إلى ايران، ووصل جنودها إلى قزوين. ولا أتذكر الآن ماذا كانوا يُريدون من إيران، هذا مذكور في كتب التاريخ، كانوا يريدون أسر ايران على ما أظن، وكانوا يقولون: (إن ذلك يجب أن ينفّذ بالمجلس) فعرضوا ذلك على المجلس، وتحيّر النواب في المجلس ماذا يفعلون؟ صمتوا وتحيّروا فيما يفعلون. وكتب في احدى المجلات الأجنبية أنّ أحد العلماء وقف خلف المنصة ويده ترتجف قائلًا: إذا تقرر القضاء علينا الآن، فلماذا نقضي على أنفسنا بأنفسنا؟ رفض الإنذار الروسي، فتجرأ بقية النواب، وصوّتوا بالمعارضة، ورفضوا التحذير، ولم يتمكّن أولئك من ارتكاب أية حماقة!
والسياسيون يتّبعون هذا الأسلوب، فهم يتصرّفون بحزم وحدّة بعض الشيء، ليروا كيف يتصرّف الطرف المقابل، فإذا وقف إزاءهم تراجعوا، وإذا تراجع ذلك المسكين، تقدّموا هم. حتى الحيوانات لها هذه الخصائص، فتأتي إلى الأمام أوّلًا، لترى ردّ فعل الإنسان، فإذا وقف إزاءها، ورفع يده؛ هربت. وأمّا إذا هرب، فإنّها ستتبعه، هذا طبع حيواني، لكن ذلك العالِم وقف قُبالة هذه القوة الكبيرة، قوة روسيا القيصرية الكبيرة. وكما نقلته لكم قال ويده ترتجف: اذا كان من المقرّر أن يُقضى علينا، فلماذا نقضي على أنفسنا بأنفسنا؟ وصوّت معارضاً، فتجرأ الآخرون، وصوّتوا معارضين، أفلا يجب أن تعرفوا قدر هذا العالم؟
هذه النهضة الأخيرة التي انتهت بالخامس من حزيران وكل هؤلاء القتلى الذين سقطوا من الجماهير، كان أهل العلم في صفّهم الأول، والى الآن فإنّ آثارها باقية، ومازال أهل العلم هم غالباً الذين يعارضون ويصرخون بوجه الظلم، والطالب الجامعي طبعاً داخل الصراع حالياً ايضاً.
أولئك داخلون ايضاً، وسائر الناس ايضاً يتحرّكون تبعاً للعلماء، وليس تبعاً للآخرين، لقد اعتقلوا وسجنوا اكثر علماء طهران تقريباً، اعتقلوا الخطباء العلماء وسجنوهم، وبقوا في السجن أيّاماً متحمّلين العناء.
أخي إنّ الأمر ليس كما تتصوّرون: نريد الإسلام، ولا نريد الملالي! هل يمكن أن يكون الإسلام بغير الملّا؟ هل تتمكّنون من العمل من دون الملّا؟ هؤلاء الملالي هم الذين يتقدّمون الصفوف،
ويعملون ما ينبغي. هؤلاء هم الذين يبذلون أنفسهم، ولدينا الآن ملالي في السجن، لدينا الآن علماء مضحّون في السجن، ولا يقبلون بهذا الظلم، يذهبون اليهم ويقولون لهم: اعتذروا، فلا يعتذرون.
علماؤنا في السجن، علماؤنا الكبار في السجن، قلت: (إنّ هناك أشياء شاهدتها بنفسي، ولا أتذكّر كثيراً منها)، وقلت قبلها: (لسنا مؤرِّخين حتّى نذكر كل شيء). هذا هو عتبي على هؤلاء السادة المثقفين، فلا ينبغي لهم أن يُبعدوا أنفسهم عن هذا التيار الكبير الذي يقف وراءه الشعب، ثم تقولون: نحن نريد الإسلام، ولا نريد الملّا. هذا خلاف العقل، وهذا خلاف السياسة، يجب أن تحتضنوا هؤلاء بحفاوة، وإذا لم تكن لديهم معلومات في المسائل السياسية انضموا اليهم، وأعطوهم معلومات سياسية.
هؤلاء أفضل موقعاً منكم بين الناس، هؤلاء أفضل، فأنتم ليس لديكم نفوذ، وهم لديهم، بين الناس. كل ملّا متنفذ في محلته، انتم المتحمّسين للإسلام أنتم الذين تقولون: نحن نريد الإسلام، لا تقولوا: نريد الإسلام، ولا نريد الملّا، قولوا: نريد الإسلام، ونريد الملّا أيضاً. الملا غير العارف بقضايا السياسة اجتمعوا اليه، وعلّموه تلك القضايا، ليُمارس نشاطه في قيادة الجماهير، وتتمكَّنوا أنتم من التحرُّك.
إذا اردتم تنصيب أنفسكم بمعزل عن الملّا، فإنّكم ستبقون خاضعين للآخرين إلى يوم القيامة، اجتمعوا كلكم، وكونوا إخوة، ولا تبعدوا هؤلاء عنكم؛ فإنّهم يمثّلون قوة أزلية هي قوة الشعب، لا تبعدوا قوة الشعب عنكم وتقولوا: نحن لا نريد هذه القوة. واعلموا أنكم مهما قلتم: لا نريد الملّا، فإن الناس يريدونه. أنتم عدد قليل في حين أن الآخرين يمثّلون المجموع، فأصحاب المتاجر يريدون هؤلاء، والناس في الشوارع يريدونهم أيضاً.
إنني عاتب على هذه الطبقة المثقفة، مع حبّي لهم، فهم يخدمون الاسلام ولا سيّما أولئك الموجودون خارج البلاد في اميركا واوروبا والهند، ولديّ علاقات معهم، انهم يخدمون الإسلام، انهم يساهمون في الدفاع عن الإسلام بحزم حين تقع بعض الاشكالات هناك، انهم يهدفون إلى رفع الظلم، انهم يحبون الإسلام، لكن هؤلاء المحبين للإسلام يجب أن لا يتجاهلوا خدمات علماء الإسلام، علماء الدين، ويقولوا: نريد الإسلام بلا ملّا.
إنّ هذا غير ممكن يا أخي، فالإسلام والملّا مرتبطان، كما لو قلتم: نريد الإسلام الخالي عن السياسة! إنّ الإسلام والملّا متداخلان، ولا يمكن أن يكون الإسلام اساساً بلا ملّا، النبي (صلى الله عليه وآله) كان مُلّا، النبي (صلى الله عليه وآله) هو أحد الملالي الكبار، النبي (صلى الله عليه وآله) هو رأس جميع العلماء. الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هو أحد علماء الإسلام، هؤلاء هم فقهاء الإسلام، رأس فقهاء الإسلام، فهل يصحّ أن تقولوا: لا نريد المُلّا؟!
إنني عاتب على هؤلاء، وعلى السادة العلماء الأعلام أيضاً. هؤلاء أيضاً لديهم غفلة عن كثير من الأمور، إذ يقعون تحت تأثير الإعلام السيّئ الذي يمارسه النظام لصفاء نفوسهم، فهم يثيرون في كل يوم مشكلة من أجل أمر هيِّن، ويغفلون عن المشكلة الكبيرة، المشكلة التي نعاني منها جميعاً، ويدفعون غيرهم إلى الغفلة عنها، وهي انّ هناك أيدياً تفتعل أمراً، وتثير وراءه ضجيجاً.
فبين الحين والآخر تحصل مشكلة في إيران، وبينما ينبغي لجميع الوعّاظ المحترمين وجميع العلماء الأعلام أن ينفقوا وقتهم في المسائل السياسية الإسلامية، وفي المسائل الاجتماعية الإسلامية، يستهلكون أوقاتهم في أن زيداً كافر، وعمراً مرتدّ ووهابي.
ويقولون عن العالم الذي قضى من عمره خمسين سنة يجدّ في الدرس، ويحمل فقهاً أثقل من أكثر هؤلاء الموجودين بأنه وهابي. هذا كلام خطأً أخي لا تفرّقوا صفوفكم، انكم تبعدون واحداً واحداً، وتقولون: هذا وهابي، وهذا لا دين له، وهذا لا أدري ماذا! حسناً فماذا يبقى لنا؟!
درسان من الرسول الأكرم
الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقد اسلفت أني لا أعرف التاريخ بشكل صحيح، ولكن ما بقي في ذهني- بعد فتح حُنين قام بعملين يمكن أخذ العبرة منهما: أحدهما أنّ أحد زعماء الكفار هرب من المدينة، وركب السفينة ليهرب، فأعطى الرسول الأكرم جبّته المباركة أحداً يعطيها ذلك الرجل، ويخبره بأنه عفا عنه! ويعيده!
وكذا فعل مع أبي سفيان الذي لم يسلم حتى آخر عمره هو وأولاده أيضاً، فبرغم ما كان عليه أبو سفيان وكفار قريش ترى النبي (صلى الله عليه وآله) يعطيهم من الغنائم، غنائم حُنين، حينما جاؤا بها، فأعطى هذا مائة بعير، وهذا مائة بعير، وهذا وثلاثمائة بعير، وكذا من الابل. أعطاهم أشياء كثيرة مع أنّه كان يعرف جيداً أنّهم كافرون، وأنهم مشركون، فوقف القشريون يقولون: ماذا بقي لنا؟ فهؤلاء طمّاعون.
فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله) بأنّ هؤلاء أخذوا ابلًا، ولكن ألا ترغبون أن يأتي رسول الله معكم بدلًا من الابل؟! انظروا كيف كان عظيما؟ كيف كان هذا الرجل إنساناً عظيماً، بغضّ النظر عن كونه نبيّاً؟ انظر إلى سموِّه ورجاحة عقله! فهو من جانب كان يستميل كفار قريش بذلك الشكل، ويريد جعل ظاهرهم إسلامياً في الأقل، برغم انهم خبثاء في الحقيقة، أراد أن يستميلهم للإسلام. وكان يجيب الذين يثيرون الاشكالات عليه جواباً ليّناً حسناً ويقنعهم.
وجوب التفات العلماء للجامعيين
فمن يعملون الآن للإسلام، ويكتبون شيئاً، ويخطئون يجب السعي لرفع خطئهم. أنتم علماء، فاسعوا لتصحيح خطأ المخطئ، ولا تبعدوه. أخي نحن نحتاج اليوم إلى الإنسان الواحد، الفرد الواحد غنيمة لنا. في هذا الوقت الذي تناهضنا كل الأقلام، وكل الأقدام، وكل الاعلام؛ لا اذاعة لنا توصل كلامنا إلى أحد، ولا صحافة حرّة ليسمحوا لنا أن نكتب فيها كلمة واحدة.
في مثل هذا الزمان الذي قيدت فيه ايدينا، واصبحنا عاجزين عن القيام بأي عمل، بمعنى أنه ليس لدينا إعلام، ولا قدرة، في مثل هذا الزمان نحن بحاجة إلى كل أحد. وهؤلاء الذين يمسكون القلم ويروّجون للشيعة افرضوا أنهم وقعوا في عدة اخطاء، فلا ينبغي إبعادهم وطردهم، لا تُخرجوهم، بل صحّحوا أخطاءهم.
لا تبعدوا الجامعة عنكم، فقدرات البلد مرشّحة لأن تكون غداً بيد هؤلاء الجامعيين، وأنت أيها العالم لن تصبح وزيراً، أنا وأنت لن نكون وزراء، نحن نعمل بشكل آخر، أمّا مقدرات هذا البلد فهي
بيد هؤلاء الجامعيين غداً. هؤلاء يأتون فيصبحون نوّاباً أو وزراء، أو يصبحون في منصب كذا، فاحفظوهم عليكم، ولا تدفعوهم عنكم، لا تصعدوا المنبر، وتقولوا كلاماً سيئاً، ارتقوا المنبر وانصحوا، لا ترتقوا المنبر وتشتموا.
الشتم لا يُناسب منزلة العالم، انصحوا لهؤلاء، واستميلوا هذه الشريحة الكبيرة التي تمارس نشاطها الآن. هؤلاء استعذبوا السجون أيضاً، وجابهوا الاضطهاد، ونُفوا، وها هم أولاء خارج بلادهم لا يتمكّنون من دخولها. هؤلاء الذين يكتبون شيئاً هناك، وينشرون المسائل الإسلامية، ويعرضون المسائل الدينية، دعوهم يعملون، ولا تدفعوهم عنكم. غداً إذا وقعت مقدرات البلاد بأيدي فئة منهم، والملالي كانوا قد زجروهم إلى هذا الحدّ، كيف سيعاملونهم، تعاضدوا معاً.
المعنى الحقيقي لقانون الشاه (إصلاح الأراضي)
أخي! البلاد بلاد إسلامية، وليست ايرانية، ايران هي واحدة منها. البلاد الإسلامية قريبة من السقوط في الهاوية، والله يعلم كم يعتصرني الأسى أحياناً خشية عجز ايران عن توفير مواد غذائية لعدّة أيام لو حصلت حرب- لا سمح الله. هل ستتمكن ايران من توفير الموادّ الغذائية أياماً؟ فهؤلاء الأجانب إذا ارادوا منع المواد الغذائية عن ايران، ومنعوا هذه السفن الحاملة للمواد الغذائية من الوصول إليها، فإنّها لا تجد غذاءً لأكثرمن ثلاثة وثلاثين يوماً على ما يقول الخبراء. ايران التي كانت خراسان وحدها تكفيها عاماً كاملًا، فقط خراسان، والباقي يجب أن يعطى الآخرين. أدخلوا لها قانون الإصلاح الزراعي، فماذا عملوا؟
الله يلعنهم، هؤلاء قاموا بالإصلاح الزراعي، حتى يقضوا على الزراعة تماماً، طبّقوا الإصلاح الزراعي حتى آل الوضع الآن إلى أن جميع خيرات ايران لو جمعت معاً- هذا إذا كانت هذه المجلة تصدق في كلامها- فإنها ستكفي لثلاثة وثلاثين يوماً، وقد يكون لأقل من ذلك، إذا لم تأت هذه السفن، واذا لم يأت اولئك الذين فتحوا سوقاً في بلادنا بأعمالهم تلك، حتى يتمكنوا من ارسال المواد الغذائية إلى هنا، أقاموا سوقاً، فالإصلاح الزراعي يعني إقامة سوق للبلدان الأجنبية، فالأجانب كانوا يلقون الفائض من قمحهم في البحر- وهذه فائدة الاصلاح الزراعي- وأصبحوا الآن يصدرون الحنطة إلى ايران.
وما داموا يأخذون مقابلها أموالًا، فلماذا يلقونها في البحر إذن؟ عملوا على شلّ الزراعة في ايران فصار جميع الأشياء يأتي من هناك، كل شيء يأتي من الخارج، لاحظوا المجلّات، هؤلاء يقولون احياناً بمبالغة ومباهاة: استوردنا حنطة بهذا المقدار، واستوردنا شعيراً بهذا المقدار، واستوردنا كذا. حسناً يا مساكين، يجب أن تخجلوا فأنتم الذين يجب أن تصدّروا الحنطة، أنتم تكفيكم اذربيجان والباقي يجب أن تصدّروه، أتباهون الآن بأنّكم تستوردون؟ يجب أن تخجلوا من هذا الإصلاح الزراعي الذي يشبه كلّ اصلاحاتكم.
ضرورة تضامن الروحانيّين والجامعيين
أعتب على السادة في أن يبعدوا هذه الشرائح عنهم. لا يبعدوا عنهم أحد، بل ليربطوا الجميع معاً، كما أنّ العلماء يجب أن يعرفوا قدر هذه الجماعة التي تعمل للاسلام، وتكتب له. يجب أن
تستميلوهم إلى العمل. أخي افتحوا اذرعكم، ولا تقولوا: هذا الجامعي فاسق وفاجرّ و ... لا تفرقوا بين جماهيركم، أولئك حاولوا التفريق بينكم، فقالوا: هذا رجعي وقديم! متى كان الملّا رجعياً؟ الملّا يقع في طليعة الصف الأول، فهل هذا رجعي؟
وأنتم من جانب آخر تقولون: هذا جامعي، وهذا بلا دين، ولا أدري كيف، وفلان. لا، هذا خطأ، مدّوا يد الأُخوة بعضكم لبعض، تآزروا، وناقشوا مسائلكم، والفرصة اليوم سانحة. أقول لكم: أُتيحت لكم اليوم فرصة، ولولاها لما حصل اليوم في ايران ما حصل، فيا حبذا أن يراها السادة الأفاضل غنيمة، ويكتبوا فيها ويعترضوا. إن كتّاب الأحزاب السياسية يكتبون الآن، ويوقّعون، ويعترضون. وأنتم أيضاً اكتبوا، وليوقّع مائة من العلماء، وينبّهوا إلى مسائل معينة، وليعترضوا، فاليوم يجب الصراخ والتقدم إلى الأمام، وانني أخاف- لا سمح الله- أنّه إذا ضاعت هذه الفرصة، وثبتت قدم هذا الرجل قليلًا أن يلطم الشعب لطمةً قوية تنزل بكم أنتم أيها العلماء أوّلًا، هذا ما أخشاه.
فلا تدعوا هذه الفرصة تضيع من أيديكم، اكتبوا معاً، عارضوا، وأعلنوا للعالم رأيكم، واذا لم تتمكنوا من ذلك في ايران، فأرسلوها إلى الخارج، لينشروها لكم، أرسلوها إلى هنا بطريقة ما، ونحن نرسلها للنشر، اكتبوا ملاحظاتكم، اعترضوا عليهم، مثل ذلك الشخص ...، حسناً نحن رأينا أنّ عدّة اشخاص عارضوا- وقاموا بعمل ما، وقالوا ما لديهم أغلب ما لديهم- ووقّعوا، ولم يواجههم أحد. هذه فرصة، فلا تدعوها تذهب من أيديكم. انني أخاف أنّه إذا ذهبت هذه الفرصة، وأعاد هذا الشاه حساباته مع هؤلاء، فهؤلاء يعملون الآن على تصحيح الحسابات- يعملون على تقوية هذا الخادم- انهم لايقبلون!
انهم يريدون تقويته، فهم يأتون بهذا اليهم، ويذهبون بأنفسهم إلى ايران، وينشطون حتى يتمّوا عملهم، ويحققوا هدفهم، فإذا أنجز هؤلاء عملهم- لا سمح الله- عاد هذا الرجل راسخاً، فهذه المرة ليست مثل تلك المرات، انه سوف يوجه لطمة شديدة للاسلام.
أسأل الله- تعالى- التوفيق لكم جميعاً، وأسأله العظمة للإسلام، اللهم أسألك بأوليائك أن تجعل الإسلام عظيماً، أعطه عظمة، أيْقِظْنا من نوم الغفلة، أوصل جميع شرائحنا معاً، مُنَّ علينا بوحدة الكلمة. والسلام عليكم ورحمة الله.
التاريخ 10 آبان 1356 هـ. ش/ 18 ذي القعدة 1397 هـ. ق
المكان: النجف، مسجد الشيخ الأنصاري
الموضوع: قدرة العلماء والخدمات السياسية والعلمية والدينية لعلماء الشيعة
المناسبة: شهادة السيد مصطفى الخميني
الحاضرون: العلماء والطلبة والإيرانيون المقيمون في العراق
تعليقات الزوار