عواقب الاختيار الخاطئ
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً للسيد محمد مهدي عباسي يعرض عواقب الموقف والاختيار الخاطئ لأمريكا في حربها على غزّة الذي أظهر الجوهر الحقيقي لحقوق الإنسان الأمريكيّة في العالم وجعلها منبوذة وبعثر مخططاتها وحساباتها في المنطقة.
ربما قليلة هي الضمائر الحية اليوم في أمريكا والغرب عموماً؛ التي تستطيع أن تظل صامتة ومتخبطة إزاء واحدة من أكبر الجرائم في المائة عام الماضية. إن أكثر من 32 ألف ضحية في الجريمة التي أودت بحياتهم في غزة، ووفق تعبير أحد المسؤولين في الأمم المتحدة، هو أعلى معدّل إبادة في العالم منذ الإبادة الجماعية في رواندا. والآن يحتجّ شخص على مشاركة بلاده في هذه الإبادة الجماعية عبر إحراق نفسه أمام السفارة الصهيونية، وآخر عبر الاستقالة من منصب مهمّ في وزارة الخارجية الأمريكية، وآخر عبر المشاركة في التظاهرات المناهضة للحرب في شوارع واشنطن ونيويورك وسان فرانسيسكو!
في المقلب الآخر الحكومة الأمريكية تجد نفسها، خلافاً لإرادة غالبية الأمركيين، في أزمة ومستنقع ضخم؛ لمشاركتها في قتل شعب غزة، وبوحشية على يد الكيان الصهيوني. استخدم قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، في خطابه بمناسبة عيد النوروز قبل بضعة أيام، تعبيراً دقيقاً لموقف الحكومة الأمريكية تجاه أزمة غزة، بأنّه «اختيار أسوأ موقف ممكن»، وعدّد ثلاث عواقب خطرة لهذا الاختيار الخاطئ:
تم إظهار الجوهر الحقيقي لحقوق الإنسان الأمريكية للعالم
في الأيام الأولى للحرب، سافر جو بايدن إلى تل أبيب ليعلن دعمه للكيان الصهيوني، كما كان أول مشروع قانون يقرّه «الكونغرس» الأمريكي بعد مدة من العطلة، الموافقة على حزمة المساعدات الأمريكية لـ"إسرائيل". وتتطلع الحكومة الأمريكية هذه الأيام إلى الموافقة على حزمة أخرى بقيمة 14 مليار دولار لمساعدة الكيان الصهيوني. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير مثير للجدل أنه منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر، أبرمت أمريكا أكثر من 100 صفقة عسكرية وأسلحة منفصلة مع "إسرائيل"! وأشار بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارن، بنحو صريح إلى دور الحكومة الأمريكية في الأزمة الحالية في غزة.
لذا، لا يستطيع أحد في العالم اليوم أن يخفي إسهام أمريكا في الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني. شراكةٌ أظهرت للعالم الجوهر الحقيقي لحقوق الإنسان الأمريكية، وأراقت ماء وجه هذا البلد من الناحية الأخلاقية.
يؤكد الإمام الخامنئي، في خطابه بمناسبة عيد النوروز، مرة أخرى تأثير المقاومة الفلسطينية وصبر أهالي غزة في فضح وتعرية ادّعاءات التحضّر وحقوق الإنسان في الغرب، قائلاً: «أظهرت أحداث غزّة مدى الظّلم والظّلْمة اللتين تسودان العالم، وقد أثبت العالم الغربي، هذا العالم المتحضّر! الذي يدّعي حقوق الإنسان وأمثال هذه الأمور أيَّ ظلْمة تهيمن على حياة هؤلاء وأفكارهم وأعمالهم».
أصبحت أمريكا منبوذةً أكثر في المنطقة والعالم
شهدت مختلف مدن العالم خلال الأشهر الأخيرة مسيرات وتجمعات حاشدة احتجاجاً على جرائم الكيان الصهيوني في غزة، ومشاركة أمريكا فيها. الاحتجاجات وصلت حتى إلى قلب أمريكا، أي واشنطن العاصمة، وداخل مبنى «الكونغرس» الأمريكي. ومن المثير للاهتمام أن هذه الكراهية العامة للحكومة الأمريكية امتدت حتى إلى الانتخابات الأمريكية. إذ إن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في بعض الولايات المهمة مثل ميشيغان، استخدم أكثر من 100 ألف شخص خيار "Uncommitted" (غير مقيّد)، الذي يُعدّ نوعاً من أنواع التصويت الاحتجاجي، رداً على سياسات إدارة بايدن حيال غزة.
تزايدت طوال الأشهر الأخيرة المعارضة لأمريكا بين حكومات المنطقة، وكذلك الغضب الشعبي تجاه هذا البلد لدى الشعوب الإسلامية. وأفادت «شبكة سي إن إن أن» CNN، أنّ إدارة بايدن تلقت تحذيرات خطرة من دبلوماسيين أمريكيين في جميع أنحاء العالم العربي من أنّ دعم أمريكا للحملة العسكرية الصهوينة السفّاحة في غزة سيكلف أمريكا خسارة الرأي العام لدى الشعب العربي لجيل كامل. ويؤكد استطلاع جديد أجراه «معهد واشنطن» هذا الادعاء أيضاً. وبحسب هذا الاستطلاع الذي أُجري لسكان 6 دول عربية في المنطقة، فإن 7% فقط من سكان هذه الدول يعتقدون أن أمريكا لعبت دوراً إيجابياً في حرب غزة! كما أن رئيس مجلس إدارة «صحيفة الأهرام» الشهيرة في مصر، يصرّح في مذكرة منذ مدة بأنّ أمريكا هي العدو الأول للعالم العربي اليوم! كما أن تصويت دول المنطقة السلبي على القرارات الأخيرة لأمريكا وحلفائها في الأمم المتحدة، دليلٌ آخر على هذه القضية.
يحلل قائد الثورة الإسلامية العلاقة بين الأفول الشديد لأمريكا في المنطقة وأدائها إزاء غزة على النحو التالي: «اتّخذت أمريكا في قضيّة غزّة أسوأ موقف ممكن. لقد أقدمت على ما جعلها منبوذة في العالم كلّه. فهؤلاء الذين يتظاهرون دفاعاً عن فلسطين في شوارع لندن وباريس وسائر الدول الأوروبيّة، وفي أمريكا نفسها، هم في الحقيقة يُعبّرون عن اشمئزازهم من أمريكا. نعم أصبحت أمريكا منبوذةً في العالم. كانت منبوذةً في المنطقة، وأصبحت منبوذةً عشرة أضعاف».
تبعثرت مخططات أمريكا وحساباتها في المنطقة
لقد أثبتت حرب غزة أنه لم يعد هناك مكان لأمريكا وسياساتها في غربي آسيا. ولعل أول وأكبر مخطط للأمريكيين والذي قضت عليه المقاومة؛ كان مشروع تطبيع العلاقات بين الدول العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني. وتشير أحدث التقديرات إلى أن الرأي العام في العالم العربي هذه الأيام يعارض بشدة الاعتراف بالكيان الصهيوني. على سبيل المثال: وفقاً لاستطلاع جديد للرأي، فإن 89% من العالم العربي يعارضون الاعتراف بدولة "إسرائيل". ولا يُعدّ هذا الرقم موقفاً مجمَعاً عليه تقريباً ضد التطبيع في العالم العربي فحسب، بل يعدّ أيضاً زيادة بنسبة 5 بالمئة في معارضة الكيان الصهيوني مقارنة باستطلاع عام 2022، حيث عارض 84 بالمائة الاعتراف بـ"إسرائيل".
كما أقرّ المفكرون والمحللون السياسيون في الغرب بفشل هذا المخطط خلال الأشهر القليلة الماضية. على سبيل المثال: يقول فريدريك كيمب، الرئيس التنفيذي لـ«الـمجلس الأطلسي»، في مقابلة أُجريَت معه قبل بضعة أسابيع: «أعتقد أن الضحية الكبرى لهذه الأحداث الأخيرة هي قضية تطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية... كان هناك أفق للتوصل إلى اتفاق؛ وقد أعطاه الناس حظ 50/50، لكن بات الحظ الآن صفراً». أو زينب ريبوا، الباحثة البارزة في «معهد هدسون» بأمريكا، التي ترى أن الإنجاز الأول لحركة «حماس» ومحور المقاومة في الحرب الأخيرة هو وقف تطبيع العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني. كما أن القوة الرئيسية لأمريكا بالإنابة في المنطقة، أي الكيان الصهيوني، تعرّضت أيضاً لضربات قوية خلال هذه الأشهر، واليوم بالإضافة إلى الخسائر العسكرية والتكاليف الاقتصادية الباهظة لحرب غزة، فإنها تواجه أيضاً توترات وخلافات داخلية واسعة.
يقول الإمام الخامنئي بخصوص التكلفة التي جلبتها جبهة المقاومة لأمريكا في المنطقة ما يلي: «لقد كشفت المقاومة عن وجودها الحقيقي وقدراتها ووضعها وأثبتت للعالم معنى المقاومة. هؤلاء بعثروا كلّ حسابات أمريكا»
في الختام؛ اليوم تدفع أمريكاً ثمناً باهظاً لخيارها الخاطئ في التعامل مع أزمة غزة. وفي كل دقيقة تستمر فيها هذه الحرب، ستصبح إدارة بايدن غارقة أكثر فأكثر في الغضب الداخلي، وسوف يتسارع أيضاً أفول أمريكا من الناحية الدولية.
تعليقات الزوار