أبو علي… رثاء الحارس العتيق
التاريخ: 23-06-2025

ليس سهلاً أن تكتب رثاءً لرجل مثل أبي علي خليل. بل ربما كان هذا أصعب ما يمكن أن يُطلب من الكلمات. كيف ترثي من كان رثاؤه نفسهُ فعلاً من أفعاله؟ كيف تبكي رجلاً لم يُرد أن يُبكى، بل أن يُذكر حارساً حتى بعد غيابه؟
ثائر أبو عياش
(أحمد مفيد - فلسطين)
ليس سهلاً أن تكتب رثاءً لرجل مثل أبي علي خليل. بل ربما كان هذا أصعب ما يمكن أن يُطلب من الكلمات. كيف ترثي من كان رثاؤه نفسهُ فعلاً من أفعاله؟ كيف تبكي رجلاً لم يُرد أن يُبكى، بل أن يُذكر حارساً حتى بعد غيابه؟
أبو علي خليل، الرجل الذي ظلّ طوال حياته ظلّاً لسماحة السيد حسن نصرالله، لم يرضَ أن يكون الموت نهاية. حين نُقل جثمان السيد القائد، ظهر أبو علي يرشّ الورود على نعشه، واقفاً بجانبه، في مشهدٍ أحرق قلب كل من شاهده، قائلاً بلسان حاله: «أنا هنا كما كنت... حتى بعد أن صرت بلا سيد جسداً، سأحرسك تراباً».
لكنّ أبا علي لم يعفنا من الرثاء. وهو الذي كان يعرف أن الشهداء لا يُرثون بالكلمات، بل بالأفعال. فقرر أن يجعل رحيله فعلاً رثائياً بامتياز. ترك وصيته الفعلية في قلب المشهد: «سأبقى أحرسه حتى من القبر»... ثم اختار أن يُغتال شهيداً في إيران، مكملاً رسالته، كما لو أن القدر نفسه رفض أن يبقى هذا الحارس بلا مهمة.
قال أرسطو إن المأساة تطهّر الروح، وإن الرثاء فعل يُعيد للنفس توازنها بعد الفقد. لكن ماذا لو كان من نرثيه هو من تعمّد أن يجعل رثاءه هو فعله الأخير؟ ماذا لو جعلنا، من حيث لا نريد، شهوداً على وداعٍ أراده هو كاملاً، من البداية إلى النهاية؟
يا أبا علي، لماذا لم تعفنا من هذا الرثاء؟ ألم تكفِ سنواتك الطويلة وأنت تحرس القائد؟ ألم يكفِ أنك من بين قلة قليلة عاشت مع الخطر وجهاً لوجه، من دون أن تتردّد؟ أكان لا بد من أن يكون رثاؤك هذا، رثاء الفعل لا رثاء الكلمة؟
يقول مارتن هايدغر إن الموت هو الحقيقة الأعمق للوجود الإنساني، هو الإمكانية القصوى التي تجعل الكائن البشري مدركاً لحرّيته. وربما كان أبو علي خليل واعياً تماماً لهذه الحقيقة، فاختار أن لا يترك موته للمصادفة، بل جعله امتداداً لحياته. كان يعرف أن الحارس لا يموت إلا واقفاً، ولا يُذكر إلا مقاوماً، حتى لو هدأ جسده في التراب.
حين خرجت الأخبار باغتياله في إيران، لم يُفاجأ من عرف الرجل. إنه المكان المناسب للموت الذي يليق به. في أرض المعركة الممتدة. في الساحة المفتوحة بين الشرق والغرب. حيث لا يضيق صدره بأفق محدود
هذا الرجل لم يترك لنا مجالاً للرثاء العادي. أراد أن يكون غيابه استمراراً لحراسته. حتى وهو في جنازة سيده، كان يُهيّئ لمشهد رحيله. وحتى في ارتقائه، ظل مع القائد. لم يكن يغادر إلا إلى حيث يجب أن يذهب، حيث تنتهي حياة الحراس: في الميدان، في الخدمة، في المعنى.
ما يجعل هذا الرجل مختلفاً، أن مهمته لم تكن جسدية فقط. هو لم يكن مجرّد درع جسدي لقائد المقاومة. لقد كان ظلّه في المعنى. كان صمته صدى لصوت سيده. حتى حين ظهر أخيراً في العلن، لم يتحدث كثيراً.
قال فقط: «سأظل أحرسه»... وهل بعد هذا القول من بيان؟
هكذا تُكتب السيرة. من قلة القول، من كثير الفعل. فحين خرجت الأخبار باغتياله في إيران، لم يُفاجأ من عرف الرجل. إنه المكان المناسب للموت الذي يليق به. في أرض المعركة الممتدة. في الساحة المفتوحة بين الشرق والغرب. حيث لا يضيق صدره بأفق محدود.
يقول رولان بارت إن الحزن الأكبر هو حزن من لا يُسمح لهم بالنسيان. نحن يا أبا علي من هؤلاء. جعلتنا شهداءك، بلا سلاح، بلا خيار سوى أن نحملك في الذاكرة. وحين نرثيك، لا نفعل ذلك لأننا نريد. نفعل لأنك فرضت علينا أن نراك حتى في الغياب، قائماً، يقظاً، حارساً.
هل تُراك كنت تريد منا أن نبكيك؟ أم كنت تأمل أن نتابع المسير من حيث انتهيت؟ يا من صنعت من الرحيل فعلاً مقاوماً بحد ذاته، كيف نقنع الكلمات أن تُسعفنا لتقول ما لا يُقال؟
في تاريخ الفلسفة، دائماً ما كان الرثاء فعلاً مزدوجاً: فيه خوف من النسيان، وفيه محاولة للتمسّك بالمعنى. سقراط حينما واجه الموت، أوصى أصدقاءه أن يضحّوا لديونيسوس، علامة على الحياة لا الموت. وأنت يا أبا علي، كأنك فعلت الشيء نفسه. رحلت كي تبقى. مضيت كي تظل.
من ذا الذي يجرؤ أن يقول عنك «مات»؟ من ذا الذي يجرؤ أن يكتب «كان» بدلاً من «هو»؟
لا نرثيك لأنك غبت. نرثيك لأنك حضرت. نرثيك لأنك فرضت علينا حضورك بدمك، بموقفك، بوصيتك العلنية في جنازة القائد. فرضت أن تبقى الحارس الذي لا يُغلب، حتى لو غُيّب الجسد.
يا أبا علي، كنت آخر الحراس الكبار. كنت ظلّ القائد في الدنيا... وظله الآن في قبره، كما أردت.
وها نحن، كما أمرت، نرثيك لا بالكلمات الفارغة، بل بهذا الألم الحي... بهذا المعنى الذي لا يفنى.
* كاتب فلسطيني
احدث الاخبار

عهد ووفاء... باسم الشهداء

الشيخ نعيم قاسم: الخطة الأميركية بشأن غزة التي طرحها ترامب مليئة بالأخطار

السيد الحوثي: دول عربية تضغط على الشعب الفلسطيني لتنفيذ خطة ترامب

قائد الثورة الإسلامية يعزي بوفاة زوجة عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام

العميد أسدي: سنزيد مدى صواريخنا بالقدر الذي نراه ضرورياً

الإمام الخامنئي يعزي آية الله العظمى السيستاني

صاروخ من اليمن: صفارات إنذار وتوقف مطار "بن غوريون"

العميد شكارجي: إنتاج الصواريخ الإيرانية لم يتوقف خلال الحرب ولن يتوقف أبدا

نهجك المقاوم باقٍ يلقف ما يصنعون

قائد الثورة الإسلامية يعزي بوفاة والدة غلام علي حداد عادل
الاكثر قراءة

أحكام الصوم للسيد القائد الخامنئي

ما أنشده الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في حق الإمام الخامنئي

أربعون حديثاً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)

أربعون حديثا عن الإمام الهادي (ع)

مختارات من كلمات الإمام الخامنئي حول عظمة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

مبادئ الإمام الخميني العرفانية

أربعون حديثاً عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ماذا يقول شهداء الدفاع عن العقيلة؟.. الشهيد السيد إبراهيم في وصيته: لقد ذهب زمان ذل الشيعة+ صور

شهيد المحراب (الثالث) آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب

تقرير مصور عن شهداء الحجاز الذين استشهدوا في جبهات الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية