بعد أدائه لصلاة الظهرين من يوم الخميس 8/6/1429هـ بجمع من المؤمنين ألقى سماحة العلامة الحجة السيد عبد الله الموسوي كلمته الأسبوعية التي خصصها لهذا الأسبوع للحديث عن مسألة المرجعية المحلية، حيث سلط سماحته الضوء على الحديث عن المرجعية والمرجع وشروط اختيار المرجع، مشددا سماحته على أن من تحدث عن المرجعية المحلية ـ ومع كل أسف ـ تحدث عنها من زاوية ضيقة جداً؛ إما لعدم فهمٍ، أو لعدم معرفةٍ، مبيناً أن المرجعية عندنا مثل الإمامة تُبحث عادة في الثبوت والإثبات وأنها مرتبطة بأدلة فقهية وليست اعتباطية، مؤكداً سماحته على أنه لو فتحنا المجال للمرجعية المحلية لتطور الأمر إلى أن يكون هناك مرجع لكل منطقة ولكل حيّ، في وقت تتكالب الجهود لتوحيد المرجعيات، منوّهاً على أن المرجعية ليس مختصة بمكان دون آخر، وأن سمات المرجع والمرجعية ليست هي الجِنسيّة أو القوميّة كما يعتقد البعض، وفي التالي نص هذه الخطبة:

 

 تمهيد في توضيح:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

قال تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [الأحزاب/23] صدق الله العلي العظيم.

 

هذا الأسبوع بالخصوص زاخر بالمناسبات حقيقةً، مبدوءة هذه المناسبات بوفاة المرجع الديني الشيخ الفاضل اللانكراني رضوان الله عليه، ووفاة الصِّدِّيقة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، ووفاة السيدة أمِّ البنين سلام الله عليها بعد قرابة ثلاثة أيام أو يومين.

 

إن الحديث ليطول عن مرجع وعن مرجعية، حينما يتحدث الإنسان عن مرجع بحجم الشيخ الفاضل رضوان الله عليه، الذي كان سنداً مهماً للإمام رضوان الله عليه، ولخليفة الإمام حفظه الله وأبقاه، واقعاً حينما ينظر إلى هذا الشخص وكيف لهذا الشخص أن ينكر وجوده وكيانه من أجل الإسلام والمسلمين، إلا أن هناك مسائل مثارة خصوصاً في أيّامنا هذه، من ضمن هذه المسائل المثارة، هي مسألة المرجعية المحلية، بمعنى أنه لماذا نحن لا نختار لنا مرجعاًَ من منطقتنا؟!

 

فهو أعرف بشؤون المنطقة ويعرف ما هو اللازم لعلاج هذه المشاكل، هو أعرف بمشاكل المنطقة بالإضافة إلى أنه كيانٌ موجود بيننا، فلماذا هذا الكيان يضيع أو يُضيَّع؟! هذه هي اللغة التي يتحدث بها البعض في هذه الأيام وهذه هي الحجج التي يتحججون بها.

 

سُئِلْتُ كثيراً عن هذا الأمر وتحدّثتُ عنهُ أيضاً كثيراً، وكنتُ أكرّر وعلى الدوام أن مسألة المرجعية لا تدخل في زواريب هذه الثقافة البعيدة عن الدين وعن الإسلام، وأقصد بالإسلام هنا بشكل عامّ أي أعمّ من الشيعة والسُّنّة أعم، عندهم العالم متى ما توافرت فيه صفات معينة يؤخذ عنه ويؤخذ منه، ليس لهم ربط بمكانه ولا بزمانه وليس لهم ربط بقوميّته، هكذا علمنا الدين، الدين محق كلّ عنصرية جاهلية، هذا الأمر الأول.

 

من جهة ضيقة ومحدودة

 

الأمر الآخر: أن من يتحدث عن المرجعية المحلية - ومع كل أسف - يتحدث عنها من زاوية ضيقة جداً؛ إما لعدم فهمٍ، أو لعدم معرفةٍ وفرق بين إنسان يكون عالماً ولكن فهم وعقله قليل جداً، لذا فإن السيد محسن الأمين عليه الرحمة حينما يصف الشيخ عبد الكريم الحائري رضوان الله عليه يقول: تحار بين أن هل علمه متقدم على عقله؟ أو عقله متقدم على علمه؟

 

يعني يوجد توازن بين العقل وبين العلم والتصرّف في المعلومة، بعض الأشخاص لديه علم لكنه مثل الحاسوب حيث تُعطيه مسألة يعطيك جواباً لكن لا يستطيع هو أن يُنتج إلا بقدر المعلومات المخزّنة فيه، وبعضهم مع الأسف أقل مستوى من الحاسوب، لا أقل الحاسوب توجد فيه حسابات معينة تُدخَل فيعطيك أكثر، لكن بعضهم يعطيك الشيء ومضاد الشيء ونقيضه في مجلس واحد، فهو أقل فهماً حقيقة لا يدرك وهذه المشكلة أحياناً.

 

المشكلة مع هؤلاء الذين علمهم أقل من مستواهم العقلي أو فهم وإدراكهم يعتبر محدوداً مع كل أسف، هذا إذا حملناهم على الصحة، نعم إذا حملناهم على الصحة فهذا ما يمكن أن نقوله في حقهم، أما إذا لم نحملهم على الصحة ونقول أن هناك تحريكاً معيناً من جهةٍ معينة فهذه ينبغي أن يكون الاحتياط معهم بشكل أشدّ في هذه المسائل.

 

ثبوب أم إثبات أم كلاهما معاً؟!

 

حينما تطرح المرجعية على مستوى الطائفة، فالعلماء يبحثون عمّن تنحصر فيهم المرجعية، يعني شروط المرجعية فيمن تكون محصورة، فيمن هي ثابتة؟ لأنه تارة الأعلمية كمثال كشرط أو العدالة كشرط يُتحدث عنه من ناحية الثبوب، وتارة يُتحدث عنه من ناحية الإثبات، الحديث ليس من ناحية الثبوت مع أنه قد يحصل لإنسان ثبوتاً وإثباتاً لكن علماؤنا عادة يبحثون من هو حائز الشروط إثباتاً، بمعنى أنه العلماء من يشهد حقهم، لأنّ هناك نظرية عند بعض الفقهاء، وقد سمعتُها من الدكتور عبد الهادي الفضلي حفظه الله هكذا : أنه يقول : ( يصعب معرفة الأعلم أحياناً) ، يصعب وليس يستحيل فرق بين الأمرين، يصعب باعتبار أنه قد يكون أعلم في زاوية من هذه الزوايا قد يكون، وحتى لا يأتي أحدهم فيترك ( قد يكون ) ويقول لك معناها ممكن، لا! المسألة ( قد يكون ) لكن هؤلاء البارزين الموجودين سواء في الحوزات العلمية أو في هذه الزوايا وهم مرتبطون بالناس وبالعلماء حينما يتمّ مباحثتهم، حينما يتمّ اختبارهم، نجد بأن الجميع يتوجّه إلى الكيانات العلمية المحصورة فيها الأعلمية.

 

مرجع لكل قرية تضييع للجهود

 

إذن المسألة ليست مسألة مرجعية محلية مرجعية من هذه القرية أو تلك، فقد ذكرتُ قبل سنتين قلتُ: إذا طرحنا هذه المسألة فستكون كارثة، لأنني اليوم قد أطرح مرجعاً في المنطقة الشرقية، ويوم غدٍ سوف يُطرح مرجعٌ للأحساء ومرجعٌ للقطيف، بعد ذلك سيُطرح مرجعٌ للمبرز ومرجع للهفوف، وبعد ذلك مرجع للقرية الفلانية ومرجع آخر للمدينة الفلانية، وبعد ذلك سيطرح مرجعٌ للمحلّة، مع العلم بأن لدينا طلبة علوم دينية في محلّتنا فلماذا نُقلّد غيره؟!

 

وهكذا حينئذٍ، مع أن جهداً جهيداً قام به العلماء ليُوحّدوا المرجعية، بالإضافة إلى أنها حائزة على الشرائط، فالمسألة عندنا ليست مسألة اعتباطية بل المسألة مرتبطة بأدلة فقهية تدل على أن من يجب تقليده، يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط، نعم لدينا في ذلك أدلة فقهية، فقد يكون الدليل الفقهي من القرآن الكريم، أحياناً يكون من الروايات، وقد يكون دليل عقل، أياً كانت المهم أنها أدلة تقول بأن من يجب أن يطرح للمرجعية يجب أن يحوز مجموعة من الشروط، فإذا لم توجد فيه وإن كان ابن بلدتك ومحلتك وقريتك، فإنه ليس مؤهلاً للتقليد، المسألة ليست مسألة بلد أو مكان أو أنه أعرف بوضعنا كما طرح البعض، إذ أن هذه المشكلة قد تقع حتى على الإمام المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، حيث أن الإمام ليس من بلدنا فهو من الحجاز، فهل يجب أن يكون لكل منطقة إمام ولكل منطقة نبيّ بهذا المنطق؟! هذا الأمر غريب!

 

قد يقول أحدهم هذا إمام معصوم أقول الحالة هي نفسها، ونفس الحركة، فالإمام المعصوم يقوم مقامه المرجع، فالمرجع وظيفته مثل الحاكم وظيفته أن يتسقّط أخبار رعيته، يجب عليه أن يعرف مشاكل الأمة في مشرقها وفي مغربها، فعندما نقول أن المرجع يجب أن تتوفر فيه هذه الشروط فهل يعني أنه بعيد عن الأمة وبعيد عن مشاكل الأمة، وأنه إنسان محدود في تفكيره؟ الأمر ليس بهذه الكيفية.

 

 وللأمثلة نكهة أخرى في تاريخ التشيع ويوجد عندنا أمثلة على ذلك كثيرة:

 

ـ كمثال الإمام رضوان الله عليه في مرجعيته.

 

ـ السيد الخوئي في مرجعيته.

 

ـ فلان فلان في المرجعيات، هل كانوا لا يعرفون إلا بيوتهم فقط لا غير؟! أو أن عندهم وكلاء وعبر هؤلاء الوكلاء عندهم طرق أخرى للوصل إلى معرفة مشاكل الأمة.

 

الآن هذا الطرف الذي يطرح هذه المسائل في الأعم الأغلب يضربون مثلاً على وحدة وقوة الكنيسة باعتبار أن لها (بابا) وحداً، ومن ثم يطرحون لنا عدة مراجع لاحظ العقلية هناك وفي كتبهم أيضاً موجود هذا الطرح، أنه لو كانت المرجعية واحدة لكانت أفضل، انظر كمثال للبابا وقوته، وهنا يقول بالمرجعية المحلية وتعددها، وهنا تصير هناك علامة استفهام وعلامة استفهام كبيرة على مثل هذه الأطروحات.

 

أضف إلى ذلك قد يقول شخص : لماذا المرجع يجب أن يكون من منطقة معينة، افرض (إيران) كمثال حاصل الآن في عصرنا الحاضر؟

 

نقول ليس شرطاً من شروط المرجعية أن يكون المرجع إيرانياً، ولا أن يكون عراقياً، في يوم الأيام كان كثير من الإيرانيين يرجعون إلى مراجع من الأحساء، فقد رُجِع في شيراز وحوالي شيراز وكثير من مناطق إيران إلى الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي عليه الرحمة، وأيضاً في مشهد وبعض مناطق مشهد رُجِعَ إلى ( ابن أبي جمهور الأحسائي) رضوان الله عليه، ولم تكن عندهم مثل هذه المشكلة المطروحة اليوم، الطرف الآخر الشعوب الأخرى والأمم الأخرى ليس عندهم هذه المشكلة، لأنهم يرون أن الدين هو الذي يقود الحياة، وهو الذي يقودنا لا أن نقوم نحن من عندياتنا نقود الدين حينئذٍ هذا الأمر الأول.

 

فارسيّ أم عربيّ؟!

 

الأمر الثاني : عندنا نماذج، عندنا الإيرانيون حينما لا يجدون من يحوز شروط المرجعية في إيران، لا غضاضة لديهم أن يذهبوا فيقلدون مرجعاً عربياً، وإن كان ذلك المرجع العربي من منطقة قد تكون ليست كبيرة وليست ذات أثر وليس لها لا وجود اقتصادي ضخم ولا غيره، والدليل على ذلك نجد أن الشهيد الأول رضوان الله عليه كما ذكرتُ قبل عدة أسابيع أنه جاء رجل من جهة الشيخ علي المؤيد للشهيد الأول رضوان الله عليه طلب منه الذهاب معه ليكون مرجعاً في إيران، والشهيد كان مشغولاً وكان لديه مسؤليات فكتب رسالته العملية وأرسلها لهم وهي (اللمعة)، ولم يكن لديهم غضاضة في هذه المسألة.

 

المحقق الكركي رضوان الله عليه أيضاً تم استدعاؤه في القرن العاشر ليكون مرجعاً، حيث يُنصّب مرجعاً عاماً للشيعة بالخصوص شيعة إيران، وليس لديهم مشكلة حينئذٍ.

 

كذلك لدينا في تاريخ المرجعية الشيخ الفتّوني، والشيخ البهائي وأبوه، كل هؤلاء تم استدعاؤهم ليكونوا مشايخ إسلام ومراجع في إيران والإيرانيون ليس لديهم غضاضة أن يقلدوا عربياً أو غير عربي، وإلا الشيخ البهائي قطعاً ليس بإيراني، فهو بهاء الدين العاملي، فهو عامليّ عربيّ.

 

أيضاً قلّد الإيرانيون مجموعة من العلماء في السابق وكانوا عرباً مثل الشيخ جعفر كاشف الغطاء رضوان الله عليه، وقلدوا في العصر الأخير السيد محسن الحكيم رضوان الله عليه، وبعضهم قلّد السيد صدر الدين الصدر، وقلدوا السيد باقر الصدر رضوان الله عليه، وهؤلاء ليسوا إيرانيين.

 

إذن الذي يُحدد سمات المرجع والمرجعية ليست هي الجِنسيّة وليست هي القوميّة وإنما هناك شروط متى ما انطبقت على شخص ما يجب على الناس تقليده، وقد يقال بأن الإيرانيين التبارزة يقلدون التبريزيين، وهكذا هذا غير صحيح البتة، فإنه في حياة السيد الحكيم رضوان الله عليه، يوجد مجموعة كبيرة من كبار علماء فارس وكبار علماء تبريز الذين هم الفرس والآذربيجانيين والأتراك، في زمن السيد الحكيم كان السيد الخوئي عليه الرحمة، والسيد الخوئي تركي، وكان المرجع الأعلى السيد الحكيم، وكان في زمن السيد الحكيم الإمام الخميني رضوان الله عليه فارسي، وكان المرجع الأعلى السيد الحكيم رضوان الله عليه، إذن إذا كان أهل تبريز يقلدون شخصاً من تبريز يقولون هكذا: إن عندنا مجموعة من العلماء انحصرت فيهم المرجعية وتنطبق عليهم كل الشروط حينئذٍ، لذا فنحن نقلد هذا الشخص الذي من بلدنا وأحياناً ليس هو الدليل حقيقة، لذلك لا يصير لخبطة، نعم تقوم عليه البينة على أن فلان أعلم فيقلد.

 

إذن فإذا كُنتُ أنا مكلفاً أحسائياً وأقلد مرجعاً من الأحساء في زمن أبي جمهور أو غيره، فهل معنى هذا أن ابن أبي جمهور أحسائي وأنا قلدته؟ لا بل لأنه انطبقت عليه الشروط فقلدته.

 

والخاتمة تنويه:

 

 لذا ينبغي على الأخوة أن يلتفتوا إلى هذا الجانب، وأن مسألة التقليد مسألة شرعية بحتة، لا تعبثُ بها يد، والمسألة ليس مسألة مُشْتَهيات والمسألة ليست مسألة قرابة ومُحاباة، لا! المسألة أن المرجع هو خليفة الإمام عندنا، والمرجع يقوم مقام الإمام عندنا، وكما أن الإمام هناك له شروط معينة يجب أن تتوفر فيه فيصبح إماماً كذلك بالنسبة للمرجعية عندنا لها شروط.

 

هذا بالنسبة للمرجعية، أما بالنسبة للأمور الأخرى أتصوّر إرجاؤها للأسبوع القادم أفضل من الشروع فيها لأنه لا يوجد هناك وقت كافٍ ، نسأل من الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.