تزامناً مع الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الإمام الخميني(رض) أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق مساء يوم 14/6/2008 ندوتها الفكرية الشهرية الثامنة تحت عنوان: (نصرة الحق والمظلومين في نهج الإمام الخميني) شارك فيها كل من فضيلة الشيخ الدكتور محمد حبش عضو مجلس الشعب السوري ورئيس مركز الدراسات الإسلامية في سورية، وسماحة السيد عبد الله نظام عميد كلية الدراسات الإسلامية في دمشق التي حضرها لفيف من علماء الدين والمثقفين وطلاب الجامعات:

 

سؤال: ما هي الأمور التي تدخل في صياغة الشخصية الإنسانية حتى نأخذ فكرة عن شخصية الإمام الخميني منذ نشأته ؟

 

جواب سماحة السيد عبد الله نظام: العوامل المؤثرة في صياغة الإنسان لها أسباب ولا تأتي من فراغ، بعض تلك الأسباب يرتبط بالبيئة التي يترعرع فيها الإنسان، وبعضها يرتبط بالانتماء الفكري والعقائدي التي يؤمن بها الإنسان، الإمام رضوان الله عليه نشأ في زمن القاجاريين الذي ساد فيه الظلم من قبل الخانات والإقطاعيين على البلاد والعباد والتحكم في أرزاقهم ومعاشهم، وعاصر الإمام حكم رضا شاه والد الشاه المخلوع، حيث حكم البلاد بالسطوة والظلم وفرض الأحكام الجائرة المعادية للإسلام، وكذلك شهدت تلك الفترة من الزمن أحداث الصراع مع المستعمرين الانكليز والروس الذين سعوا لفرض سيطرتهم على بعض من أرض إيران وألحقوا مظالم كثيرة بالشعب الإيراني، هذا من ناحية، أما من الناحية العقائدية فقد نشأ الإمام في بيت العلم والدين فكان والده فقيهاً قد تخرج من حوزة النجف الأشرف، وتبعاً لمسؤوليته الشرعية فقد تصدى والد الإمام لتلك المظالم وذلك الاستبداد ودفع حياته ثمناً لمواقفه تلك.. بعد ذلك استكمل الإمام مسيرته العلمية ومن ثم الجهادية ولاشك ولا ريب أن تلك العوامل شكلت دروساً كثيرة استفاد منها الإمام ولاسيما نصرة الحق والمظلومين وكان لها الأثر الكبير في صياغة شخصيته.

 

سؤال: زرتم فضيلة الشيخ إيران عدة مرات كما أعلم وكذلك زرتم بيت الإمام الخميني، أرجو من فضيلتكم بيان انطباعكم وقراءتكم لشخصية الإمام الخميني وخاصة بعد زيارة منزل الإمام؟

 

جواب فضيلة الشيخ د. محمد حبش: نحن نتحدث عن رجل ترك أكبر البصمات، وأعاد للإسلام اعتباره ونهضته، لقد كان الرجل الأهم في العالم الإسلامي في أواخر القرن المنصرم، فكان في كفاحه الطويل حريصاً على رفع راية الإسلام وكان حريصاً على أن يترك للإسلام مكاناً تحت الشمس، فبعد الإمام الخميني لم يعد مفهوم الدين كما كان يروج بأنه أفيون الشعوب، ولم يعد الإسلام تكايا وزوايا ودراويش، بل أصبح الإسلام مشروع دولة ومشروع ثورة ومشروع نهضة، وعرف العالم أن الإسلام هو أكبر قوة لمناهضة الظلم والاستبداد ونصرة الحق والمظلومين، فلم يشأ الإمام تأجيل حساب الظالمين إلى يوم الحساب بل ساقهم إلى حتوفهم في محكمة العدل.

 

وزيارة بيته المتواضع دليل على تواضعه وهو ذلك الرجل الذي كان يهز العالم بالكاسيتات، وبقي بعد انتصار ثورته كما كان عندما قدّمت له إيران كل ثروتها وذهبها، لكن بريق ذلك الذهب لم يجد له مكاناً في قلبه الحديدي، وغادر تاركاً خلفه تلك الغرفة الصغيرة المتواضعة التي يتوسطها كرسيه الخشبي وشسع نعليه وبعض حاجياته البسيطة، في المقابل زرت قصور الشاه ورأيت الترف والذهب المرصع في كل مكان لكن ذلك لم يغنه عن الحق شيئاً.

 

سؤال: الاستكبار العالمي كان يخشى الإمام الخميني وكثير من المواقف تؤيد هذا الكلام، فما هو السر ؟ ما الذي كان يخيف الاستكبار ؟

 

جواب سماحة السيد عبد الله نظام: ليس المهم أن تقول ولكن الجانب المهم في الموضوع أن تقول وتفعل، أن يحمل الإنسان فكراً وعقيدة ويطبق بصدق ما يحمله على نفسه أولاً ثم يطالب به الآخرين هذا هو المهم وليس أن يقول أنا أنتمي إلى ذلك الفكر أو إلى تلك العقيدة وهو لا يطبق منه شيئاً، فالإنسان يصبح كبيراً في نظر أعدائه أولاً ثم في نظر الآخرين عندما يلتزم بفكره وعقيدته ويكون صادقاً فيما يقول فيمتلك شخصية ثابتة لا شخصية متقلبة مع الأهواء، الإمام الخميني رضوان الله عليه كان من هذا الصنف وهذا هو السبب في خوف أعدائه منه لأنه صادق وكان إذا قال فعل.

 

سؤال: قاد الإمام الخميني لحظة رجوعه إلى الوطن الثورة عن قرب، وخرجت الملايين إلى الشوارع تلبية لنداءاته ولكن في الطرف المقابل كانت السلطة توجه فوهات دباباتها وبنادقها نحو الشعب الأعزل، كيف تقيّمون مواقف الإمام في تلك الفترة؟

 

جواب فضيلة الدكتور محمد حبش: وصف الغرب الإمام الخميني بالرجل الصلب والقاسي، أو بالرجل الحديدي، لكن هل كان كذلك؟، لقد كانت ثورة الإمام ثورة بيضاء حيث نادى بحقن الدماء، والجماهير المليونية التي اندفعت إلى الشوارع بفعل توجيهات الإمام كانت تحمل الزهور لتنثرها على الجنود، في مقابل فوهات الدبابات والبنادق التي تحمل القتل والنار الموجهة نحو صدور الشعب الثائر الأعزل، ودفعت الجماهير من دمها، ولكنها لم تكن لتأخذ قطرة دم من الطرف المقابل.

 

سؤال : ما هو منهج الإسلام في محاكمة المفسدين ؟ وكيف تنظرون إلى محاكمة المفسدين إبان انتصار الثورة الإسلامية في إيران واستحقاق البعض منهم حكم الإعدام ؟

 

جواب سماحة السيد: الأصل في الموضوع هو الموازنة بين الجناية التي ارتكبها الإنسان والعقوبة التي استحقها من جراء قيامه بتلك الجنابة، بالنسبة للإسلام فقد جاء في القرآن الكريم قوله سبحانه: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) وهذا هو منهج الإسلام.. الثورة الإسلامية الإيرانية لم تمر دون دماء، لكنها كانت دماء الشعب، فقد قام الشاه المقبور وسلطته البائدة بقتل /60.000/إنسان من الشعب الإيراني الأعزل وبالتالي فإن على تلك الشخصيات التي أمرت بالقتل أن تتحمل مسؤولية إصدار تلك الأوامر في القتل الجماعي الذي حصل في الشوارع والساحات العامة وهذا أمر طبيعي كفلته جميع الشرائع.

 

سؤال: ما هو تعليقكم فضيلة الدكتور على المصطلحات التي طرحها الإمام الخميني في خطابه مثل (المستكبرين والمستضعفين..) والتي استخدمت اليوم على نطاق واسع ؟

 

جواب فضيلة الدكتور: نعم لم تكن تلك المصطلحات قد استخدمت قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وقد وردت آيات عديدة في القرآن الكريم ذكرت هذه العبارات، وكان المثقفون يستخدمون مصطلح الاستعمار إلا أن الاستكبار كمصطلح يعد تعبيراً أدق وأفضل، وكذلك المستضعفين بدل المستعمَرين.

 

 وأرى أن الإمام لم يقف عند تلك المصطلحات كمجرد شعارات، فقد كان يرى أن من واجبه نصرة المستضعفين، مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ..) ولذلك نجد الثورة الإسلامية دعمت المستضعفين ولاسيما الشعب الفلسطيني فقد طرد السفير الإسرائيلي بعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرة وحوّلت سفارة العدو الغاصب إلى سفارة فلسطين..

 

وكذلك طرح الإمام شعار (إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها) وكان يرى أن لا سلام مع إسرائيل لأنها كيان سرطاني فتاك بدأ بفلسطين ويسعى للفتك بالجسد الإسلامي فلا بد من استئصاله نهائياً، وهذا الشعار ما يزال متوهجاً لدى أبناء الثورة الإسلامية في إيران وهذا ما أكده الدكتور احمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وسيبقى هذا الشعار مطلوباً لأن الكيان الصهيوني هو فعلاً داء فتاك وشعاراته في الفتك واضحة ويمكن الاستدلال عليها على الأقل من خلال شعاراته التي يرفعها على رسم علمه وكذلك من نقش نقوده.

 

سؤال: قسّم الإمام الخميني العالم إلى مستكبرين ومستضعفين.. ونجد أن المستكبرين يملكون الوسائل التي تمكنهم من الاستكبار، بينما نجد المستضعفين لا يملكون إلا اليسير من الوسائل التي تمكنهم من مواجهة المستكبرين، على ماذا اعتمد الإمام الخميني في مواجهته تلك؟

 

جواب سماحة السيد : امتلك الإمام نظرة شمولية في مواجهة الاستكبار عدو الإسلام وعدو شعوب العالم المستضعف كما نجد عدوانه في أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا وغير مكان.. مقابل دعوة الإمام لنصرة المستضعفين بغض النظر عن دينهم وعقيدتهم في كل مكان ضد المستكبرين

 

سؤال: ألا ترى معي فضيلة الدكتور حبش أن تقسيم الإمام الخميني للعالم إلى مستكبرين ومستضعفين علماً أن كلاً من الطرفين يضم أصنافاً من الناس ينتمون إلى مختلف الأديان والمذاهب، ألا ترى أن هذا التقسيم يخلّصنا من أزقّة المذهبية الضيّقة وعصبياتها الضارة؟

 

جواب فضيلة الدكتور: أحسنت لقد صنّف الإمام الإنسان فهو إما ظالم أو مظلوم، ووقف بحزم في وجه الظالم أياً كان، ونصر المظلوم أياً كان دينه أو مذهبه أو اعتقاده، والواقع كما تفضلتم هذا التقسيم يخلّصنا من التعصب الديني والمذهبي حيث ذهب البعض إلى تقسيم العالم إلى فسطاطين فسطاط كفر وفسطاط إيمان فأحيوا بذلك العصبيات المذهبية التي تبعد الإنسان عن التعايش مع أخيه الإنسان.