أجرى الحوار: صبحي مجاهد

 

مجلة الوحدة, العدد: 315, ذي القعده 1429ﻫ

 

تشهد عملية التقريب بين المذاهب حالياًّ اهتماماً كبيراً على كافة الأصعدة الإسلامية لإيجاد حلول نهائية لهذا الصراع المذهبي العارض على الساحة الإسلامية، ومما لا شك فإن توجهات الشخصيات التي تتبنى فكرة التقريب تنعكس آثارها على عملية التقريب السني الشيعي، كما تحمل إجابات على العديد من الاستفسارات الخطيرة والهامة في هذا المجال، وكان هذا هو الهدف من وراء حوار أشبه بحوار مكاشفة مع أحد كبار علماء الشيعة الذين يحملون ملف التقريب داخل إيران، وهو الشيخ محمد علي تسخيري الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية بالجمهورية الإيرانية.

 

 وكان أبرز ما ركّز عليه الشيخ تسخيري خلال حواره هو أنه لا توجد أي أجندات للتشيع تعمل من وراء عمليات التقريب مع السنة، وأن الأمة الإسلامية بحاجة إلى تحويل النزاع والخلاف من الكفر والإيمان إلى الخطأ والصواب.

 

 التوعية قبل التقريب

 

س ـ كثيرًا ما نتحدث عن التقريب بين السنة والشيعة، لكن ما هي المقومات الثقافية التي يمكن بها تحقيق هذا التقارب؟

 

ج ـ أعتقد أننا إذا قمنا بحملة توعية -وهذا من واجب العلماء- بأصول الإسلام الأولى، أي بالأطر التي تجمع الأمة الإسلامية والتي إذا آمن الإنسان بها دخل في هذه الأمة، وأفهمنا الجماهير أن الإسلام بعد هذه الأطر فتح الباب للاجتهاد الإسلامي أن ينطلق للاستفادة من الاجتهادات المختلفة، فإن الجماهير بطبيعة الحال ستتجه نحو الأخوة والوحدة والتقريب في الفكر.

 

 الأمر الآخر هو أنه لا بد من توضيح أن الإسلام يربي المسلم على البحث عن المشترك مع الآخر، حيث يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ فكيف والأمر فيما بيننا نحن المسلمين والمشترك بيننا كبير وعظيم؟، فإذا قمنا بعملية التوعية فإننا سنضمن الاتجاه التقريبي في الأمة.

 

س ـ وهل ثقافة الشعوب حالياًّ سنية أو شيعية يمكن معها تحقيق هذا التقارب؟

 

ج ـ أعتقد أن الثقافة الحالية للشعوب بحاجة إلى جهد كبير للتوعية مما هي عليه الآن من أجل ترسيخ مفهوم التقريب، الأمر الذي يتطلب معه أن تبدأ حركة التقريب مع العلماء والمفكرين؛ لأنهم الأقرب إلى روح الإسلام، فإذا استقرت هذه الحركة بشكل يرسخ معه التقريب في قلوب العلماء فإنهم سينشرون ويكافحون من أجل نشر هذه الفكرة.

 

 كما أن الإسلام هو دين الوسطية والتوازن حتى في تطور الإنسان على الكون، والتوازن في التعامل دون إفراط أو تفريط، فإذا حركنا روح التوازن والوسطية في الأمة فإننا سنمهد لحدوث وترسيخ قضية التقريب على الساحة الثقافية للأمة الإسلامية بشكل طبيعي.

 

 الصراع سياسي.. لا طائفي

 

س ـ  إذن ما هي الأسباب الرئيسية وراء تأجيج الصراع الثقافي المذهبي سنة وشيعة على مستوى المسلمين من وقت لآخر؟

 

ج ـ أرجع ذلك أحياناً إلى التآمر الخارجي خصوصاً والذي ينبع من الاستعمار الذي يحاول أن يرابط على أرض تلك الأمة، لكنه ابتلي بنكسات فحاول أن يحرك قضايا أخرى لينسي الأمة عدوها الحقيقي ويجرها إلى عدو وهمي، وأحياناً توجد نزاعات سياسية.

 

 الأمر الثاني وراء تأجيج الصراع الطائفي للأمة هم السياسيون أصحاب المصلحة، حيث إن منهم لكي يحقق أهدافه يرجع النزاعات السياسية إلى حالات الطائفية وهذا ما يجري الآن في لبنان، فالنزاع الجاري في لبنان سياسي محض، ويوجد في هذا الطرف سنة وشيعة ومسيحيون، وبالتالي فالصراع ليس مذهبياًّ أو طائفياًّ، لكن يحاول البعض إلباسه ثوب الطائفية.

 

 س ـ قلت إن العلماء هم الأجدر لنشر ثقافة التقريب بين المذاهب على مستوى الشعوب، لكن ما الوضع إذا كان الخلاف قائماً بين العلماء؟ وكيف يمكن أن نرفعه؟

 

ج ـ هذا الخلاف يمكن مواجهته عندما نعمق ثقافة الحوار الإسلامي التي تؤكد أن الاختلاف في الفكر يجب ألا يترجم باختلاف الموقف كما كان الصحابة يختلفون، وأئمة المذاهب التي كانت بينهم اختلافات واسعة، لكن كل هذا الاختلاف يتم في إطار الحب، وفي إطار الموضوعية، وفي إطار الحقوق الإسلامية المشتركة.

 

 وأعتقد أن الاختلاف المذهبي يشكل غنى حضاريًّ ا للأمة، وتعدد الآراء في المجتمع يشكل رحمة إلهية، فإذا تعددت الآراء فإن الدولة تستطيع أن تتخير أصلح الآراء ما دامت كلها شرعية لتحقق مصلحة الأمة، إلا أنه لا بد أن نتعلم لغة الاختلاف، وأسلوبه، وهذا ما يسميه علماء الأمة السابقون علم الخلاف الذي له ضوابط، فيجب أن يتفق المتحاوران على الأصول الحوارية، وأن يتفقا على احترام كل منهما للآخر، فالقرآن الكريم يعلم هذه اللغة فيقول للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ عندما يجتمع المتحاوران عليهما أن يذكّرا بعضهما البعض على عدم الدخول في جزر منعزلة والتركيز فقط على محور النقاش، فإذا اتبعنا القرآن في نظريته الحوارية أدركنا أن علم الخلاف هو لصالح الأمة وليس ضدها.

 

 هل العلماء طائفيون؟

 

س ـ وما أسباب الصراع المذهبي والطائفي بين العلماء؟

 

ج ـ لا أجد أن هناك صراعاً بين العلماء الواعين سنة وشيعة، لكن هناك بعض العلماء المتزمتون أو المتطرفون، وهؤلاء سوف يسيرون إلى الخط العام في مسألة التقريب في النهاية، وأعتقد أن بعض العلماء التكفيريين عندما يصرحون بنواياهم وفتاواهم لا يدركون مصالح الأمة بكاملها، وأعتقد أن التيار العام سيعيدهم للمسيرة الصحيحة.

 

 س ـ هل توجد أسباب بعينها وراء إخفاق محاولات التقريب بين السنة والشيعة؟

 

ج ـ نعم هناك أسباب كثيرة، من أهمها التآمر الخارجي، فالعدو لا يرضى لنا أبداً أن نتحد ونسمو على خلافتنا، وكذلك التطرف الذي يحدث عند بعض علمائنا، فهذا التطرف يسوقنا إلى عواقب وخيمة ويسوقنا إلى التكفير، وعندما ندخل في التكفير فحينئذ نبتعد كثيرًا عن بعضنا، ويجب أن ننقل نزاعنا من الكفر والإيمان إلى الخطأ والصواب، وهو ما أكده أئمتنا من قبل قائلين «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». فهذه اللغة يجب أن تسود علاقتنا، وأعتقد أن القيام ببعض المستفزات هنا وهناك، والتطرف والجهل كلها عقبات أمام تحرك قضية التقريب إلى الأمام.

 

 حوارات المكاشفة

 

س ـ هل تعتقد أن حوارات المكاشفة بين علماء سنة وشيعة تعُدَ خطوة هامة على طريق التقريب المذهبي، أم تؤجج الخلاف المذهبي؟

 

ج ـ هذه الحوارات بلا ريب تؤصل التقريب، لكن ينبغي أن تكون هذه الحوارات مذاعة على مستوى إعلامي، ويجب أن تكون أكاديمية ويدخل الجميع الحوار بروح الموضوعية، وحينئذ سيكتشفون أن كثيرًا من الخلاف لا واقع لها.

 

 س ـ هناك دعوات تخرج من عباءة التقريب كان من اللافت منها دعوة توحيد المساجد السنية الشيعية، فما تعليقك على هذه الدعوة؟

 

ج ـ أؤيد هذه الدعوة، وأنصح ألا يكون المسجد ذا صبغة شيعية أو سنية؛ لأن المسجد لله ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾، وأنا من أنصار أن تكون المساجد لجميع المسلمين على جميع فرقهم وطوائفهم بما يدعم تواصلهم ووحدتهم.

 

 س ـ شهدنا في زيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي تفعيلاً للجنة التقريب بين المذاهب من القاهرة، فما أهمية إيجاد لجان للتقريب ب ني المذاهب في تحقيق فكرة التقريب المذهبي؟

 

ج ـ اللجان هي وسائل لدعم فكر التقريب، وهي نقاط انطلاق وأدوات لتحريك القضية، ولكن ليس فيها الكفاية، فإيجاد دور ولجان ومجامع التقريب، والندوات العلمية المشتركة بين السنة والشيعة وكل المذاهب سيؤدي إلى تعرف البعض على البعض الآخر، وبالتالي الوصول إلى علاقات مشتركة.

 

 س ـ ألا تعتقد أن استخدام لفظ الآخر بين السنة والشيعة يعمق الهوة المذهبية بين الطرفين؟

 

ج ـ كل إنسان يستطيع أن يصف الفرد المسلم بأنه الآخر الذي هو بمعنى غير الذات، وعادة نأخذها على مستوى الدين فيصبح غير المسلمين هم الآخر، وعادة يستخدم لفظ الآخر على مستوى الأديان، فيصبح أتباع الأديان السماوية هم الأنا وأتباع الأديان الأخرى هم الآخر، والواقع أن الآخر وفهمه طبعاً لطريقة تفكير من يطلق اللفظ، فلا بد أن أفهم من أنا حتى أحدد من الآخر.

 

 أجندات التشيع

 

س ـ هناك من يرى أن الدعوة إلى التقريب تنطلق من أجندات خاصة بالتشيع، فما ردكم على ذلك؟

 

ج ـ التقريب في الأصل انطلق من بلاد السنة وبالتحديد من القاهرة؛ وذلك لأن التقريب هو في صالح الأمة الإسلامية كلها وليس لصالح مذهب دون مذهب، ومتى كانت هناك محاولات بأي وسيلة لتغليب مذهب على مذهب أو لتسريب مبادئ مذهب إلى مذهب آخر، أو لحذف مذهب لغيره، أو حتى لتذويب المذاهب بعضها في بعض فإن ذلك كله يعَُد اتجاهًا منحرفًا، ويجب الوقوف ضده.

 

 إن التقريب في أصله يهدف إلى أن يحتفظ كل مذهب بخصائصه بشكل كامل، ثم يبحث المذهبان عن المساحة المشتركة فيما بينهما وهي كبيرة.

 

 س ـ وما الذي يمكن أن يقوم به علماء الشيعة من خلال رسالة التقريب لمواجهة من يرى أن هناك دعوة لإعادة وجود دولة فارسية في العالم الإسلامي ينتهي معها الوجود السني؟

 

ج ـ أنا لا أعلم أي طائفة شيعية حتى ولو كانت صغيرة تدعو لوجود دولة فارسية أبداً، وأنا أعيش في كل المنطقة، ونعم هناك دعوات لأن تتحد الدول التي تنطق باللغة الفارسية، وهذه دعوة لا أعتقد أنها غريبة أو تستهدف شيئًا، وهي مثل الدعوات التي تطالب بتوحد الدول التي تنطق باللغة العربية، فكل هذه الأمور من أساليب التجمع، ولا أظن أنها تستهدف الدولة الواحدة.

 

 السياسة والتقريب

 

س ـ ما مدى تأثير العلاقات بين الدول على التقريب بين السنة والشيعة؟

 

ج ـ لا ريب أن العلاقات السياسية إذا كانت منسجمة، وكان القادة في العالم الإسلامي على وعي بالأخطار التي تحيط بالأمة، فهم بلا شك يشجعون التقريب، ومن الخطوات الجميلة هو ما اتخذه القادة المسلمون في مؤتمرهم الأخير في مكة المكرمة من جعل التقريب بين المذاهب جزءًا لا يتجزأ من الخطة العشرية للدول الإسلامية، وأعتبر أن هذه خطوة إيجابية بشكل كبير في إحداث التقريب بين المذاهب.

 

 س ـ هل تعتقد أن السعودية وإيران من الممكن أن يكونا من هذا المنطلق شريكان في التقريب بين السنة والشيعة؟

 

ج ـ لا ريب في هذا، فالسعودية تمثل دولة أسلامية كبرى فاعلة، وكذلك إيران ومصر، فهذه الدول يبتدئ بها من أجل تأصيل التقريب؛ لأنها دول مؤثرة في الصعيد الإسلامي، وعلى كل من هذه الدول أن تقوم بما يلزم في مجال التعاون لتحقيق هذا التآلف.