أكد فيصل جلول الباحث السياسي في الشؤون العربية أن الحل المنطقي للازمة البحرينية يتم عبر إصلاحات سياسية تلبي مطالب المحتجين، وأن المليارات التي بذلها مجلس تعاون الخليج للبحرين لن تحل المشكلة الناجمة أصلا عن التمييز المذهبي بين المواطنين البحرينيين.

 

ولاحظ جلول أن السلطة المطلقة تتهاوى أمام اندفاع الجماهير العربية وأن الملكيات العربية شانها شأن الجمهوريات، ليست محمية من شوارعها حتى تنجو السلطة في البحرين من الإصلاح الذي يطبق في مصر، وتونس، واليمن، وغيرهم.

 

وقلل الخبير جلول من أهمية التوتر الإيراني السعودي حول البحرين معتبرا أن المشكلة هي بين البحرانيين ودولتهم ولا شأن للغير فيها.

 

وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه موقع المنار مع الباحث في باريس.

 

حاوره نضال حمادة

 

* كيف تصف خريطة القوى الاجتماعية والسياسية في البحرين؟

 

يعتبر المجتمع البحريني من أعرق وأقدم المجتمعات الخليجية وهو يتشكل في أصوله من فروع قبلية عربية ومن إثنيات استعربت واندمجت في هذا المجتمع، وعلى رأسها الفرس، والبلوش، والباكستانيين، والهنود وغيرهم، وقد انضم إلى هؤلاء حديثا بحرينيون من حملة جنسيات عربية مختلفة أبرزها الأردنية والعراقية. ويمكن القول عموما أن المجتمع البحريني قد تشكل من هجرات متدرجة زمنيا بما في ذلك العائلة الحاكمة التي تعود في أصولها إلى قبيلة العتوب المقيمة إلى الجنوب من نجد في شبه الجزيرة العربية، وقد هاجر أبناؤها إلى ساحل الخليج واستقروا في نواحيه المختلفة ومن ثم حكموا الكويت، وقطر، والبحرين، وآخرهم في الأرخبيل هو الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

 

وتجدر الإشارة إلى أن النزاع حول هوية البحرين قد حسم مع استقلال هذه الدولة التي صوت أهلها على الانتماء إلى العروبة، ومنذ ذلك الحين ما عادت هويتها محل نزاع مع إيران التي اعترفت بالأمر الواقع، بيد أن بعض المسؤولين الإيرانيين من ذوي الرتب الدنيا كانوا يؤكدون بين حين وآخر على أنها محافظة إيرانية ردا على البيانات العربية المطالبة بالجزر الإماراتية، لكن الحكومة الإسلامية في طهران كانت تنفي تلك المزاعم وتؤكد على قانونية اعترافها بعروبة البحرين وتعتذر عن تلك التصريحات.

 

 وفي الجانب الرسمي البحريني، كان تجنيس بعض مواطني الدول العربية لاسيما من الأردن، والعراق، والمغرب الأقصى، يذكر بالنزاع حول هوية الأرخبيل فضلا عن انه يثير حفيظة الغالبية الشيعية من السكان الذين يظنون أن هذا النوع من التجنيس ينطوي على نية مضمرة بخوض معركة مذهبية ـ ديموغرافية معهم من جهة وتصنيفهم في الخانة الإيرانية والشك في ولائهم لبلادهم من جهة أخرى.

 

* هل تنعكس هذه الخريطة على الصراع السياسي في هذا البلد؟

 

بطبيعة الحال. فالحكم في البحرين يدافع عن سلطته الملكية المطلقة بتخويف أنصاره مذهبيا وبتخويف دول مجلس التعاون من أن كل تعديل جوهري في النظام سيكون مفيدا للأكثرية الشيعية ومضرا بالأقلية السنية وأنه يمكن أن يطال الشيعة في مجمل البلدان الخليجية.لا بل إن بقاء عم الملك الحالي في منصبه لأكثر من نصف قرن يبرَّر بهذه الحجة، وذلك على الرغم من صورة العم القاتمة في تقارير منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية.

 

من جهة أخرى، تبدو المعارضة البحرينية ذات أكثرية غالبة في أوساط الشيعة لأسباب ديموغرافية وليس مذهبية، علما بأن الموجة السابقة من المعارضة في الستينات والثمانينات كانت ماركسية وعلمانية عقائدياً وشيعية سوسيولوجيا، وبالتالي ما كان يجب إثارة العامل المذهبي. إلا أن المسألة في عرف الحكومة هي استبعاد الشيعة كجماعة مذهبية واجتماعية في آن معا. بيد أنه لا مناص من الاعتراف بان الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة بادر منذ مطلع الألفية الثالثة إلى تطبيق إصلاحات أساسية في البلاد شكلت منعطفا جديا في العلاقة بين البحرينيين من مختلف الطوائف. وقد أدت هذه الإصلاحات إلى عودة  القسم الأعظم من المعارضين البحرينيين من الخارج، وتشكيل جمعيات سياسية معارضة، والسماح لهم بالدخول إلى البرلمان، ومنح عدد من قيادات المعارضة وظائف رفيعة، والسماح لهم بإصدار صحف وتشكيل منتديات  وكل ذلك كان محرماَ قبل العام 2001.

 

* هل نفهم من كلامك أن المعارضة البحرينية شيعية حصراً وأنها خاضعة لتنظيم واحد يقودها ويحدد مصيرها؟

 

لا، أبدا. فحتى "تجمع الوحدة الوطنية" الذي يدعم النظام والذي يتشكل من شخصيات ورجال دين سنة، يطالب بإصلاحات سياسية في نظام الحكم، وهناك أيضا شخصيات سنية رفيعة المستوى ما برحت تنتمي إلى المعارضة وتعتمد خطابا سياسيا حادا تجاه النظام، غير أن الأغلبية العددية الشيعية في البحرين هي التي تجعل كل خطاب معارض يبدو وكأنه شيعي، وكل خطاب موال يبدو وكأنه سني، وفي ظني أن هذا التصنيف مضر بالمعارضة وليس بالسلطة لأنه يوحي بأنها معارضة غير وطنية وأنها "إيرانية" علما بأن المعارضين وقفوا بقوة إلى جانب بلادهم في الخلاف مع قطر حول جزر حوار، ناهيك عن أنهم يفخرون بعروبتهم دون أن يتبنوا بالضرورة الدعوات العنصرية ضد الفرس أو أن يسيروا خلف الأصوات العنصرية الواردة من ضفة الخليج الأخرى.

 

ودعني أشير هنا إلى أن الشيعة لا يصرون على ربط مواقف المسلمين السياسية ربطا مذهبيا، ولو أرادوا أن يفعلوا ذلك لبادروا إلى ربط اتفاقات كامب ديفيد بالسنة ومعها اتفاقات أوسلو، فضلا عن استقرار الحلف الأطلسي في دول سنية المذهب، فالربط في هذه الحالة مسيء للإسلام والمسلمين ولا يعبر عن الانتماء إلى المذهب السني، الأمر الذي ربما يستدعي إخراج الموضوع الشيعي - السني من هذه الدائرة، والحكم سياسيا وليس مذهبيا على مواقف الشيعة والسنة أو فئات منهم هنا وهناك كلما استدعى الأمر نقاشا من هذا القبيل.

 

* اسمح لي أن أعود إلى المعارضة البحرينية. ما هي طبيعتها وأهدافها؟

 

يمكن تقسيم المعارضة البحرينية إلى اتجاهين رئيسيين وفقا للمسميات المحلية فقسم منها ينضوي في يسمى محليا بتيار "المسايرة" وتتصدره "جمعية الوفاق الوطني"البحرينية التي يديرها الشيخ علي سلمان ويعتبر الشيخ عيسى أحمد قاسم مرشدها الروحي بحسب وثائق ويكيليكس، وهي ممثلة بـ 18 نائبا في البرلمان استقالوا مؤخر احتجاجا على مجزرة دوار اللؤلؤة، ويسعى هذا التيار إلى التحاور مع الحكم ويكافح ضد الانقسام المذهبي. وهناك التيار الآخر الذي يعرف بتيار "الممانعة" ويقوده "التحالف من أجل الجمهورية في البحرين"، وقد تأسس هذا التيار مطلع العام الجاري وهو يرفض الملكية ويطالب بإلغائها وإقامة الجمهورية. ويضم هذا التيار "حركة حق" التي أسسها المعارض حسن مشيمع الذي انشق عن جمعية الوفاق عام 2005، ورفض المشاركة في اللعبة البرلمانية. ويضم التحالف أيضا تيار "الوفاء الإسلامي" الذي رفض بدوره المشاركة في العملية السياسة البحرينية. ويرأس هذا التيار عبد الوهاب حسين، الوجه المعروف في معارضة التسعينيات. وأخيراً "حركة أحرار البحرين"، وهي أقدم تنظيم معارض يرأسه سعيد الشهابي الذي مارس المعارضة طويلا من الخارج. ويعتبر "التحالف الجمهوري" الطرف الثاني في أهميته بعد "جمعية الوفاق" التي تختلف عنه في مطالبتها بملكية  دستورية، وبالتالي تغيير دستور العام 2002 وإقالة الحكومة الحالية كمقدمة للتحاور مع السلطة.

 

* في الحالتين يبدو أن المعارضة تريد إسقاط النظام فهل هي قادرة على إسقاطه؟

 

في  كل الأحوال، ربما يتوجب إدخال إصلاحات جذرية على هذا النظام. إذ إنه من الصعب إقناع الناس بأن 500 فرداً من الأسرة الحاكمة يستحقون الوظائف العليا والأساسية في البلاد، فيما الشعب بطوائفه المتعددة غير جدير بأي من هذه الوظائف. ومن الصعب إقناع الناس أيضاً بأن الدولة محقة في طلبها من المستشفيات عدم استقبال الحالات الطارئة من المحتجين تحت طائلة الصرف من الخدمة.

 

ومن الصعب إقناع الناس كذلك بأن كل منتسبي أجهزة القمع والاستجواب والتعذيب يجب أن يكونوا من المجنسين السنة وان زبائنهم يجب أن يكونوا على الدوام من الشيعة أساساً ومن السنة أيضاً. ومن الصعب إقناع الناس بان من واجب الدولة العربية المسلمة في البحرين أن تنتهج سياسة طائفية ديموغرافية سافرة في تجنيس طالبي الجنسية. ومن الصعب إقناع الناس بأنه يتوجب إسقاط مبارك لأنه بقي ثلاثين عاما في الحكم بينما لا يجوز إسقاط رئيس وزراء البحرين الذي يحتل منصبه منذ نصف قرن. ومن الصعب إقناع الناس بان الضابط الاسكتلندي البريطاني (يان أندرسون) مخترع أساليب التعذيب في البحرين لا يستحق إجراء تحقيق جدي حوله على خلفية جرائمه وممارساته البوليسية عبر لجنة تتولى المصالحة والمسامحة. ومن الصعب إقناع الناس بهذا النوع من التسلط الجدير بالانتماء إلى القرون الوسطى، فما بالك بفرضه عليهم وبالإصرار عليه بحجة الخوف من المجوس والفرس وغير ذلك من الخزعبلات.

 

وتبقى الإشارة إلى الدعوة العلنية التي وجهها "مولاي هشام ابن عم الملك المغربي محمد السادس والشخصية الثالثة في الحكم بعد ولي العهد "مولاي رشيد" والتي طالب فيها بملكية دستورية في بلاده لأنه يدرك أن عصر الملكيات المطلقة كما عصر الجمهوريات المطلقة قد ولى إلى غير رجعة. وما يصح على المغرب الأقصى بلسان ملكي متنور يصح على البحرين بلسان المعارضة من مختلف المذاهب والأطياف.

 

* هل تعتقد أن القوات السعودية جاءت إلى البحرين من اجل حماية هذه الأساليب؟

 

لا يمكن للقوات السعودية أن تحمي هذه الأساليب؟ ما الذي يمكن أن يفعله ألف جندي أو خمسة أو عشرة آلاف في مواجهة شعب قرر ألا يعيش في ظل نظام يحرم معظم أفراده من دخول الجيش والسلك الدبلوماسي والوظائف العامة لأسباب مذهبية وعرقية. لا يمكن للقوة العسكرية أن تحمي نظاما يأمر سيارات الإسعاف بعدم نقل المصابين في تظاهرات احتجاجية، كما لا يمكن لآلاف الجنود أن يحموا نظاما يحكم على شعبه بالبطالة لسبب مذهبي وليس اقتصادي.

 

* ولكن مجلس التعاون الخليجي صرف عشرة مليارات دولار لمعالجة الأزمة البحرينية، فهل تظن أن هذه المليارات قادرة على تفادي الثورة البحرينية؟

 

 لا أستطيع الإجابة بدقة عن هذا السؤال لأنني ببساطة لا أعرف كيف ستصرف هذه المبالغ الضخمة بالقياس إلى حجم السكان في البحرين، وما إذا كانت سترفع من مستوى معيشة البحرينيين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي. لكن رغم ذلك يمكنني القول إن الحل المالي للازمة البحرينية هو كالحل العسكري ينطوي على مهدئات ظرفية. الشعب البحريني ناضل طويلا من أجل نيل حقوقه قبل الثورات العربية وسيناضل بعدها وهو لم يخشى من قبل من الأسطول الأمريكي الخامس المقيم في هذا البلد ولا أظنه سيقايض حقوقه الأساسية بحفنة من الدولارات أو خوفا من آلاف الجنود الخليجيين أو الأمريكيين.

 

* هل تخشى من صراع إيراني ـ سعودي في البحرين؟

 

 لا أخشى من صراع كهذا، لكن في الوقت نفسه لا اعرف لماذا يراد استدراج إيران إلى البحرين، وما شأنها في قضية خلافية بين الشعب البحريني وحكومته؟ لا أظن أن إيران تريد التدخل في الشؤون الداخلية البحرينية، وقد سبق لها أن اعتذرت لحكومة البحرين عن تصريحات سيئة أدلى بها موظف إيراني متحمس.

 

 من جهة ثانية قالت المملكة العربية السعودية أنها تدخلت في البحرين وفق الاتفاقيات المبرمة بين دول الخليج وأنها لا تكنّ العداء لإيران ولم ترسل قواتها العسكرية لرد خطر إيراني مزعوم، ناهيك عن أن حجم القوات المرسلة إلى البحرين لا يوحي بان السعودية تريد مجابهة إيران. اغلب الظن أن هذه القوات جاءت لتدعم(معنويا) السلطة البحرينية التي أصيبت بهلع حقيقي جراء تساقط النظامين المصري والتونسي وتهديد النظام الليبي والأردني بالسقوط ..الخ. ولعل إرسالها تم في إطار سياسة العصا والجزرة التي تعتمدها المملكة السعودية أي ألف جندي وعشرة مليارات دولار، ولكن يبدو لي أن العصا في هذه المعادلة صغيرة جديدة ورفيعة للغاية مقابل الجزرة السعودية العملاقة.

 

* لقد استبعدت الحل العسكري والحل المالي للازمة، والسلطة البحرينية لا تريد الحل الإصلاحي فكيف سيكون مصير هذه الأزمة؟

 

ما دام الحديث يدور حول ثورة عربية راديكالية وإصلاحية فمعنى ذلك أن على النظام في البحرين، كي يتجنب الحل الراديكالي، أن يبادر إلى الحل الإصلاحي. وهذا الحل يبدأ بالتغيير الحكومي وبالتخلي ولو تدريجيا عن التمييز المذهبي في الوظائف، ومجمل أجهزة الدولة، وسوق العمل، والتربية والتعليم وغيرها. إن بلدا يخشى من التدخل الأجنبي في أوساط مواطنيه عليه أن يعاملهم معاملة المواطنين لا أن يدفعهم دفعا إلى أحضان الخارج، وعليه أرى أن الملكية الدستورية ربما تكون الحل الملائم للازمة البحرينية ولكل الأنظمة الملكية المطلقة في العالم العربي.

 

وهذا الحل يتناسب مع تيار "المسايرة " البحراني الغالب، وعبر هذا الحل يمكن  سحب البساط من تحت أقدام تيار الممانعة الذي يريد إرسال آل خليفة إلى التقاعد وتطبيق النظام الجمهوري الذي يقطع دابر الامتيازات ولا يعترف بالممتازين بالولادة والإرث.